«وطن على حافة الرحيل» لمحمد الشوبي
بهذه الإضمامة الشعرية التي وسَمها الكاتب، والمسرحي، والشاعر محمد الشوبي بعنوان "وطن على حافة الرحيل"(1)، يواصل سبره لأغوار الأجناس الأدبية المختلفة. فقد استهل إصداراته أوّلا بالسرد، في مجموعته القصصية "ملحمة الليل" (2014)، وثنّاها بمسرحية "حر الغرام" (2017)، وتخللَتها مقالات صحافية في الفن، والسياسة، والإعلام، هو الآن بصدد جمعها وإعدادها للطبع في كتاب. ولعل هذا التجوال بين الفنون الأدبية مرده إلى طبيعة شخصية الشاعر، التي نراها دائمة الترحال بين الفضاءات والأمكنة المختلفة، داخل الوطن، وخارجه، كما تنمّ عن ذلك التذييلات التي يوثِّق بها كل قصيدة. قصائده كُتِبت في مدن مختلفة، بعضها ذات رصيد حضاري وثقافي معروف، وأخرى تعيش على الهامش، فنفخ فيها من روحه، وبعث فيها الحياة بدفء كلماته، ونسغ أشعاره. ولئن استأثرتْ بعض المدن بأكثر من قصيدة في الديوان، وأوحت للشاعر بالكتابة عنها، وفيها، فلأنها، دون شك، تركتْ في وجدانه أثرا، وأشعلتْ بداخله فتيل الإبداع، وألهَبتْه بحرقة الكتابة.
وقبل تجاوز الحدود إلى داخل الوطن الموشِك على الرحيل، حسب توصيف الشاعر، تستوقفنا جملة من العتبات، بما هي نصوص موازية (2)، لا يمكن الدخول إلى المتن دون المرور بها. إنها إشارات دالة يمكن أن تسعف القارئ بإضاءات تكشف حجب التشويش التي قد تعتري قراءته للمتن، فهي بمثابة سياج يحيط به من الخارج، وينفتح عليه من الداخل.
1 - الغلاف:
يمثل الغلاف عتبة أولى، لا بد من المرور بها، بل والوقوف عند مكوناتها، لاستكمال المعرفة الأولى بالكتاب. إنه المدخل الأول والضروري، فلا نكاد نتصور كتابا دون غلاف، كما لا يمكن أن نتصوّر بيتا دون باب. وهو أول ما يَلفِت النظر، قبل أن تقوم العين بفحص ما يشتمل عليه من مشيرات.
يتكون غلاف ديوان "وطن على حافة الرحيل"، من خمس وحدات غرافيكية، ستُرخي بظلالها على المتن، وتفتح أمام المتلقي آفاق القراءة، وتمدّه بما يمكن أن يساعده على ملء البياضات التي تركها الشاعر لذكاء القارئ، وحذقه، ونجاعة عُدته التحليلية، والنقدية. وهذه الوحدات هي:
أ -العنوان: وبه يُعرَف الكتاب، ولأهميته فقد يَغلب أحيانا على اسم صاحبه. وقد أشار البطليوسي إلى أن العنوان مشتق من العناية(3). لذلك يحرص المؤلفون على إيلائه عناية خاصة؛ لأنه بمثابة "الثريا"(4) المعلقة فوق المتن، والتي تضيء سائر جنباته. وقد جاءت جملة العنوان في ديوان محمد الشوبي موزعة على سطرين، انفردت بالسطر الأول كلمة "وطن"، مكتوبة بخط عريض، بينما كُتِبتْ بقية الجملة في السطر الثاني، بخط عريض أيضا، ولكنه أقل من الأول. فما دلالة هذا التوزيع على سطرين؟ هل اقتضت ذلك إكراهات التصفيف، وتقنية الإخراج من لدن الناشر، أم هي رغبة الشاعر وقصده، يستضمران إيحاءات معينة؟
إن الفراغ الذي يَعقُب كلمة "وطن" هو المعادل الرمزي للوقوف على الحافة. لذلك لا يمكن أن نتصور، في هذه الجملة بالذات، أن تُكتَب كلمة أخرى إلى جانب "وطن"؛ لأن المعنى الذي يقصده الشاعر سوف يختل، لو أُتبِعتْ كلمة "وطن"، مباشرة، بكلمات أخرى تعضدها، وتنأى بها عن الحافة. ومن ثَمّ تبدو المساحة البيضاء التي تشغل ما بعد كلمة "وطن" وكأنها، على امتداد ما تبقى من السطر، حافة مَهولة، تشرف على مصير مجهول، ينفتح على كل الدلالات المحتملة التي يوحي بها لفظ "الرحيل". وكأني بالشاعر يقيم مسافة بينه وبين الحكم المتضمّن في الجملة، حين تحدّث عن مطلق وطن، دون أن يقيّده بتعيين خاص. فورود "وطن" في صيغة نكرة، يجرّده من قوة التعريف، ولا يضفي عليه صفة الانتماء، ويجعله خارج نطاق التعيين. وهو بوقوفه على الحافة يستتبع، بالضرورة، وجوده في حال من الضعف والهوان، يترجمه، من الناحية الشكلية، قلة حروفه.
ويتشكّل العنوان، تركيبيا، من جملة اسمية، فيها خبر (وطن) لمبتدأ محذوف تقديره (هذا)، وجار ومجرور ومضاف إليه (على حافة الرحيل). والجملة من الجار والمجرور والمضاف إليه في محل رفع صفة للخبر. والجملة الاسمية، في عُرف النحاة والبلاغيين دالة على الثبات والاستقرار، ومن ثم هذا التعالق بين سطري الجملة في العنوان، كتعالق الصفة والموصوف. فالموصوف (وطن) تلازمه الصفة المستوحاة من جملة السطر الثاني (على حافة الرحيل).
وعلى المستوى الدلالي فإن الجذر اللغوي لكلمة "الوطن" من فعل "وَطَنَ". قال ابن منظور: "وَطَنَ بالمكان وأوْطَنَ أقام... والوطن المَنْزِل تُقيم فيه، وهو مَوْطِن الإنسان ومَحلّه."(5) ثم اتسع مفهومه، اصطلاحيا، ليدل على البلد الذي ينتمي إليه المرء، ويكتسب منه حقوقا، ويمارس فيه واجبات، ويحصل على جنسيته.
أما الحافة فقد كان استعمالها في لغة العرب القدامى غير مطّرد،(6) كما أنها لم ترد بهذه الصيغة في المعاجم القديمة(7). وهي تحيل في حقولها الدلالية على الخطر، واحتمال السقوط، والتردي، والهلاك الوشيك. إن من يقف على الحافة مهدد، في كل لحظة، بالانزلاق إلى الهاوية، والوقوع في الكارثة. وتعظم المأساة، وتشتد المصيبة، حين يكون الواقف على الحافة هو وطن بقضِّه وقضيضه، بمجده وتاريخه، بآماله وتطلعاته.
وتحيل كلمة الرحيل في دلالتها المباشرة على السفر، والانتقال من مكان إلى آخر. عرّفه ابن منظور بقوله: "الرحيل اسمُ ارتِحالِ القوم للمسير".(8) ثم اكتسبت الكلمة، بعد ذلك، بحكم التوظيف المجازي، معاني إضافية، من قبيل الذهاب، والغياب، والموت... إلخ. وهو ما يجعل اللفظة مشحونة، على الدوام، بمشاعر الحزن، والبكاء، والإحساس المأساوي بالفراق والانفصال.
ب-التجنيس: في دائرة سوداء صغيرة، أسفل العنوان، جاء تجنيس هذا العمل تحت باب شعر. كلمة مكتوبة بلون أبيض على خلفية سوداء، وكأن الشاعر، بدلالة هذين اللونين في الموروث الشعبي، يضرب الأبيض في الأسود، ويوثِّق عقد قران بينه وبين هذا الجنس الأدبي. قِران أفرز هذا المولود البِكر، الذي حبلت به رحِم القصيدة زهاء عقدين من الزمن (بين 1997 و2016). وهي فترة مخاض عسيرة مرّ منها إصدار هذا الديوان الأول بعد تردد طويل من الشاعر، وتأجيلات متكررة، تَحكّم فيها ما هو ذاتي، وما هو موضوعي.
ج-اسم الشاعر: كُتِب اسمه بخط كبير، وبلون أسود: محمد الشوبي. وبالصفحة الداخلية للغلاف جانب من حياته. فهو من مواليد مدينة مراكش سنة 1963، وخريج جامعة القاضي عياض بها. مارس المسرح ضمن فرق الهواة، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي، والتنشيط الثقافي فور إنشائه سنة 1986. ويشتغل، إلى الآن، في مجال التمثيل المسرحي، والتلفزي، والسينمائي. وهو نموذج الفنان المثقف، الذي يبصم وجوده الوازن، والمشاكس، في شتى المحافل الفنية، والثقافية، والإعلامية.
د-اللوحة: تحتل اللوحة معظم الجزء السفلي من الغلاف، مستأثرة بذلك بمساحة لا تقل من حيث أهميتها عن مساحة الخط والكتابة. إن المسكوت عنه في هذا التوزيع بين الكلمة واللوحة، هو أن الخطاب البصَري يمكن أن يحمل رسائل، وبيانات، لا تقل من حيث بلاغتها، وفائدتها، وأهميتها عن الخطاب اللغوي. بل إن هذه اللوحة، بامتدادها على دفّتي الغلاف، الأمامية والخلفية، تؤكّد حضورها اللافت، وقدرتها على منافسة اللغة، وتحقيق التكامل معها. وليس اعتباطا أن يكون تصميم الغلاف وإخراجه، برؤية فنية ثاقبة، لشاعر، ورسام، وناقد فني متمرس، هو عزيز أزغاي. كما أن اختيار هذه اللوحة بالذات، لم يأتِ اعتباطا، أو من باب المصادفة، بل يحمل في ثناياه دلالات عميقة. فقد تشارك في رسمها ثلاثة فنانين مغاربة مرموقين، قاسِمهم المشترك الشعر والرسم، هم: عزيز أزغاي، وفؤاد شردودي، وعبد الله الهيطوط. إنهم، ثلاثتهم، يرسمون؛ لأنهم شعراء، ويكتبون الشعر؛ لأنهم رسامون. فعبّرَتْ لوحتهم، بحق، عن المقولة الجميلة للشيخ محمد عبده: "الرسم ضرب من الشعر الذي يُرى ولا يُسمع، والشعر ضرب من الرسم الذي يُسمع ولا يُرى”.(9) هي لوحة تجريدية، تقوم في نسقها العام على تفعيل فكرة التضاد اللوني، وما يتولد عنه من بنية أساسية هي التي تشكل أرضية اللوحة. فقد طفا على السطح اللون الرمادي، بعدما اكتسح رقعتها، مُخَلّفا تراجعا، وتناثرا للونين الأصليين الأبيض والأسود. وانبثقت منهما أشكال متفاوتة الأحجام، مختلفة الألوان، تستطيع أن تتبيّن من بينها وجهَ حيوان شرس، وعصفورا يُجلِّلُه البياض وسط مربع شبيه بقفص، وضفدعةً رمادية هائمة، وسمكةً تسبح وسط كومة من المتلاشيات، وملامحَ إنسان يرنو، في فزع، نحو المجهول، وكفًّا تتشبَّث ببقايا غصن... ونكاد نرى حركة الفرشاة تنحدر من الأعلى في اتجاه الأسفل، وهي تنشئ خطوطا شبيهة بانسكاب سائل على قماش، أو تخُطُّ كلمات، وحروفا لاتينية، وأرقاما بأحجام، وألوان مختلفة. وتبرز بشكل لافت كلمة EARTH، (أرض) التي يبدو أنها فقدت جماليتها، وافتقدت مقوّمات بقائها، واستمراريتها، وتعيش الآن حالة من الفوضى، كما توحي بذلك بعض عناصر اللوحة، ولا سيما قتامة اللونين الأسود، والأحمر. بينما تحيل الكلمات الأخرى على روح إيجابية، وقيم جميلة: (RESISTANCE ART) أي فن المقاومة، أو الفن المقاوِم، و (POET)أي شاعر. ويمنح كلاهما شرعية الكفاح في الحياة، ومقاومة أشكال القبح، والظلم، والاستغلال، ونشر قيم الحق، والخير، والجمال.
هـ -اسم الناشر: في الجهة السفلى، إلى يسار الغلاف، اختُصِر اسم الهيئة الناشرة، في كلمة واحدة، هي منتديات، اختزالا لاسمها الكامل: جمعية منتديات للثقافة والفكر والإبداع. وكتِب بلغات ثلاث، هي العربية، والأمازيغية، والفرنسية، وإلى جانبه شعار الجمعية.
2 - الإهداء:
عمد الشاعر محمد الشوبي إلى قصيدة "السقوط" للشاعر المغربي أحمد المجاطي، وفيها تناصٌّ واضح بين عنوانها، وعنوان ديوانه، فاختار منها أكثر أبياتها ذيوعا بين القراء، والنقاد، ليجعله محور إهدائه. إن قصيدة "السقوط" تختزل زمنا مأساويا، ساد فيه الإحساس بالعجز والضياع، وانهارت قيم البطولة والفروسية، وتداعت إلى السقوط أحلام وانتظارات. إن استحضار هذه الدلالات، كافٍ لِيكشف علامات القراءة في "وطن على حافة الرحيل"، إذ لم يكن اختيار جزء من هذه القصيدة بالذات، ليأتي اعتباطا، أو غير مُفَكَّر فيه. ومع ذلك ينفتح الإهداء على تأويلات كثيرة، أثارها قول الشوبي: "إلى العزيزة". فمن يقصد هنا بالعزيزة؟ هل هي قصيدة "السقوط" برمّتها؟ أم الصورة المتضمّنة في البيت الشعري، موضوع الإهداء:
"تُسعِفُني الكأس ولا / تُسعِفُني العبارة".
أم هي الأنثى في عمومها، حين تَلبس لكل حال لبوسها المناسب، فتتجلّى في الكأس حينا، وفي القصيدة حينا آخر، أو حين تغدو كالعبارة المستعصية على الانقياد لرغبة الشاعر، ومشيئته في الانكتاب، والمنفلتة دومًا من بين أصابعه المرتعشة؟
وسيعيد الشاعر تشكيل هذا الإهداء، في ثنايا قصيدة "صيف 1997"(10)، في ما يشبه مرثية للأب الروحي للشعر العربي الحديث في المغرب أحمد المجاطي، تحت عنوان فرعي دالّ ومعبِّر: "ضوء بذاكرتي"(11):
"حدثنا أحمد قال: /"تسعفني الكأس ولا تسعفني العبارة"/ ما أسعفتك غير المنايا/ خبطتك خبط عشواء،/ وما أسعفت كلماتك/ غير ثنايا ذاكرة/ تذيب المسافات تعلك المدى/ نحو خمارة عبارة/لمن تركت الصورة؟/ وكانت بك تعشق الآذان،/ من تسعفه الآن؟/ فات.. ولى الأوان/ يا أحمد الفروسية/ رفقا بنا.../ كلامك لن يقتفيه زمن."
إنها بكائية حارة وصادقة، صادرة من أعماق نفس مكلومة بفقدان هذه الأيقونة الشعرية، تعكس عمقَ الإعجاب والتقدير اللذين يكنهما الشاعر لأبي القصيدة الحديثة في المغرب، وسموَّ المكانة التي يحظى بها في نفسه، وهولَ الفراغ الذي خلفه فقدانُه في ساحة الإبداع الشعري. كما تُلقي بظلالها على ما ورد في الإهداء، وتمنحه صدقية عالية، وامتدادا داخل الديوان.
3 – فقرة:
بين الإهداء والقصيدة الأولى من الديوان، كتب الشاعر محمد الشوبي فقرة غير موسومة بعنوان معيّن، تصلح أن تكون تقديما، أو إضاءة، أو خارطة طريق، يمكن أن تساعد على قراءة المتن، واستجلاء مضامينه. ويبدو أنها تحصيل حاصل، إذ إنَّ ما يمرّ به القارئ من عتبات، كافٍ للإمساك بخيوط القراءة، دون حاجة إلى ما يوحي له بتوجُّه معيّن، أو تأويل خاص. فمَقول الشاعر كامن في قصائده، وإبداعاته، وليس عليه أن يشرح، أو يؤوِّل، أو يوجّه القراءة الوجهة التي يرضاها. ولعلّ في غضبة الفرزدق على النحاة بعد مآخذهم عليه: "علينا أن نقول، وعليكم أن تتأوّلوا"(12)، ما يكفي حجةً للشعراء، كي يُعفوا أنفسَهم من تقديم أي شرح أو تفسير لأشعارهم. وهي قولة صالحة، أيضا، لأن تنسحب على المضامين، والدلالات، والصور، والأخيلة... وليس على المسائل النحوية فقط.
على ضوء من هذه العتبات، تنتصب أسئلة يمكن الاستئناس بها عند مقاربة الديوان: كيف يقف وطن على حافة الرحيل؟ هل هو قربُ انهيار بنياته، وتداعي أركانه؟ أم هو، بناءً على علاقة المَحَلِّيّة في المجاز المُرْسَل، هجرةُ أبنائه، ورحيلُ رجالاته؟ ما المشيرات التي ألهَمَت الشاعر استشرافَ هذا الأفق المظلم، وتصوّرَ هذه النبوءة المأساوية؟ ما الذي جعله يكتب أشعاره بدمِ مرحلة من حياة هذا الوطن؟ أسئلة وأخرى، أرجو أن تُتاح لي، أو لغيري، فرصة الإمساك بخيوط إجاباتها، من خلال ما توحي به لغة المتن، وصوره، وبياضاته، وما بين سطوره.
وتحية تقدير لفنان لَمْ يَشغله أبو الفنون وركحه، عن الاحتفاء بسحر الكلمة وبهائها.
إحالات:
(1) -محمد الشوبي: "وطن على حافة الرحيل" – منشورات جمعية منتديات للثقافة والفكر والإبداع - الرباط – ط. 2019 - 131 صفحة من الحجم المتوسط.
(2) -يُرجَع إلى: شعيب حليفي: "النص الموازي: استراتيجية العنوان في الرواية" - مجلة الكرمل – العدد: 46 – 1992 – ص. 82 –
(3) -البطليوسي: "الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب" – تحقيق: الأستاذ مصطفى السقا والدكتور حامد عبد المجيد – دار الكتب المصرية – القاهرة – 1996 – القسم الأول – ص. 190 -
(4)Derrida (Jacques) – La dissémination – Paris – Le Seuil – pp. 204/205. -
(5) -ابن منظور: "لسان العرب" – دار المعارف – القاهرة – 1981 – مادة: "و ط ن" –
(6) – من الذين استعملوها الأعشى في معلقته، وقد وردت فيها بصيغة الجمع في قوله:
"يا مَنْ يرى عارضًا قد بِتُّ أَرقُبُه ***** كأنَّما البرقُ في حافاتِه الشُّعَلُ.
وفي قوله أيضا:
وبلدةٍ مثلِ ظهر التُّرس موحِشةٍ ***** للجِنِّ بالليلِ في حافاتها زجلُ.
انظر: ديوان الأعشى الكبير قيس بن ميمون – شرح وتعليق: الدكتور محمد حسين – مكتبة الآداب بالجماميز – دون تاريخ – ص. 57 وص. 59 – (ولم يرِدْ شرحها في الديوان) -
(7) – ورد في لسان العرب في مادة ح ف ف: "حفَّ القومُ بالشيء وحوالَيْه... أَحْدَقوا به وأطافوا به وعَكَفوا واسْتَداروا." بيد أننا نجد فيه قريبا من معناها كلمة حِفاف، بمعنى جانِب الشيء. ولم ترد كلمة حافة بهذه الصيغة إلا في المعاجم الحديثة، حيث نجد تعريفها كالتالي: "حافة... طرَفُ الشيء... حافتا الوادي طرفاه، جانباه". (د. أحمد مختار عمر: "معجم اللغة العربية المعاصرة" – الطبعة الأولى – عالم الكتب – القاهرة – 2008 –المجلد الأول – ص. 526)، بينما استعمل العرب قديما كلمتين أخريين، هما:
أ - كلمة "شَفا"، كما نجد في سورة آل عمران: وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا (الآية: 103)، وفي سورة التوبة: أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيانُهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أُسِّسَ بُنْيانُهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ (الآية 110).
ب - كلمة "شفير"، قال ابن منظور في مادة ش ف ر: "وشفير الوادي: حدُّ حَرفه، وكذلك شفير جهنم، نعوذ بالله منها. وفي حديث ابن عمر: حتى وقفوا على شفير جهنم، أي جانبها وحرفها، وشفير كل شيء حرفه". ولا شك أن هذا الاستبدال اللفظي يدخل ضمن ما يعرفه الحقل اللغوي من تجدد مستمر، وتطور متواصل لمفردات اللغة، واستعمالاتها، وإيثار قوم لألفاظ دون ألفاظ.
(8) –لسان العرب: م. س. مادة: "ر ح ل" -
(9) -محمد صدقي الجباخنجي: "الفن والقومية العربية" – المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر – القاهرة 1963 – ص. 5 -
(10) – "وطن على حافة الرحيل" – م. س. ص. 107 –
(11) - نفسه - ص. 114 –
(12) – عبد القادر بن عمر البغدادي: "خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب" – تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون – ط. 2 – 1984 – مكتبة الخانجي – القاهرة – ج. 5 – ص. 145 -