يا أهلَ غزَّة
يا أهلَ غزَّة، لقد أسْمَعْتُم لو ناديتم حياً ولكنْ لا حياةَ لمن تنادون، فتوقفوا عن الصُراخ والنداء. إذا كنتم تُقتلون وتُذبحون، وإذا كنَّا نحن العرب الأحياء، فَهاهو الوقت جاءَ والذي فيه يَحْسُدُ الحي الميت!.
نعم! تُقْتَلون وتُشردون؛ ولكنَّكم لا تموتون، فأنتم أوُّلُّ مَنْ يُقْتَل، وآخر مَنْ يموت؛ أمَّا نحن فمن النوع الذي فَضَّلَ حياةً كلَّها موتٍ على موتٍ كلّه حياة!.
توقفوا عن الانتظار، فهل تنتظرون طيراً أبابيل، تقذفهم بحجارة من سجّيل، إذا أردتم ما نملك ، دعاءنا فخذوه، سنكرم عليكم، فنحن ننعقُ دُعَاءًاً ونِدَاءًا، أمَّا سيوفنا، فاعذرونا فإنَّها من خشب، وأعلى من قاماتنا جميعاً، فكُفُّوا عن إحراجنا!.
مجلس الأمن والعالم والامم المتحدة وحقوق الإنسان كلهم خَذَلَوكم، فهذا ليس جديداً ، إنَّما هو ديدنهم. يا أهلَ غزّة إنْ شعرتم بالقنوط، فلا تقنطوا من رحمة إجتماع وزراء الخارجية العرب، فلقد قرَّروا وبعد الاتِّكال على الله، أنْ يدعوا مشايخ و أئمة المساجد إلى النفير العام، وأنْ لا يبخلوا عليكم، في هذا الوقت العصيب، بكثير من الصلاة، وأنْ لا يبخلوا برفعِ إلى الله، أنْ يهلك دولة يهود، وأنْ يمحقهم، ويرمّل نساءهم، ويُشتت شملهم ، ولسوف نستمرُّ في هذا الجهاد المقدس، شاءَ من شاء وأبى من أبى، فلن نقول لكم قول قوم موسى: اذهبوا أنتم وربكم إلى القتال، فإنَّا ها هنا قاعدون!.
يا أهل غزّة، يا آخر طلقة، وآخرما تبقّى من كرامة على هذه الأرض، وكبرياء الروح، إيَّاكم ثم إيَّاكم أنْ تستمعوا وتصدقوا اللذين أنكروكم، ويُنْكِروكم، فَهُم قَوْمٌ لا يعرفون سوى الخطابة، والفرار، والليالي الحمراء، ولن يتورَّعوا عن بيع جلودكم بعشرين من الفضة، ولو كان مشتريها الجزَّار الذي يذبحكم.
لا تُصَدِّقوا إلّا هذا الطفل الرضيع الذي قتلوه بدمٍ بارد، فهذا الطفل كتبَ لهم بدمه الوردي ما هو أجْمَل من إلياذة هوميروس، وملحمة جلجامش، والماهاراتا الهندية ، والشاهناما الفارسية، نحنُ وهم تعاوَنَّا على قتله، لأنَّه أرادَ تعليمنا الكرامة والأبجدية العربية، فَمِن أجل أنْ نكون عرباً لا يكفي أن تكون عيوننا سوداء، وأنْ نرتدي الكوفية، والعقال، والعباءة المصنوعة من وبر الجَمَل. لا يكفي أنْ نتمنطق بالخناجر المعقوفة، ونحفظ ألفية ابن مالك، وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، ونشرب القهوة المرَّة!. هل استمعتم إلى وصية هذا الطفل؟.
قد قال لكم صارخاً: كلُّ ما تسمونه جهاداً كانَ تسوُّلاً واستعطاءً، فالنصر تشحذونه دائماً كعادتكم من الله، تدخلون حروبكم بكلِّ ما أوتيتم من مواهب الخطابة، تمتطون أحصنة من خشب وتمتشقون سيوفا من خشب، تقاتلون سراباً، تُعْلَفون كالبهائم في زرائب السلاطين، تركعون، وتصلون حتى ملَّ الركوع منكم ، عقولكم مغيبة، تَطْحنون بطاحونة ولا تَمّلون، ولا تُفكرون، لا تطحن سوى الهواء، فإنَّكم بشرٌ لا يثورون، ولا يشكون، لا يُغَنُّون ولا يفرحون، ولا يبكون، لا يموتون، ولا يُحِبُّون، مخصيو اللسان وعاطلون عن التفكير، ليس من مهنة لكم سوى حراسة اللّيل والنعوش والقبور، فيا عبيد الوهم، يا قبائل العرب، ابحثوا في جثَّتي عن الحقيقة، لعلَّكم تهتدون!.
يا شعوب العرب، يا شعوب تُؤْثِر السلم كالخراف والأرانب والحيوانات الأليفة، أمَا حان لكم أنْ تكونوا شعوباً، تَسْكُن الشمس والبرق والرعد والهاوية؟!