يوميات امرأة في السجون السعودية
الزيارة الأولى:
…فور دخولي المكتب كانت المفاجأة العظيمة بالنسبة لي وجود أمي وأبي وجمع من المحققين من بينهم المحقق اللعين سعيد منصور والحقير عايض القحطاني، ومحمد عسيري، وظافر وسعد زهراني اضافة إلى مسؤول لجنة المحققين مع جنديين كانا يلزمان الوقوف خلف الباب، قد إحتلوا جميع المقاعد الموجودة، وقد حشرت الغرفة من دخان السيكار الذي يتطاير من الافواه، توسطت المقاعد طاولة صغيرة وضع عليها اكواب الشاي وفناجين القهوة، أما انا فلم يعد لي مقعد معهم، مع العلم انه في هذه المرة لم تكن السجّانة برفقتي اضافة الى انه تم انتزاع الكلبشة من يدي قبل دخولي غرفة التحقيق.
كنت سعيدة جداً برؤية والداي وبعد ان باشرت الجميع بالسلام، أخذت أبحث في الغرفة عن مقعد ولكني لم أجد، خرجت مني كلمات أثارت الجميع بقولي:ـ ما شاء الله.. محتلين جميع المقاعد وانا اين هو مكاني؟ أخذ كل واحد يحملق بي، ثم هممت بسحب طاولة صغيرة كانت قد اتخذت حيزاً في زاوية الغرفة وجلست فوقها مقابلة لوالدي ووالدتي بعد ان سملت عليهما وكان سلاماً جافاً جداً، لعدم تمكني من الاقتراب منهما لأن ذلك خلاف الأوامر، ضمن قائمة الممنوعات لدى المباحث.
آلمني منظر والدتي وهي تجهش بالبكاء، حيث لم تفلح محاولاتها في كتم ما اعتمل بداخلها من حزن ومهما حاولت، كان صدى النحيب والشجن ودمع العيون يفضحها، كنا نتمنى ان نتبادل العناق وقبلات الشوق والحنان، ولكن حالت الأوامر المتسلطة بيني وبينها.
قال المحقق: ها هم اهلك أتوا كي يطمئنوا عليك، فنحن قلنا لهم انك بخير وبصحة جيدة لا ينقصك شيء هنا وفي راحة تامة والجميع بخدمتك اليس صحيح؟
لزمت الصمت، اجابتهم والدتي بصوت حزين (طيبين فيكم الخير والبركة" أخذ المحقق يسهب في الحديث مع والدي عن أمن الدولة وما سعت فيه من توفير حاجيات الشعب من مدارس ومعاهد وانه لا بد على كل مواطن المحافظة على أمن الدولة وان يكون الشعب يدعون للحكومة وان يعمل الجميع على فضح المخربين في البلاد وما شابه ذلك.
هذا وكان المحقق يقاطعني بين فترة وأخرى، حينما اهوم بالكلام، خوفاً من افلات لساني حتى لا يفضحهم وحتى لا استجلب انتباه والدي ووالدتي للمعاملة السيئة التي الاقيها في السجن.
هنا انتهزت فرصة حديثة مع والدي، وفرصة صمت الجميع ـ سألت والدتي عن اخبارها واخبار اخوتي الصغار والكبار، واخبار الناس والجيران.
اجابتني انهم بخير ويهدونك السلام..
كان المحقق يتصنع في الحديث مع والدي ويتظاهر انه مندمج معه في الكلام لكن نظراته كانت تحملق بي وسمعه يصغي لحديثي مع والدتي، كذلك كان الجميع جدران بآذان.
بعد ان لزم المحقق الصمت لهنيهة من الوقت تناول على اثرها سحقات من الشاي.
قلت لوادي، انا سعيدة لوجودي في هذا المكان وأنا مرتاحة وصحتي جيدة، لقد سمنت كثيراً، حتى انظروا إلى يداي من كثرة الاكل اكل الفواكه والخضار والرز الامريكي ليل نهار، انظروا، المحقق يحاول مقاطعتي لكني لم ادع له فرصة، لي زميلة في السجن هي بخير الرجاء توصيل السلام لاهلها.
انظري يا والدتي وانت يا والدي بالفعل لقد سمنت فالفواكة منشطة جداً (رفعت اكمامي لترى يداي، أخذا ينظران الى آثار الضرب الحمراء والخدوش المليئة بالدم من اثر الرطوبة الخانقة وعضّ الحشرات داخل الزنزانة) انظروا إلى يداي وانا اقلبهما تارة بعد أخرى، كادت والدتي تصل لحالة الاغماء فازداد نحيبها وعلا بكاؤها متألمة لأجلي.
اما والدي فكان ينظر الي ويعتصر من الالم في داخله، فهو لا يستطيع ان يقول لهم شيئاً سوى مسايرتهم في الكلام.
ولكني اردت إعادة روح الاطمئنان والسكينة لوادي ووالدتي (لا تخافوا عليّ انا ابنتكم وتربيتكم، بلغوا سلامي لجميع الناس ولا ينسوني من الدعاء، كذلك انتم..
كان المحقق مع البقية كالمتفرجين في صالة للعرض، كانوا جالسين على اعصابهم وقد غطت وجوههم علامات التعجب والاستغراب وكأنهم يريدون الانتقام تعبر عن ذلك نظراتهم الحادة الشرسة، وتنهداتهم الملئية بالحقد الساخر والبله الاعمى.
بعد مضي نصف ساعة تقريباً اعلن المحقق انتهاء الزيارة حيث أمر أهلي بالجلوس لحين انصرف الى الزنزانة.
شكرته على اتاحة الفرصة لهذه الهدية الثمينة بمقابلة اهلي والاطمئنان عليهم ختمت حديثي معه بأن تكون هذه الزيارة دوم وليس يوم إنشاء الله.
تفاجأ الجميع، احسست ان في كلامي اهانة وإحراج كبيرين للمحقق، حيث بدأ الغضب يرتسم على وجهه ويبرز على مظهره، نظر إلي وهو يضغط باسنانه العليا فوق شفتيه، محاولاً السيطرة على اعصابه قائلاً الى والدي انظروا أمرتوها بالذهاب الى الدراسة الدينية والحين بتتفلسف علينا والدتي اثارها العجب بأني اتحدث معهم بهذه اللهجة (شدت يدي بحركة خفيفة من الخلف كأنها تريد اسكاتي حاولت ان تغطي الامر بقولها.. هي دائماً تتكلم هكذا وهي لم تذهب إلى الدراسة) مسكينة والدتي كانت طيبة وحسب تعبيرنا (على نياتها لا تعلم بشيء).
أجبتهم المهم لا تقلقوا عليّ فلديهم علم بأني ذهبت إلى الدراسة الدينية مرتين فوراً قاطعني المحقق وقبل ان اصرح بشيء آخر أصر بإخراجي من المكتب..
توجهت الى الزنزانة وانا سعيدة برؤية أهلي ومحادثتي معهم، وكنت وقتها متأكدة بأن والدتي ستنقل كل ما رأته وسمعته لكل من يسأل عني، رغم هذا كنت اتوقع وانتظر العقاب الصارم لجميع التصرفات التي صدرت مني اثناء المقابلة والله اعلم بما سيكون في الجلسة القادمة اتمنى ان أخرج منها بسلام..
التحقيق مرة أخرى
…تم استدعائي للتحقيق مرة أخرى على أمل انتظار العقاب الصارم من قبل المحقق، يا الهي… ما عسى يكون اسلوبهم في هذه المرة فالتهديد والوعيد أخذ يزداد في الفترات الأخيرة، والتنكيل والضرب بدأ يأخذ مكانه في كل جلسة، يا ترى ماذا تم تحضيره لي في هذه المرة لم يكن امامي سواك يا رب، فنجني منهم وسلمني من كيدهم ها أنذا أتوجه اليك يا من تحل به عقد المكاره، ويفتأ به حد الشدائد، يا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج، الهي ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الاسباب وجرى بقدرتك القضاء، ومضت على ارادتك الاشياء، الهي انت المدعو للمهمات وانت المفزع في الملمات، وقد نزل بي يا رب ما قد تكأدني ثقله، وألم بي ما قد بهظني حمله فلا مصدر لما اوردت، ولا صارف لما وجهت ولا ميسر لما عسرت ولا ناصر لمن خذلت صلّي على محمد وآل محمد وافتح لي باب الفرج بطولك وانلني حسن النظر فيما شكوت برحمتك يا ارحم الراحمين.. دخلت مكتب التحقيق وبعد ان احضر الملف وسلمني القلم قائلا: والآن اكيد ستعترفي وتقولي الصدق بعد رؤية اهلك وبالذات حينما رأيت والدتك وهي تبكي الم يؤلمك منظرها وهي تتألم لأجلك؟
ـ كلا وان حدث ذلك فليس لدي ما اقوله، وكل ما عندي اخبرتكم به.
حتى بعد رؤية اهلك؟
ـ نعم حتى بعد رؤيتهم، ثم انا لم اطلب ان يزرني أحد، انتم الذين قمتم بكل ذلك ولم اكلفكم بهذا الأمر.
اخرج زفيرا عميقا قائلا: بعدك عنيدة وراسك يابس بحاجة الى تحطيم.
ـ لن يصبنا الا ما كتب الله لنا.
اخرسي وبدأ المحضر.
عالية.. إبدئي معنا بصدق ولا داعي للانكار، فزوجك موجود لدينا وقد اعترف عليكم بكل شيء، قال انك تقومي بعدة اعمال، تطبعين منشورات، وتجميعن تبرعات، وتعقدين ندوات ولك عدة اجتماعات للتنظيم، فأريحينا واريحي نفسك فهذه إعترافات زوجك لدينا ومسجلة بخط يده؟
ـ هذا ليس صحيح ولا دخل لي بكل هذه الأعمال، انا مجرد طالبة علوم دينية.
هذا ليس معقول فأنت كذابة، زوجك اعترف عليك؟
ـ هذه اعترافات واتهامات ملفقة انا لم اعملها، وهذا ليس صحيح فزوجي يعرفني جيدا لا أقوم بهذه الاعمال.
قال وان احضرنا لك زوجك الآن واعترف امامك فماذا تقولين؟
ـ انا مستعدة لمقابلته وانكر مرة اخرى هذه الاعمال، وكل ما اقوم به ذكرته لكم كزيارة الآخرين والمعاملة الحسنة معهم و…. و…. و….. الخ.
هذا غير صحيح فأنت تقومين بكتابة وتوزيع منشورات ثورية ضد النظام ومخربة لأمن البلاد فاعترفي وإلا..؟
يقتصر دوري فقط لكوني طالبة علوم دينية لا دخل لي بأية امور سياسية حتى تصل لمسألة التخريب لاوضاع البلاد.
ما هي المعلومات التي تعرفينها عن زوجك.
ـ لا أعلم عنه شيء سوى انه زوجي وخرجنا سوية لطلب الدراسة الدينية.
هل هذا فقط؟
ـ نعم.
لا أصدق، انت كذابة زوجك ولا تعلمين عنه شيء.. هذا مستحيل؟
ـ وهل زوجتك تعلم عنك كل شيء؟
نعم.
ـ لا اصدق.
هذا ليس موضوعنا المهم ان تعترفي الى اين يذهب زوجك ومن يقابل؟
ـ لا أعلم.
كذابة..
ـ صدقني لا علم لي ولا أراه يقابل احدا، بل هو دائما في المنزل.
وهل هنا زوجة لا تعلم اين يذهب زوجها ومن يقابل؟
ـ نعم فليس كل شيء يقال للزوجة، ولكل مقام مقال، وأنالا أؤمن بالرجل الذي يقول لزوجته كل صغيرة وكبيرة واذا كان كذلك فهو في نظري حمار.
بلا فلسفة زايدة، فأنت كذابة وانا متأكد من كل ذلك؟
ـ أنا لا اكذب وهذه حقيقة وهل أنت تخبر زوجتك بأنك تقابل نساء وتحقق معهن في مكتبك، وهل تقول لها كل ما يدور في جلسات التحقيق؟
زجرني بقوة انا احقق معك انت وليس انت التي تحققين معي فما رأيك ان تأتي الى هنا (مشيرا الى مقعده) حتى تحققي معي. قالها مستهزءا.. بنات آخر زمن.
مع من كل يجتمع زوجك وفي أي مكان؟ لدينا علم بأن زوجك يجتمع مع افراد وينظمهم وانت على علم بكل شخص فمن هم هؤلاء؟ وفي أي مكان يجتمع بهم زوجك؟
ـ ليس لي علم بهذه الأمور ولا علم لي بهذه الأقوال.
كذابة ، حقيرة.
ـ لا اكذب، فهو موجود لديكم وبإمكانكم ان تسألوه.
نحن نسألك انت.
ـ انا لا دخل لي بمثل هذه الأمور.
لا نصدق كلامك فهم يجتمعون في مجلسكم في المنزل وانت تعلمين بذلك وهم موجودون لدينا وقد اعترفوا عليك بكل شيء؟
ـ ما شاء الله، انا مستعدة لمقابلتهم اذن وسماع أقوالهم ان كان هذا صحيح.
ما هي الاجتماعات التي تقومين بها في البلاد؟
ـ لا يوجد لدي اية اجتماعات.
يوميات الفايل الاخير
المعلومات التي لدينا تقولم بأنك تعقدين اجتماعات سرية وندوات تلقى فيها دروس سياسية وتعطى فيها دروس تنظيمية، فمن هنّ اللاتي تجتمعين معهن وماذا يدور في جلساتكم؟
ـ هذا ليس صحيح، فليس لدي أي اجتماعات او ندوات سياسية ولا علم لي بأية جلسات وانا بعيدة عن التنظيم ولا علاقة لي بذلك.
ارجوا ان لا تكذبين فالفتيات التي كنت تجلسين معهن موجودات لدينا وسوف تقابليهن الآن فلا داعي فلا مفرّ من الإنكار وقد قلن عنك الكثير، قلن انهن يساعندك في جمع التبرعات وتوزيع المنشورات والكثير الكثير، فقولي الصدق قبل ان ينكشف أمرك من هنّ اللاتي تجتمعين معهن؟ وما هي أسمائهن؟ وفي أي مكان يتم اجتماعكن؟
ـ لا علاقة لي بأي أحد ولا اعلم بأية فتاة وليس لدي أية اجتماعات ولا دخل لي بكل هذه الأمور، وك ما ذكرتموه كذب، وانا مستعد لمقابلة الفتيات اللاتي اعترفن عليّ إن كان هذا صدقاً.
ـ ازداد غضبه واذا به، ينهال على رأسي وجسمي ضرباً بالسوط وهو يصرخ كذابة، حقيرة، حيوانة،… ،… ،….
وبعد ان هدأت اعصابه، جلس على مقعده ثم استرد انفاسه ثم اتصل هاتفياً وعلى ما أظن كان يكلم حقيراً مثله وهو (عايض القحطاني) قال له خمس دقائق وانا قادم اليك واغلق السماعة، كنت وقتها أجهش بالبكاء.
اخذ يسألني وانا اجيبه بصوت مبحوح بدت عليه علامة الحزن والاسى.
من ضمن المعلومات التي لدينا انك تعملين على جمع التبرعات من الناس فكم مقدار المبلغ الذي جمعته واين هو الآن؟
ـ لا اجمع اية تبرعات، واذا اردت الجمع فلا أجمع من الناس وانما من الأهل والاقارب، وأتذكر أنني حاولت ذات مرة جمع تبرعات من العائلة وكان ذلك لبناء أحد المساجد.
من صديقاتك داخل وخارج المنطقة؟
ـ كل الناس اصدقائي سواء في داخل المنطقة او خارجها.
من هم الافراد الذين تتعاملين معهم خارج وداخل المنطقة؟
ـ لا اتعامل مع أحد. فكل الناس علاقتي معهم مجرد تعارف واخوة في الإسلام.
ليس من المعقول ان لا يكون لك صديقات؟ فمن صديقاتك المقربات اذكري اسمائهن؟
ـ ليس لي صديقات مخصصات فجميع الناس سواسية فالاطفال وكبار السن والشابات كلهم اصدقائي.. واذا تريد أسمائهم فهي كالتالي (ام سعود ام علي حسين، صلوح، ام محمد، ام معتوق، كاظمية،…….. واذا به اخذ يشمئز قائلا: خلاص، خلاص بيكفي.
ماذا لو ثبت لدينا ان لك اجتماعات وندوات واعمال مخالفة للدولة؟
ـ اذا ثبت ذلك فأنا بين ايديكم واستحق العقاب.
ما الهدف من قيامك بهذه الاعمال والمشاغبات ولأجل ماذا؟
ـ ليس لأجل شيء معين وبالتالي لم أقم بأية مشاغبات.
كذابة، انت واحدة من ضمن الأوباش الذين يسعون لقلب النظام واسقاط الحكم..
ـ هذا ليس صحيحا..
لا يمكن ان تخدعينا بأقوالك فأنت الشيخة ام مهتدي وتعملين كل ذلك من اجل إقامة حكومة إسلامية مثل اللي في ايران وإلا لماذا قمت بدراسة العلوم الدينية أكيد هدفك اسقاط النظام، ولهذا عملت على جمع التبرعات وبيع الكتب الإسلامية، وتوزيع منشورات وتنظيم افراد وندوات وهيئات و… و… و…
ـ ما شاء الله ما شاء الله، هل معقول هذه الاعمال تصدر مني يا عجب الله!
ـ اذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن اكتب أي شيء، تفضل (سلمته القلم) اكتب انت كل ما لديك من تهم ملقفة وكل ما يحلوا لك من إعترافات وحسب ما تريد.
زجرني ورمى القلم فوق رأسي، أنت لا بد ان تكتبي وليس أنا.
هل لديك اقوال اخرى؟
ـ كلا.
أقفل المحضر امرني بالتوقيع عليه
اقفل المحضر في تمام الساعة العاشرة صباحا في 10 محرم/ 1400هـ.
بحضور السجّانة التوقيع.. مع أخذ البصمات.
وهكذا استمر التحقيق لمدة شهر وعشرة أيام متواصلة، فانقضت الأيام، وانقضت معها المعاناة والعذاب وأقسى الآلام، وبعد معاصرة مريرة مع الحر الشديد والرطوبة، والظلام الحالك وعض الحشرات وسوء المعاملة من تسهير وشتم وضرب وسوء تغذية وتجريح واهانة لكرامة الإنسان، إستنقذنا الله من الزنزانة الإنقرادية إلى السجن الجماعي حيث مرتّ فيه أحلى الأيام واسعد اللحظات..
في السجن "العنبر"
…بعد مرور اسبوعين على التحقيق تم استدعائي من داخل السجن عن طريق السجّانة وثلاثة من الجنود، تبادلت النظرات السريعة بيني وبين زميلتي ما عسى ان يكون، ربتت على كتفي لا تقلقي عسى ان يكون خيرا اذهبي معهم..
توجهنا الى غرفة صغيرة جدا كانت تعد خزانة لبعض الامتعة كان الغبار يملأ أرضها، واذا بشخص طويل عريض المنكبين إستقبلني وسلمني بعض الاوراق للامضاء عليها بعد ان سألني عن اسمي قال:ـ ألا توديّ زيارة اهلك ـ أجبته بكل تأكيد، فاتضح انه مسؤول الزيارات لعوائل المعتقلين داخل السجن.
أمرني بالدخول للغرفة واذا بمجموعة من الاسلاك الحديدية المتشابكة والقبضان الطويلة والتي جهزت كحاجز بين السجين وبين اهله.
انتظرت ما يقارب 7 دقائق واذا بجميع افراد اسرتي، قد أقبلوا والابتسامة ترتسم على شفاههم، اذهلني المنظر كثيرا حيث كان إخوتي الصغار يتسلقون القبضان لمعانقتي ولكن حال الحاجز بيني وبينهم، أخذوا يتبادلون الاخبار معي بدون أن أتفوه لهم بكلمة واحدة، فمن شدة شوقي ولهفتي لهم ومن هول المفاجأة اختنقت بعبرتي، لكني رغم هذا تقدمت لهم بابتسامة هادئة موزعة للجميع وتم الاعلان عن أنتهاء الزيارة حيث استمرت ما يقارب خمس دقائق ـ تزودت فيها بروح الامل والفرج القريب، بعدها عدت إلى السجن على أمل الانتظار لزيارة أخرى بعد مرور خمسة عشر يوما…
…بعد ان توالت الأيام تجرف بعضها بعضا وتجرفنا معها بافراحها واتراحها بأحزانها وآلامها، بدأ الحلم الذي راودنا يتحول الى واقع، إنتفضت زغاريد الأمل تتراقص داخلنا كأنغام والحان موسيقية رناّنة… بانتظار اللحظة السعيدة التي نشم فيها هواء الحرية، نعم الحرية.. الحرية التي فقدناها خلال هذه الأشهر.. ولكن أية حرية هذه.. اذا كانت منسوجة بالقمع والكبت والإرهاب ـ حرية الخروج من القفص الصغير الى سجن اكبر ربما هنالك بعض الفروق كتواجد الاصدقاء والأهل والأحبة والطبيعة الغناء، ولكن كل هذا بضريبة مقابلة وهي الاعتقال، القمع، المطاردة من مكان لآخر، المداهمات الليلة، الاستدعاء للتحقيق بين فترة واخرى، المراقبة المستمرة للحركات والسكنات، اضافة إلى قائمة الممنوعات التي تصدرها السلطة الطاغية، فقراءة كتاب ديني ودخوله البلاد ممنوع، سماع خطاب لمحاضر اسلامي ممنوع، ابداء رأي سياسي ممنوع، التحدث حتى في السياسة ممنوع واليوم حتى الصلاة في المسجد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أضيف لقائمة الممنوعات ولكن كل ذلك يهون في سبيل إتاحة فرصة بسيطة لتأدية المسؤولية الإسلامية ونشر مبادئ الله في الأرض…. في يوم الاربعاء، فور الانتهاء من النوافل اليومية توجهنا لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) والتوسل بالائمة الاطهار.. الى ان شارفنا على الإنتهاء من الدعاء، واذا بالمفتاح يدور في قفل الباب واذا بأحد الجنود قد أقبل بدون ان يتفوه بشيء.
نحن ما زلنا نفترش سجادة الصلاة، حينها لزمنا الصمت وإذا بجندي أخر قد أقبل واستدعى السجّانة لأخذ زميلتي للذهاب معهم.. بقيت وحدي والقلق يراودني بين فترة وأخرى وانتظرت على أحر من الجمر، كانت السجّانة تنظر لي بابتسامات غريبة وهي تقول: لا تخافي عليها.. والمذهل في الأمر معاملة السجّانة في غاية الروعة في هذا اليوم واتذكرها جيداً كانت السجّانة (معجبة).. بعد ان طويت السجادة، توجهت لقراءة بعض الصحف كجريدة اليوم وجريدة الشرق الأوسط وقد سمح لنا بقراءة الجرائد فور انتقالنا للسجن الجماعي..
واذا بزميلتي تعود، تلقفتها فوراً ما الأمر.. أخذت تنظر الي نظرات بريئة وهي تبتسم.
ـ انا قلقة ارجوك، اخبريني ماذا حدث؟
ـ اجابتني بكل هدوء.. يقولون إفراج وكأنها لم تُصّدق.
ـ وقفت انظر اليها في صمت وأبتسم في وجهها، وأضحك داخلي باستهزاء.. واردد… إفراج هذا في الحلم..
كانت السجّانة والجنود ينظرون لنا مندهشين من الموقف مازالت كل واحدة تنظر الى الأخرى وكلمة إفراج تتردد على الافواه وكأننا نريد استيعابها.
واذا بأحد الجنود أخذ يضحك بشدة وهو يقول: لملموا أغراضكم هيا بسرعة سوف نرتاح منكم..
هنا كأنه ايقظنا من سبات عميق واذا بكل واحدة منا تصرخ بأعلى صوتها.. خرجت صرخة مدوية من الاعماق وبدون ان نشعر بها.. يقولون إفراج.. وأخذت كل واحدة تعانق الأخرى وحتى السجّانة أخذناها بالأحضان من شدة سعادتنا.
أخذت الدموع مكانها وبدأت تنهال كالسيل، تعانقت السواعد وتكاتفت الايدي باتجاه القبلة نردد نشيد.. لمستضعفي الأرض قلنا نعم.. ولأول مرة بدون خوف، بكل قوة واصرار عاهدنا الله سبحانه بمواصلة المسير وتكملة المشوار، والذي يسلك درب الجهاد لا بد ان يتحمل مشاكل الظلمة، هتفنا بصوت واحد ـ "لا اله إلا الله الهاً واحداً، ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله، وحده وحده وحده نصر عبد، واعز جنده، وهزم الاحزاب وحده، فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير"
كان الواقفون مشدودي الذهن يا ترى ماذا يعمل هؤلاء؟
أخذت النداءات ترسل صداها من الخارج هيا بسرعة.. لملمنا أمتعتنا واخذنا نعيد النظر في ذلك العنبر وكأنه الوداع لزنزانات ولأركان السجن كلها.
…في تمام الساعة الثانية خرجنا من العنبر النسائي برفقة السجّانة واثنان من الجنود، ادخلونا مكتب المدير واذا بوالدي واخ زميلتي موجودان في المكتب، اضافة إلى المحقق سعيد منصور، والمحقق عايض القحطاني، ومحمد عسيري..
أمرنا بالجلوس فألقى علينا مدير السجن كلمته الأخيرة والكل يلزم الهدوء (هتف بقوله: إن شاء الله تكونوا الآن قد تأدبتم فأنتم ارتكبتم الخطأ وهذا هو عقاب الدولة لكم، والمفروض ان يدوم سجنكم اكثر من هذه المدة ولكن رأفة ولاة الأمر بكم أبت ذلك ففرضت عليكم قضاء ثلاثة اشهر وها أنتم عشتم معنا وقضيتم أيام قد إستجلبت راحتكم فكل شيء قد توفر لكم من اكل وشرب وراتب شهري وزيارات فأنتن محظوظات هنا،..
قاطعه محمد عسيري قائلاً: انظروا إلى السجون الأخرى وكيف يعامل السجين فيها بكل ذل واحتفال أما أنتن فعوملتم احسن معاملة ولقيتن أحسن إحسان والفضل يعود للمسؤولين الكرام القائمين على الدولة وان شاء الله سوف تكون غلطتكن هذه الأولى والأخيرة.
قال عايض ـ اكيداً الأولى والأخيرة مو صحيح يـ عالية.. واللي يفكر يخطيء مرة ثانية لا يفكر بعد يطلع من السجن!!
قال المحقق ـ وما ظلمونا ولكن كانوا انفسم يظلمون لا يوجد انسان لا يخطئ والمخطئ عليه أن يتوب، فأعلنوا التوبة من الآن واعلنوا اخلاصكن للوطن وعدم التخريب فيه!!
قال محمد عسيري ـ نحن جميعاً اخوة وابناء وطن واحد نحافظ على سمعته من الأعداء والمخربين والأوباش فنحن إستضفناكن واكرمناكن ولا يمكنكن ان تنكروا ذلك!!
قال المحقق: عليكن ان تساعدوننا في العثور على أي مخرب وان تساعدوننا على جمع المعلومات عن العابثين في البلاد، وان لم تستطعن المجيء بمجرد اتصال تلفوني أعطونا الأوامر والمعلومات، وان احتجتن الى شيء فنحن في الخدمة لتلبية اوامركن سواء أموال، وظيفة أي خدمات نحن تحت الطلب!!
قال المدير: وانت عالية إسمعي جيداً وإياك الدخول السجن مرة اخرى فلن نرحمك، بعدها طلب مني ومن زميلتي إحضار ثلاث صور شمسية (طبعاً هذا تم بعد ان احضروا لنا أحد الباكستانيين لتصويرنا داخل السجن لكننا رفضنا ذلك) ومن ثم سلمني ورقة مكتوب فيها أتعهد فيها بعدم ارتكاب الخطأ في حق الدولة وان التزم كمواطن صالح، ويمنع من السفر منعاً باتاً لحين إشعار آخر..
تم التوقيع عليها وبعدها سلمنا لهم المصاحف التي اكرمونا بها في السجن الجماعي لكنهم رفضوا ذلك وقالوا خذوها منا هدية لكم. وكان مكتوب عليها (مصحف فهد).. المدنية المنورة.
واخيراً خرجنا من البوابة الكبيرة لنشم الهواء ونعانق الشمس وننطلق مسرعين حاملين راياتنا (المصحف المبارك) أعلى رؤوسنا ونحن نردد
سنحمل راياتنا هاتفين هو الله اكبر في العالمين
فإمام نموت بهذا الشعار واما انتصار وفتح مبين
إستقلينا انا وزميلتي سيارة والدي وعبر شارع (العريض) اتجهنا الى المنطقة ومن ثم الى المنزل، واذا بالحشود الغفيرة من الناس تملأ الشارع وعلى كلا الجهتين نساءً ورجالاً وحتى الاطفال الصغار خرجوا جميعاً لإستقبالنا، وفور نزولنا من السيارة هذه تضمنا وهذه تشمنا واخرى تقبلنا وتلك تقول حمداً لله على السلامة وأخذ الجميع يحيينا ويرحب بقدومنا وبدأت الحلويات توزع وسط الشارع، وعلت الزغاريد الرنّانة تبارك قدومنا، وأصبح الكل يهنينا ويبارك لنا سواءً من داخل المنطقة او خارجها، هنا احسست بتضامن الناس معنا وشوقهم الشديد لنا ولهفتهم لاخبارنا حين تم الاخراج.
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم، وينصركم نصراً عزيزاً.
صدق الله العلي العظيم
مشاركة منتدى
12 حزيران (يونيو) 2003, 18:18, بقلم قمر
بسم الله الرحمن الرحيم...وبه نستعين
قصة تدمع لها النفس قبل العين, ويسيل لها الألم,ويزداد الألم ألم اذا كان الجاني هو الوطن, فهل من أم تقتل ابنها ؟؟؟ أم هل من أم تذبح ابنتها؟؟ وكيف للوطن الذي هو الأم أن يفعل كل ذلك؟
أدامنا الله على حب الحسين عليه السلام, الذي لا نلبث أن نناديه الا ويجيبنا, وسلام الله عليه عندما أجابك وأنقذك...ودمت طالبة علم ومحبة للحسين مادام بقاءك
2 أيار (مايو) 2004, 11:38
لست اعلم لماذا هذه الوضاعه التي تملأ صدوركم
اما لقيتكم لملأ مجلتكم المهترءه الا الكلام في من يخدم حجاج بيت الله الحرام كل عام ويوزع كتاب الله علي انحاء العالم
ثم وان كان هناك اخطاء
الا توجد الا في هذا البلد لكي تضخموها وتهولوها
حسبي الله ونعم الوكيل
ياامة ضحكة من جهلها الامم
عرض مباشر : http://hardcore-porn-1.net/100_free...
10 أيار (مايو) 2004, 03:16, بقلم ام اسامة
سبحان الله
هولاءهم حكا منا فالله سبحانه وتعالى مسلطهم على شعوبهم فقط
ولو تفكر الحكومات العربية والاسلامية جيدا لعلمت ان هولاء هم الذين سوف يدافعون عنالبلد وقت الشدة وعند الحروب
وانهم لا يطمعون فى المنصب ولا المال
انما فقط هدفهم اقامة شرع الله فى الارض
وان ان نتحاكم الا بشرع الله
اللهم انصر المجاهدين فى سبيلك فى كل مكان
7 آذار (مارس) 2009, 11:05
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً ماقالته السجينه عن المحققين كذب وفراء لأن كل شخص يخذ جزاته ولا يمكن ان تأتي الأجهزه الامنيه باي شخص مهما كان إلا لسبب معين
4 كانون الأول (ديسمبر) 2009, 03:06
فيلم هندي ؟؟ وانت تدعو الحسين رضي الله عنه وهو يجيبك من دون الله؟؟؟ لاحول ولاقوة الا بالله والحسين بريء منكم ومن ما تصفون
31 كانون الأول (ديسمبر) 2009, 02:57, بقلم ممممئئ
بعد ان سمعت هاذا القصة ومن بنت فلا داعي للكزب يوجد الظلم باي مكان فبي الدنيا وعمل كل مححقق يتطلب منه هاذا والله يعينك اذا كنتي مامنة بل الله فقولي هاذا قدري وما قدر الله شاء فعل وحدلله على سلامتك