رأيٌ في اللُّغة..
فُحُولُ اللُّغة يوسِّعون لا يضيّقون ..فقُل: «سَمـَّى» وقُل: «أَسْمَى»
لم أكد أنشر مقالي الأول، في هذه السلسلة التي أَسْمَيتها: «رأيٌ في اللغة»، حتى وصلني من أحد الأحبة ما لم أفهم القصد منه؛ أكان يُحفّزني للكتابة أو يَنقُدني فيما كتبت له في رسالتي، فقال: لا تنسَ: «قل سَمَّيتها ولا تقل أَسْميتها». وعلى أي حال، فقد وعدته أن يكون مقالي التالي في هذه المسألة.
قلت: قد أنعم الله تعالى على الأمة العربية بثلّة من العلماء الأفاضل، ذوي النظرة الفاحصة المتأنية، يبحثون في اللغة بكل أناة ورَيث وتُؤَدَة، يُجيلون النظر فيها بصدر رحب واسعٍ، وبذهن حصيف واعٍ، لا متعجّلين فيها ولا متزمّتين ولا متعصّبين لرأي.
وإنني إذا خصصت بالذكر بعضًا من هذه العلماء، ذكرت ثلّة من علماء العربية أعضاء مجمع اللغة العربية المصري، ومنهم: أحمد شوقي ضيف (رئيس المجمع سابقا)، ومحمد شوقي أمين، وعباس حسن (صاحب النحو الوافي)، وأحمد مختار (صاحب معجم اللغة العربية المعاصرة)؛ وغيرهم ممن سيكون لي الكثير ما أقوله فيهم وفي مجمعهم الموقر مستقبلا.
فهؤلاء النحارير الفحول لم يألوا جهدا في خدمة اللغة العربية، لإخراجها من الجمود اللُّغوي، وتخليصها من شوائب اللّغط والعُقَد اللغوية المضنية، التي تَبْهَظ اللغة ومتكلميها، متصدّين بذلك للكثير من خرافات "القل ولا تقل" وأصحابها؛ فقل: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون!؟ وقد أثرى هؤلاء اللغة العربية بالكثير من الأبحاث الجديدة، على مدار القرن الماضي؛ كل ذلك من أجل أن يُذلَّل عَصِيُّ اللغة وينقاد أبيُّها؛ فتسلُسَ على ألسنة أبنائها بلا ضيق ولا حرج.
استدراك..
ومن مساهمتهم في تذليل هذا العَنَت لنا – نحن أبناء اللغة- إقرارهم جواز مجيء صيغة «أفعل» بمعنى «فعّل»، مستندين فيها على آراء النحاة القدامى، وعلى رأسهم سيبويه. وقد لخّص لنا كل هذا، الأستاذ أحمد مختار في معجم صوابه؛ فأوْرد ما يلي:
«اسْتِعْمَال (أفْعَل) بمعنى (فَعَّل)...
الصواب والرتبة - أَسْمَى مولوده محمدًا [فصيحة]-سَمَّى مولوده محمدًا [فصيحة]...
التعليق: من الثابت أن مجيء «أَفْعَلَ» بمعنى «فَعَّلَ» كثير في لغة العرب، كقول اللسان: أفرغتُ الإناءَ وفرَّغته: إذا قلبتُ ما فيه، وقول التاج: «سيَّله: أساله»، كما أنَّ مجمع اللغة المصري أجاز مجيء «فَعَّل» بمعنى «أَفْعَل» - استنادًا إلى رأي سيبويه- نحو: خبَّر وأخبر، وسمَّى وأسمى، وفرَّح وأفرح، وإذا كان ذلك جائزًا، فإن العكس جائز أيضًا، كما أنَّ وزن «فعَّل» ربما زاد على وزن «أفْعلَ» في الدلالة على الكثرة والمبالغة، كما في أسال وسيَّل، كما أن بعض المعاجم الحديثة أوردت ترادف الصيغتين، كقول الأساسي: أحالَ الشيءَ: حوَّله.» [معجم الصواب اللغوي (2/ 861)]
فانظر أخي القارئ، كيف أن الأستاذ أحمد مختار، يصنّف هذه الكلمة (أسمى) في فصيح القول!
وجاء ما يعضُد هذا في عدد من المعاجم العربية، أهمّها المعجم الوسيط، الصادر عن مجمع اللغة العربية المصري، حيث ورد:
«(أسمى) الشَّيْء رَفعه وَأَعلاهُ وَفُلَانًا من بلد إِلَى بلد أشخصه وأرسله وَالشَّيْء كَذَا وبكذا جعله لَهُ اسْما.» [المعجم الوسيط (1/ 452)]
وفي تكملة المعاجم العربية لرينهارت دوزي، الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية:
«سَمَّى (بالتشديد): أسمى، جعل له اسماً يقال: سماه وسمّى له.»[تكملة المعاجم العربية (6/ 153)]
وعليه أستدرِك وأقول: قل: «سمّى» وفي معناها قل: «أسمى»، ولا تثريب عليك!
ولْيكنْ شعارُنا دائما: يسّروا ولا تعسّروا، وسّعوا ولا تضيّقوا في اللغة...
وفوق كلّ ذي علمٍ عليم!