قصة الأطفال «برتقال يافا» في ندوة مقدسية
ناقشت ندوة اليوم السابع المقدسية الثقافية الأسبوعيّة قصّة الأطفال"برتقال يافا" للدّكتورة روز اليوسف شعبان عن منشورات "أ. دار الهدى، ع. زحالقة" في كفر قرع، وتقع القصّة التي رافقتها رسومات مريم الرفاعي في 34 صفحة من الحجم المتوسّط.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
ديمة جمعة السّمان
(برتقال يافا) قصة جميلة تربوية موجهة للأطفال، بنكهة برتقال يافا الحزين.
حرصت الكاتبة التربوية د. روز اليوسف شعبان في قصتها برتقال يافا الصادرة عن دار الهدى.ع. زحالقة، على وصف الأسرة الفلسطينية الجميلة المترابطة، التي حرصت أن يكون للجد الدور التربوي والوطني؛ ليكون القدوة الحسنة للأسرة. كانت أسرة وطنية بامتياز، حافظت على تاريخها النضالي والتراثي، وتمسكت بأرضها ووطنها، لم تضعف أمام العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الأرض والانسان.
كما أن تعلّق الحفيدين بالجد وشعورهما بالحزن على أبيهما؛ لأنه حرم من جده ومن الاستمتاع بصحبته تؤكد على أهمية وجود الجد في حياة الأحفاد، والعكس صحيح.
وقد أعجبني رد الوالد الذي يحمل في طياته الأمل، والنظر دوما إلى نصف الكأس الملآن. اعترف أنه خسر الجد، ولكنه أضاف أنه رغم ذلك لا زال محظوظا لان أباه لا زال على قيد الحياة، ولأنهم لا يزالون يعملون في تجارة البرتقال التي ورثوها عن الأجداد، وهذه لفتة جميلة ذكية من الكاتبة.
كانت دمعة الجد سليم تحكي ماضيا مريرا مرّ به الشّعب الفلسطيني إثر النكبة عام 1948م. وقد مرّرت الكاتبة عبر صفحات القصّة بعض من أحداث النّكبة ومعاناة الشّعب الفلسطيني وخسارته لبياراته وأملاكه، وإلى تدمير السّفن التي كانت تحمل أجود أنواع البرتقال بهدف التّصدير.
وتحدثت عن لجوء العائلة المؤقت لبيروت هربا من العدوان الإسرائيلي، والتسلل من جديد بصعوبة بالغة للعودة إلى مدينتهم يافا بعد بضعة شهور.
تناولت القصة بعض الاحصاءات، وتحدثت عن أنواع البرتقال المختلفة: الشموطي وأبو صرة وغيرها. كلها كانت معلومات مفيدة للطّفل، أغنت معرفته ومفرداته.
كانت فكرة الدبوس الذّهبي على شكل حبة برتقالة الشّموطي موفقة جدا، فقد كان "الدبوس" رمزا للصمود والبقاء والتحدي، وارتبط بالكوفية، إذ كان الجد الأكبر يضع الدبوس على كوفيته كعلامة تجارية، تعرّف التجار فور وصوله موانىء البلدان المختلفة التي يصدر لها البرتقال بأن البرتقال اليافاوي عالي الجودة قد وصل، وقد تمسك الجد بالدبوس وحافظ عليه، حتى بعد أن فقده أثناء الهروب الى لبنان، وجده أحد العمال وأعاده للجد الأكبر، فقد كان الدبوس معروفا لكل عمال الموانىء.
هنا، عودة الدبوس كان إشارة تحمل معنى ودلالة جميلة تحمل الأمل والتفاؤل، مريحة للطفل، تشعره بالأمان، وبأن الوطن سيعود لأهله مهما طال الزمن.
كانت معظم أجواء القصة تحمل رائحة البحر بكل ما يحمل من عمق وإباء وكبرياء، إلا أن النّفس كان حزينا جدا يثقل على الأطفال. إذ أنني لاحظت أن الكاتبة أسرفت في جرعات الحزن التي قدّمتها للطفل، ممّا يعكس حالة من القلق وعدم الشعور بالأمان عنده وذلك من خلال التالي:
– كان يجلس الجد سليم على الشاطئ حزينا يمسح دموعه، يجتر الماضي وأحداث نكبة عام 1948. مع العلم أن العائلة لا زالت تسكن مدينتهم يافا، فقد عادوا إليها بعد أن وصلوا بيروت، ولم يصبحوا لاجئين كآخرين ممن لم يحالفهم الحظ بالعودة إلى وطنهم!
رأيت أن في ذلك مبالغة لا داعي لها. فلو كانوا يجلسون على شاطئ بحر بيروت في الشتات، ربما كانت هذه المشاعر مبررة.
– أصيب الجد الأكبر بنوبة قلبية بعد عودته من بيروت عندما خسر تجارته. شعرت أنها كانت قاسية على الطفل ومحبطة، فكان من الممكن أن تكون هناك كلمات مشجعة فيها أمل استرداد ما خسروا من بضائع، فيكفي أنهم عادوا إلى وطنهم أحياء. عليهم أن يجتهدوا من جديد ليعيدوا عز الماضي.
– عادت العائلة من شاطئ البحر بعد قضائهم وقتا ممتعا ليجدوا منزل الجد سليم قد تعرض للسرقة، ولم يكترث الجد للفوضى التي عمت المنزل من اللصوص، ولكن كان همه الوحيد الا يفقد الدبوس "الرمز". وتفاجأت حينما خرج ابنه عابس الوجه يعلن عن فقد الدبوس، فسقط الجد مغشيا عليه.
كيف ممكن للدبوس أن يضيع، وهو " الرمز" الذي بنيت عليه القصة! بضياع الدبوس فقد الأمل باسترجاع الوطن.
تمنيت لو أن القصّة انتهت بأن أحد أفراد العائلة يهتف سعيدا بأنه وجد الدبوس، ويفضل أن يكون من الأحفاد. فتكون دلالة بأن الأحفاد هم سيحملون الراية بعد الآباء والأجداد، ويمضون قدما يدافعون عن وطنهم إلى حين استرجاعه.
من المفضل دوما أن تنتهي قصص الأطفال نهايات سعيدة، كي لا تترك أثرا سلبيا عليهم بعد الانتهاء من القصة.
على الرغم من أن السرد كان طويلا، إلا أن اللغة كانت جميلة، والصور الأدبية موفقة جدا، كما أن القصة تزخر بالمعلومات القيمة التي تزيد من معرفة الطفل بوطنه.
إخراج القصة موفق جدا، وقد أبدعت الفنانة مريم الرفاعي برسوماتها التي رافقت أحداث القصة، وزادتها جمالا.
وقال جميل السلحوت:
معروف أنّ فلسطين كانت من أشهر مصدّري الحمضيّات قبل نكبتها الأولى في العام 1948، وقد وصلت صادرات حمضيّاتها التي تميّزت بمذاقها اللذيذ إلى أوروبا وغيرها من البلدان، وارتبط برتقال فلسطين بمدينة يافا، فعدا عن زراعة البرتقال في بيّارات يافا وقراها، إلّا أنّ ميناءها كان من أشهر موانئ شرق المتوسّط، وكانت الحمضيّات تصدّر منه من خلال السّفن التي ترسو فيه. وبرتقال يافا اكتسب شهرة واسعة لا تزال متداولة حتّى يومنا هذا، فترى بائعي الفواكه وتسمعهم وهم يسوّقون برتقالهم بقولهم:" برتقال يافاوي" أو "يافاوي يا برتقال."
ويافا "أرض البرتقال الحزين"، تحوّلت بعد النّكبة وتشريد أهلها، واغتصاب أرضها، وإهمال مينائها، إلى حيّ بائس فقير، بعد أن كانت مدينة الرّخاء والفنون بأشكالها المختلفة. من هنا جاءت قصّة الكاتبة د. روز اليوسف شعبان، وكأنّي بها تمتثل لمقولة الأديب الفلسطينيّ الرّاحل سلمان ناطور:" ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة، ستأكلنا الضّباع"!
وتأتي هذه القصّة للحفاظ على الذّاكرة، بتناقلها من جيل لجيل، ولتنفي مقولة الخائبين"يموت الكبار وينسى الصّغار"، وصحيح أنّ الكبار يموتون لكنّ المأساة تنتقل من جيل لجيل.
ففي القصّة التي نحن بصددها، تدور أحداثها في يافا وعلى شاطئها، والحوار فيها بين الحفيدة "رانية" وجدّها "سليم" بالدّرجة الأولى، لكن والدها "أحمد" وشقيقها "ماهر" ووالدتها لا يغيبون عن أحداث القصّة، وحتّى الجدّ الأوّل عبدالله المتوفّى لم يغب هو الآخر. فهذه الأسرة اليافاويّة العريقة، تملك بيّارات الحمضيّات المتوارثة، كما تملك السّفن التي تنقل البرتقال لتصديره إلى أوروبا، أي أنّها كانت تعمل في الزّراعة والتّجارة، ولها ماركتها التّجاريّة المسجّلة، والتي هي عبارة عن علم يحمل صورة برتقالة شمّوطيّة. وقد عمل الجدّ الأوّل دبّوسا ذهبيّا على شكل برتقالة "شمّوطيّة"، وتوارثه الأبناء عن الأجداد.
وفي القصّة تذكير بالنّكبة الأولى من خلال هذه الأسرة ومدينتها يافا، فقد شُرّد من مدينة يافا وقراها مئة وعشرون ألف فلسطينيّ، لكنّ الجدّ الأوّل عبدالله عاد متسلّلا إلى مدينته، ولمّا وجد سفنه مدمّرة، وبيّاراته مصادرة، لم يحتمل المأساة فمات بنوبة قلبيّة. وواصل ابنه"سليم" من بعده المسيرة، وبقي محتفظا بالدّبوس الذّهبيّ، ومن خلال القضاء استعاد جزءا من أرضه. وبينما كانت الأسرة تستجمّ على شاطئ البحر، عادوا إلى البيت فوجدوه منهوبا محطّما، ولم يعثروا على الدّبوس الذّهبيّ، فقد سرقه من دمّروا البيت، وهذا أدّى إلى سقوط الجدّ سليم في غيبوبة!
الرّسومات والإخراج: الرّسومات التي أبدعتها مريم الرّفاعي مناسبة وتلائم النّص، خصوصا أنّها مفروزة الألوان، وإخراج القصّة لافت وجميل؟
ملاحظات:
في الصفحة 13 وبينما كان الحوار بين الجدّ سليم والحفيدة رانية حول الدّبوس، وكيف يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد، وأنّ الجدّ سليم سيورثه لابنه أحمد كما ورثه عن أبيه يحيى، يدخل أبو رانية"أحمد" دون تمهيد شاكرا أباه وداعيا له بطول العمر، ويعده بأنّه سيحافظ على الدّبوس عندما يؤول إليه، وهذا الدّخول بهذه الطريقة يصعب على القارئ الطّفل المستهدف بالقصّة في فهم من هو المتحدّث!
– في آخر سطر من الصفحة 16 تسأل رانية جدّها:" ما هي أنواع البرتقال التي كان يتمّ تصديرها"؟ فيجيبها الجدّ بتعداد أنواع البرتقال والحمضيّات! وبالتّالي يجدر أن يكون السّؤال حول أنواع الحمضيّات.
– في القصّة إفراط لغوي غير مبرّر، مثال على ذلك السطّور الخمسة الأولى في الصفحة 13، وكان بالإمكان اختصارها بجملة استفهامية واحدة من رانية وهي: ما هذا الدّبوس يا جدّي؟
وكتب سامي قرة:
تتحدث قصة "برتقال يافا" للدكتورة روز اليوسف شعبان (2021) في مجملها عن المأساة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948، وهي إلى حد ما تشبه في محتواها القصة القصيرة التي كتبها غسان كنفاني بعنوان "أرض البرتقال الحزين" (1962). وفي كلتا القصتين يرمز البرتقال إلى الوطن المفقود، إلى فلسطين. كتبت الدكتورة شعبان قصتها للأطفال فيما تستهدف قصة كنفاني البالغين.
يعتمد السرد في قصة "برتقال يافا" على الذاكرة. فنرى رانية تبدأ روايتها بهذه الكلمات "كثيرًا ما كنت أذهب إلى بحر يافا مع أسرتي ...". فهي تتذكر ما كانت تفعله مع اسرتها في طفولتها وفي نبرتها شوق وحنين إلى ماض جميل. تحاول رانية عن طريق الذاكرة أن تعيش مرة أخرى تجربة حياتية كانت قد افتقدتها وهي صغيرة. فعن طريق الأدب بكافة أنواعه يمكننا خلق أو إعادة خلق تجاربنا الحياتية الماضية، وهذا أحد أهم الخصائص التي نجدها في الأدب الفلسطيني الحديث. لكن رانية ليست هي الوحيدة التي تسترجع الماضي، إذ نرى جد رانية يروي ما تعرضت له يافا وفلسطين عامة عام 1948 وكيف كان العمال في مدينة يافا يجمعون البرتقال ويضعونه في الصندوق لتصديره إلى خارج فلسطين.
الذاكرة في الأدب الفلسطيني عنصر هام للحفاظ على التراث والتاريخ من الاندثار وهي أداة هامة يمكننا عن طريقها تقديم سرد مضاد للسرد الإسرائيلي الخاص بتاريخ فلسطين، وهي عامل هام جدًا كي نفهم ما حلّ بنا وكيف أثر الماضي على الحاضر الذي نعيشه. ومن أجل الحفاظ على الذاكرة الجمعية والهوية في علاقتهما مع التاريخ، يوصي الجد حفيدته رانية بوجوب "الحفاظ على ما نرثه من آبائنا وأجدادنا، خاصة إذا كان هذا الميراث يتعلق بتاريخنا ومجدنا". ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عملية التواصل الشفوي بين الجد وحفيدته يعكس أهمية التقليد الشفوي في نقل التراث من جيل إلى آخر والحفاظ عليه.
لدى تقديمه لفيلمه الوثائقي "يافا – ميكانيكية البرتقال" الذي يتحدث عن برتقال يافا قال المخرج الإسرائيلي: "صورت أفلاما عن اللاجئين الفلسطينيين، وتناولت عملية توظيف الذاكرة". لكن الذاكرة تربطنا نحن الفلسطينيين بالماضي فقطـ، والسؤال الأهم هو هل ثمة ما يربط الفلسطينيين بالمستقبل؟ وكيف يمكن للفلسطينيين الاستفادة من الذاكرة والتاريخ في صنع المستقبل؟ وإذا اتفقنا على أن أحد أهداف أدب الأطفال في فلسطين هو تعليم أطفالنا عن التراث والتاريخ الفلسطيني، وإلى عدم سلخهم عن ماضي أجدادهم، فيجب أيضا أن نستخدم الأدب كي نهيّء أطفالنا للحياة في المستقبل في عالم متقلب دائم التغير والتطور لا يمكن التنبؤ به.
يمكننا تقسيم قصة "برتقال يافا" إلى ثلاثة فصول: تجري أحداث الفصل الأول على شاطئ يافا، وتجري أحداث الفصل الثاني عام 1948 كما يرويها لنا جد رانية، وأحداث الفصل الأخير تجري في بيت الأب أحمد.
نقرأ في الفصل الأول عن بحر يافا وشاطئها، ونقرأ عن عائلة فلسطينية تعيش بسلام وفرح، وكل فرد فيها يحب الآخر ويبرز فيها الجد سليم الذي يغمر أحفاده بالحب والرعاية. وفيما يلهو الأحفاد في اللعب على شاطئ البحر والسباحة في مياه البحر نرى الجد سابحًا في خياله شارد الفكر، ويبدو حزينًا تنهمر الدموع من عينيه. وكما تقول رانية فهو يتذكر "تاريخه التليد" ويبكي على أوقات مضت، وهو في ذلك يشبه الأب في قصة "أرض البرتقال الحزين" الذي ينزل من السيارة ويحمل برتقالة وينظر إليها بصمت ثم ينفجر بالبكاء كطفل بائس. فكل من الجد سليم والأب يشعران بألم شديد بسبب ضياع الوطن وفقدانه. ولرانية علاقة خاصة مع جدها فهي تشعر بألمه وتلعب معه وتبني معه قصورًا من الرمال. هذه العائلة السعيدة سرعان ما يعكر صفوها موج البحر الغادر وينشر الذعر بين أفرادها. لكن الجد يقول إن البحر غدار ومخيف ويحذرهم منه، وفي نفس الوقت يطلب من حفيدته رانية ألا تحزن لأنهما سيعيدان بناء القصر الرملي الذي هدمته أمواج البحر. تمثل عائلة رانية العائلات الفلسطينية جميعها التي تعرضت إلى بطش الاحتلال الذي يمثله البحر. ونجد في دعوة الجد إلى إعادة بناء القصر الرملي دعوة إلى الجيل الجديد لاسترجاع الوطن الذي هدمه الاحتلال وإعادة بنائه. فهي دعوة تبعث على التفاؤل والأمل، على عكس ما نجده في قصة كنفاني مثلا التي تنتهي بحسرة وشعور أن ما مضى لن يعود.
أمّا الفصل الثاني فيبدأ عندما يرى أفراد العائلة عن بعد سفينة مبحرة ترفع علمًا طُبعت عليه صورة برتقالة. ثم ينتقل الحديث عن الدبوس الذي يمتلكه الجد على شكل حبة البرتقال، فهذا الدبوس ورثه الجد عن أبيه الذي ورثه عن والده هو رمز للوطن الذي يحبه الجد كثيرًا ويشعر أن مسؤوليته الحفاظ عليه. ثم ينتقل الحديث كي يتمحور حول البرتقال اليافاوي وأنواعه وما حصل لبيارات البرتقال عام 1948 واستيلاء قوات الاحتلال عليها وتهجيرهم للفلسطينيين منها. ومثل الفصل الأول ينتهي هذا الفصل بنبرة تملؤها التفاؤل والأمل إذ يتمكن الجد من العودة من لبنان إلى يافا بعد رحيله عنها والعودة إلى تجارة البرتقال التي كانت تمارسها عائلته وإحيائها. وفيما يسعد الجد سليم في التحدث عن أنواع البرتقال والبيارات وعن الماضي السعيد الذي نرى أن الأب في قصة كنفاني يجد صعوبة هائلة في التحدث عن فلسطين وعن بياراته وبيوته. فقد كان الأب بعيدًا عن أرض البرتقال يعيش مأساة تهجيره عن الوطن بهدوء وألم، على عكس الجد سليم الذي يتمكن من العودة إلى موطنه وإلى بياراته.
وفي الفصل الأخير نقرأ عن ضياع الدبوس الذي يمتلكه الجد ومرضه ونقله إلى المستشفى وحزن العائلة لا سيما رانية عليه. تدعو رانية لجدها بالشفاء كي تعود إلى البحر برفقته وتبني معه قصورًا من الرمال وتستمع لقصصه المثيرة عن يافا. وإن حزن الجد على الدبوس يعكس حب الجد للوطن، فالدبوس على شكل برتقالة يرمز أيضًا للوطن. نترك الجد سليم مريضًا في نهاية القصة كما نترك الأب في قصة كنفاني مريضًا وبائسًا يرتجف من الغضب، وبجواره مسدسًا وبرتقالة. كانت البرتقالة جافة يابسة تدل على الإحباط وضياع الأمل. فهل يقتل الأب نفسه؟ وهل يُشفى الجد سليم كي يعود إلى البحر ويحكي قصصه المثيرة عن يافا وفلسطين لحفيدته؟ وهل سيرجع الفلسطينيون إلى وطنهم وأرضهم كما فعل الجد سليم؟ فهل هم مثل الأب في قصة كنفاني الذي يستسلم إلى قدره أم مثل الجد في قصة "برتقال يافا" الذي يكافح من أجل العودة إلى وطنه وبالفعل يعود؟
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
في هذه القصّة الموجهة للأطفال، يجد القارئ نفسه وكأنّه أمام قصتين:الأولى قصّة البحر وغدره والعائلة، والتي يمكن الإستغناء عنها بسرد كلمات قليلة كمدخل للولوج لقصّة برتقال يافا، لأنّ الكاتبة أسهبت في السّرد والوصف والتّفاصيل الدقيقة التي تعتبر حشوا زائدا، وتثقل على الطفل، بالإضافة إلى أنّها لا تخدم فكرة القصّة كثيرا.(غرق تامر وإنقاذه من قبل الوالد، والتّفاصيل الدقيقة المتعلقة بإحضار المناشف،جدّي الّذي يسكن في الطابق الأرضي).
ثم تنتقل الكاتبة إلى قصّة برتقال يافا التي هي محور القصة وأساسها، وتهدف إلى أهمية المحافظة على تراث الأجداد، وترسيخ الوعي عند الأطفال لذاكرة تاريخ بلادهم، خاصة في عام النكبة 1948؛ فيدخل الطفل لواقع أجداده الحزين، وتثير القصّة لدى الأطفال مدى أهمية برتقال يافا، حيث أسهبت الكاتبة في الشّرح والمعلومات على لسان الجدّ سليم.
وقد أقحمت الكاتبة قصة اللصوص وسرقة الدّبوس في نهاية القصة، ممّا جعل السّرد حشوا زائدا، على الرغم من أننا ربما نقرأ في النهاية الرّمزية من سرقة الدّبوس، الّذي هو استمرار لسرقة التّراث من قبل الاحتلال.
سيطرت على القصّة العاطفةالحزينة، حزن الأطفال على هدم قصرهم الرملي، القلق الذي ساد حين علا الموج وكاد أن يغرق تامر، السّرد الحزين حول ضياع الوطن، وقد جاءت النهاية حزينة حين مرض الجدّ سليم، ممّا ينعكس على انفعالات الأطفال من القلق والحزن، وفي تعاطفهم مع الجدّ، ومن الجدير بالذكر إلى أنّ قصص الأطفال يجب أن تنتهي بالسعادة والفرح.
استخدمت الكاتبة أُسلوب السّرد القصصي التصويري الواقعي، وقد احتوى السّرد على بعض الجمل الطويلة التي يمكن تفاديها بكلمات مختصرة، جاءت القصّة على لسان أحد أفراد الأسرة(رانية) بضمير المتكلّم، ثم انتقلت على لسان الجدّ سليم، وثمّ انتقل السّرد لضمير الغائب. استخدمت الحوار بين أفراد الأسرة، وطرح الأسئلة، وتلك إشارة إلى تشجيع الأطفال في إبداء الرأي وعدم التّردد من والسؤال. استخدمت الاسترجاع الفني في استحضار الزمان والمكان في عرض تاريخ النكبة وأثرها. استخدمت المعلومات التّاريخية عن النكبة ومفرداتها.
أمّا الرّسومات فكانت جميلة، لكن ورد هناك خطأ تطابقي بين الصورة والنّص في صفحة 9، فالصورة التي في صفحة 10 تتطابق مع النّص في صفحة 9.
وختاما فإنّ القصّة لا تعالج أو تطرح مشكلة ما عند الأطفال، بل هي سرد واقعي تاريخي عن النّكبة، هدفها حفظ الذاكرة عند أجيال المستقبل؛ كي لا ينسوا تاريخهم، ولذا تعتبر القصة تثقيفية بعيدة عن المتعة مع الإشارة إلى أنّ القصّة تحتاج لتعديل وحذف بعض السّرد.
وقالت رائدة أبو الصوي:
يافا لقد جف دمعي فانتحبت دمــا
متى أراك وهل في العمر من أمد
أمسي وأصبح والذكرى مجددة
محمولة في طوايا النفس للأبد
كيف الشقيقات ؟
وأشواقي لها مدنا
كأنها قطعة من جنة الخلــد
هذه الأبيات الخالدة من قصيدة يافا
للشاعر اليافاواي الكبير محمود سليم الحوت
لمعت في ذاكرتي عند رؤية لوحة غلاف قصة ( برتقال يافا) للكاتبة الدكتورة روز شعبان.
أحداث القصة جذابة خصوصا أن المكان شاطيء بحر يافا الذي أعشقه،
والكثيرون مثلي عندهم عشق لشاطيء يافا ولمدينة يافا عروس البحر.
أعتقد أن اختيار الشاطيء مكان للقصة لم يأت صدفة، بل عن فكرة ثابتة .
القصة ذات محتوى قيم جدا ، والعقدة في القصة موجودة، والنهاية مؤلمة .
الصور الجميلة التي رسمتها ريشة الفنانة مريم الرفاعي تتناسب مع النص،
وجعلت الشخصيات ناطقة .
كل رسمة لها رمز معين، فالقصر على الرمل البيوت المهجرة التي طرد أصحابها منها بالقوة، والدبوس رمز للوثائق والأدوات التي لازال الفلسطيني
اللاجيء يحتفظ بها على أمل العودة المرتقبة لأرض الوطن. غالبية اللاجئين يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي طردوا منها ظلما وقسرا.
معلومات قيمة للطفل قدمتها الكاتبة بالقصة عن أنواع البرتقال اليافاوي.
الأمّ قدوة ومثال يحتذى به على اهمية احترام وتقدير اجدادنا والعطف على اطفالنا .
في القصة توعية ولفت نظر الى أهمية اتباع الإرشادات عند الدخول الى البحر، ومنها ضرورة استخدام الأطفال لعوامة السباحة .
نهاية القصة مفتوحة . فيها باب مفتوح للنقاش بين المربية والأطفال.
وقالت سامية ياسين شاهين:
افتتحت القصة بسردية تشد الفكر وهي الذهاب للبحر مع العائلة وهذا إشارة لحب الحياة والألفة العائلية، وخصوصا مرافقة الجد للعائلة الى البحر.
اللغة سلسة من السهل الممتنع، هناك تعبير "أخذنا جدي معنا" ص6 لها دلالة عميقة، فالأخذ هو التعلق بالشيء، وهنا أرادت الكاتبة توطيد العلاقات الاجتماعية بين أفراد العائلة.
الحدث التالي هو حزن الجد على أرضه التي سلبها من المحتل؟
ثم قفز بسرعة من حالة الحزن والتذكر الى اللعب مع الجد، هنا مفارقة بين الأحداث، ويجب الربط بين الأحداث،
الإسهاب بشرح وضع المناشف فرط زائد بالكتابة، التأكيد على بناء القصر الرملي، ثم الانتقال إلى أسلوب الحوار، وهذا الديالوج له أثر في التفاهم الاجتماعي، ويؤكد على التمك بالوطن.
ودبوس البرتقال الشموطي هو الرمز للإرث الوطني التاريخي المهم.
تطور الأحداث من جديد، سرقة دبوس البرتقالة ترمز إلى سرقة الوطن.
العبرة فيها كانت واضحة على امتداد القصة وهي التمسك بالوطن والحقوق.
ومن مجد الكروم كتبت فاطمة كيوان:
بمجرد أن تقرأ عنوان القصة (برتقال يافا) وترى صورة الغلاف تتذكر قسما لجورج حبش في إحدى رسائله" قسما ببرتقال يافا وذكريات اللاجئين، سـنُحاسب البائعين لأرضنا والمشترين."
وعندما تبدأ القراءة وترى أن القصة بدأت برحلة استجمام على الشاطئ لعائلة أبو احمد الجد سليم والأحفاد رانية وماهر والوالدين احمد وزوجته تمتلئ أنفاسك برائحة بحرها وشاطئها وبرتقالها، وتتذكر ان يافا نهضت؛
لتعد "يافا تعد قهوة الصباح" كما كتب أنور حامد، وعلى أنغام أغنية الأخوين الرحباني (أذكر يوما كنت بيافا)، تصبح أنت أيضا أسيرا للشاطئ.
قصة جميلة بطلتها الطفلة رانية المحاورة لجدها سليم، والتي عصف لها
بالقصر الذي بنوه من رمال الشاطئ حين علا الموج، وأيضا تعرض ماهر حينها للخوف من الغرق لولا أبوه وارتداؤه لعوامة السباحة، الأمر الذي ساعده بعملية السباحة. وكان ذالك الحدث سببا لاعادة الذاكرة للجد؛ ليروي للحفيدة ما حصل بالماضي.
هذه الأسرة التي اعتمدت على تصدير الحمضيات والبرتقال خاصة الشموطي، فكان لها باع بالتجارة وعملت لها ماركة خاصة مسجلة "علم عليه رسمة البرتقال الشموطي" وفيما بعد دبوس ذهبي بشكل برتقالة، وكان يصدر عبر الميناء، إشارة لأهميته الاقتصادية "الميناء والبرتقال" في معيشة السكان هناك.
يسرد الجد قصة الدبوس لأحفاده، بينما تقوم الأمّ بتدفئتهم بعد البلل إشارة الى المسؤولية واحترام الكبير، ثم يعودون للبيت واذا بهم يفاجأون بأن لصوصا اقتحموه، وسرقوا الدبوس، الأمر الذي جعل الجد يسقط في غيبوبة، وهذه إشارة الى أن اللصوص يسرقون الأرض والوطن. وهناإاشارة وتلميح من الكاتبة للأطفال بتاريخ النكبة، وأن حلم فلسطين ما زال يؤرقها شأنها شأن الكثيرين، ولا بد من تذكير الصغار بما عانى الأجداد، فالدبوس الضائع هو رمز للوطن الضائع، وما ترتب عليه من ضياع.
القصة غنية بالمفردات الجميلة واللغة البلاغية والصور المطابقة للنص بشكل لافت. وأيضا اسم القصة عكس المضمون من حيث تعريف الأطفال بأنواع الحمضيات، وخاصة برتقال يافا وأهميته الاقتصادية.
وأعحبتني جدا رمزية الدبوس والمحافظة عليه عوضا عن المفتاح" مفتاح العودة" شأن الجميع باستخدامه، بهذا الرمز نقشت الكاتبة صورة جديدة في ذهن الطفل.
ومن شيكاغو كتبت هناء عبيد:
القصة تحكي عن الجد سليم وحكاية عمله مع البرتقال، حيث يذهب هو وأسرة ابنه أحمد إلى بحر يافا، وهناك تظهر سفينة يرتفع فوقها علم مرسوم عليه صورة برتقالة من نوع البرتقال الشموطي، ومن هنا تبدأ الحكاية، حيث تسأله حفيدته: ما هذا العلم يا جدي؟ فيخبرها أن هذا سفينة تجارية وتحمل معها البرتقال الشموطي وهو أجود البرتقال الذي تشتهر فيه يافا، حيث يتم تصديره إلى معظم الدول الأوروبية، ثم تسأله عن دبوس ذهبي يأخذ شكل ثمرة البرتقال الشموطي تراه دوما في الخزانة الزجاجية في غرفته، فيجيبها أن هذا الدبوس ورثه عن والده عبد الله الذي ورثه عن والده يحيى، وهو بصدد أن يورثه لابنه أحمد والدها، وأن هذا الدبوس كان والده دوما يضعه على كوفيته فقد كان يرمز إلى برتقال يافا الشموطي عالي الجودة، الذي كانة يتاجر به ويصدره إلى بلدان عديدة مثل بلدان أوروبا كبريطانيا وألمانيا ورومانيا، كذلك إلى مصر واستانبول.
وربما أرادت الكاتبة إلى الإشارة إلى أن الفلسطيني يحتفظ بكل الذكريات التي تعمق أحقيته في الأرض، فالدبوس رمز للتذكير بالمنتجات المنهوبة، تماما كما هو المفتاح الذي يتناقله الأجيال عن بعضهم، للتذكير بأننا نحن المالكون الحقيقيون للأرض، وما زلنا نحتفظ بالمفتاح الأصلي لأبواب بيوتنا، كذلك خارطة فلسطين التي تعلق تقريبًا في عنق كل فلسطيني، كتأكيد على أننا شعب لا ينسى حقوقه.
أيضا حدثها جدها عن الاحتلال الذي دمر واستولى على بيارات البرتقال بعد أن تم تهجير أهالي يافا وغيرها من المدن والقرى ككفر عانة، إجريشة، الشيخ مؤنس بالسفن إلى لبنان. وفي هذا نموذج مصغر لحكاية نهب وطن بأكمله، كما وتركز على أننا شعب صامد لا يعرف اليأس، فرغم كل جبروت وظلم المحتل إلا أننا نتمسك بكل شبر من أرضنا، فالتهجير لم يستطع أن يمنع جدها عبد الله أن يواصل زراعة البرتقال في البيارات وإعادة تصديره بعد عودته مع بعض المهجرين عن طريق التسلل عبر الحدود، إذ استعاد بعض البيارات بعد عدة محاكم، فتجارة البرتقال بالنسبة له تاريخه وجذوره وأصالته.
تماسك الأسرة وأهمية حكايات الجدات والأجداد برز أيضًا في هذه القصة التي أظهرت مدى التصاق الأحفاد بأجدادهم، ومدى تمسك الأجداد بأحفادهم، وحرصهم على نقل التاريخ لهم بصورة مبسطة تتماشى مع أعمارهم ومدى استيعابهم.
برعت الكاتبة في التعريف على أحد منتوجات يافا الزراعية المهمة وهي البرتقال بجميع أنواعه، وقامت بوصفه بدقة، أيضا استطاعت أن تطلع الأطفال على تاريخ يافا، وكيفية تهجير أهلها من بيوتهم هم وغيرهم من القرويين إلى بيروت، وعلى كيفية استيلاء الاحتلال على بيارات البرتقال والسفن التجارية، وفي ذلك توثيق لأهم الأحداث المؤلمة التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
كما بينت أهمية التمسك بالجذور والتاريخ والأصالة من خلال تمسك الجد عبد الله بتجارة البرتقال اليافاوي الشموطي الذي ورثه عن أجداده.
بعد الانتهاء من الرحلة تعود العائلة إلى البيت، فتجد كل شيء فيه مقلوبا رأسا على عقب، وأن الدبوس الذهبي قد تمّت سرقته، ممّا أدّى إلى سقوط الجد مغشيًا عليه.
لغة القصة قوية متينة تعمل على إثراء لغة الأطفال بمفردات مثمرة، وقد رافق القصة صور ملونة جاذبة برعت ريشة الرسامة مريم الرفاعي فيها، فكانت متناسبة مع أحداث القصة وجعلت منها عملا مشوقا لمتابعته من قبل الأطفال.
وقالت دولت الجنيدي:
قصة جميلة أعادتنا الى أيام جميلة قبل النكبة عام ١٩٤٨ حينما كانت مدينة يافا أجمل المدن وأكثرها عراقة. اشتهرت بمينائها الذي تغنى به الشعراء وببحرها وشاطئها ومؤسساتها وبيوتها الجميلة ومساجدها.
انطلق منها العلم والأدب والأدباء والشعر والشعراء وكبار الفنانين، واشتهرت بإنتاجها وتصديرها. يافا مدينة البرتقال اليافاوي الشهير الذي كان يزرع ويقطف ويصدر الى معظم دول العالم.
جميل من الكاتبة أن تكتب عن هذا التراث الهام في قصة للأطفال الذين لم يعرفوا كيف كانت مدينة يافا، وكيف جار عليها الزّمان.
لقد وثقت الكاتبة تاريخ أسرة يافاويّة كانت تمتلك البيارات، وتشغل المزارعين الذين يزرعون البرتقال، والعمال الذين يقطفونه، والسائقين الذين ينقلونه الى الميناء، ومنه يصدر الى معظم بلدان العالم بسفنهم الخاصة التي تحمل ماركة مسجلة، وهي البرتقالة الشموطية المرسومة على علم مرفوع على كل سفينة. واحتفظت برمز نجاحها وهو دبوس ذهبي على شكل برتقالة كان الجد عبد الله يضعه على كوفيته أثناء العمل، وتوارثه الابن سليم وسيورثه لابنه احمد من بعده. ولكنه للأسف سرق في النهايه كما سرق كل شئ في يافا وفي فلسطين كلها.
استطاعت الكاتبة أن توصل للكبار والصغار أن يحتفظوا بذاكرة تاريخهم ونقلها الى الجيال القادمة. كما استطاعت بمساعدة الرسومات الجميلة المرافقة للرسامة مريم الرفاعي أن تصوّر المجتمع الفلسطيني المتماسك الذي تشترك فيه العائلة بكل شيء يساعدون بعضهم بعضا. حيث يسكن الجد سليم في الطابق الاول. والابن احمد في الذي يليه، وكان الجد والابن وزوجته يجلسون عل مائدة الطعام، والجد يلبس الزّيّ التقليدي الفلسطيني وهو القمباز، ويضع على رأسه الكوفية البيضاء والعقال الأسود. وكيف تخرج الأسرة كلها الى شاطئ البحر يتقاذف الجد الكرة مع حفيديه، ويبني مع حفيدته رانية قصرا من الرمال على الشاطئ، وعندما جرفه الموج حزنت عليه فواساها بأنهم سيبنون غيره، وهذا يصور الحزن الذي أصاب الناس بعدما سرقت بيوتهم من المحتل. ورأينا كيف يسبح الأب مع ابنه الصغير تامر، ويبقى بجانبه، وعندما علا به الموج أنقذه بسرعة لأنه كان يلبس عوامة السباحة، وهذا يعلم الأطفال أن يضعوا دائما عوامة السباحة، وألا يبتعدوا عن الكبار، لأن البحر مخيف وغدار،ونرى دور الأمّ الحانية التي تهتم بكل العائلة وترعاها، تأخذ بيد الجد وتسانده وتمسك بيد ابنتها الصغيرة وتمشيان على شاطئ البحر، وتسرع بالقاء المناشف للجد ورانية حينما بللهما الموج، وتواسي الصغير وتحنو عليه، وتحمد الله على سلامته وسلامة والده، وكيف احتضن الجد الطفلة الصغيرة، ثم كيف تجتمع العائلة على الشاطئ لأكل الساندويشات التي حضرتها الأمّ. (وهذا درس ان يكون الأكل على الشاطئ خفيفا) .وأثناء الأكل أخبرهم الجد عن قصة الدبوس الذهبي، ولماذا اهتم به وحافظ عليه. وبذلك أعطى العائلة كلها درسا بالحفاظ على ما يرثه الأبناء من اللآباء والأجداد خاصة إذا كان الميراث يتعلق بتاريخهم ومجدهم.
وعلمهم أن البرتقال يقطف في شهر تشرين الأول وكيف يقطفه العمال ويعبئونه في صناديق خشبية بعد أن يلفوا كل حبة بورقة خفيفة مرسوم عليها علامة الماركة، حيث كان لكل تاجر ( ماركة) أو علامة تجارية خاصة به، وأن ماركة عائلتهم حبة البرتقال الشموطي المشهورة. وكما روى الجد قصة هجرتهم عام 1948 هم ومئه وعشرون ألفا من يافا ومن القرى المجاورة لها، والتي ذكر اسمها في القصة؛ ليعرفها الكبار والصغار، وكيف ساعد الجد مع زوجته بعض المهجرين بالصعود الى السفن وخبأهم بين صناديق البرتقال، وكيف فقد دبوسه الذهبي أثناء ذلك ولكنه وجده لاحقا. وحدثهم كيف عاد والده عبد الله مع عائلته والعديد من السكان بعد انتهاء الحرب متسللين، وبعضهم دخلوا مع مهربين خفية الى يافا، ووجد أن سفنه دمرت، وتم الإستيلاء على جميع بياراته، أصيب بنوبة قلبية مات على أثرها. وأن الجد سليم عاد الى تجارة البرتقال، وأحيى ماركة آبائه وأجداده من جديد بعد أن استعاد عن طريق المحاكم قسما من بياراته. وختمت القصة بصورة الطفلين يتحدثان مع والدهم بسعادة عن أمورهم العائلية.
هكذا نحن الفلسطينيون كطائر الفينيق ننهض من تحت الرماد.
لقد سردت الكاتبة جزءا من قصة نكبة الشعب الفلسطيني، كيف شرد من وطنه وسرقت ممتلكاته؟ وفي كل موقف وفي كل صورة أعطت درسا للكبار وللصغار بما حدث أثناء النكبة، وما نتج عنها، وفي كل موقف وصورة درسا للأطفال بالحفاظ على تاريخهم وتراثهم وعاداتهم الجميلة وتقاليدهم. المفيدة، وأخذ العبر للأيام القادمة السعيدة بإذن الله.
وقلت رفيقةعثمان:
هدفت القصّة إلى إعادة واستحضار التاريخ، وأمجاد المكان والزّمان، كذلك أهميّة برتقال يافا وتميّزه عن باقي البرتقال بجودة نوعيّته، وتعريف الأطفال على أنواعه المختلفة؛ خاصّةً البرتقال الشّمّوطي.
تعتبر قصّة "برتقال يافا" قصّة ذات أفكار قيّمة؛ لكنّها مكثّفة في أحداثها وازدحام معلوماتها وصعوبة لغتها؛ لتقديمها للأطفال ما دون العاشرة، من الرّسومات تبدو بأنّ هذه القصّة مُقدّمة للأطفال.
في هذه القراءة تناولت إبراز عنصر العاطفة بالقصّة، وتأثيرها على نفسيّة الأطفال؛ حيث
طغت العاطفة الحزينة على القصّة في عدّة مواقف:
اوّلا عندما هدمت أمواج البحر، القصر الرّملي الّذي بنته الطّفلة رانية بمعيّة جدّها سليم، بعد أن استمتعت كثيرًا في بنائه بصحبة جدّها.
برأيي هذه الفكرة كانت غير مُوفّقة؛ نظرًا لإكساب الشعور بالإحباط والغضب عند الأطفال عندما تمّ هدم القصرالرّملي بسهولة بواسطة موج البحر؛ ممّا كان له الأثر النفسي السّلبي على نفسيّة الطّفلة رانية. كما نعلم بأنّ الأطفال يتماهون مع شخصيّة البطلة، ممّا يعكس الشعور بالحزن لديهم.
من الممكن الاستفادة من حدث الهدم باستغلال الفرصة، من قِبل الجد بالشرح حول هدم البيوت الفلسطينيّة التي تمّ تدميرها بعد النّكبة، وأن يبعث الأمل في نفوسهم بالبناء من جديد، عند الهدم تزداد العزيمة بالبناء وعدم الاستسلام. ( هذا لو كانت القصّة مُوجّهة لليافعين).
الحدث الثّاني المؤلم وله الأثر النفسي غير المُرضي، عندما روى الجد عن وفاة أبيه بعد العودة إلى يافا بالتّسلّل، وتمّت مصادرة بيّاراته وسفنه بعد التّهجير ووفاته بنوبة قلبيّة جرّاء ذلك؛ بينما الحدث الآخر المُحبِط أيضًا، وله الأثر النفسي وتسبّب الحزن في نفسيّة الأطفال، هو سرقة اللّصوص للدّبّوس الذّهبي الّذي يحمل شعار ماركة البرتقال الشّمّوطي الّذي ورثه الجد سليم عن أبيه، والّذي احتفظ به في صندوق مقتنياته؛ والحدث الأخير الّذي بعث الحزن أيضًا في نفسيّة الطّفلين رانية وتامر، عند وقوع الجد سليم مغشيًا عليه وأخذه للمستشفى للعلاج؛ بسبب فقدانه للدّبوس الذّهبي بعد سرقة اللّصوص له.
ظهرت عاطفة الفرج لفترات قصيرة، عندما بنت رانية القصر الرّملي، ولكن تلاشت الفرحة سريعًا بعد أن هدمها الموج؛ كذلك بدت الفرحة والسّعادة من علاقة الجد للأحفاد، ولكن هذه الفرحة لم تدُم؛ بسبب إغمائه ونقله إلى المستشفى، فرح الأطفال عندما عرفوا عن الدّبوس الذّهبي الّذي حفظه الجد، لكن هذه الفرحة اختفت، عندما سرق اللّصوص هذا الدّبّوس.
ممّا سبق، نلاحظ بأنّ العاطفة الحزينة هي الغالبة، ومن أهم عناصر القصّة هي إدخال الفرح على قلوب الأطفال، وعدم إثقال همومهم وما لا تحتمله قدراتهم النفسيّة والعقليّة.
على الرّغم من النوايا السّليمة للكاتبة؛ بعرض الأهداف المنشودة من تمجيد القديم، واستحضار التّاريخ للرّواية الفلسطينيّة؛ إلّا أنّها تناولت عدّة أحداث مكثّفة بعيدة عن مدارك الأطفال دون سن العاشرة، ومن الأفضل تناول حدث أو قضيّة واحدة، في قصّة واحدة والتركيز عليها؛ بدلا من إقحام عدّة أحداث دراميّة في قصّة واحدة.
برأيي تلائم هذه القصّة الأبناء اليافعين، بعد إجراء التعديلات اللّازمة، من التركيز على محور واحد فقط والتوسّع به، مع الاهتمام في إدخال عنصري التشويق والخيال.
تبدو اللّغة مناسبة لفئة اليافعين، من سلاستها وإثرائها بالقاموس اللّغوي.
إنّ تناول موضوع الهجرة أثناء النّكبة، والرّواية الفلسطينيّة، هامّ جدّا، هذا الحدث يحتاج لقصة منفردة؛ لتعطيه الكاتبة حقّه من السّرد والتفصيل.
عنوان القصّة "برتقال يافا" يحمل في طيّاته أهميّة برتقال يافا قبل النّكبة، وهو رمز يشير إلى الرّواية الفلسطينيّة، وأمجاد يافا وعظمة تجارتها، وتصديرها للبرتقال إلى بعض الدّول الأوروبيّة.
من الممكن تأليف ثلاث قصص من هذه القصّة.