الأربعاء ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم ماجدولين الرفاعي

أحبك قليلاً، كثيرًا، بحنو، بشغف، بجنون، لا أحبك

يولد الحب في رحم الحياة ثم يكبر رويدا رويدا ليتمكن في زمن ما من الوقوف على قدميه ويواجه الحياة وتحدياتها وضغوطها الاجتماعية والسياسية وما إلى هنالك من ضغوط أخرى
ونستطيع تشبيه الحب بشجيرة الياسمين الصغيرة التي تحتاج للرعاية لتكبر وتزهر وتبدأ جذورها بالتشبث بالأرض ممتدة بعيدا بعيدافي عمق الارض متشبثة بالاعماق
وكما تحتاج النبتة للرعاية يحتاج الحب أيضا وإلا ذوى ومات تاركا خلفه قلوبا متعبة وأطلال حزينة لقصص كان بالإمكان أن تزهر وتطرح الثمر.

الحب هو عناق للأرواح وتواصل مورق

الحب
هو الحب .... بكل أنواعه وحالاته

وقد بدا البعض في الآونة الأخيرة بالحديث عن الحب عبر الانترنت أو كما سماه البعض الحب عبر الأثير مبدين تعجبهم من ظهور قصص حب كتلك ومتهمين اياهاعلى أنها موجة أتت بها حضارة الانترنت والمجتمع الرقمي وانها ومضة سرعان ماتزول
ولا ادري سبب استغراب البعض لتلك القصص علما أن الانترنت هو الطريقة المثلى لتقريب المسافات وفتح أبواب للتعارف والتقارب والحب ومع انها لم تكن متاحة في السابق فقد ازدهرت بعض قصص الحب رغم عدم وجود تقنيات تقرب المحبين من بعضهم لكن الارواح حين تتلاقى لا تسال عن السبب والمسببات
كثيرة هي قصص الحب عبر التاريخ التي نمت وكبرت من خلال الرسائل التقليدية والتي كانت تستغرق أيام لتصل إلى صاحبها علما
أنها السبيل الوحيد للتواصل .

فإذاً ماالذي يجعل الحب يحصل بين رجل وامرأة تفصلهما آلاف الكيلومترات؟
أليس هو التميز الفريد في شخصية من نحب؟
وكأنموذج للحب عن بعد والذي يشبه الى حد بعيد حالة الحب على عبر الأثير
قصة الحب والصداقة التي جمعت بين الأديب جبران خليل جبران والأديبة مي زيادة
والسؤال ما سر هذا الحب بينهما ؟ولماذا لم نتعجب من وجوده؟
وهل الكلمة المكتوبة على الورق اشد وقعا في النفس من الكلمة المكتوبة على الانترنت؟

أنها الأحرف ذاتها التي تعبر عن الحب إن كانت ورقية أو الكترونية المهم إيصال الحالة الجميلة الذي تختزل شعور المحبين في عبارات تدخل القلب وتقطن الفؤاد
لم يلتق جبران بمي أبداً رغم حوالي ربع قرن على التراسل.. كان هو في نيويورك، وكانت هي في القاهرة.. ورغم أن اللقاء دار ببالهما، وخصوصاً ببال مي، إلا انه لم يحصل، بحور وجبال ومسافات شاسعة فصلت بين العاشقين
إلا إن الحب لم ينقطع بالرغم من أن بعض النقاد أشاروا إلى أن مابين مي وجبران ماهو إلا صداقة أدبية بحتة ولا ترقى لحالة الحب ولكن هذه الرسالة تدل على وجود الحب وأكثر.....

من جبران إلى مي
نيويورك 26 شباط 1924

نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة.
أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال:

يا مي عيدك يوم

وأنت عيد الزمان

انظري يا محبوبتي العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة ((رفيقة)) ارتعش قلبي في صدري، فقمت ومشيت ذهاباً في هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه. ما أغرب ما تفعله بنا كلمة واحدة في بعض الأحايين! وما أشبه تلك الكلمة الواحدة برنين جرس الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت، ومن العمل إلى الصلاة.

تقولين لي أنك تخافين الحب.
لماذا تخفين يا صغيرتي؟
أتخافين نور الشمس؟
أتخافين مد البحر؟
أتخافين مجيء الربيع؟
لماذا يا ترى تخافين الحب؟

أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كلَ شيء. نحن نريد الكمال. أقول يا ماري إن في الإرادة الحصول، فإذا كانت إرادتنا ظلاً من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله.

لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.
اسمعي يا ماري: أنا اليوم في سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معي في سجني حتى نخرج إلى نور النهار وهل تقفين إلى جانبي حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟

والآن قربي جبهتك. قربي جبهتك الحلوة – ………………والله يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبي الحبيبة.

جبران

لا بأس – على أنني أخشى بلوغ النهاية قبل الحصول على هذا الشرف وهذا الثواب.

لنعد هنيهة إلى ((عيدك)) أريد أن أعرف في أي يوم من أيام السنة قد ولدت صغيرتي المحبوبة. أريد أن أعرف لأني أميل إلى الأعياد وإلى التعييد.
وسيكون لعيد ماري الأهمية الكبرى عندي. ستقولين لي ((كل يوم يوم مولدي يا جبران))
وسأجيبك قائلاً: ((نعم، وأنا أعيّد لك كل يوم، وكان لا بد من عيد خصوصي مرة كل سنة)).
هذه الرسالة دليل واضح على عمق الحب المشتعل بينهما وقد جاءت ردا على رسالة من مي تعترف لجبران فيها بحبها له وتشتكي من خوفها من هذا الحب الذي لاامل فيه رغم أنها تتمنى أن ينتهي نهاية سعيدة كما معظم قصص الحب
ومن يقرا مجموع الرسائل المتبادلة بين العاشقين يكتشف أنهما يتعايشان يوميا وكأنهما معا رغم بعد المسافة ورغم هذا كانا يتبادلان الحياة بتفاصيلها فقد كتب جبران لمي رسالة يعاتبها فيها على قص شعرها بالرغم من انه لايراه ولا يرى طوله :

نيويورك 23 آذار 1925

إذاً قد قصصت شعرك؟ قد قصصت تلك الذوائب الحالكة ذات التموجات الجميلة؟ ماذا يا ترى أقول لك؟ ماذا أقول وقد سبق المقص الملام؟ لا بأس، لا بأس. عليّ أن أصدق ما قاله لك ذلك المزين الروماني ... رحم الله آباء جميع الرومانيين...
وفي مقطع آخر من نفس الرسالة يسال مي عن عيونها فيقول:
والملاحظ من تلك الرسالة وأخرى غيرها الكثير أن مي وجبران عاشا حياة بأكملها من خلال الخيال والتخيل وكبر
لنعد الآن إلى حال عينيك.

كيف حال عينيكِ يا ماري؟ أنتِ تعلمين، أنتِ تعلمين بقلبك أن حال عينيك يهمني إلى درجة قصوى. وكيف تسألين هذا السؤال وأنت تشاهدين بعينيك ما وراء الحجاب.أنت تعلمين أن القلب البشري لا يخضع إلى نواميس القياسات والمسافات وأن أعمق وأقوى عاطفة في القلب البشري تلك التي نستسلم إليها ونجد في الاستسلام لذة وراحة وطمأنينة مع أننا، مهما حاولنا لا نستطيع تفسيرها أو تحليلها. يكفي أنها عاطفة عميقة قوية قدسية. فلم السؤال ولم الشك؟ ومن منا يا ماري يستطيع أن يترجم لغة العالم الخفي إلى لغة العالم الظاهر؟ من منا يستطيع أن يقول "في روحي شعلة بيضاء أما أسبابها فكذا وكذا، وأما معناها فكذا وكذا، وأما نتائجها فستكون كذا وكذا"؟ كفى المرء أن يقول لنفسه " في روحي شعلة بيضاء".

قد سألت عينيك يا ماري لأنني كثير الاهتمام بعينيك، لأنني أحب نورهما، وأحب النظرات البعيدة فيهما، وأحب خيالات الأحلام المتموجة حولهما.

ولكن اهتمامي بعينيك لا يدل على أنني قليل الاهتمام بجبهتك وأصابعك.

الله يباركك يا ماري المحبوبة، ويبارك عينيك وجبهتك وأصابعك والله يحفظك دائماً
جبران

برغم البعد بعض المشاكل تخللت هذا الحب
وبعض الشك من قبل مي الاانّ العلاقة استمرت يسودها الاحترام المتبادل والصداقة الجميلة بينهما من خلال الخطابات والرسائل ترى اوليس هذا حبا عبر الأثير؟ ولماذا يختار جبران امرأة بعيدة عنه كل هذا البعد يحبها ويبثها أشواقه ولعايشها يوما بيوم؟؟ رغم معرفتنا بان لجبران علاقات متعددة مع النساء إلا أن الحب يختار شراكة متفردة بين رجل وامرأة دون النظر لاماكن تواجدهما في الواقع المعاش أو في الواقع المتخيل ففي رسالة أخرى لجبران نرى في آخرها بعد أن يسرد بعض الأحداث يخبر مي بأنها معه وسترافقه في كل الأوقات فكتب:

ستكونين معي كلَ يوم من أيام نيسان. وستكونين معي بعد أن ينقضي نيسان- كل يوم وكل ليلة.

والله يحرسك ويحفظك يا مريم المحبوبة.
جبران

ترى لو عاصر جبران ومي عصر الانترنت والمسنجر والويب كام وإلى ماهنالك من تقنيات حديثة تساعد على التقارب والتعارف أما كان الحب بينهما سيكبر وربما لأثمر عن ارتباط مقدس؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى