الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨

أدب المقاومة الفلسطيني أبعاد ومواقف 1 من 2

بقلم الأديب الراحل غسان كنفاني

سامي يقف وحده على خشبة المسرح في مسرحية ذات بطل واحد، كتبها في الأرض المحتلة شاب اسمه توفيق فياض، إنه يتحدث عن كابوس يُلمّ به، وفجأة يتوقف، ينظر ناحية الجمهور ويتفحص الجالسين بارتياب، ويقول مشيراً الى الجمهور باستغراب:

"ماذا؟ أنتم؟ ألا تزالون هنا؟ ماذا تفعلون هنا بحق الشيطان؟ أوه! يا للغباء! ظننتم أنني سأترك هذا البيت لكم؟ يا للوقاحة! منتهى الوقاحة! كدت أنسى أنكم هنا، كدت أنسى تماماً. ما كان علي أن أفعل. يتحتم علي ألا أغفل عن ذلك مطلقاً، أنكم تحتلون بيتي، تسرقون حريتي، ودون مبرر، دون أن يردعكم قانون عن ذلك، لا. لا. لن أنسى مطلقاً. أعدكم بذلك، أنه لسوء حظكم، ولكنني سأبر بوعدي".

إن هذا الخروج المفاجئ من المسرحية العادي، المليء بثقل كابوس مشوش ومختلط، يشبه الصدمة الكهربائية، إنه نوع من الاكتشاف يشبه أن تشعل ضوءاً في غرفة مظلمة، فإذا الأمور التي كانت تبدو مشوشة ومختلطة، تسقط الى وضوح مباشر وصاعق.

مسرحية "بيت الجنون" لتوفيق فياض علامة بارزة في أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، فهي، شكلاً ومضموناً، أكثر من صرخة شجاعة، إنها تفسير وموقف ونبوءة، فالبطل سامي وحده هو بطل المسرحية، وكلمة "وحده" ليست رفاهاً تكنيكياً في المسرحية ولكنها إعلان عن الموقف بالشكل، والجمهور الذي يواجههه البطل طرف في صلب المسرحية وحين يقف على مقدمة المسرح يواج فجأة ظاهرة غريبة فيقول بارتياب:

"لماذا تنظرون إلي هكذا؟ لماذا تتخذون جميعكم نفس الهيئة حين أنظر اليكم؟ أو أحدثكم؟".

إن سامي، مدرس التاريخ والأدب، المطرود من عمله، يعيش في غرفته الصغيرة كابوساً مروعاً. بينه وبين نفسه، ثمة اختلاط بالأمور يأخذ طابع الجنون، ولكنه حين يواجه "المتفرجين" تتضح الأمور أمامه كأنما بفعل السحر، ويأخذ حوراه مع نفسه طابع الوضوح والمباشرة. والمباشرة هنا ليست ضعفاً في الإداء الفني ولكنها ضرورة لها عمقها الخاص. وفي النهاية، حين يشعر أنه محاصر بالذين جاءوا ليقبضوا عليه بلا سبب، وبالريح الغربية، وبالكابوس، يعلن موقفه كما يلي:

"هناك . . أنت . . هل تسمع؟ إنني لا أخافكم، لا أرهبكم، سأتحداكم جميعاً، سأنتصر عليكم جميعاً . . جميعاً، وحدي".

ويخرج سامي من الباب، فيما نسمع صوته يدوي: "وحدي!".

ليس سامي إلا كلمة المقاومة، وليس مسرحية "بيت الجنون" إلا قصتها، فهو رجل معزول، محارب، ملاحق من الخارج ومن الداخل، والى حد بعيد مخدوع وممزق ومشوش وشبه يائس، ولكنه في نهاية المطاف يقاتل وحده، ولا يخاف. ويعد ألا ينسى، وحين يطوف رغماً عنه فوق مد الإنسان والظروف وجزرهما، يعود فجأة الى الرؤيا الواضحة والمباشرة، ويدق نفسه الى أرضه الحقيقية:

"إنكم على حق، طبيعي أن يضيق المجرم بآثار جريمته، وطبيعي أن يدفعه ذلك الى ارتكاب جريمة غيرها. حتى يتمكن أخيراً من القضاء على كل ما يذكره بجريمته الأولى".

إنه يدرك ذلك، ويمضي مرة أخرى فيقول:
"ما كان علي ازعاجكم بمشكلة تخصني وحدي، لا أدري، ربما كانت ويشير الى إحدى الحاضرات بين الجمهور:
هل تخصك هذه المشكلة؟ أعني، أعني أن تكوني مجرمة، وأن تقضي على كل أثر لجريمتك. أوه! لم أقصد، كنت أعني، أن يكون جنينك من صنع حداد ثم، ثم يميته؟ طبيعي ألا توافقين!" (1).

ولكن هذا الإنسان الوحيد الذي يواجه منفرداً تحديات داخلية وخارجية. ويعقد العزم على المضي بمعركته الى نهايتها، لا يخضع على الإطلاق الى رؤيا مجتزأة أو مصغرة، فسامي نفسه، بطل "بيت الجنون"، يتوصل في نهاية المطاف الى موقف مدرك لجميع أبعاد مسألته، وهو، وإن كان يعدُ المشاهدين بألا ينسى على الإطلاق أنهم اقتحموا بيته، ويعتبر أن هذا الاقتحام يلقي على أكتافه مهمة عاجلة، إلا أنه لا يخدع نفسه باجتزاء مشكلته على هذه الصورة، وهو يرى – بالرغم من تشوشه وثقل الكابوس المباشر الذي يجثم فوق رأسه – الأبعاد الأخرى لقضية الاقتحام هذه، ويشير اليها ببراعة متلمساً حدودها المحلية والعربية والعالمية والاجتماعية، أيضاً.

إن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة يتميز بهذه الرؤيا العميقة، ولذلك فهو يقاتل على أكثر من جبهة، وسيكون من المدهش حقاً أن يرى الدارس، في إنتاج أدباء الأرض المحتلة، إدراكاً مبكراً، عبر الشعر والقصة والمسرحية، لكثير من معطيات الموقف الذي اكتشفه الأدباء العرب أو على وشك أن يكتشفوه في مختلف البلاد العربية، على العموم، في أعقاب 5 حزيران 1967.

سنرى فيما يلي أن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة قد ربط ربطاً محكماً بين المسألة الاجتماعية والمسألة السياسية، واعتبرهما طرفين من صيغة لا بد من تلاحمهما، لتقوم بمهمة المقاومة. وقد مضى ذلك الأدب الى أبعد من هذا، حين أدرك في وقت مبكر أيضاً الترابط العضوي بين قضية مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وبين قضايا التحرر في البلاد العربية وفي العالم، وعلى هذه الجبهات جميعها، بكل تعقيداتها، خاض أدب المقاومة في فلسطين المحتلة معركة التزاماته.

لقد اخترنا مثال "بيت الجنون" كنموذج للبساطة الأصيلة التي تتم فيها عملية الربط المعقدة التي أشرنا اليها، فبطلها الوحيد، الذي تتنازعه تحديات متعددة، يعود بين لحظة وأخرى ليثبت تلك التحديات جميعها حول محور واحد، هو المواجهة المباشرة مع التحدي الاسرائيلي الأثقل. وبالتالي تغدو كل التحديات المذكورة مربوطة الى ذلك المحور بجاذبية لا فكاك منها، ولكنها جاذبية ليس من شأنها إلا توضيح أبعاد النزال.

إن هذا الواقع الذي تبلور من تلقائه، خلال تطورات متداخلة، قد أدى بدوره الى ظاهرة هامة ينبغي ملاحظتها، فالغالبية الساحقة من أدباء المقاومة في فلسطين المحتلة يمدون التزامهم الى ما هو أبعد من الحدود الفنية، إنهم منتسبون فعلاً الى الحركة الوطنية بصورة أو بأخرى، ويناضلون من خلال تنظيماتها، ويذوقون، في سبيلها، نتائج سياسة القمع الاسرائيلية، لقد بات معروفاً – مثلاً – أن الشاعر محمود درويش قد أودع السجن مراراً، وأن الشاعر سميح القاسم قد ذاق بدوره مرارة الأحكام العسكرية. وقد مارست الحكومة الاسرائيلية ضغطاً متواصلاً على شركة أهلية لتطرد من بين موظفيها الشاعر فوزي الأسمر سبب شعره، ونضاله السياسي معاً (2)، وتعرض الشاعر توفيق زياد الى الطرد من وظيفته، وكذلك توفيق فياض، وغيرهم.

ولكن سياسة القمع هذه لم تؤد الى أية نتيجة سلبية، وفي الواقع فإن شاعراً مثل محمود درويش قد جدد رؤياه وطور أداءه بصورة مذهلة خلال وجوده في السجن، وكذلك فعل سميح القاسم. وأدت سياسة القمع الاسرائيلية، التي غالباً ما كانت تعطي نفسها بمحاولات لتفتيت المجتمع العربي في الأرض المحتلة، وتأليبه على بعضه، الى إدراك متزايد للوجه الاجتماعي في حركة المقاومة. وقد انعكس هذا، بصورة خاصة، على القصص القصيرة التي تعاملت أولاً مع قضايا التقاليد الكابحة داخل المؤسسة الاجتماعية العربية، ورفضتها، في سبيل تجديد دماء المجتمع العربي ليكون قادراً على مواصلة مسؤوليات المقاومة، والمضي فيها الى مداها، وانعكست أيضاً، وغالباً، في شعر الشعراء الشبان مع مطالع تجاربهم. وأي رصد لهذه التجارب سيؤدي الى ملاحظة موحدة تقريباً، وهي أن الشاب يبدأ تجربته غالباً برفض القيود التي يفرضها المجتمع الريفي على علاقات الرجل بالمرأة، أو الأب بالابن، إلا أن هذا الرفض ما يلبث، وبصورة متسارعة، أن يأخذ أبعاده وأعماقه، ويتوصل الى الارتباط بآفاق التحدي المختلفة التي تواجه المواطن العربي في الأرض المحتلة، ليخرج من ذلك كله بالصيغة النهائية الراهنة، وهي إعطاء أدب المقاومة بعده التقدمي، الاجتماعي، العربي، والعالمي.

وحين يتصفح الناقد شعر محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما، في أوائل عهد هؤلاء الشعراء بنظم الشعر، يلحظ ذلك بصورة واضحة، فشعر هؤلاء لا يتصف فقط برفض عصبي لظاهرة اجتماعية محدودة، ولكنه يتصف أيضاً بضعف مثير للدهشة في بنائه الفني.

لسميح القاسم مثلاً، في أواسط الخمسينات، قصائد رومانطيكية عن المرأة، ذات أفق محدود وموقف جزئي وضعف فني ملحوظ، ولكنه، بعد سنوات قليلة، يسوي بناءه الفكري والفني بصورة فريدة، نلحظها في قصيدته "أنتيغونا" ابنة أوديب الشهيرة:

خطوةٌ، ثنتان، ثلاثْ
أقدم أقدم
يا قربان الآلهة العمياءْ
يا كبشَ فداءْ . .
في مذبح شهوات العصر المظلمْ
خطوةٌ، ثنتان، ثلاثْ
زندي في زندِك
نجتازُ الدربَ الملتاثْ!
يا أبتاهْ!
ما زالت في وجهك عينان
في أرضك ما زالت قدمان
فاضربْ عبرَ الليل
بأشأم كارثةٍ في تاريخ الإنسان
عبرَ الليل، لنخلقَ فجرَ حياة
يا أبتاه!
أن تسمل عينيك زبانيةُ الأحزان
فأنا ملءُ يديك
مسرجةٌ تشربُ من زيتِ الايمان
وغداً يا أبتاه أعيدُ اليك
قسماً يا أبتاه أعيدُ اليك
ما سلبتك خطايا القرصان
قسماً يا أبتاه!
باسمِ الله وباسمِ الانسان . .
خطوة، ثنتان، ثلاث
أقدم . . . أقدم

وسيعطينا محمود درويش مثالاً أوضح على هذا التطور النوعي، الذي ينمو من تلقائه من خلال الممارسة الفعلية للمقاومة.

ففي أواخر الخمسينات يأخذ غضب محمود درويش، شكلاً ومضموناً، الوضع التالي حين يشكو من عسف التقاليد التي تلحق الأذى بالفتاة التي يحبها:

وتنامُ أجفانُ الحياة
إلا بكاء من كئيبٍ موجع
من بيوتِ القريةِ
هي بنت شيخ القريةِ
تبكي وتصرخُ باكتئابْ
والسوطُ محمرّ الاهابْ

ولكن لنلحظ، بعد سنوات قليلة، تلك القفزة التي لا تصدق يقوم بها الشاعر نفسه، منتقلاً من ذلك الضعف الفني الملحوظ والتصدع في المضمون، الى درجة عالية جديدة:

لقد تعوّدَ كفي
على جراح الأماني
هزي يديّ بعنف
ينسابُ نهرُ الأغاني
يا أمّ مُهري وسيفي . .
يداكِ فوق جبيني
تاجانِ من كبرياءْ
إذا انحنيتُ انحنى
تلٌ وضاعت سماءْ
ولا أعودُ جديراً
بقبلةٍ أو دعاء
والبابُ يوصدُ دوني!
على يديكِ تصلّي
طفولةُ المستقبلْ
وخلفَ جفنيكِ طفلي
يقولُ: يوميَ أجمل
وأنتِ شمسي وظلّي

إن هذه الظاهرة شائعة بصورة تشبه القاعدة، وراشد حسين يتطور على طريقته الخاصة ضمن هذه القاعدة، ففي قصيدة له في أواخر الخمسينات يغازل فتاته بالصورة التالية:

ونمرّ في أطيانكم يوماً فيصدفنا أجيرْ
قذرُ الثياب، فتبصقين على التراب
فأحس في عينيّ إعصارا
وفي بدني سعير
وأقول: يا بنتَ الأمير!
أنا كلّ شعري للأجير

وبعد سنوات قليلة سيقفز راشد حسين بدوره قفزة لافتة للنظر في الشكل والمضمون على السواء، ففي قصيدته "الجياد" يأخذ غضبه ورفضه الصيغة التالية:

في قُرانا بينَ طيات الدخان
يكبرُ الطفلُ لكي تكبرُ بالطفل التهاني
ليقولوا: أصبحَ المحروسُ حلماً للحسانِ
أو عريساً صارَ، في سنّ الزواج
ابن فلان
وإذا جيلٌ من العرسانِ يجتاحُ بلادي
جيلُ أطفالٍ كبارٍ، كالجيادِ
ملأتْ أذهانَهم أشباحُ تفكيرٍ رمادي
 
ويمضي يقول، عن الناس:
 
همّهم أن تلدَ الزوجةُ مولوداً ذَكَرْ
ليقولوا: "إنها بنتُ أصيل مفتخرْ
وضعتْ طفلاً ذَكَرْ
وجهُهُ وجهُ القمرْ
ليقولوا: زوجُها فحلٌ عظيمْ
رجلٌ . . "
بعد هذا، ليصيرَ ابنُهُمُ راعي ذباب

في الخمسينات سنقرأ شعراً كثيراً، في الأرض المحتلة، يركز تركيزاً متواصلاً على قطاع ضيق من الإشكال الاجتماعي، وفي هذا النطاق ترد أسماء القاسم والدرويش وحسين، وكذلك فهد أبو خضرة (وهو شاعر موهوب وصاعد لم نعد نسمع عنه)، وأحمد حسين، وعصام عباس، وابراهيم مؤيد، وغيرهم كثير.

ولكن بعد ذلك بعدة سنوات سيأخذ ذلك التنبه الجزئي آفاقه الأبعد وأبعاده الأعمق، ففي ذلك الوقت المبكر كانت الكارثة الفلسطينية ما تزال حارة، وكان الغضب المجرد، بصورة فاجعة ومذهلة، يطفو الى السطح، شأنه في ذلك شأن ما حدث في أعقاب 5 حزيران 1967 في البلاد العربية حين مضى عدد من الكتاب والشعراء يصبون غضبهم على جبهة جزئية، إلا أن ذلك الغضب ما لبث أن تبلور في صيغة موقف، ومما لا شك فيه أن محمود درويش وسميح القاسم هما طليعة لافتة للنظر في هذا الشأن.

بالنسبة لمحمود درويش فإن محور المقاومة، كمعركة مباشرة، هو من الوضوح والرسوخ بحيث يطوع موقفه الاجتماعي دون مساومة، وعلى صعيد فني، فإن العائلة، عند محمود درويش هي ذاتها الوطن، وكذلك الحب، والمسألة برمتها، في أبعادها المختلفة التي تكون جوهر حقيقتها، تنسكب في شعره بصورة موحدة راسخة البناء، وربما كان هذا المقطع يلخص الموقف:

خبئي عن أذُني هذي الخرافات الرتيبةْ
أنا أدرى منك بالإنسان
بالأرض الخصيبةْ
لم أبعْ مُهري
ولا راياتِ مأساتي الخصيبة

ولكن محمود درويش يعرف أن هذا الموقف لا يزال جزئياً، ولا بد من استكماله، فيتابع بانسياب تلقائي، واضعاً للبعد الاجتماعي أساسه الأعمق:

ولأني أحملُ الصخرَ
وداءَ الحبّ
والشمس الغريبةْ
أنا أبكي!
أنا أمضي قبل ميعادي، مبكرْ
عمرُنا أضيقُ منا
عمرُنا أصغرُ أصغرْ . .
أصحيحٌ يثمرُ الموت حياة؟
هل سأثمرْ
في يدِ الجائعِ خبزاً
في فمِ الأطفال سكّر؟
 
إنه يدعو دعوته الواسعة:
فاحموا سنابلكم من الإعصارِ
بالقدمِ المسمّر
هاتوا السياجَ من الصدورِ
من الصدور
فكيف يكسرْ؟
اقبض على عنق السنابلِ
مثلما عانقت خنجرْ!
الأرضُ والفلاحُ والاصرار
قل بي: كيف تقهر؟
هذي الأقانيمُ الثلاثةْ
كيف تقهر؟
 
وعلى طريقته الخاصة يقول سميح القاسم الشيء نفسه في قصيدته الطويلة "ارم":
 
أبداً على هذا الطريقْ
راياتنا بَصَرُ عدونا، أبداً، نعيم للصديق
بضلوعِ موتانا نثيرُ الخصبَ في الأرضِ اليبابْ
بدمائنا نسقي جنيناً في التراب
ونردّ حقلاً شاخَ فيه الجذعُ، في شرخِ الشباب
ونصبّ في نبض المصانع
للمربّى، والحقائب، والثياب
نبضَ القلوبِ المؤمناتْ . .
أبداً على هذا الطريق
نذوي فدى أشواق سنبلةٍ على وعدِ العطاء
ونصيحُ من فرحٍ غريرٍ الدمع في عرسِ الفداء:
أبداً على هذا الطريق!
شرفُ السواقي إنها تفنى فدى النهرِ العميق!

ولسميح القاسم ومحمود درويش قصائد كثيرة هي إعلان صارخ عن انتساباتهم الاجتماعية التقدمية، يتبعون في ذلك أستاذهم الرائد حنا أبو حنا.

أما على صعيد القصة القصيرة التي لا تزال من حيث مستوى الأداء الفني والانتشار والكم متخلفة عن الحركة الشعرية، فإنه يوجد تركيزاً أكثر على الوضع الاجتماعي. ويبدو ذلك واضحاً تماماً في قصة قصيرة لعطاالله منصور اسمها "رياض يعود الى بيته" (3)، وقصة أخرى لزكي سليم درويش اسمها "نقطة دم" (4)، وفي عدد كثير من القصص المماثلة، أهمها "رنين الأجراس" لعبد الرحمن محمد سعيد (5)، التي تحوي موقفاً طبقياً وتركز على نقد العلاقات الاجتماعية وعدد كبير من القصص القصيرة التي تتعامل مع مشكلات المؤسسة العائلية العربية الريفية ورفضها، أو على الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه العربي في فلسطين المحتلة.

إلا أنه من الملاحظ بوضوح أن هذه القصص، التي تشكو في الغالب من تصدع فني كبير، تشكو أيضاً من عجزها عن الوصول الى المستوى الذي وصل إليه الشعر في فلسطين المحتلة، في نطاق الربط بين الجبهات التي تتصدى لها حركة المقاومة في صيغتها الثقافية (6).

وسبب ذلك لا يعود فقط الى أن الشعر وسيلة فنية أكثر رسوخاً وأكثر قدرة على الانتشار وأكثر ملاءمة لهذا الغرض فنياً، ولكن أيضاً لأن وسائل النشر، في الظروف التي يعيشها عرب الأرض المحتلة، لا تسمح بتطور سريع في موضوع القصة بالذات.

* * *

لقد حاولنا الى الآن أن نقدم عرضاً موجزاً للبعد الاجتماعي في أدب المقاومة، ومن الواضح أن هذا الفصل بين الأبعاد المختلفة، التي تكوّن في مجموعها المترابط أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، لم نلجأ إليه إلا بسبب محاولة استكشاف جوهر هذا الأدب وأسس منطلقاته وبنيانه العقائدي، ولكن على صعيد عملي فإن هذا الفصل مستحيل، لأن أدب المقاومة، كما ذكرنا سابقاً، قد توصل من خلال تطور سريع وتلقائي الى ما يمكن أن نسميه موقفاً واحداً ولا يمكن بحال من الأحوال أن تؤخذ جزئيات هذا الموقف منفصلة إلا لغرض دراسي محض.

وفي الأساس فإن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة قد حدد دوره بنفسه، وبالنسبة لشعراء المقاومة على وجه الخصوص فإن الشعر سلاح، ما في ذلك شك، ولم تكن كفاءته وجدارته بالنسبة لهم إلا التزامه بدوره المقاوم الواعي.

بوسعنا إذن أن نقول أن الالتزام بالقضية الوطنية، الالتزام الواعي، هو الإطار الذي استطاع أن يقود خطوات أدب المقاومة في فلسطين المحتلة نحو مسؤولياته دون أن يفقد أي بعد من أبعاده، هذه الأبعاد التي نعود فنقول أنها، على تعددها، تدور في فلك واحد هو فلك المعركة ضد الاحتلال الاسرائيلي.

ومن هذا المنطلق بالذات سنلاحظ أن شعر المقاومة، مثلاً، على عكس معظم الشعر العربي المعاصر، لا يبدأ بالاستخفاف بقيمة الكلمة في المعركة القاسية، بل يدرك دورها ويقدسه ويعتبره مسؤولية جوهرية لا غنى عنها.

لقد رأينا في هذا النطاق كيف قال محمود درويش في أعقاب هزيمة 5 حزيران:

هزي يديّ بعنف

ينساب نهرُ الأغاني . .

يا أمّ مُهري وسيفي

وهذا الإدراك العميق للعلاقة التي لا غنى عنها بين الأم والمهر والسيف والأغاني والأيدي متوفر بصورة تثير التقدير في شعر المقاومة العربي في فلسطين المحتلة:

فسميح القاسم يبلغ عدوه:

هذي الحروف المدلهمةْ يا سيدي أحزانُ أمــــــــةْ
وبها أروّي غرســـــــــــةً بلظى جحيمك مستحمّة
لا صيدَ من وادي الأسى والدمع للأطفال بسمــــة
لأردّ للثكلى ابنَهـــــــــــا لأعيدَ للمفجوع أمّــــــــــه
فاشحذ مداك على جرا حي انني قربانُ كِلْمــــة!

ويحدد سميح القاسم نفسه دور شعره ومنطلقاته بصورة أكثر مباشرة:

من رؤى الأحلام في موسم خِصْبِ
ومن الخيبة في مأســــــاة جـــــدْبِ
من دمى الأطفال، من ضحْكاتهــــم
مــــن دمـــــــوعٍ طهّرتهــــــا روحُ ربّ
من زنود نسقت فردوسَهـــــــــــــــا
دعوةٌ فضلى على أنقاض حــــــــرب
من جراحاتٍ يضوي حقدهــــــــــــــا
ما ابتنى شعبٌ على أنقاض شعب
من دمي، من ألمي، من ثورتـــــــي
من رؤاي الخضر من روعة حبــــــــي
من حياتي أنت، من أغوارهـــــــــــــا
يا أغانـــيّ! فـــــــرودي كـــــــل درب

ويظل مسيح القاسم متمسكاً بهذا الموقف الى النهاية، وفي ديوانه "دمي على كفي" يصر على ذلك:

قصائدُنا، موقّعةٌ على الفولاذِ

والأخشابِ والصخرِ

وامّتُنا تحثّ الزحفَ

ما زالت تحثّ الزحفَ للفجرِ

قبل هؤلاء بزمن طويل أرسل الشاعر حنا أبو حنا، من حبسه في سجن الرملة، عام 1958 بطاقة الى رفاقه:

خسئوا، فما حبسوا نشيدي
بل ألهبوا نارَ القصيدِ
نار تأججُ، لا تكبّلُ
بالسلاسل والقيودِ
نار ، جحيمٌ للطغاةِ
وزمرة العسفِ المريدِ
شرفٌ لشعري أن يقضّ
مضاجعَ الخصمِ اللدودِ
فاعجبْ لشعرٍ يستثير الرعبَ
في مهجِ الحديدِ
أقوى من السجنِ المزنرِ
بالعساكرِ والسدودِ
أقوى وأصلبُ من حشودِ علوجهم
أبداً نشيدي

وفي قصيدة أخرى:

شعبٌ أنا، أن يحبسوا فرداً فكلُ الشعب ثائرْ
وإذا يُصفّدُ شاعرٌ هتفَ النشيدُ بكل شاعر
شعبٌ يمدُّ حشودَه جسراً على نهر المجازر
ويعانقُ الفجرَ الملوّح بالضياء وبالبشائر

ويؤكد محمود درويش هذا التقديس لمسؤولية الكلمة والتزامها بصورة فريدة:

قصائدُنا
بلا لونٍ، بلا طعمٍ، بلا صوتِ
إذا لم تحملِ المصباحَ
من بيتٍ الى بيتِ

ويمضي خطوة أخرى في القصيدة التالية بالذات:

لو كانت هذي الأشعارُ
ازميلاً في قبضةِ كادحْ
قنبلةً في كفّ مكافحْ
لو كانتْ هذي الكلماتُ
محراثاً بين يَدَي فلاحْ
وقميصاً، أو باباً، أو مفتاح!
 
أحدُ الشعراء يقولْ:
 
لو سرّت أشعاري خلاني
وأغاظتً أعدائي
فأنا شاعرْ!
وأنا سأقولْ!
 
ويقول في قصيدة أخرى عن لوركا:
 
هكذا الشاعرُ، زلزالٌ، وإعصارُ مياه
ورياح إنْ زأرْ
همسَ الشارعُ للشارعِ: قد مرّت خطاه
فتطاير يا حجَرْ
 
وهو يعرف ثمن هذه المسؤولية:
 
رموا أهلي الى المنفى
وجاءوا يشترون النارَ من صوتي
لأخرجَ من ظلامِ السجنِ
ما أفعل؟
_ تحدّ السجنَ والسجّانْ
فإنّ حلاوةَ الايمان
تُذيبُ مرارةَ الحنظلْ
 
ويعرف أكثر من ذلك:
 
شدّوا وثاقي
وامنعوا عني الدفاترْ
والسجائرْ
وضعوا الترابَ على فمي
فالشعرُ دمُ القلب
ملحُ الخبزِ
ماءُ العينِ
يكتبُ بالأظافر
والمحاجر
والخناجر
سأقولها:
في غرفةِ التوقيفِ
في الحمامِ
في الاسطبلِ
تحتَ السوط!
تحت القيد
في عنفِ السلاسل:
مليونُ عصفور
على أغصانِ قلبي
تخلق اللحنَ المقاتل
 
ولأنه يعرف قيمة الصوت فإنه يتمسك به تمسكه بالسلاح:
 
لكن صوتي صاح يوماً:
لا أهابْ!
فلتجلدوه إذا استطعتم
واركضوا خلفَ الصدى
ما دامَ يهتفُ: لا أهابْ!

وأدب المقاومة حافل بهذا الاعلان الواضح عن مهمة لا تحتمل المساومة ولا التمييع. ولفوزي الأسمر موقف مماثل في قصيدة له، اسمها: "المعبد القديم":

في معبدي القديم لم أزلْ
اذيبُها في موقدِ اللهبْ
أصوغُها نغمْ
أنشودة من العزاء والأملْ
ولحنها:
من لحنِ نارِنا وحبنا الكبيرْ
من نور قلبنا المنير
من جرحنا
من جرحنا الذي يلوّن العبيرْ
من زندِ ذاك الأسمرِ الصلبِ الذي يفجّرُ الصخورْ
من أرضنا الثكلى، ومن دمعِ الربيعِ على الزهور

إننا نلاحظ مرة أخرى محتويات ذلك الإطار الذي أسميناه الالتزام، ونحن نرى الآن في الأمثلة الثلاثة التي اخترناها كيف يصرّ الشعراء على بعدَي موقفهم المقاوم، الاجتماعي والسياسي في وقت واحد، إنه التزام نحو الوطن والمحرر، من خلال إدراك دور الكلمة لا الاستهانة بها واعتبارها مجرد رفاه.

إن شعراء المقاومة في فلسطين المحتلة يمضون في ممارستهم للمسؤولية الى حد أبعد، يلخصه لنا سميح القاسم في قصيده له اسمها "بطاقة الى نجيب محفوظ":

فاغرفْ من أعماقِ البئرِ العذراء
واسقِ العاملَ والفرانَ وأولادَ الحارةْ
فالناسُ ظماء!
أكتبْ عن شحذ الهمةْ
واكتبْ عن أحلام الأمةْ
طوبى للحرفِ الشامخِ في الليلِ منارةْ
والعار لأبراجِ العاجِ المنهارةْ

فقضية الالتزام ليست نظرية مجردة، وكذلك ليست قضية التحرير، والرؤيا الواضحة لأبعاد القضيتين كمبادئ وكرسائل لا تحتمل عند أدباء المقاومة في فلسطين المحتلة غموضاً أو تشويشاً أو مساومة، وهذا بالذات ما جعل أدب المقاومة الذي رأيناه في فلسطين المحتلة خلال السنوات العشر الماضية أدباً لا ينوح ولا يبكي، لا يستسلم ولا ييأس، ولا يناقض نفسه ويمر عبر تشنجات عصبية واهتزازات ناتجة عن سوء وعي الموقف على حقيقته، لأن رؤياه لم تكن ارتجالاً عاطفياً، ولكن وعياً عميقاً ومسؤولاً لأبعاد المعركة التي وجد نفسه في صميمها، ولذلك فإنه تجنب ظاهرة الانتكاسات الذاتية الرومانطيكية التي شهدها معظم الشعر العربي في هذه الآونة، والتي نلاحظ أنها تشتد وتأخذ طابع النُواح والهستيريا والتنصل، كلما كانت تجربة الشاعر نفسه أكثر بعداً عن إدراك أبعاد التزاماته ووعيها في السابق.
فمقابل ما قرأناه جميعاً في الآونة الأخيرة من الشعر العربي، يستقبل توفيق زياد، مثلاً، كارثة 5 حزيران 1967 بقصيدة يقول فيها:

يا بلادي! أمسِ لم نطفُ على حفنةِ ماءْ

ولذا لن نعرقَ الساعة في حفنةِ ماء!

بهذا الثبات يكتب توفيق زياد قصيدته الرائعة "كلمات عن العدوان"، وهي قصيدة مفعمة بالحزن ولكنه الحزن الواعي الذي لا يستطيع أن يهدم:

إنكم تبنونَ لليومِ وانّا
لغدٍ نعلي البناءْ
إننا أعمقُ من بحرٍ وأعلى
من مصابيحِ السماءْ
إن فينا نفساً
أطولَ من هذا المدى الممتد
في قلبِ الفناءْ
 
ومحمود درويش يستقبل كارثة 5 حزيران 1967
بذلك الحزن الذي لا يصدق، الذي يرتد فوراً الى نفس جديد من الإصرار:
 
خسرتُ حلماً جميلاً
خسرتُ لسع الزنابقْ
وكان ليلي طويلاً
على سياج الحدائقْ
. . وما خسرت السبيلا!

وفجأة يرتد الى كورس شعبي يشكل خلفية هذا الحزن والتوق، والسد المنبع الذي يكتئ عليه:

يما مويل الهوى

يما مويليا

ضرب الخناجر ولا

حكم النذل فيّا!

أما سميح القاسم فيستقبل 5 حزيران 1967 بصورة فريدة، في قصيدة عن الفدائي، تنتهي كما يلي، على لسان الفدائيل الشهيد:

يا من ورائي
لا تخونوا موعدي
هذي شراييني
خذوها وانسجوا منها
بيارقَ نسلِنا المتمرد

إن مثل هذه المواقف لا يمكن أن تأتي بهذه التلقائية لو لم يكن هؤلاء الشعراء قد أدركوا منذ البدء، ليس فقط أبعاد معركتهم التي راهنوا عليها في نهاية المطاف ولكن أيضاً مدى التزامهم ومعناه وكونه أكثر عمقاً من مجرد تظاهرة شكلية.

* * *

إن هذا الكلام يقودنا على التو لمتابعة استكشاف الأبعاد التي التزم بها أدب المقاومة، وقد استعرضنا قبل قليل الالتزام الواعي كإطار هذه الأبعاد، واستعرضنا قبل ذلك الالتزام بالبعد الاجتماعي لمسألة المقاومة، وأمامنا الآن، البعد العالمي، والبعد العربي.

وكما قلنا فإن تجزئة الموقف الى هذه التفاصيل هدفه تسهيل العرض، وقد رأينا في الأمثلة التي استعرضناها نموذجاً لاستحالة فصل هذه الأبعاد عن مجمل الموقف.

عالمياً يدرك شعر المقاومة التزامه بحركة الثورة في العالم، التي هي في نهاية المطاف المناخ الذي تنمو داخله الحركة الثورية المحلية، تؤثر به وتتأثر منه.

فيما بين أيدينا من أدب المقاومة يلفت نظرنا بصورة مدهشة كمية ونوعية الانتاج الذي يغني لثورات العالم وقضاياه الحرة، وقد تلخص لنا قصيدة لمحمود درويش اسمها: "أناشيد كوبية" جوهر هذا الالتزام ومعناه:

أنا لم ألمسْ قصبَ السكّرْ
والأرضَ الخضراءْ
لم أركبْ قاربَ صيادٍ في البحر الكاريبي
لم أضربْ قطرةَ ماءْ
لم أنزلْ فندقَ سياحٍ غرباءْ
لم أسكرْ في هافانا من عرقِ الفقراءْ
لم أغمسْ قلمي في جرحِ البؤساءِ المحرومين
لم أقرأ أدبَ الشعراءِ الكوبيينْ
لكنْ عندي عن كوبا أشياء وأشياء
فكلامُ الثورةِ نور
يقرأُ في كلِ لغاتِ الناسْ
وعيونُ الثورةِ شمس
تُمطرُ في كل الأعراسْ
ونشيدُ الثورةِ لحن
تعرفُه كلُ الأجراسْ
والرايةُ في كوبا
يرفعُها نفسُ الثائرِ في الأوراس
وجذورُ الثورةِ مهما مدّت أغصاناً
تنبتُ من نفسِ المتراسْ
واللهبُ الأزرقُ والأحمرُ والأخضر
يبدأُ من غضبِ واحد
فتدفّأ . .
واصنعْ لهباً آخر
يا شعباً يشعرُ بالبرد

حين قلنا أن أبعاد أدب المقاومة المختلفة يشد نفسه، بجاذبية قوية، الى محور واحد هو محور المقاومة نفسها التي يخوضها الأديب المعني، فإنما كنا نقصد تلخيص هذه القصيدة، بجملة.

ولكن ليس محمود درويش وحده هو الذي يلتزم شكلاً ومضموناً بهذا البعد الحيوي من أبعاد أدب المقاومة، فثمة قصائد كثيرة لفوزي الأسمر، بهذا المعنى، أبرزها "أنا عبد" موجهة لشعب أفريقيا، ولسميح القاسم عدة قصائد عن باتريس لومومبا، وأفريقيا، وزنوج أميركا، وله أيضاً في قصيدته الطويلة "ارم" مقطع اسمه "بطاقات الى ميادين المعركة" وهي سلسلة من القصائد القصيرة موجهة الى المغني الزنجي بول روبنسون، وفيدل كاسترو وكريستوف غبانيا وثورا الفيتكونغ.

تابع نص الدراسة في الرابط التالي: الحلقة الثانية

بقلم الأديب الراحل غسان كنفاني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى