الجمعة ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
بقلم عبد القادر دياب

أزمة الحضارة العربية بين التغريب والتشريق

كتب أحد الصحفيين مقالة، هاجم فيها الشاعر أدونيس، وذلك على خلفية زيارته لكردستان العراق، وتصريحه بأن الحضارة العربية في انقراض.

فقد ارتأيت كتابة هذا الموضوع لإبداء الرأي في قضية شغلت العقول العربية المثقفة، مابين مؤيد لكلام أدونيس، ومخالف ومعارض له.

أدونيس شاعر عربي مجرّب ولاشك في مجال قصيدة النثر

أما أن نقول بأن هذا الرجل قد خضع لبعض الضغوطات من المؤسسات الغربية... وبعض جهاتها، فهذا سؤال مفتوح...
وهنا يجب علينا توخي أقصى درجات السمو الخلقي في التعامل مع هكذا قضايا، لأنها تمس الإنسان وجوهر إنسانيته.
عود على موضوعنا الرئيس حول الحضارة العربية وانقراضها كما قال أدونيس،
يجب علينا أولاً تعريف الحضارة: أورد قولاً لهيغل: أن العمارة والنحت والتصوير والموسيقى والشعر هي المصدر الثالث لقيام الحضارات

وهناك من ردّ انحطاط الحضارة والفنون باتجاهها إلى الرومنسيّة والعبثية

وأرى أنه علينا تعريف التاريخ، يقول الدكتور عبد العزيز الدوري: هو موضوع حي يقوم بدور بليغ في الثقافة، وفي التكوين الاجتماعي والخلقي، وله أثره في فهم الأوضاع القائمة وفي تقدير بعض الاتجاهات والتطورات المقبلة، وهو يتأثر بالتيارات الفكرية وبالتطورات العامة.

وهو كغيره من بعض المثقفين والمفكرين يشيرون إلى تقدم العرب في شتى المجالات، والميادين قبل الفتوحات، والتأثيرات المتبادلة.

وقد ارتكبت أخطاء كثيرة بحق العرب وجردتهم من كل الإمكانات الفكرية والثقافية، وصورتهم كمقلّدين للثقافات الأخرى، ويرى بعض المثقفين العرب أن الثقافة اليونانية كانت طارئة، ولم يكن لها تأثير مباشر على الثقافة العربية، وأعتقد أنها أثرت بتلك الثقافة العربية في فترات أخرى من العصر العباسي، وهذا نتيجة تبادل الموروث الثقافي " المنطقي ".
ولاننسى أنه قد تم العبث كثيراً بالثقافة العربية، وذلك من قبل الحركات الشعوبية، والنزعات الحزبية، التي حوَّرت الكثير، واختصرت الأكثر أيضاً من تلك الكتب التي هي أساس الثقافة العربية عموماً.

وفي عملية البحث التاريخي علينا التبيّن الدقيق العلمي الرصين، لكشف تلك الحالات قبل إطلاق الأحكام.
وهنا لزاماً علينا الرجوع للوثائق والمراجع الأصيلة، مراعين الحذر كله، في عملية البحث المضني، والتنقيب الشاق.
وقد استغلت تلك الحركات الشعوبية نظريات العدل والمساواة الإسلامية للتستّر خلفها وبثّ سمومها.
وهنا نلحظ أن الموضوع قد حوّلنا إلى صراع قومي، إسلامي، ولكنه صراع فكري، لابد منه، ولاضير منه كذلك، وهنا يبرز الرأي القائل بأن تلك الحركات الشعوبية تأثرت بفتح العرب لبلادهم، وزوال ملكهم، وهذا هو ما أشار إليه طه حسين عندما اتهم الموالي بتزوير التاريخ في كتابه ( الفتنة الكبرى )، وسار معه كثير من الكتاب كنبيل ياسين الذي حمَّل الأتراك مسؤولية انهيار الخلافة العربية.

ولكن.. وباعتقادي الشخصي أنه لايوجد ضير أو ضرر من هكذا جدل، ومن تضارب وتعارض هذه الآراء، إذ أن هذا الجدل كان قائماً منذ القديم فقد كتب إسحاق بن سلمة كتابه (فضل العرب على العجم )، ويبدو أنه كان رداً مباشراً على سعيد بن حميد البختطاني.. وكتابه (فضل العجم على العرب)، وهناك من وجد تصالحاً بين القوميتين، ولم يجد تعارضاً في انصهارهما في بوتقة واحدة، ككتاب ( لتسوية بين العرب والعجم ) لابن المقفع، وكذلك نحا المدائني في كتابه ( مفاخر العرب والعجم ).

وقد كان من الأجدى، والأفضل أن تتم دراسة التاريخ العربي، والحضارة العربية، من قبل مفكرين عرب، ومؤرخين عرب، أو مسلمين، لأنه هناك من رفض أقوال روزنتال الذي رفض فكرة تأويل، أو تحريف، لأي من النصوص الأدبية...
وهنا فُسِّر الأمر كمؤامرة غربية، وهنا يجب الإنتباه لكون المؤامرة إن وُجدت فهي تخص العرب والإسلام، وليس العرب لوحدهم.

إن فلسفة الحضارة هي امتداد للمدرسة الخلدونية، ولايتم الوصول لفلسفة الحضارة العربية، إلا عن طريق دراسة الحقب التاريخية، كل على حدة، كالعصر الأيوبي، والعثماني، والمملوكي...

يمكن اختصار الحديث بقولنا: أنه لاخوف على الحضارة العربية ـ الإسلامية، ويمكن لأي دارس لتاريخ الحضارة العربية أن يدرسها من خلال أي مجال أدبي، كالشعر مثلاً...

ويرى الجابري أن نقد الفكر السياسي العربي، يجب أن يبتدأ بنقد الميثولوجيا... أي مبدأ التسليم بواقع الأمر...
وهنا يجب أن لانُغفل دور الهزائم العربية على كافة الأصعدة، وتردّي المعنويات العربية عموماً، للمثقف وغيره، وخاصة بعد هزيمة حزيران عام 1967. وهنا انبرى قسم من المثقفين العرب للتعبير عن هزيمتهم النفسية، الواقعية، فهذا ياسين حافظ يكتب (بحث في المجتمع العربي المعاصر) وغالي شكري (ولكنا ثورية المجتمع المتخلف) وجورج قرم (انتحار المشرق العربي)، وهنا انساق المثقفون العرب خلف الفكر الاستشراقي، باعتبار الثقافة العربية هي أُسّ التخلف، وأصله، وفرعه !

وهناك من ردّ على ذلك بأن الثقافة العربية ليست كائناً تاماً، ومكوناً جاهزاً، ولايمكننا وضعها في قالب واحد، والحكم عليها بدون النظر للتطورات، والتغيرات، التي مرَّت عليها.

ولكن صوت المثقفين العرب الذين اعتبروا أن أصل الخلل في إخفاق المشروع النهضوي العربي في " العقل العربي" كان صوتهم أكبر، ومنهم عبدالله العروي، ومحمد عابد الجابري، وأركون، وهاشم صالح، وصاحبنا أدونيس...
إذن نحن نحتاج لبحّاثة، ومؤرخين، أكادميين، متخصصين، يجمعون كل ميزات التقصي، والبحث العلمي، بكافة أسبابه، وأساليبه العصرية...

وهنا تبرز معضلة أخرى، إذ يقول د رضوان السيد أنه أخفق في أن يكون مؤرخاً..؟ بسبب إخفاقه في تدريب الباحثين في المجال الفكري الإسلامي الوسيط والحديث.

يجب علينا تحديد المفاهيم، وعدم الخلط من جديد، فالسوسيولوجيا الثقافية، عندما تربط المفاهيم والإشكالات، من الحداثة إلى العولمة، هي من أكثر المواضيع جدلاُ... وهنا لايتفق الكثيرون من المثقفين العرب.

ولكنني وبرأي شخصي أعلن عكس ذلك، فالأخبار التي نتابعها وتصلنا عن طلبة علم، وبحّاثة، و... الذين يدرسون في الجامعات الغربية، وخاصة الأمريكية يسيرون بخطاً ثابتة، وأعطي مثالاً: فقد نوقشت قبل مدة (رسالة الشيخ علوان، إلى السلطان) وهي رسالة من شيخ من مدينة حماة، في القرن السادس عشر، وهي رسالة مُجيدة كتبها الشيخ الجليل، للسلطان سليم يشكوه فيها من ظلم الولاة، وفي التعسف في لم الجباية، وأمور أخرى...
فأين جامعاتنا من هذه البحوث..؟!

يمكن القول أن الحضارة العربية قد تأثرت، وأثرت في الحضارات الغربية، ومن بدهيات القول أن الحضارة العربية هي أصيلة، وتنامت بشكل كبير مع حضارات الأمم، التي فتحت بلادها.

وصار بإمكاننا القول: أنه لافضل لحضارة على أخرى، وأنه يمكننا اللحاق بركب الأمم، من حيث البنيان الذاتي لقواعد وأساليب ودراسة التاريخ العربي الإسلامي، وتفعيل دور الجامعات بالأطروحات والكتب والمباحث العلمية والأدبية التي تغني ثقافتنا من حيث الحوار بين الأجيال والطبقات الإجتماعية والثقافية، فلا تُملى علينا المناهج من وجهة نظر واحدة ولو كانت سليمة وإنما نتعوّد على الحوار وتقبل الآراء الأخرى من حيث طرح المفهوم الآخر فنلتقي على نقاط ونفترق في نقاط، ومن ثم يبقى للجيل المتلقي حرية اتخاذ القرار الفكري بدون توجيه سلطوي من أي جهة أتت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى