الخميس ١ آب (أغسطس) ٢٠٢٤
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

أستطيع أن أرى أصغر الأشياء

قصة: ريموند كارفر

كنت في السرير عندما سمعت البوابة. استمعت بعناية. لم أسمع أي شيء آخر. لكن سمعت ذلك. حاولت إيقاظ كليف. كان فاقد الوعي. لذلك نهضت وذهبت إلى النافذة. قمر كبير يغيب فوق الجبال المحيطة بالمدينة. لقد كان قمرًا أبيض مغطى بالنجوم. يمكن لأي أحمق أن يتخيل وجهًا هناك.

كان الضوء كافيًا بالنسبة لي لرؤية كل شيء في الفناء: كراسي الحديقة، وشجرة الصفصاف، وحبل الغسيل المعلق بين العمودين، وزهور البتونيا، والأسوار، والبوابة المفتوحة على مصراعيها.

لكن لم يكن أحد يتحرك. لم تكن هناك ظلال مخيفة. كل شيء كان تحت ضوء القمر، وكنت أستطيع رؤية أصغر الأشياء. كمشابك الغسيل المعلقة على الحبل على سبيل المثال.

أضع يدي على الزجاج لأحجب القمر. نظرت أكثر قليلا. استمعت. ثم عدت إلى النوم.

لكنني لم أستطع النوم. ظللت أتقلب. فكرت في الباب المفتوح. كان الأمر أشبه بالتحدي.

كانت تنفس كليف مزعجا للغاية.. كان فمه مفتوحًا على مصراعيه وذراعاه تحتضنان صدره الشاحب. كان يحتل نصف السرير الخاص به ومعظم مساحتي،

لقد دفعته ودفعته. لكنه تأوه فقط.

بقيت لفترة أطول حتى قررت أنه لا فائدة منه. نهضت ولبست حذائي الرياضي. ذهبت إلى المطبخ وأعدت الشاي وجلست على طاولة المطبخ. دخنت سيجارة من سجائر كليف غير المفلترة.

كان الوقت متأخرا. لم أكن أريد أن أنظر إلى الوقت. شربت الشاي ودخنت سيجارة أخرى. وبعد فترة قررت أن أخرج وأغلق البوابة.

لذلك لبست رداءى .

لقد أضاء القمر كل شيء: المنازل والأشجار، والأعمدة وخطوط الكهرباء، والعالم كله. نظرت حولي في الفناء الخلفي قبل أن أغادر الشرفة. جاء نسيم صغير وجعلني أغلق رداءي.

توجهت نحو الباب.

كان هناك ضجيج على الأسوار التي تفصل منزلنا عن منزل سام لوتون. ألقيت نظرة حادة. كان سام متكئًا وذراعاه على السور، وكان هناك سوران يمكن الاتكاء عليهما. وضع قبضته على فمه وسعل سعالا جافًا. قال سام لوتون:

 ليلة سعيدة يا نانسي.

قلت:

 سام، لقد أخافتني. ماذا تفعل؟

 هل سمعت شيئًا؟

قلت:

 سمعت البوابة تفتح .

فقال:

لم أسمع شيئا. لم أر أي شيء أيضًا. ربما كانت الريح.

كان يمضغ شيئا. نظر إلى الباب المفتوح وهز كتفيه. كان شعره فضيًا في ضوء القمر وقد ارتفع فوق رأسه. كنت أرى أنفه الطويل، والتجاعيد على وجهه الكبير الحزين.

فقلت وأنا أقترب من السور:

 ماذا تفعل يا سام؟

قال:

 هل تريدين رؤية شيء ما؟

قلت:

 سوف آتي.

سمحت لنفسي بالخروج وواصلت المشي. كان الأمر مضحكًا عندما كنت أتجول في الخارج مرتديًا ثوب النوم والروب. فكرت في نفسي أنني يجب أن أحاول أن أتذكر ذلك، وأنا أتجول في الخارج بهذه الطريقة.

وقف سام بجوار منزله، وكان يرتدي بيجامته فوق حذائه البني والأبيض. كان يحمل مصباحًا يدويًا في إحدى يديه وصندوقًا يحتوي على شيء ما في اليد الأخرى.

كان سام وكليف صديقين. ثم في إحدى الليالي شربا. كان لديهما كلمات. والشيء التالي هو أن سام بنى سورا ثم قام كليف ببناء سور أيضًا.

كان ذلك بعد أن فقد سام ميلى، وتزوج مرة أخرى، وأصبح أبًا مرة أخرى في وقت قصير جدًا. كانت ميلي صديقة جيدة حتى وفاتها. كانت في الخامسة والأربعين فقط عندما فعلت ذلك. سكتة قلبية. لقد أصابتها عندما كانت قادمة في سيارتهما. واصلت السيارة سيرها ومرت عبر الجزء الخلفي من المرآب.

قال سام وهو يربط بنطال البيجامة ويجلس في وضع القرفصاء:

 انظرى إلى هذا.

وأشار بمصباحه إلى الأرض.

نظرت ورأيت بعض الأشياء الدودية ملتفة على قطعة من التراب.

قال:

 القواقع.

تابع وهو يمسك بعلبة تشبه أياكس :

 لقد أعطيتها جرعة من هذا. وقال وهو يعالج كل ما كان في فمه:

 إنها تتولى المهمة.

أدار رأسه إلى جانب واحد وبصق ما قد يكون تبغا.

 يجب أن أستمر في القيام بذلك فقط لأقترب من مواكبة هذه الأحداث. وضع المصباح على جرة مملوءة بالأشياء. وقال :

 لقد ألقيت الطعم وكل فرصة أتيحت لي أخرج إلى هنا بهذه الأشياء. انتهى الأوغاد. جريمة ما يمكنهم القيام به. انظر هنا.

نهض. أمسك بذراعي ونقلني إلى شجيرات الورد الخاصة به. أظهر لي الثقوب الصغيرة في الأوراق.

قال:

 البزاقات .في كل مكان تنظرين إليها هنا ليلاً.

أضاف:

 أضع الطُعم ثم أخرج وألتقطها . اختراع فظيع، البزاقة. أحفظها فى تلك الجرة هنا .

وجه شعاع المصباح إلى تحت شجيرة الورد .

حومت طائرة في سماء المنطقة. تخيلت الناس الموجودين عليها وهم يحدقون في الأرض.

قلت:

 سام، كيف حال الجميع؟

قال وهو يهز كتفيه:

 إنهم بخير.

مضغ ما مضغه.وقال:

 كيف حال كليفورد؟

قلت:

 كما هو الحال دائمًا.

قال سام:

 في بعض الأحيان عندما أكون هنا للبحث عن القواقع، سأنظر في اتجاهك.

ثم تابع وهو يسحب نفسا عميقا :

 أتمنى أن نكون أنا وكليف أصدقاء مرة أخرى. انظرى هناك الآن. هناك واحدة هناك. أراها؟ هناك حيث يوجد ضوء مصباحى.

وجه سام الشعاع إلى التراب تحت شجيرة الورد. وقال :

 شاهدى هذا.

طويت ذراعي تحت ثديي وانحنت إلى حيث كان يسلط الضوء. توقف الشيء عن الحركة وأدار رأسه من جانب إلى آخر. ثم كان سام فوقها بصندوق المسحوق الخاص به، ثم رش المسحوق عليها.

قال:

 أشياء لزجة .

كانت البزاقة ملتوية في هذا الاتجاه وذاك. ثم تجعدت واستقامت. أمسك سام بمجرفة ، وغرف البزاقة فيها، ثم ألقاها في الجرة.

قال سام:

 لقد استقلت، كما تعلمين .اضطررت. لفترة من الوقت كان الأمر سيئًا للغاية لدرجة أنني لم أتمكن من التمييز بين الأعلى والأسفل. ما زلنا نحتفظ به في المنزل، لكن لم يعد لدي الكثير لأفعله به بعد الآن.

أومأت. نظر إلي واستمر في النظر.

قلت:

 من الأفضل أن أعود.

قال:

 بالتأكيد. سأواصل ما أفعله، وبعد ذلك عندما أنتهي، سأعود أيضًا.

قلت:

 ليلة سعيدة يا سام .

قال:

 اسمعى.

توقف عن المضغ. ودفع بلسانه إلى مكان ما خلف شفته السفلية. وأضاف :

 بلغى كليف تحياتى .

قلت:

 سأخبره أنك قلت ذلك يا سام.

مرر سام يده خلال شعره الفضي كما لو أنه يجعله يسكن مرة واحدة وإلى الأبد، ثم استخدم يده للتلويح.

في غرفة النوم، خلعت الروب وطويته ووضعته قريبا منى. دون النظر إلى الوقت، تحققت للتأكد من أن ذراع الساعة خارج. ثم ذهبت إلى السرير وغطيت نفسي بالبطانيات وأغمضت عيني.

عندها تذكرت أنني نسيت إغلاق البوابة.

فتحت عيني واستلقيت هناك. هززت كليف قليلاً. قام بتسليك حلقه. ابتلع.ثمة شى توقف وتقطر فى صدره

لا أعرف. لقد جعلني أفكر في تلك الأشياء التي كان سام لوتون يسكب عليها البودرة.

فكرت للحظة في العالم خارج منزلي، ثم لم تعد تراودني أية أفكار باستثناء فكرة أن علي أن أسرع وأخلد إلى النوم.
(تمت)

المؤلف: ريموند كارفر / Raymond Carver (25 مايو 1938 - 2 أغسطس 1988) كاتب قصة قصيرة وشاعر أمريكي. وعند ترشيح كارفر لجائزة بوليتزر للرواية عام 1989، خلصت لجنة التحكيم إلى أن "إحياء القصة القصيرة في السنوات الأخيرة يُعزى إلى حد كبير إلى إتقان كارفر للشكل."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى