الجمعة ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم نيكتا صميمي

أسطورة «تمّوز» بين الأساطير المشهورة

في الأدب العربي المعاصر

طالبة في مرحلة الماجستير بجامعة آزاد الإسلامية في کرج

الملخّص

من أبرز الظواهر الفنية التّي تلفت النظر في تجربة الشعرالجديدة هوالإکثار من استخدام الرمز والأسطورة أداة للتعبير. وفي أدبنا المعاصر،تلعب الأساطير دوراً کبيراً. وکأن الأسطورة أصحبت وسيلة لتبيين الآمال والمقاصد الإنسانية وهي الجزء الناطق من الشعائر البدائية والذي نماه الخيال الإنساني واستخدمته الآداب العالمية. والأسطورة في الواقع الرمز الأکبر وليست سوي الحالة الرمزية البدائية الأولي. للأساطير أنواع مختلفة ولکّل منها معني خاص.

ومن هذا المنطلق يلقي هذا المقال الضوء علي بعض هذه الأساطير المشهورة وکيفية استخدامها في الأدب العربي المعاصر ولاسيما أسطورة تمّوز وهو أسطورة الحياة و الانبعاث.

الکلمات الدليلية: الرمز، الأسطورة، أدونيس،تمّوز

المقدمة

تتولّد الأسطورة من صميم التاريخ والتاريخ البدائي لنوع البشر هو«الوقائع التّي ترويها الأساطير وهي وقايع تاريخية احتفظت بها الذاکرة البشرية لفترة طويلة قبل أن يکتشف الأنسان الکتابة. وعزّز هؤلاء نظريتهم بالقول إن عدداً غير قليل من الأساطير القديمة هونوع من التدوين البدائي للتاريخ بمعني أنه يحفظ في داخله بعض الحقائق التاريخية الموغلة في القدم.» (الصالح،2001م :13). للأسطورة صلة وثيقة بالأنواع الأدبية.لأن الأسطورة هي الکلام المصور البشري. وللشعر مکانة مرموقة في الأنواع الأدبية التّي يمکن عدّها حلقات متصلة في سلسلة النشاط الإبداعي للفکر البشري. ولعّل من أبرز الصلات التي تقيمها الأسطورة مع الشعر، هوأن لکليهماجوهراً واحداً علي مستويي اللغة والأداء.فعلي المستوي الأول يشترک الإثنان في تشييدهما لغة استعارية تؤمي ولا تفصح وتلهث وراء الحقيقة دون أن تسعي إلي الإمساک بها. ويتجّلي الثاني من خلال عودة الشعر الدائمة إلي المنابع البکر للتجربة الإنسانية ومحاولة التعبير عن الإنسان بوسائل عذراء لم يمتهنها الاستعمال اليومي.

أشهر الأساطير في الأدب العربي المعاصر

لم يستفد الشعراء من الأساطير في آثارهم الأدبية في أي عصر من العصور کما استفادوا في عصرنا الحاضر والّذي نعالج عوامله في الفصول القادمة.« يستفي شعراءنا المعاصرون الذين يستخدمون الأساطير من مصادر عديدة تتخلص في:

 ألف) الأساطير : وهي بالطبع المصدر الأصلي.وقد لجاً شعرا ؤنا إلي الأساطير اليونانية، الفينيقية، الأشورية، البابلية والفرعونية. وألمّ بعضهم بالأساطير الإفريقية والصّينية.

 ب) الحکايات الشعبية : من أشهر مجموعات الحکايات الشعبية التي أثرت في شعرنا المعاصر کما أثرت في کل الآداب العالمية: کليلة ودمنة وألف ليلة وليلة....

 ج) التاريخ و الکتب المقدسة: کما اتخذ الشاعر أدونيس من مهيار الديلمي ستاراً واتخّذ غيره من المتنبّي والخيام وأبي العلاء وأبي موسي الأشعري وغيرهم أقنعة أخرى وأيضا ينظر الشعر إلى الکتب المقدسة مثل قصة صلب المسيح أو عصيان ابن نوح لوالده في القرآن» (داود، 1992: 90-92). في الأدب العربي المعاصر أساطير کثيرة وأشهرها هي:

 آلف) من الأساطيرالبابلية: تمّوز وعشتروت

 ب) الأساطير اليونانية: سيزيف، فينوس، إذونيس ....

 ج) من الأساطير العبرية: السندباد، شهرزاد،عنتر، قابيل وهابيل، المسيح...

المسيح

ممايظهر من معالجة الآثارالأدبية المعاصرة هوأنّ استخدام کلمة "مسيح" في آثارهم رمزيدلّ علي البعث والنشوء وهو رمزللقيامة والبعث بعد الموت. المسيح مات مصلوباً يتخذه شعراءنا دلالة علي المعاناة والمحنة کمافعل أميرالشعراء، أحمدشوقي.وفي شعره کثيرمن الإشارات إلي شخصية السيد المسيح وما فيها من طيبّة ورحمة وطهارة نبل و يسري. ونري هذالمعني في أشعارشعراء المدارس الشعرية فيما قبل الحرب العالمية الثانية. وکما نري «بدرشاکرالسياب يلبس في قصيدته "أنشودة المطر" قناع المسيح وتتفاعل شخصيته مع هذا القناع.» (حلاوي، 1994م: 71) حيث يقول:

«بعد ما أنزلوني، سمعت الرياح

في نواح طويل تسفّ النـْخيل،

والخطي وهي تتأي. إذن فالجراح

والصليب الذ ّي سمّروني عليه. طوال الأصيل

لم تُمتني.» [1]

«هنا يظهر لناالمسيح الجريح الذي سمّر علي الصليب ولکنه لم يمُت، هو إذن رمز إلهي ومخلّص يفتدي البشرية والسياب يعتقد أن المسيح هو الذي يغطـي عري الفقراء ويکسو عظامهم وهوالغطاء الروحي يبلسم الجراح، أنه نوراني شفاف هو الشق الإلهي من البشر.» [2].

ربّما يمکن القول بأن الفقر والمجاعة المنتشرة في أکثرالبلاد العربية ولا سيما العراق سبّبت أن يکون المسيح رمزاً لإنقاذ عالم البشرية والقول بأنه سيأتي شخص وسيقوم بطل بإنهاء هذه المجاعة والفقر والجدب وهو الذي يعِد البشرية بولادة جديدة.

السندباد

و أما السندباد في الأدب العربي المعاصر فقد کان متطلعاً لمعرفة، باحثاًعما يشوق ... يستحثه فضول لاهف للرحلة بعدالرحلة. فبواعث الرحلة مختلفة، إذن عند کل منهما، ولکن الاستخدام الشعري الحديث يجد أحياناً في کل منهما ملاقاة الأخطار والترحيب بمواجهة المجهول والتعبير عن الرغبة في الانعتاق من أسر الواقع ورتابة الحياة الاجتماعية.يبدو أن السياب في أدبنا المعاصريعتبر رمزاً للولوج في المخاطر والمغامرات صنعاً لحياة أفضل وخلاصاً من الفقر والمجاعة. کما يقول خليل حاوي في ديوانه "الناي والريح":

رحلاتي السبعُ وماکَنّزتُهُ

من نعمة الرحمان والتّجارَه

يومَ صرعَتُ الغول والشيطانَ

يومَ انشقتِ الأکفانُ عن جسمي

ولاح الشقُّ المغاره،

رويتُ مايروون عنّي عادةً

کَتَمتُ ما تَعيا لَهُ العِبَاره

وَلَم أزَل أمضِي وَ أمضِي خَلفَهُ

أحِسُّهُ عِندي وَ لا أعِيهِ. » [3]

والواضح«إنه يبحث عن شيء، يحسّه عنده ولايعيه والدائرة الثانية ستوضّح لناطبيعة المشکلة السندبادية الّتي منعته من الاستقرار وهناءة العيش فيقتحم دوخة البحار معترضاً لشتّي أنواع المخاطر في سبيل الکشف عن ذلک الشيء الذي يحسّه عنده ولايعيه» [4]

العنقاء (الفينيق)

هما اسمان مختلفان لطائر واحدوهما أيضاً عنصرا النار والرّماد أوالحياة والموت. تحدّث عنه کثيرمن الشعراء کما «نعرف أن الجاحظ في الحيوان وأبانواس في شعره أوردا تفضيلات إضافية مهمة تقرن العنقاء بالسيمرغ الفارسي وهوطائر أسطوري استخدمه فريدالدين العطار(1224م)في منطق الطير رمزاً مرکزياً لطائرالطيور وصورة الصور، مبيناً من خلال توجه رحلة الطيور إليه، وتوحدها به عقيدتي وحدة الشهود و وحدة الوجود في الفکر الصوفي» [5].

وفي أدبنا المعاصريستخدم خليل حاوي أسطورة العنقاء في قصيدة "بعد الجليد".القصيدة تتألف من لوحتين: الأولي بعنوان"عصرالجليد" أو عصرالموت والثانية بعنوان"بعد الجليد" أو بعدالموت أي القيامة هذه الأسطورة تشير إلي جمود الحضارة الشرقية وإلي حالة يموت فيها التغّير والتقدّم ويسيطرالموت والفناء علي البلاد العربية. ولکـّن الحالة هذه ستزول وتنتبه الأجيال القادمة وستحصل علي تجربة جديدة وستطير في الأجواء المناسبة کما فعلت العنقاء في بناء أسس الحياة بعد أن أحترقت نفسها في النار لبناء حياة جديدة. کما يقول خليل حاوي في هذه القصيدة:

«ان يکن ربّاهُ

لايحيي عروقَ الميتينا

غيرُ نارٍ تَلِدُ العنقاءَ، نارٌ

تتغذّي من رمادِ الموت فينا

في القرار.

فَلنُعانِ مِن جحيم النار.

مايمنَحُنا البعثَ اليقينا.
 [6]

يستخدم الشاعر هنا أسطورة العنقاء التي تحرق نفسها وتنبعث من رمادها تنضح نضارة وفتوة.

أسطورة تمّوز بين الأساطير المشهورة

تمّوزأسطورة بابلية و بابل هي مدينة تاريخية تعود قدمتها إلي«بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد. مطالعة حضارتي آشور وبابل، وهما من أقدم الأقوام التاريخية، مفتاح للدخول في تاريخ العالم القديم» [7] . أما أسطورة "تموز" تعادل "دمُوز" في الثقافة السومرية و"أدونيس" في الثقافة الأغريقية وفي بلاد سوريا وفلسطين. وفي الأدب الفارسي تمّوز يعادل "حاجي فيروز" الذي يظهر ليالي آخرکلّ سنة في ثوب أحمر ووجه أسود. احمرار ثوبه يشير إلي إعادة العيش والحياة واسوداد وجه يشير إلي اسوداد أرض الأموات وقد عاد من ديار الأموات حقيقة لإجراء الحياة علي الأرض في فصل الربيع.

أمافيما يتعلّق بمأساة تموّز أومراث لتمّوزفقد قيل: «عندما يرحل التمّوز إلي تحت الأرض، تصبح عشتار، عاشقته ، کئيبة وحزينة وتندبه وترثيه وهي مشهورة بمأتم تمّوز» [8]. ومن بعد ذلک کان الناس يقيمون مراسيم لمأتم هذه الأسطورة وفي کثير من القصائد الدينية البابلية مراث لتمّوز الذي فجعت به الأرض يشبه فيها بالنباتات السريعة الذبول فهو مثلاً:

طرفاء في الجنينة لم يسقها الماء

ولم تزهر بالنور قمتها في الحقول

صفصافة لم تسعد بالمياه الجارية

صفصافة تمزّقت جذورها.
 [9]

تموّز في أشعار الشعراء المعاصرين

الشعراء التموزيون مصطلح أطلقه جبرا إبراهيم جبرا علي کلّ من بدرشاکر السياب خليل حاوي، يوسف الخال، وأدونيس وجميعهم کانوا من شعراء مجلة الشعر. کتب جبرا إبراهيم جبرا کتاباً تحت عنوان "تموّز في المدينة" سنة 1959م وفيه رموز الموت والتمزيق والفتک ويقول فيه: «هذه القصائد تلخص لي سنواتي الأخيرة وبحثي فيها عن مصادر الإيناع والخصب.أکانت السنوات لغيري ماکانت لي أنا؟ مهمايکن الجواب، فلشدّ ما آمل أن نعود إلي المدينة راقصين.»(جبرا، 1959 م:6).

وينتمي السياب إلي أسرة الشعراء التمّوزيين وتنعکس صورالأسطورة التمّوزية ورموزها المختلفة وتنويعات موضوعها في القصائد التالية من شعره "النهروالموت"،"جيکورو المدينة"،"المسيح بعدالصلب"،"أغنية في شهرآب"،"أنشودة المطر"، "رسالة من قبر" ولاتظهرالأسطورة التموزية بشکل واضح الملامح في أغلب قصائد السياب التي ذکرناها ولکن الصور والأفکار التّي تطالعنا في تلک القصائد تشيرإلي مغزي الأسطورة التموزية. مثلاً في قصيدة"أنشودة المطر"يلبس فيها المسيح ثوب التموّز حينما يقول:

بعدما أنزلوني، سمعتُ الرياح

في نواح طويلٍ تسّفُ النخيل

والخُطي وهي تنأي. إذن فالجراح

والصليبُ الذّي سمّروني عليه طوال الأصيل

لم تمتني

ويواصل کلامه ويقول:

«حينما يزهَرُ التوتُ والبرتقال

حين تَمتدّ "جَيکُور" حتي حدودِ الخَيال،

حينَ تخضّرعشباً يغني شذاها

والشموس الّتي أرضَعَتها سناها،

حين يخضرّ حتي دجاها،

يلمس الدفء قلبي فيجري دمي في ثراها.»

 [10]

ويطلّ علينا المسيح بوجه آخر فيقترب من تمّوز جوّ الاقتراب. إن المسيح هنا، يتقمّص شخصية إله الخصب تمّوز، إذ إنه يعلن أنّ الدماء الدافئة ستجري في قلبه بطلوع الربيع في قرية جيکور. وهو يشيرفيها إلي خصائص أسطورة تموّز نفسها إلي الموت والفناء وبعد ذلک يشير إلي البعث والحياة.

وأما خليل حاوي فهو أحد من الشعراء التموزيين الّذي يستخدم أسطورة تمّوز في بعض قصائده. کقصيدة:"بعدالجليد"من ديوان"نهرالرماد". في هذه القصيدة يفيد الشاعرمن أسطورة تموّز وما ترمز إليه من غلبة الحياة والخصب علي الموت والجفاف. في بداية القصيدة يشيرإلي الجليد الذي تغشي کل مکان وقدحوّل کل شيء إلي الرکود والجمود حيث يقول:

«عندما ماتت عروقُ الأرض

في عصرِ الجليد

مات فينا کلُّ عِرقٍ

يبُسَتˆ أعضاؤنا لحماً قديدˆ

عبثاً کُنّا نًصُدُّ الريحَ

والليلَ الحزينا

ونُداري رعشة

مقطوعة الأنفاس فينا

رعشة الموتِ الأکيد

في خلايا العظمِ في سرِّ الخلايا ...» [11]

يشير الشاعرإلي الأجواء الباردة التي أحاطت کلّ مکان وإلي اللّيالي السوداء والمغمومة وإلي الحياة النازحة وإلي الموت والفناء الذي يسيطرعلي کل شيء. ويرمز بصورة غير مباشرة إلي تلک الحياة التي قد هاجرت إلي تحت الأرض مع رحلة تمّوز. وفي هذه الأجواء المفعمة بالهموم والأحزان والموت والفناء، يبشّرالشاعربظهورأسطورة تمّوز فجأة کمايشير إلي "بعل" وهو إله الخصب والحياة عند الفينيقيين. وکأن الشاعرنفسه مشغول بانجاز الطقوس الدينية أمام هذه الأساطير ويقوم بمزج أسطورة تموّز ببعل فجأة حيث يقول:

«يا أله الخصبِ، يا بعلاً يفضّ

التربة العاقِرَ

يا شمس َ الحصيدˆ

ياإلهاً ينفضُ القبَر

ويا فِصحاً مجيد

أنتَ يا تموّز، يا شمس الحَصيد

نَجِّنا، نجِّ عروقَ الأرض

مِن عُقمٍ دَهاها ودهانا

أدفي ء المَوتي الحزاني

والجَلاميدَ العَبيد

عَبرَ صحراء الجليد

أنتَ يا تمُّوزُ، يا شمسَ الحصيد»
 [12]

يقوم الشاعر بتمجيد هاتين الألهتين ويطلب من "بعل" أن تشقّ التراب العقيم وتعطيه حياة جديدة.

وقد تأثّر خليل حاوي من الشعراء الغربيين وقصائدهم «ولاسيما قصائد تي اس. إليوت، القصائد التي تضمّنت دلالات طقوس الخصب وأساطيره باعترافه هو في هامش قصيدة "الأرض الخراب". قد شجعت خليل حاوي وباقي الشعراء التموزيين بأن يستفيدوا من تراث المنطقة الأسطوري والشعري وهم أولي به.» (العظمة، 1996م:256). يشيرخليل حاوي إلي أوضاع بلاده والبلدان العربية وأحوالها وإلي الأجيال التي قد کتب الجهل والفناء عليها ولايمکن أن يغيرها أي قوة من الخارج ألا أن يغيرما بأنفسها. الأسطورة هنا رمز للتقدم، والمدنية، والحضارة، و الثقافة التي ستغير الشرق الأوسط يوماً من الأيام. و الشاعر يعتقد أنّ الجهل بالأمور والحوادث التي تسيطر علي بلاده هي الّتي تسبّب الجمود والرکود بين الأجيال. ثم يشير إلي هاجة بلاده بنوع من الخروج من هذا الجليد. والشاعر الأخيرالذي نعالج بعض قصائده وهومن الشعراء التموّزيين والّذي يستفيد من أسطورة تموّز، أو أدونيس أو بعل مرّات عديدة مباشرة کانت أو غيرمباشرة هو يوسف الخال الشاعرالشهير السوري. علي سبيل المثال أنّه يذکر بعض هذه الأساطير مباشرة في قصيدتي "الدعاء"و"السفر" وغير مباشرة في قصيدتي "البئرالمهجورة" و"القصيدة الطويلة". کما يقول في قصيدته "الدعاء" مشيراً إلي أسطورة تمّوز:

«و أدَرنا وُجوهَنا: کانت الشمسُ

غُباراً علي السنابِکِ، والأفقُ

شراعاً مُحطّماً کان تمّوز

جراحاً علي العيون وعيسي

سورةً في الکتاب.»
 [13]

يشير الشاعرفي بداية القصيدة إلي رکود الإنسان وخيمة الموت التي سيطرت علي کلّ مکان. ثمّ يتحدّث عن قتل تمّوز علي يدالخنزير البرّي وذهابه إلي العالم السُفلي. وأمّا عيسي الّذي نجّي قومه أصبح سورة في الکتاب أوصورة في الأذهان فحسب. وکأنّ اليأس خيم علي العالم. ثمّ شيئاً فشيئاً تزدهر براعم الأمل في ذهن الشاعر فيحاول أن يبعد حالة اليأس والخيبة السائدة علي القصيدة إلي جانب فيقول:

« يا نفسُ بوحي

بالّذي صار، مَزِّقي الحُجُبَ السُودَ،

أطِلّي علي الجديد وثوري

يفتح الشاطيءُ الخلاصُ ذِراعَيه

وتعلو علي مداه السفينُ.

أيها البحرُ. أيها الأملُ البحرُ

تَرَفّق بنا، تَرَفّق، تَرَفّق!»
 [14]

ثمّ بدلاً عن الإشارة المباشرة إلي أسطورة تموّز أو أسطورة أخري، يستخدم البحر رمزاً لإعادة العيش والحياة إلي الأرض، وفي الحقيقة تحوّل البحرإلي إله يتضرّع إليه الشاعر. ثم يتحدّث عن أمل جديد ودمع ودماء جديدة في مواصلة کلامه حيث يقول:

« أيها البحر، يا ذراعاً مددناها

إلي الله، رُدَّنا لک، دَعنا

نستردَّ الحياة من نور عينيک

ودَعنا نَعود، نُرخي مع الريح

شراعاتنا، نروح ونغدو

حاملين السماء لِلأرض دمعاً

ودماءً جديدةً.» [15]

فالبحر يصبح ذراع الخلاص وهو ينبوع الحياة، أنّه الطريق إلي الله وهو الوحيد القادر علي إنقاذ الإنسان ويتّضح لنا بأن رؤيا الشاعر دينية ولايمکن استرداد الحياة إلا من نورعيني الله.

وفي قصيدة أخري عنوانها "السفر" يستخدم الشاعرعدة من هذه الأساطير ويقول:

« وقبلَما نَهُمُّ بالرّحيل نذبح الخراف

واحداً لعشتروت، واحداً لأدونيس

واحداً لِبعلَ، ثمّ نرفع المراسيَ

الحديدَ من قرارة البحر

ونبدأ السفر.» [16]

« في هذه الصورة ينحلّ الرمز القديم إلي واقعة إنسانية عامّة ذات مغزي رمزيّ. إذ کان الشاعر انّما يحدّثنا عن واقعه الشعوري الذّي يرتبط في الوقت نفسه ارتباطاً شعورياً وثيقا بتلک الواقعة الرمزية القديمة.» ( إسماعيل، 1962م: 214)

النتيجة

وأمّا الخلاصة التي نستنتجها من خلال هذا المقال فهو:

 ألف) ما کان يزدهر استخدام الأسطورة في الأدب العربي من قبل کما ازدهر في عصرنا المعاصر. بعد الحرب العالمية الأولي، تعرّف الأدباء العرب علي الأدباء المشهورين الغربيين ثمّ أخذوا منهم استخدام الأساطير مثل تمّوز أو آفروديت.

 ب) في هذه السنوات ومن بين هذا الجيل من الشعراء، ظهرت فئة من الشعراء المعاصرين العرب الذين يشتهرون بالشعراء التمّوزيين الذين عالجوا الأساطير عامة و أسطورة تموّز خاصةً معالجة إبداعية بإعطاء الصورة الجديدة.

 ج) الشي إلواحد الذي يربط ما بين آثار هؤلاء الشعراء هوالاعتقاد بميزة تمّوز في انبعاثه و إعطائه الحياة إلي الأرض.

 د) تحولّت هذه الأساطير في أشعارهؤلاء الشعراء المذکورين إلي رموزلانبعاث والإحياء والرّجاء الذي يحتاج إليها العالم الثالث والشرق الأوسط في هذه الليالي المظلمة وفي هذه الظروف الراهنة.

المصادر والمراجع

 إسماعيل، عزّالدين.1962م. الشعرالعربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية.بيروت: دارالثقافة .
 البعلبکي، منير. 1992م. معجم أعلام المورد. الطبعة الأولي. بيروت: دارالعلم للملائين.
 جبرا، إبراهيم جبرا. 1959م. تموّز في المدينة. الطبعة الثانية. بيروت: الموسسة العربية للدراسات.
 حاوي، خليل. 1979م. الديوان. الطبعة الثانية. بيروت: دارالعودة.
 حلاوي، يوسف. 1994م. الأسطورة في الشعرالعربي المعاصر. الطبعة الأولي. بيروت: دارالآداب.
 الخلال، يوسف. 1979م. الأعمال الشعرية الکاملة. الطبعة الثانية. بيروت. دارالعودة.
 داود، أنس. 1992م. الأسطورة في الشعرالعربي الحديث. الطبعة الثالثة. بيروت. دارالمعارف.
 رزوّق، أسعد. 1959م. الشعراء التموزيون. الطبعة الأولي. بيروت: دارالحمراء.
 السياب، بدرشاکر. 2000م. الأعمال الشعرية الکاملة. ج1. بيروت: دارالعودة.
 الصالح، نضال. 2001م. النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة. بيروت: منشورات الکتاب العرب.
 العظمة، نذير. 1996م. سفرالعنقاء حفرية ثقافية في الأسطورة. دمشق منشورات وزارة الثافية في الجمهورية العربية السورية
 فريرز، جيمس. 1982م. أدونيس أو تموّز، دراسة في الأساطير والأديان الشرقية القديمة. الطبعة الثالثة. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

المصادر الفارسية

 ژيران، ف.دلاپورت، ل. لاکوئه، گ.1382 هـ ش. اساطير آشور وبابل. ترجمه ابوالقاسم اسماعيل پور. چاپ سوم. انتشارات کاروان
 ساندرز، ن. ک. 1387 هـ ش. بهشت ودوزخ در اساطير بين النهرين. چاپ سوم تهران. انتشارات کاروان.

في الأدب العربي المعاصر

[1(السياب، 2000م: 457)

[2(حلاوي، 1994 م:72)

[3(حاوي 1979م:228-229)

[4(حلاوي، 1994م: 164)

[5(العظمة، 1996م :21)

[6(حاوي، 1979م: 125-126)

[7(ژيران،2001م:57)

[8(ژيران 2001م،78)

[9(فريزر،1982م:20)

[10(السياب، 2000م: 458و457)

[11(حاوي، 1979م:117-118)

[12(حاوي، 1979م: 119-120)

[13الخال، 1979م: 227

[14(الخال، 1979م: 228)

[15(الخال 1979م: 230)

[16(الخال 1979م: 234)


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى