الخميس ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم سناء طباني

أمي.. لا تتركيني بيد الغرباء

«أمي.. غاليتي.. اشتقتُ إليكِ كثيرا، اشتقتُ لحضنك الدافئ، لصوتكِ الحنون، ولأبي، إخوتي، عائلتي.. لقد خطفني احدهم منكم، وأبعدني بغير إرادتي، فقد خدعني مَن لا رحمة في قلبه ولا إنسانية، وسرق طفولتي، صفاء ذهني.. سرقني من بينكم.. أنتِ تعلمين جيداً يا أمي مقدار حبي للعصافير، ولم أتوقع السوء منه عندما أغراني بفكرة مشاهدة العصافير في البستان،

ذهبت معه إلى مكان بعيد قرب البساتين والأشجار النائية، كنتُ فرحاً جداً من اجل العصافير، ولكن عندما نظرتُ حولي لم أرَ أي إنسان قريب منا.. ارتعبتُ ودخل الشك قلبي، وبسرعة خطف فكرتي وحاول الالتفاف حولي، ففزعتُ ولم اعلم ماذا يريد..

قلت له: أين هي العصافير الملونة والجميلة؟!

قال: سأعطيك العصافير ولكن ليس قبل أن تكون معي!!

قلت: لا اعلم عن ماذا تتكلم وماذا تريد؟؟؟

قال: أريدك بجانبي قربي تلمسني والمسك..!

انتابني الرعب عندما علمتُ مقصده!

أمي لماذا لم تخبريني انه ليس كل الناس مثلكم طيبون، وانه يوجد وحوش بيننا أيضا؟ وانهم يضعون اقنعة تشبه وجوه البشر..؟ لمَ لمْ يخبرني أبي أن هناك شخصا غريبا قد يفترس طفولتي، وسيبعدني عنكم؟؟

لقد قاومته أمي، قاومته كثيرا.. ولكن انهارت مقاومتي أمام جبروته وتخيلتُ بلحظتها مع نفسي بأنك وإخوتي ألان تتنعمون بدفء المنزل وأنا بيد ذئب بشري لا يعرف شيئا عن الإنسانية. وبعد أن أنهى مهمته القذرة لم يكتفي بقتل روحي، بل أكمل جريمته وقتل جسدي أيضا، كان يضربني بلا رحمة بكافة أنحاء جسدي إلى أن نزف دمي وأصبحت جروحي كثيرة، وروحي تتأرجح في داخلي تريد الخروج ولكني امنعها وأقول لها: لا تيأسي سنعود للدار، انه وقت الغداء..

تمنيتُ العودة للدار يا أمي، ولكن ضرباته كانت أقوى من مقاومتي. أمي اعذريني لقد سببتُ لك حزنا كبيرا ولكنني وقعتُ ضحية التحرش الجنسي بالأطفال.».!!

القصة أعلاه، قد تكون من نسج الخيال، لكنها مستوحاة من قصة حقيقية مؤلمة.. وربما بمثل هذه العبارات يناجي طفل صغير أمه وهو يعيش آخر لحظات حياته، بعد أن وقع فريسة التحرش الجنسي من قبل الكبار..

ولكن ما المقصود بالتحرش الجنسي بالأطفال؟

إنه (كل إثارة يتعرض لها ‏الطفل/ الطفلة عن عمد، وذلك بتعرضه للمشاهد الفاضحة أو الصور الجنسية أو ‏العارية، أو غير ذلك من مثيرات كتعمد ملامسة أعضائه التناسلية أو حثه على لمس ‏أعضاء شخص آخر فضلا عن الاعتداء الجنسي المباشر في صورها المعروفة، ‏الطبيعي منها والشاذ).

وتعتبر قضية التحرش الجنسي بالأطفال من القضايا الاجتماعية الخطيرة والتي لا حدود لانتشارها بين كل الطبقات الاجتماعية ،الاقتصادية، الدينية بلا استثناء، وسبب خطورتها يأتي من الصمت الذي يلفها وأيضا كون الضحية فيها هو الطفل بكل ما تعنيه الطفولة من براءة، طفل بتفكيره وعاطفته وبجسده الصغير.. بل باستيعابه لمثل هذه القضايا.

وبما أن الطفل يعيش داخل أسرة، فهي المسئولة عن توفير الحماية والأمان له وتقع على عاتقها مهمة التعريف بجسده الصغير وكذلك إعطاءه شرح مبسط للحياة الجنسية كي لا يتفاجئ بإنسان غريب ينتهك براءته ويكشف له جسده بطريقة لا تتلاءم مع سنين عمره.

وليس هذا فقط، بل وينظر المجتمع أحيانا إلى الطفل بعد استغلاله وكأنه مذنب أيضا، مما يجعل أسرة الطفل هي التي تسعى إلى التكتم عن الحادث والحفاظ على سريته خشية الفضيحة العائلية، وبذلك تخطأ مرتين بحق طفولته الأولى بتركه صفحة بيضاء لا علم له بتفاصيل جسده وكيفية الحفاظ عليه، والثانية بالتستر على القضية.. مما يترك الأثر السيئ على سلامة الطفل الجسدية والنفسية، وهذا يؤدي بالمقابل إلى تمادي المعتدي بجريمته وتعرضه لأطفال آخرين لعدم وجود من يفضح أمره ويعرضه للقضاء إذا ما انكشفت تفاصيل الحادث.

في الغالب يكون معدل عمر الطفل المُعرّض للاعتداء ما بين سن 3 إلى 14 عاما، وكلما ‏كان عمر الطفل اصغر كلما كان التأثير السلبي على نفسيته أكبر ‏وأعظم وأخطر، وقد يتعرض الجنسين للاعتداء، وأيضا قد يكون المعتدي من الجنسين ولكن الشائع هو قيام الذكور بالاعتداء!!

ولكن من هو المعتدي..؟ انه إنسان قد يكون متمرساً بهذه القضايا، ويكون اكبر من الضحية على الأقل بخمس سنوات، وتتميز شخصيته بالشعور بالنقص واضطرابات البناء النفسي وتعرضه لحالات اكتئاب ـ هذا حسب رأي العلماء المختصين ـ وأيضا قد يكون على الأغلب نفسه ـ أي المُعتدي ـ قد تعرض في الصغر للاعتداء الجنسي من قبل شخص أخر اكبر منه سنا.

وليس دائما يكون المعتدي من الغرباء، فقد يكون من أقارب الطفل، وهذا يسمى سفاح الأقارب ويقصد به (قيام أحد الأبوين أو الإخوان أو الأعمام وأولاد عم أو ألخوال وأولادهم أو أحد الأقارب بعمل علاقة جنسية مع أحد أطفالهم) حيث إن نسبة 35% من حوادث الاعتداء يكون الجاني فيها له صلة قرابة ‏بالطفل أو بالضحية، و 65% من الحالات يكون الجاني من الغرباء..

ومما لا شك فيه إن سفاح الأقارب يكون أكثر ضررا للطفل لان الشخص الذي يعتدي عليه هو احد المفترضين منه إن يكون من يحافظ على الطفل.

ولا يخفى إن وجود هكذا علاقات داخل الأسرة يعني سقوط القيم الإنسانية وانحلال وتفسخ الروابط الأسرية.

ومن جانب آخر فللأسف لا تتوفر الإحصاءات الدقيقة والخاصة بهذه القضية بسبب التستر عليها، سواء من قبل أهل المعتدي أو أهل المعتدى عليه..

ولكن إحدى الدراسات الحديثة كشفت على إن ربع الأطفال في السعودية يتعرضون للتحرش الجنسي بكافة إشكاله أي بمعدل طفل من كل أربعة أطفال، وان أكثر من 70% من المعتدين على هؤلاء الأطفال من المحارم (أب، أخ،عم، خال). وقد أكدت دراسة أخرى أن هناك عشرات الآلاف من الأطفال الضحايا الذين يعانون من الصدمات النفسية الشديدة مدى الحياة نتيجة إيذائهم.

كما إن إحدى الدراسات التي صدرت في الولايات المتحدة عن الجمعية الأمريكية للتعليم الجامعي للنساء قالت: «إن نحو 80% من طلاب المدارس الأمريكية ذكوراً وإناثًا قد تعرضوا إلى نوع من أنواع التحرش الجنسي في حياتهم المدرسية».

وذكرت منظمة «أصوات الطفولة» العراقية أن أطفال العراق باتوا فريسة للاغتصاب، إذ تعرضت عشرات الفتيات في سن 12 سنة إلى التحرش الجنسي، والاغتصاب..

كما أكدت الشرطة ومنظمات العون العراقية أن أكثر من 150 طفلاً عراقيا يختطفون سنويا ليباعوا داخل وخارج البلاد، إما بغرض التبني أو الاستغلال الجنسي، والدولة لم تعمل حتى على تشريع قوانين تحرّم استغلال الأطفال في التسول أو بيعهم أو انتهاك إعراضهم.

أم الضحية «كيف من الممكن أن يكون لإنسان هذه القسوة».؟!

ولأجل تسليط الضوء على احد جوانب هذه القضية التقيتُ بإحدى السيدات التي تدعى (ف.ف) والتي تعرض طفل لها للاعتداء الجنسي ثم القتل في عملية وحشية..

قلت لها: تعرض طفلك لجريمة بشعة وكانت نتيجتها فقدانه بطريقة مأساوية لو فقدته بغير هذه الظروف هل كان حزنك سيختلف؟

(ف.ف) «بالتأكيد كنت سأحزن لفقدانه كأي أم منكوبة.. ولكن عندما أعود بذاكرتي لتلك الأحداث، أحس بالألم على الظروف التي أدت بطفلي إلى تلك النهاية، وأسأل نفسي إن كان لنا تقصير في ذلك؟ وكيف تمكن المعتدي من اخذ طفلي واستغلاله، وكيف عاش طفلي آخر لحظاته؟ أشياء كثيرة تدور في مخيلتي ولحد الآن».

وعن دور الأم من هذه الأحداث وهل من الممكن تجنب هذه النتيجة لو تمت متابعة الطفل أكثر تقول (ف . ف) «لو علمت أن طفلي سيلقى هذا المصير لبنيتُ له سوراً ووضعته بداخله، بل لوضعته في علبة وأخفيته عن العالم.. ولكن انتهى كل شيء الآن، لقد كنتُ موجودة معه في كل لحظاته التي عاشها، أعطيته الحب والاهتمام كنت أتابعه في دراسته و أتابع أصدقاءه، وهو لم يخرج بعيدا يوم الحادث، بل كان أمام الدار يلعب الكرة مع الأصدقاء عندما جاءه المعتدي وطلب منه الذهاب لاصطياد العصافير في البساتين القريبة، ولأنه كان شخصا معروفا لطفلي ولم يتوقع السوء منه، وأيضا نحن لم نسمع من قبل بوجود هذه الميول الجنسية الشاذة لديه، ولهذا ذهب طفلي معه بكل براءة، وحدث ما حدث.. وما زلتُ أحاسب نفسي على كل هذه الإحداث وأتألم وأعيد حساباتي ألاف المرات، واليوم عندما انظر لبقية أطفالي أحاول أن أضاعف متابعتي لهم أكثر، وأعوضهم عن أي شيء قد أكون أهملته مع طفلي الحبيب الراحل».

وعن رأيها في أيهما أكثر صعوبة على الأسرة، من تعرض الطفل الصغير للتحرش الجنسي أو تعرض البالغ للتحرش، توضح (ف.ف) «إن الحالتين تترك تأثيرا سلبيا على الضحية والأسرة، ولكن الشخص البالغ قد يستطيع أن يدافع عن نفسه، لأنه قد يكون له ولو جزء بسيط من المسؤولية، وأيضا يعلم الغاية من الاعتداء، ومن الممكن أن تعالج المشكلة أحيانا لان الطرفين بالغين.. أما الطفل الصغير فمن المستحيل معالجة المسألة، ومن الصعوبة أن نستطيع إفهام الطفل بشناعة وفظاعة العمل الذي تعرض له، وقد يستمر المعتدي باستغلاله، وبالتالي يدخل الطفل عالم الكبار وليس لديه أي استعداد نفسي أو جسدي لهذه الممارسة، كما إن بعد تعرضه للتحرش الجنسي قد تتغير ميوله، أحاسيسه، مشاعره، وقد يحس بمشاعر من المبكر عليه إحساسه بها، وعليه أقول بالتأكيد حالة الطفل الصغير هي الأصعب بكثير».

وفيما لو لم تنتهي قضية التحرش الجنسي بطفلها بجريمة قتل، وهل كانت ستقوم بإبلاغ السلطات المختصة عن حادث الاغتصاب.. تقول (ف.ف) «إننا في مثل هذه الحالات وعندما نرى طفلنا بشكله الخارجي سليم وليس هناك ما يشير إلى اعتداء، نتكتم عن القضية ولا نفكر بأحاسيس الطفل، و بمشاعره ، وبتأثير ذلك على نفسيته.. وهذا خطئنا جميعا، ولعل هو ما أوصل طفلي لهذا المصير الأسود، لان المعتدي نفسه قد تعرض وتحرّش بأطفال آخرين، وتم التكتم عن الأمر آنذاك، فاختار ضحية جديدة وهو طفلي، وبذلك فقدناه بأبشع جريمتين ممكن أن يتعرض لهما طفل، الاغتصاب ثم القتل.. وأؤكد هنا بأنني كنت سأبلغ السلطات المختصة عن الحادث، لأنني بذلك كنت سأجنب أسرة أخرى فظاعة الألم الذي تعرضنا له»..

وبخصوص رأيها في مشاركة المجتمع في حماية هؤلاء الذئاب البشرية، تقول (ف.ف) «بلا شك إن المجتمع يساهم في تشجيع هؤلاء المعتدين، على ممارسة هذه الأفعال، تصوري، انه بعد الحادث اتصل بنا أناس كثيرون من وجوه اجتماعية، رجال دين، أصدقاء وغيرهم من اجل إقناعنا بالتنازل عن حق طفلنا القانوني وإسقاط التهمة عن المعتدي..؟ ولكن لا يمكن أن نوافق على ذلك لأننا خسرنا طفلنا نتيجة عمل لا إنساني، وليس قضاءاً وقدر.. وإنني أرى لو إننا وافقنا على التنازل عن القضية سنكون قد أعطيناه فرصة أخرى ليكمل حياته، وهو الذي حرم طفلنا من الحياة، وربما سيعود لممارسة أعماله غير الإنسانية بالتعرض لأطفال آخرين».

وعن العقوبة القضائية التي تم تنفيذها بحق المعتدي على طفلها، قالت (ف.ف) «لقد نفذت بحقه العقوبة القانونية التي أقرتها المحكمة وهي عقوبة الإعدام، واعتقد إنها العقوبة التي يستحقها فعلا كل من يرتكب هذه الأعمال الوحشية، ولا اقصد جريمة القتل فقط، بل استدراج طفل و استغلال براءته وصغر سنه لإرضاء نزوات وأفعال مريضة ومنحرفة للمعتدي».

لم يقتل طفلي فقط، بل قتلني أيضا..!

وبخصوص نظرتها ورؤيتها لطفلها وينتهي هذه النهاية المأساوية، وعن مشاعرها تجاه المعتدي تقول (ف.ف) «انه ليس بإنسان، وان كان إنسانا فانه بلا قلب وبلا أحاسيس، ولا توجد عبارة تعادل اللحظات التي عشناها قبل معرفة مصير طفلي، وحتى بعد مشاهدة جثته وقد تم الاعتداء عليه بهذه القسوة، وقد تعجّبتُ في كيفية انه من الممكن أن يكون لإنسان هذه القسوة؟ بالتأكيد إن المعتدي هو اقل من كل المخلوقات في الأرض وأدنى من كل المسميات، لأنه لم يقتل طفلي فقط بل قتلني أيضا، انه مجرم، ومجرم أيضا كل من تستر عليه وأوصل طفلي لهذا الحال».

قلت لها: أحيانا يكون التحرش الجنسي من ذوي القربى هل تكون الحالة أصعب براءيك؟

قالت «عندما يكون الاعتداء من ذوي القربى يكون أصعب كثيرا، لان هذا يعني انهيار للأسرة و لكل ما هو جميل في حياة الطفل، ومن أصعب الأشياء على الطفل أن تكون أسرته هي السبب في مأساته، بينما عندما يكون الاعتداء من الغرباء، ورغم إن الاعتداء مرفوض، لكنهم أولا وأخيرا غرباء».

وبخصوص إمكانية نسيان هذه الأحداث المؤلمة من قبل الأم، تقول (ف.ف)«لا يمكن أبدا نسيان ذلك.. ما دام هناك في جسدي روح، من المستحيل أن أنسى، ونحن صحيح نأكل ونشرب ونضحك أحيانا، ولكن تبقى هذه القصة في داخلي و في أعماقي.. لقد كان حادث الاعتداء عليه صعب وقاسي جدا، وطفلي لم يكن له أي ذنب بذلك».

لم أتوقع إن الذي يحصل هو علاقة آثمة بيني وبينه..!

الحوار أعلاه كان مع أم تعرض طفلها إلى التحرش الجنسي من قبل احد الغرباء.. ولكن كيف يكون الأمر أذا كان المعتدي احد المحارم من الأسرة نفسها!!

التقيت بإحدى ضحايا التحرش الجنسي بالأطفال والتي تعرضت لهذه التجربة المؤلمة، وحاولتُ الدخول أو الاقتراب إلى جزء ولو بسيط لمعرفة مشاعرها فيما يخص هذه التجربة..

عن طفولتها قالت «كنت طفلة صغيرة أعيش داخل أسرة لديها ما يكفيها من المشاكل والمتاعب العائلية، عشت طفولتي باضطراب، لم تكن حياتنا مستقرة وطبيعية، بل كانت سلسلة من الخوف والرعب الدائم.. وكنا شبه معزولين عن العالم الخارجي، لم يكن من المسموح لنا بالاختلاط كبقية الأسر، فقد كان في بيتنا من الظلم و القسوة من قبل المعتدي ما كنا نحاول إخفاءه عن الآخرين، رعبا منه تارة، أو خشية انه لن يصدقنا احد إن تكلمنا عن ما يحدث ويحصل داخل أسوار منزلنا».

وعن كيفية قبولها بالوضع الذي أدى بها إلى هذه الأحداث، تقول بحزن «لم يكن الأمر بإرادتي، فقد كنت في أول مراحل البلوغ، حتى إن جسمي لم يكتمل نموه بعد، وكان المعتدي ذو قوة وجبروت و يملك من العنف ما لا نستطيع مقاومته جميعا، وقد أرغمني على ذلك، فقد كان شرس الطباع ولم يملك ذرة من الإنسانية، و عند حدوث الاعتداء لم أتوقع إن هذا الذي يحصل هو علاقة آثمة بيني وبينه، فقد كان فهمي للأمور الجنسية بسيط جدا، ولم يكن خيالي يتقبل هذه الصورة، بل كنت اعتقد إن ما قام به هو نوع أخر من العنف الممارس ضدنا في المنزل، لكن بمرور الوقت بدأت افهم أنه يفعل شيئا ما غير عاديا، وأحسست بان لمساته لي لم تكن عادية.. ولكنني لم أحاول للحظة أن أفعل شيئا ما لوقف ما يفعله لأنني شعرت، بالذنب، والخوف في آن واحد».

وبخصوص معرفة الأم بمصاب ابنتها وشكوكها قالت محدثتي «لم تكن أمي تعلم بأي شيء عن ما يحدث، رغم إنها كانت تشك بذلك أحيانا، ولكن لم تكن متأكدة و لم تتوقع أن يقع هذا الفعل من المحارم، ولو علمت أمي بالأمر كانت ستذعن إلى أنه لم يكن يوجد خيار آخر لي، وكانت ستتفهم موقفي هي وحدها، لأنها تعلم جيدا انه ليس باستطاعتي المقاومة، ولا استطيع أن ارفض الأمر، لقد كنا نعاني جميعا نفس الظروف من القسوة والعنف والرعب داخل المنزل من قبل المعتدي».

وعن أنواع العنف الذي استخدمه المعتدي ضد الأسرة ليصل إلى ما يريد تقول: «إن المعتدي الذي يصل بتفكيره إلى هذه الدرجة من القسوة ويفعل هذا الفعل بإحدى المحارم، بالتأكيد لا يتوانى عن أي فعل آخر، لان الضرب والسب وابتكار طرق عديدة لإيذائنا كانت شيئا بسيطا مقارنة بالجرم الذي ارتكبه بحقي.. وهو كان يستخدم طرق عديدة لإيذائنا، ولم يكن يتوانى عن استخدام أي شيء يمكن إن يخطر له ويوصله إلى غايته، مثلا استخدام أدوات جارحة عديدة لضربنا كالمجرفة وغيرها، كان يقوم بضرب راسي بالجدران، وعمل جراحات عديدة في جسدي وأشياء كثيرة أخرى».

وفيما إذا كانت قد حاولت اللجوء لجهة ما للمساعدة بعد تكرار الاعتداءات، تقول: «لم ألجأ إلى أي جهة، لأني ببساطة لم أكن استطع الخروج من الدار إلا برفقة المعتدي، ولم يكن ليعطيني أية فرصة لذلك، بل كان يرافقني دائما إن اضطررت للخروج من الدار لأي سبب كان، خوفا من أن اتصل بأحد الأقارب».

بقيتُ داخل المنزل ولم اخرج منه بعد الحادث لأكثر من 10 سنوات..!

وعن حجم خسارتها من هذه الإحداث، تقول: « لنقل ماذا بقى لي بعدها؟ لقد خسرتُ كل شيء خسرتُ شرفي، طفولتي، حريتي، حقي في اختيار شريك حياتي، خسرت أسرتي، وكل ذلك مقابل نزوة حقيرة لشخص لم يفكر إلا بنفسه، وأيضا لقد أصبحتُ منبوذة ومعروفة في مجتمعي بسبب تلك الإحداث، بالإضافة إلى فقدان الاستقرار في محيط أسرتي، كل ذلك بسبب تلك الأحداث التي كنت طرفا فيها، ولكن لم يكن لي ذنب بذلك ولا يمكن لأي فتاة أن تتقبل هذا الأمر أو توافق عليه.. لقد كنت مجبرة وخائفة».

وعن كيفية تعامل المجتمع معها ومع أسرتها ما بعد الحادث، تقول: «أنتِ جزء من المجتمع وقيّمي ذلك بنفسكِ..! إن المجتمع يا سيدتي قاسي جدا بالحكم علينا، فنحن لم يكن لنا ذنب بذلك، إن المتهم شخص واحد والأسرة كلها دفعت الثمن، لقد خسرنا أشياء كثيرة بسبب القضية، فقد تحددت وتحجمت علاقاتنا الاجتماعية جدا، وكذلك صداقتنا، ناهيك عن أمور الزواج في عائلتنا التي تأثرت بذلك بشكل كبير، وكذلك المشاركة بالأفراح والإحزان مع الأقارب والأصدقاء تقلصت جدا، هذا بالنسبة للأسرة.. أما أنا لقد بقيتُ داخل المنزل ولم اخرج منه بعد الحادث لأكثر من 10 سنوات، فقد أصبحت حياتي محدودة جدا فقط مع البقية المتبقية من أسرتي، كنتُ أخشى أن اظهر في الأماكن العامة، وكأني أنا الجاني ولست المجني عليها والتي فقدت كل شيء بسبب الحادث..! لا استطيع أن اذهب لأي مكان خوفا من كلمات قد اسمعها وتجرحني».

وعن ما تركه الحادث من اثر نفسي عليها لحد الآن تقول: «لقد ترك جرحا كبيرا في داخلي، ومهما أكابر واقول إني تخطيت الحادث، لكن تبقى في داخلي أشياء كثيرة من ذلك الحادث.. فمجرد مناقشة الموضوع يسبب لي خوفا لا تعلمين مقداره.. لقد فتحتِ جرحا حسبتُ انه التئم ونسيته.. ولكن من الصعب نسيانه.. لحد الآن لا استطيع أن أكون بكل مشاعري لأي إنسان.. لانه دائما يوجد خوف بداخلي.. ومن المستحيل أن أعود تلك الفتاة الصغيرة البريئة، وأن أعود لأحلامي، ولأسرة يلفها الحنان.. لقد تحطم كل شيء بداخلي وبأسرتي.. ومن المحال نسيان الأمر».

و لمن يقوم بمثل هذه الأفعال تختتم محدثتي كلامها بالقول: «أقول له، أن الطفل ذلك البرعم الجميل، لا علم له بما يفعله الكبار، اترك له البراءة، لا تجعله يفقد أجمل لحظات طفولته لأنها لن تعود ثانية، لا تحطم كل شيء جميل بداخله لاجل نزوة عابرة، وإذا كنتَ من ذوي القربة فالمصيبة أعظم، فأنت من تدعي الشرف والأخلاق والحرص على العادات والتقاليد، وتكون أول من ينهض لهدر دمي إن ارتكبتُ الخطيئة أمام أعين الناس، ولكن بعيدا وفي الظلمات ترتكب أنت أبشع الجرائم الإنسانية».

أحاول أن أجمع تفكيري لقول كلمة تصف إنسان وصل به الأمر إلى هذه الدرجة من الأفعال فلا يسعفني خيالي لأجد وصفا يوازي أفعاله..

وأتساءل، هل يحاسب الإنسان نفسه؟ هل يشعر بخطئه؟ أم لا ضمير له ليشعر بذلك؟

انه بالتأكيد حالة خاصة، وهؤلاء المعتدين لا يمثلون مجتمعاتهم، لأنهم فئة شاذة وغير مقبولة.. ويبقى دور الأسرة هو المهم لتجنب الطفل مثل هذه الأحداث، من خلال إعطاء شرح مبسط حول التوعية الجنسية، و توجيه الطفل حول قسم من الإرشادات للعمل بها إذا ما أحس بخطر وجود من يحاول استغلاله، كمحاولة الصراخ وعدم الذهاب إلى أمكان بعيدة بصحبة الغرباء، وعدم اللعب مع المراهقين، وأيضا يجب أن يكون الدور الأهم للمؤسسات التعليمية وذلك بتدريس الموضوع بشكل علمـي لجميع المراحل الدراسية خاصة الصفوف الأولى منها.

أما الطفل وان كان يحمل مشاعر الطفولة فهو يملك من الإحساس والذكاء ما يجب أن لا تستهين به الأسرة، وان تأخذ ملاحظاته بعين الاعتبار إن حاول إخبارهم بوجود من يحاول الاعتداء.. و بعد تعرضه للاعتداء يكون الطفل بحاجة إلى الأمان، وإعادة الثقة بالنفس، ويجب على الأسرة أن تقوم باسترجاع هذا الحادث الذي تعرض له بالتفصيل ولمرات عدة كي لا يبقى مختزنا بداخله، وينبغي عرض الطفل على الطبيب أن استدعى الأمر، أما المعتدي فمن الأفضل عدم التهاون معه بعد كشف أفعاله، ومن الضرورة بمكان تشجيع ألضحايا وأسرهم أن يضعوا الخجل جانبا، و ملاحقة الجاني لينال عقابه قانون.


مشاركة منتدى

  • إن كنتِ تتحدثين عن الغرباء فعن ماذا أتحدث أنا!
    إن كنتِ ترجين من أمك ألا تترك بيد الغرباء فبماذا أرجوها أنا..
    حدث معي هذا السيناريو لكن ليس مع غرباء بل مع أقرباء!
    أي صبر قد أصبره للعوده للدار وأنا في داري!
    وأي تفكير يراودني وأنتم تتنعمون بالدفء وأنا معكم!
    هو لم يسرقني من هم، بل سرقني أمام أعينهم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى