الاثنين ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم محمد أبو عبيد

إحذِفوا السينما وليس بعض المَشاهد فقط

السينما العربية ليست نشازاً عن لحن الرقابة الرسمية أو المجتمعية. هذه الرقابة هي التي تتكاثر عندها أسباب الحد من الإبداع الفني والأدبي،والذي هو في أحسن حالاته مثل البطة العرجاء، إن حاول أهله أن يجعلوه بطة سليمة، صيّره آخرون بطة كسيحة.

إذا نجا الفن من رمضاء الرقابة الرسمية،اكتوى بنار المجتمع المنقسم دوماً حول قيمة الإبداع وتعريفه إلى فسطاطين : واحد لا يُبقي ولا يذر من المحظورات التي ينهال بها على أي من صنوف الفن ليبقيه مُعوقاً،وفسطاط يطلق العنان له حتى يحلّق في السماء المتجردة من الحدود، والخالية من أدوات القمع و"القصقصة".

كأن السينما العربية لا يكفيها ما تعانيه من عدم الإنفاق السخي على إنتاجها وبث الروح فيها،حتى تلطمها أمواج الدعوة إلى بترها وتقزيمها، وإذ بالتسعين دقيقة المفترضة لطول فيلم ،مثلاً، تصبح سبعين حيناً ،وستين أحياناً. لذلك لن تتطور السينما العربية ما دامت قد استسلمت للمقص الرسمي، أو المطرقة الاجتماعية. إن تطورها يعني ،بلا تردد أو ريب،أن تتجاوز الثالوث الناشب أظفاره فيها : النقد السياسي، المسائل الدينية، والقضايا الجنسية التي تتقاسمها المجتمعات قاطبة.

لعل المساحة تضيق إن شاء المرء أن يعدد الأفلام التي إما قزّمتها الرقابة،أو أعادت صياغة بعض مشاهدها حسب أهوائها،وإما وأدتها لحظة المخاض.هذا علاوة على الأفلام التي حاربتها وتحاربها شرائح مختلفة من مجتمعاتنا بحجة مخالفتها للقيم ومنظومة العادات والتقاليد. الحديث هنا ليس عن الأفلام التي لا تحوي سوى الإسفاف والتفاهة والإثارة الرخيصة ،فكل عاقل لن يرضى بها، إنما الكلام هو عن تلك الأفلام التي تناقش مسائل من صلب حياة أي مجتمع ،وتلامس حيثيات حياته الصغيرة والدقيقة ،حتى لو تطلّب الأمر تجسيدها تمثيلاً مباشراً في بعض مناحيها،أو إيحاءً في المناحي الأخرى احتراماً للمُشاهد، واحتراماً لمؤدي الدوْر أيضاً.

أخيرُ هذا السجال بين الفسطاطين، ولن يكون آخره، هو فيلم "حين ميسرة" لمخرجه خالد يوسف.أحد أسباب استعار المواجهة هو المشهد الذي تؤديه الفنانتان سمية الخشاب وغادة عبدالرازق، والذي يحاول رغم بساطته الإشارة صراحة إلى المثلية الجنسية لدى النساء العربيات. ويعجب المرء كيف انقاد البعض بعاطفة مشحونة بالإنفعال غير المنطقي ولا المبرر،إلى فهم المشهد على أنه دعوة لنشر المثلية الجنسية في صفوف العرب.

ولعل ما يزيد المرء تعجباً هو الحجج و القرائن التي يتذرع بها فسطاط القمع ،خصوصاً عندما يقول إن المجتمع الفلاني يخلو من هذه الظاهرة ،عِلْما أنها تبقى سراً قلّما يجاهر بها من اتخذوها منحى لهم في حياتهم،فكيف الحكم،حينئذ، بأن المجتمع لا يعرف مثل تلك الظاهرة ويخلو منها !!.

ما زالت لدينا ،كشرقيين، حساسية من تناول تلك الموضوعات وغيرها، فالأمر ليس مقتصرا ً فقط على الحياة الجنسية. ما يريد البعض منعه سينمائياً وشِعراً وقصصا ً ورسْماً، يتحدث عنه الناس في مجالسهم إسرارا ًو جهاراً.لا بأس، إذنْ، في تجسيده سينمائياً إذا كانت في الأمر رسالة توعوية،أو تحذيرية،أو حتى توضيحية لحال المجتمع، بدلاً من أن نُلبِسه الزي الأنيق ونجمّله بالمكياج.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى