إدوارد سعيد وأسلوب المرحلة الأخيرة
"لا سفينة تنتظرك، ولا طريق.ولأنك أضعت حياتك هنا، في هذهالزاوية الصغيرة،فقد دمرت حياتك في سائر أنحاء العالم"
قسطنطين كافافي
صدر مؤخرا عن دار الآداب كتاب لادوارد سعيد، بعنوان [عن الأسلوب المتأخر: موسيقى وأدب عكس التيار]، ترجمة فواز طرابلسي. وشأن كتابات ادوارد سعيد تأتي رائعته الأخيرة غاية في الرقي والثورية والتوتر غير المحسوم، من جهة تركيزه على أعمال لمنتجين ثقافيين في المرحلة الأخيرة من حياتهم، تحدوا مداهمة الموت بالسير "عكس التيار" في الشكل والمضمون (من فقرة على الغلاف الخلفي للكتاب).
قبل ثلاثة أيام من تغلب المرض عليه للمرة الأخيرة، قال إدوارد سعيد لزوجته وهما يتناولان الإفطار ذلك الصباح: ".... في الأسبوع القادم، سوف أركز على إنهاء [عن الأسلوب المتأخر] الذي سوف يجهز في ديسمبر". لم يحصل هذا! ..
إدوارد سعيد مفكر عالمي شديد التميز، غير أن كتاباته ليست معروفة في منطقتنا على نحو يكافئ ثقل الرجل على الصعيد الفكري. اهتم ادوارد بالقضية الفلسطينية والاستشراق والنقد الأدبي والموسيقى. تعدد في المجالات المعرفية لم يحل دون براعة ادوارد في الاقتحام والتشريح على نحو غير مألوف للقارئ العربي.
قراءة إدوارد سعيد صعبة لكن ممتعة، ولا أقصد هنا النزعة الاستهلاكية وإنما متعة التحليل العميق، متعة التحقق من حقيقة الشيء بالإبداع والابتكار لا بالمعاينة.
ذلك هو امتياز الأسلوب المتأخر – والكلام لإدوارد -: له القوة على التعبير عن الخيبة واللذة دون أن يحل التناقض بينهما. فما يجمعهما في التوتر، بما هما قوتان متعادلتان تشدان في اتجاهين متناقضين، هو ذاتية المفكر الناضجة، مجردة من العجرفة والتفخيم، لا تخجل من كونها معرضة للخطأ ولا من الطمأنينة المتواضعة التي اكتسبتها نتيجة العمر والمنفى.
....
لا يبث رسالة خلاصية، ولا هو يدعو البتة إلى أي مصالحة.