بيدي لا بيد عمرو
إن اختراع التقاليد أضحى | تجارة رائجة تفوق كل تصور |
ادوارد سعيد
من يعلم؟! ربما يكون ربيعنا العربي مُقدمة "غير واعية"، لثورة فكرية، لم تتضح معالمها بعد، تتفجر مستقبلا تحت أقدامنا في العالم العربي، بل في الحضارة الإسلامية بكليتها، وتجعل ما يحل بمجتمعاتنا المارقة ـ من جهة رفضها للحقائق غير المريحة ومبالغتها في تأكيد الحقائق المريحة ـ أشبه بهزائم تُشرب في آنية النصر.
المفكر الراحل عبد الله عزام يقول في كتابه "في خضم المعركة": "..كل مبدأ من المبادئ لابد له من طليعة تحمله، وتتحمل وهي تشق طريقها إلى المجتمع تكاليف غالية وتضحيات باهظة، وما من عقيدة من العقائد أرضية كانت أو سماوية إلا واحتاجت إلى هذه الطليعة التي تبذل في سبيل نصرة عقيدتها كل ما تملك، وتتحمل لأواء الطريق الصعب الطويل حتى تصل إلى إقرارها في واقع الحياة إذا كتب الله لها التمكين والظهور، وهذه الطليعة تمثل، القاعدة الصلبة للمجتمع المأمول"(1).
كلمات هادرة، تدعونا للتساؤل عما إذا كانت مجتمعاتنا والتي تشهد صعودا إسلاميا رسميا، تملك مثل هذه القاعدة الضرورية للانطلاق نحو أحلامنا الثورية؟
قد تكون الإجابة مخيبة لآمال شبابنا الثائر، لكنها حق لا سبيل للتنكر له!
فأولئك الذين يملكون مثل هذه القاعدة اليوم هم: قوى الإسلام السياسي، فضلا عن قوى السوق الكونية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يفسر في جانب منه، الصدام الدموي بين الراحل بن لادن ورفاقه، وبين الولايات المتحدة.
"كلام حلو..بس نبتدي منين؟"، عبارة لقائد إحدى الحركات الشبابية الثورية في بلادي، ردا على اقتراح اُلقي أمامه عن إمكانية الاستفادة من الشحنة الثورية لحركته اللاعنفية في تدشين ثورة ثقافية، تذهب بشعوبنا، خاصة شبابنا، إلى آفاق أرحب.
الثورات الفكرية وعلى خلاف نظيرتها السياسية والعسكرية، إنما تستند لفائض معرفة وليس فائض غضب فحسب. الحالمون بتثوير مجتمعاتهم فكريا لابد لهم من:
[1] صفوة فاضلة تُقاتل على الخطوط الأمامية للمعرفة، وتوافي شعوبها بالحقائق، المريح منها وغير المريح. وأيضا تحرص على مقاومة بلوغ الحياة العامة مرحلة يتحول فيها الفكر إلى سلعة! [2] لغة "تنويرية ـ لا مجرد وسيلة لتسويق سلعة ـ"، خاصة ونحن نعيش في عصر بدأت فيه لغة الصورة الجور على الأبجديات المُتعارف عليها، ربما على نحو غير مسبوق. [3] ضمائر حرة قادرة على تعفف جاذبية التكنولوجيا وعدم إدمانها ـ لاسيما في عصرنا الرقمي(2)ـ، إضافة إلى قدرتها على احتضان تخمير ثوري حقيقي، بعيدا عن ثورات اللاوعي العولمية.
قوى الإسلام السياسي ـ بروافدها المتنوعة ـ، ربما لا يكون لديها المزيد من الزخم الفكري لضخه في حضارتنا، الأرجح أن قواها قد استُنزفت إبان كفاحها المرير والشجاع ضد دولة العسكر، فكم من نبلاء أزهقت أرواحهم، من غير ذنب أو جرم!
هذا إلى جانب التفكير الفقهي[وطبيعته المصلحية/الغائية]، لهذه القوى الطموحة، ولا أقصد هنا التهوين، وإنما توضيح الارتباط بالشئون الحياتية اليومية.
ولننظر حرص حكامنا الجُدد على قطف ثمار الحضارة الغربية، واستسهالهم التذرع بمقتضيات الضرورة العملية، بعيدا عن أسطورة النقاء الحضاري وغيرها.
أما قوى السوق الكونية، فالأمر معها جد مختلف! والمقارنة بينها وبين قوى الإسلام السياسي غير واردة، فعدم التكافؤ هائل لا يحتاج لإقامة الدليل عليه. ما أود التأكيد عليه هو امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لقاعدة صلبة ـ بتعبير عزام ـ، تُرجح قدرتهم الفائقة على فرض مشيئتهم الذكية/المُبرمجة على بقية شعوب الأرض، في اتجاه الاستهلاكية والخضوع للسيادة الناعمة لقوى السوق الكونية.
والسؤال: هل ثمة إمكانية "محلية" لتثوير مجتمعاتنا فكريا في عصر العولمة؟
نعم، ثمة إمكانية، لكنها تظل مرهونة بأمور[من قبيل: صفوة فاضلة، لغة تنويرية، ضمائر حرة]، تحتاج هي نفسها لجهد تنويري نقدي جبار ـ من جهة التفكير الفلسفي(3) ـ، يزيد من صعوبته "محنة التنوير"، التي تلقي بظلالها على العالم بأسره(4)، خاصة الولايات المتحدة، منذ تحول مركز ثقل الحضارة الغربية إليها..
لا أعظم..ولا أخطر..من النضال تحت راية أحلامنا الثورية!!
(1) الاقتباس نقلا عن هذا المصدر: جاسون بيرك، "ما هي القاعدة؟ إعادة رواية القصة من الداخل، في جاسون بيرك(وآخرين)، بدون مترجم، ظاهرة بن لادن..لماذا ينتشر فكر القاعدة في المنطقة العربية؟، (القاهرة: المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، سلسلة ترجمات، العدد 2 ـ السنة الأولى، فبراير 2005)، ص 7.
(2) علمت مؤخرا أنه قد صدر كتاب مهم لجارد كوهين وزميل له في جوجل. الكتاب بعنوان: العصر الرقمي الجديد، يناقش على ما يبدو من اسمه تطبيقات الطوفان الرقمي، وليته يجد من يتصدى لنقله للعربية.
(3) الجهود المبذولة مستقبلا ستأتي استكمالا لجهود تنويريين عظام أمثال ادوارد سعيد، ومحمد أركون، وعبد الرحمن بدوي، ..
(4) عن محنة التنوير يقول هوركهايمر & أدورنو في كتابهما القيم "جدل التنوير"، الصادر في 1947، ما نصه: "كانت المفارقة التي وجدنا أنفسنا بمواجهتها طيلة مسيرة عملنا، وهي ما توجب علينا تحليله في المقام الأول هي: تدمير العقل التنويري لنفسه، لم يكن لدينا أدني شك أن الحرية في المجتمع لا انفصال لها عن الفكر المتنور. كانت هذه نقطة انطلاقنا الأولى. بل لقد كان علينا أن ندرك وبوضوح أن مفهوم هذا الفكر، ناهيك عن الأشكال التاريخية العينية، ومؤسسات المجتمع التي يتواجد فيها هذا الفكر، إنما تنطوي على بذرة هذا التراجع الذي نعانيه في أيامنا في كل مكان. والتنوير إن لم يبادر بعمل تفكيري يطال هذه اللحظة من التراجع، فهو كمن يقوم بترسيخ قدره الخاص". للمزيد عن محنة التنوير راجع: ماكس هوركهايمر & ثيودور ف. أدورنو، ترجمة جورج كتورة، جدل التنوير ـ شذرات فلسفية، (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2006).
مشاركة منتدى
2 أيار (مايو) 2013, 06:48, بقلم جهاد
ان السوق الكونية ليست سوى شعار اخترعناه لنحاول به ان نخفي اطماعنا، صحيح قلنا اننا لا نحتمل الذل و لا الاهانة و لكن كان ذلك شعارا ايضا، اليست اهانة عنذما نرا الكنائس تدمر و الثورة يراهن عليها، اليست اهانة لمبادىء قامت عليها الثورة و لكننا اليوم نساوم عليها ، ان نبحث عمن كان له دور البطولة فيها،انها اطماعنا التي تحركنا ،هل كان وعينا وقتيا ام اننا وقت ما نحتاج شعارات نلجا اليه ووقت ما نجده يقوم بوخز ضمائرنا نعتبره جهلا، و نرد ذلك الى السوق الكونية و الى امريكا و اسرائيل و كل من يعادي الاسلام،انا لا انكر دور هذه القوى في تحريك الجو السياسي الا اننا نحن ايضا نستعين بها و نضعها قناع لنوايانا.