إسرائيل تستبيح دماء المتضامنين مع فلسطين
أعادت جريمة قتل بل إعدام المواطنة الأمريكية عائشة نور أغي إيجي التركية الأصل، برصاص جنود جيش العدو الإسرائيلي، بينما كانت تشارك في مسيرة شعبيةٍ سلميةٍ في قرية بيتا بمدينة نابلس، لا تشكل خطورةً على أمن جنود العدو ومستوطنيه، ولا يحمل المشاركون فيها أسلحةً تهدد حياتهم وتعرضها للخطر، وذلك تضامناً مع الشعب الفلسطيني، ضد سياسة الاستيطان والاقتحامات المتكررة، وعمليات القتل المتعمدة، وممارسات جيش الإحتلال العنصرية ضدهم في عموم الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
أعادت الجريمة البشعة التي ارتكبت عمداً وبدمٍ باردٍ، المجزرة الكبرى التي ارتكبها جيش العدو بحق عددٍ من المتضامنين الأتراك مع الشعب الفلسطيني، خلال عملية الإنزال والقرصنة التي قامت بها بحريته العسكرية ضد سفينة "مافي مرمرة" المدنية التركية، التي كانت تحمل مؤناً ومساعداتٍ إنسانيةً لسكان قطاع غزة المحاصرين، ضمن مجموعة أخرى من السفن التي شكلت بمجموعها "أسطول الحرية" التي شارك فيها 750 ناشطاً دولياً من 36 دولة في العام 2010، حيث قتل جيش الاحتلال عامداً وقاصداً عشرة مواطنين أتراك، وأصاب 56 آخرين، وساق البقية إلى مراكز الشرطة والتحقيق، حيث تعرضوا للاستجواب والتحقيق، والتعذيب وسوء المعاملة، قبل إعادتهم جميعاً إلى تركيا وبلدانهم الأصلية.
لا تقتصر جرائم العدو الإسرائيلي ضد المتضامنين مع الشعب الفلسطيني على هاتين الجريمتين، وإن كان يبدو جلياً أنها ضد الأتراك، وأنها تستهدفهم عمداً وقصداً أكثر من غيرهم، فهي تغتاظ من نشاطهم، ويزعجها تضامنهم مع الفلسطينيين، ولا ترضى عن جمعياتهم العاملة في القدس والضفة الغربية وغزة، وتتمنى لو أنها تستطيع بالقوة منعهم من زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وتقديم الدعم والمساعدة للمدارس الدينية والمصاطب العلمية، والمرافق العامة والتكيات الخيرية وغيرها.
وقد صرح عددٌ من المسؤولين الإسرائيليين أن "البزة التركية"، والشارات الدالة عليها، تغيظهم وتستفزهم وهي أكثر خطراً عليهم من "البزات العسكرية"، وأنهم يتمنون لو أنهم يستطيعون تصنيف حامليها بالإرهاب، وأنهم غير مرغوبٍ فيهم، وغير مسموحٍ دخولهم وعملهم في المناطق الفلسطينية، وقد سعى بعضهم فعلاً لتشريع قوانين تحد من نشاطهم، وتخضع أعمالهم للمراقبة والتدقيق، وتحيل المخالفين منهم وفق معاييرهم للمساءلة والتحقيق والمحاكمة.
لكن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تقتصر على المتضامنين الأتراك فقط، بل طالت أغلب المتضامنين الدوليين وصنفتهم، ولاحقت الكثير منهم وطاردتهم وطردتهم، ومنعت بعضهم من الدخول إلى الأراضي المحتلة، ونعتتهم بأسوأ النعوت وأبشع الصفات، فقط لأنهم يتضامنون مع الشعب الفلسطيني، ويدينون الممارسات الإسرائيلية، ويسلطون الضوء عليها، ويصفون سياسة حكوماتها بالعنصرية، ويفضحون في وسائل الإعلام بالصوت والصورة والأدلة والشواهد والبراهين، جرائمهم المقصودة وعدوانهم ومستوطنيهم ضد الفلسطينيين وعلى حقوقهم وممتلكاتهم.
لا ينسى الفلسطينيون والمتضامنون معهم المواطنة الأمريكية راشيل كوري، التي سحقتها جنازير الجرافات الإسرائيلية في مدينة رفح في العام 2003، بينما كانت تحاول منعها من تجريف بيوت الفلسطينيين وهدمها، رغم علم جيش الاحتلال أنها أجنبية أمريكية، وكانت تلبس زياً مدنياً برتقالي اللون يميزها عن غيرها، ولكن لونها الأبيض، ولسانها الإنجليزي، وجنسيتها الأمريكية، لم تشفع لها عند جيش الاحتلال الذي اعتبر تضامنها مع الفلسطينيين جريمة تستوجب القتل والإعدام.
وكذلك المواطن البريطاني توم هندل الذي قتل في نفس الفترة والمكان مع الأمريكية راشيل، بينما كان يحمل طفلاً فلسطينياً صغيراً بين يديه، ويحاول حمايته من رصاص جنود جيش الاحتلال الذي كان يستهدفه، فما كان من الجنود إلا أن قتلوهما معاً.
وكذلك مواطنه جيمس هنري ميللر، الذي قتل بدوره في نفس الفترة لكن في مدينة غزة، بينما كان يعد ويصور فيلماً وثائقياً لصالح هيئة الإذاعة البريطانية، يوثق جرائم جيش الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين بالصوت والصورة والأدلة الحية والشواهد الدامغة.
ولعلها ليست آخر جرائمهم المقصودة، عندما استهدفت طائراته طاقم المطبخ الملكي الأمريكي، الذي كان يعمل في قطاع غزة بعلمهم وموافقتهم، ولكنه على الرغم من معرفته سيارتهم ومسار حركتهم وإحداثيات مكانهم، إلا أن طائراته الحربية استهدفتهم بصواريخها وقتلتهم.
الغريب في الأمر والمستنكر في هذه المسائل والقضايا، عدا المواقف التركية الجادة والمسؤولة، هي مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الحليفتين الأساسيتين للكيان الصهيوني، إذ أنهم غالباً ما يبررون للكيان جرائمه، ويسكتون عنها، ويبرؤونه أحياناً منها، ويكتفون منه بتشكيل لجان تحقيق وهمية وشكلية لا قيمة لها ولا تأثير لقرارتها، ولا جدية أو مصداقية فيها، ثم يطوون الملفات ولا يعيدون فتحها من جديد.
وهذا التواطؤ المعيب ينسحب أيضاً على جرائم قتل المواطنين الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأخرى مثل إعلامية فضائية الجزيرة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي تعمد جنود العدو قتلها برصاصةٍ خارقةٍ حارقةٍ، أطلقها قناصٌ إسرائيليٌ يعرفها وهويتها وشخصيتها ومهمتها، وربما جنسيتها وعملها الذي تميزه البزة والشارة الصحفية.
إنها سياسة العدو الإسرائيلي الفاضحة التي لا يخاف منها ولا يخشى عواقبها، ويتعمد تكرارها ويقصد ارتكابها، وتساعده عليها أنظمةٌ وحكوماتٌ تتآمر معه وتعمل من أجله، فهو لا يريد أن يرى متضامناً مع الشعب الفلسطيني، ولا يريد للغرب أن يسمع غير روايته، فتراه يقتل كل متضامنٍ غربيٍ، ويكسر كل قلمٍ حرٍ، ويحطم كل كاميرا مستقلة، ويعدم كل طبيبٍ يعالجٍ، أو عاملٍ في المؤسسات الإنسانية يغيث ويساعد، ظناً منه أنه يستطيع أن يخرس الألسنة، ويعمي العيون، ويغير الوقائع، ويبدل الحقائق، ويقنع العالم بروايته الزائفة وأدلته الباطلة.