الاثنين ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم ليندة كامل

إعــــــــلان

كل الدروب تقطعت أمامه، إنفصمت عنه الحلول، بدت له الدنيا كمزيج من العلقم. ببساطة قال الصدق.

وإشترى ضميره بثوابت تجدرت في أعماق روحه الطيبة وتحدى الجميع بكلمة لا...ا….

رفض الإذعان في مغالاتهم وكسر شوكتهم ووضعهم موضع المتهمين بدل الضحايا .وراح يلوم نفسه بنفسه:

 لن ارضخ لضغوطهم ، سيخصمون ثلاث أيام من الراتب، وليكن؟

هو المخرج الوحيد من جلاد الضمير ووخزه اللامتناهي .لقد كانت بريئة، لماذا يردون توريطها.. توريطها هي بذات؟ ألم تكن يوما تعني لهم أشياء وأشياء .يرفعون الظلم عن أنفسهم ويقذفونه في جعب الأخريين. حل الضعفاء أو بالأحرى الجبناء. موقف شجاع من رجل شجاع-يثني نفسه-

.ثلاث أيام من الراتب.. يعني إعلان حالت الطوارئ عليا أن أضحى بالعديد من الضروريات التي سأسطرها واحزم في أمرها واعتبرها من الكماليات لا يحتاج جسم فقير إلى إقتناءها والتعوذ على أكلها وسأكتفي بالقليل من الخبز وبعض من حساء الخضر مع قطرات زيت الزيتون كوجبة يومية أما المساء فلن يتعدى حبات التمر وسيقتصر العشاء على السلطات الخفيفة ليس أمامي غير الأكل الخفيف لأحارب الأزمات القادمة، وطبعا فإن زوجتي لن ترضخ للأمر لن تحتمل ذلك اعرفها جيدا. عليا إقناعها فالأكل الخفيف يدخل في نظام التغذية الصحية ولاسيما رشاقة البدن التي صارت كابوسا يهدد الأوزان الزائدة فيسبب خلل في الصحة وزيادة ضغط الدم .والكولسترول والحق انه لا يأتي إلا من أمثال هؤلاء..ثلاث أيام بأكملهم..

لن أتنازل فقول الحق فريضة على كل مسلم ، قد يكون سارقا أو زانيا ..أو .. أو لكنه أبدا لن يكون كذابا منافقا هي ليس من شيمي .ثلاث أيام من الراتب هذا يعني إصراري المطلق على الوجبات الخفيفة في كل الأحوال..حفاضا على رفع الصادرات و خفظا للواردات وتحسبا لأي أزمة إقتصادية تحول في عائدي الشهري – بعيدا عن الثلاث أيام – في المناسبات والأعياد الدينية ، وحسبي التقاليد و الأعراف التي تجدرت في عمق الفكر الاجتماعي فلا تخلو مناسبة من إقتناء ملابس جديدة وتغير في ديكور الدار ضيف إلى الولائم التي تقام في الذهاب والإياب لتقضي على كاهل مواطن لاحول له غير راتبه الشهري ليأتيا في صباح كهذا الصباح فيخصم من راتبه أجرة ثلاث أيام بكاملها.

متجهم الوجه بدى ثائر النفس ، يحمل صمته الدفين و يبحث عن مسكنا لأوجاعه راح يقلب الجريدة ناسيا أو متناسيا الصاعقة التي عصفت به إلى النظر جيدا في أموره المالية .

قرأ في الجريدة أن مدرية الثقافة أعلنت عن مسابقة أحسن نص أدبي تذكر لتوه مواهبه الدفينة فأخذته حماسة التحدي إلى التمعن جيدا في شروطها ومدة صلاحيتها وحمد لله فالشروط رآها متوفرة والتاريخ مفتوح .وقرر بدون تردد المشاركة متجاهلا العواقب لما أثارت مثل هذه النشاطات رغبته الجامحة إلى إضهار مواهبه ووقدراته الكامنة لعلها تجد صدا وترحابا في وسط المبدعين والمثقفين .لا المتسلطين المتجبرين.فاخدته الفرحة بعيدا عن الثلاث أيام وأنزلت عليه السماء بركة ورسم له الأمل طريقا وراح مستسلما مسترسلا لأحلام اليقضة فرأى نفسه يلقي القصائد المنبعثة من شحنات الزمن و فساوته و تسلط الكبار و جبروتهم ، من محن كومته كشظايا بركان ثائر واخذ يعصر ذاكرته ليخرج من أعماقها ما دفنه الزمن من قصائد سبق له أن غلفها ووضعها في كيس بلاستكي وقام بتشميعها وتخزينا في أرشيف الدار .دون أن ينسى وصيته على من له إستطاعة في نشرها ويكن في داته بصيصا من الأمل .فكان يخفي بضعا من الدنانير بصندوق يسترقهم من سياسة التقشف التي يدير بها شؤون الدار لعل طاقة القدر تفتح وتخرج أعماله وأحواله إلى النور ويستغل مابجعب الصندوق في أمور إستعصت وإستحال تنفيذها تحت ضله .أو لعله يعوض خسارة الثلاث أيام من راتبه ويبرمج في تاريخه القادم ثلاث أيام بدون تقشف ليثلج قلبه وينسه الحصار الذي أضرم عائلته في غضون قول شهادة الحق التي أذلى بها وكان مشروع قراءة النصوص الأدبية أول باب فتحته السماء في وجهه فشعر حينها أن السعادة تطارده والفرحة تلاحقه فكان من أيسر الأمور أن أيقع وأيصتدم أمام جدار وهو غارق في أحلام الوجد والأمل .

كتب في الإعلان أن ترسل النصوص إلى عنوان الجريدة ، حيث تم الاطلاع عليها من قبل اللجنة التي أنشأت لإنجاز هذه المهمة قيل الكثير حيال تشكيلها وتوصلو في نهاية المطاف على أنها حيادية تضم عدد من الشعراء والخبراء في الأدب كما تم تدوين ملاحظة صغيرة بان أعمالكم وان لم توفقو في المسابقة لن يتم إستعارتها .انتاببه بعض من الخوف حيال هذه الملاحظة لكن طموحه غلب الخوف والقلق وكل مشاعر الإرتباك فكان التحدي هو الدافع الذي سيطر على عقله ووجدانه و التحفيزات التي اولهتهم إليهم زوجته ستغير مجرى حياته ويودع إلى الأبد كابوس الفقر والتقشف.

خط رسالته بأحرف من الشوق وكيانه أماني يبعثر أحزان متراكمة بعبق من عطاء القدر ، أرسلت المخطوطات المحفوفة برائحة العطر ورحيق الورد وكله أمال وأحلام لا تنتهي .فكان الشوق لمعرفة النتائج أطبق على فكره حتى نسيا نكسة الثلاث أيام وكم حمد الله على ذلك فلا يمر يوما لا أتفقد فيه البريد حتى أثارت تصرفاته فضول الجيران .فقال الأول في إستخفاف:

 أراك أكثرت الاستفسار عن البريد؟

وأكمل آخر:
 اتنتضر رسائل؟

فاجاب بعد تردد:
 أجل هناك رسالة مهمة جدا

 رسالة غرام؟
 وأنت بهد العمر؟
 أخطا تم الفهم
 الحب ليس له حدود يا صاحبي وبالخصوص عند شاعر منسي كحضرتك
 أتجد وقتا لذلك؟
 ليس بالضرورة (أجاب بحنق)
 هذا يؤكد انك تنتظر شيئا اكبر

 رسالة ..أو طرد …أو…
 من هذه التي تبادلك العشق وترسل إليك بهدايا الحب في طرد
 يالك من سعيد احظ
 وراحا يتبادلان الهمز واللمز والقهقرة
 فخفق قلبه لوهلة وتصورة أن زوجته باحت الخبر عند الجيران رغم إلحاحه الشديد على بقاء الأمر سرا إقتداء بسيرة رسول الله (ص) وإستعنو بالكتمان في قضاء حوائجكم .
 وكم من مرة قرا على مسمعها مثل هذه القوانين لكن لسانه الطويل ذاك يستحق القص فعلا .
 واكمل آخر من هذه .. انعرفها .. أتعمل معنا .. أم أنها زبونة جديدة؟
 -كيف أوقعتها في شراكك…يالك من سعيد الحظ … ؟
 إنكم مخطئون
 لعلك ربحت في مسابقة وتخفي الأمر عنا
 أي مسابقة دخلت … تلفزيون أم …
 لعله ربح في الرهان الرياضي ..وينتضر..
 أجاب ببرود وقد إمتلا غيضا – ياليت
 وصاح آخر تكهننا في الطريق الصحيح
 لا تنسى الجيرة
 ليس كل الجيران طبعا ..و أنت أدرى؟
 لا تفكر إلا في نفسك ..هذا حالك دائما

ادركت حنها أنى أخطأت بحق زوجتي وان الدرس فهم واستوعب وهذا أمر يفرح و يثلج القلب

كانت الأيام تمر وللهفة لمعرفة الرابحين تزداد و الأحلام الحلوة تسكن وتستقر في تفكير الأسرة فلا يخرج حديثنا عن نطاق المسابقة ومدى فعاليتها التي ستغرس جذورها لتغير مجرى حياتنا وفي لحضة محفوفة بأنفاس الملائكة سيعلو إسم أسرتنا ويطبع في التاريخ مع الأمجاد ولعل يوما ستصبح مبرمجة في الكتب المدرسية ولن أنسى حكاية الثلاث أيام وكيف مرو على حياتنا لكن التاريخ توقف لحظة ليعيد نفسه حين قرأت أن المسابقة ألغيت واستبدلت بتاريخها المعلن مسابقة أجمل فتاة ….تليه حفل موسيقي مع الفنان…. ولم يعزني في الأمر إلا أن اعرف الأسباب كافة حيث علمت أن اللجنة إعتذرت لعدم إلتحاق الجمهور في حفل توزيع الجوائز وحفاضا على سيرة الثقافة ومصداقية دار الثقافة تم تغير المسابقة في للحظات الأخيرة حيث إلتحق الجمهور بصورة عجيبة غريبة وكنت معهم ..وعند نهاية الحفل تم توزيع الجوائز المسابقة الأدبية التي إقتصرت على شهادة شرفية وعدد من الكتب وإستمر الحفل ،كان شديد مما اضطرني للانتضار حتى نهاية حيث تم إعطاء الناجحة رحلة إلى … وفتح لها رصيد بنكي بقيمة…. تغير مجرى مدينة كاملة من أحيائهم القصديرية ..لكن الفتاة قررت أن تستثمر المال و تزور كل البلدان العالم..

فكان عليا أن أوصى زوجتي أن تنجب لنا فتاة جميلة لتغير حياتنا للابد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى