إلى أين نحن ذاهبون؟؟
ليس بالشعر وحده تتقدم الحياة
كم هائل من البحوث الثمينة في العلم والفن والترجمة وصنوف الثقافة الأخرى تنشر يوميا على صفحات المواقع الألكترونية العراقية،ولكن القراءات قليلة والتعليقات تكاد تكون معدومة..ويستحوذ الشعر
على أرقام عالية من القراءات والتعليقات.
يا له من تحد جسيم ذلك الذي ينتظرمجتمعنا في هذا العالم المتغاير و الحثيث الخطى .. وقد إمتد نطاق التحديات ليشمل معظم
جوانب حياتنا ـ تحديات علمية وتقنية وإقتصادية-،تظل برغم حدتها وقساوتها دون تلك التي نواجهها على جبهتي السياسة والثقافة والعلم. وكما نعرف جميعا ، فإننا نواجه معضلة مركبة الأسباب والمصادر والأقدار .. وربما ألفنا عشرة المعظلة لطول إقامتها معنا، وسئمنا معرفة أسبابهاـ وعزفنا بالتالي عن التبصر في آثارها.
وإن إستمر الوضع على ماهو عليه، فليس أقل من الكارثة .
وفي مواجهة المعضلات يجوز لنا إذا حسبنا أنفسنا مثقفين أن نلوذ بأسئلة الأغريق الثلاثة: (ماذا ولماذا وكيف؟) ولا أعتقد بأن إثنين منا سيختلفان على أولوية السؤال (ماذا؟) ، ذلك الذي يستدعي الظاهرة البارزة والأحداث الجسام التي تواجهنا، وما نحن عليه من إتساق .. وقد أستطيع هنا أن أشظي هذا السؤال
الى أسئلة فرعية:
– ماذا يجري من حولنا؟ عالميا وإقليميا وكيف هو المشهد الثقافي في هذين الفضاءين، وهل لدينا إطلاع -على سبيل المثال -على العلم و الثقافة والأدب في إيران وتركيا ... وغيرها.
– ماذا جرى لنا؟ نورد من خلال هذا السؤال ملامح المشهد العراقي ، وما يلقاه مثقفينا من تهميش و تغاضي وتعسف حد الأبادة الجسدية .
– ماذا سيجري لنا؟ علينا أن نحلل و ندرس توقعاتنا لما ستؤول عليه الحالة، لو بقى الوضع على ما هو عليه أو صار أسوء ، ونضع هذه الصورة أمام الملأ بشكل صريح.
وأرى أن أكثر هذه الأسئلة أصابه التسوس والصدأ هو سؤال(لماذا؟) .. فقد تعبنا من التبريرات ذات المنطق البارد
مثل عبارات : الظروف الموضوعية والظروف الذاتية وضرورة إجتماعهما لكي يبدأ التغيير، حتى بلغنا السأم .. أرجو أن يكون كل واحد منا خصيم نفسه ليدرك، كم إننا نضيع من الوقت في كتابات ونصوص لا تدرك ما يدور حولها من خراب كارثي، يلتهم كل مفاصل المجتمع، هذا أذا أذعنا بأن هناك لا زال مجتمع محدد المعالم ،فكم من التصفيات تمارس كل يوم وتعقل العقول ويهجر أصحابها؟
وأكثر الأسئلة عتمة وقتامة هو سؤال كيف؟ كيف لنا أن نواجه أعداء مجهولين، يحيطون بنا من كل جهة؟
وليكن واضحا، أنا لا ادعوكم احبتى الكتاب و المثقفين ان تضعوا لنا وصفة ناجحة ناجزة تبرئنا من سقم اوضاع الثقافة المتداعية وتلبى لنا توقعات المستقبل ...
فنحن كلنا بقدراتنا المتواضعة، لا نستطيع ان نعطي حلولا جاهزة، بقدر ماهى دعوة للتفكير فى بدائل الحلول..وأنا أعتقد أن إقتراح الحلول من أى واحد منا، وفى حالتنا الراهنة، بجانب كونه ضربا من المجازفة الى حد السذاجة ،فهو ايضا تناقض صريح مع ما ذكرته، ( باننا نواجة معضلة شائكة مركبة الاسباب والمصادر والأقدار) ..والتى اصبحت كظاهرة اجتماعية غير مسبوقة . وهذه بدورها هى رهن بقدرة نخبتنا الثقافية من ان تفلت من قبضة بعض المسلمات القديمة ،والمعتقدات الصنمية والتعقد الشرس .
ولكن ما يبعث الأمل ان هذه النخبة ،تجد امامها عونا صادقا ومنبرا حيا واسع الأنتشار ،وهي المواقع الألكترونية .
ورغم كل ما أسلفناه، أجد انه يصعب علينا ان نترك السؤال
المحورى (كيف؟) هكذا حائرا دون بعض افكار أولية فى تناوله.
وبهذا فأنا اقترح الركائز التالية:
الاولى: تكمن من جهة في قدرة منظمات المجتمع المدنى ومنها المواقع الملتزمة و
منظمات و إتحادات المثقفين،على إقناع المواطنين بضرورة التكييف وحشد الجهود والموارد من أجل التغيير. ومن جهة آخرى
فى قدرة هؤلاء المواطنين أنفسهم بالضغط على الحكومة لتصبح أكثر تجاوبا مع مطالبهم، وأكثر تقبلا لرجع صدى الجماهير تجاه ممارساتها. ومرة أخرى يمكن لهذه المواقع
الالكترونية الملتزمة أن تلعب دورا محوريا فى إقامة هذا الديالوك الاجتماعى، الذى بدأ بطيئا. والذى نتمنى له ان يتواصل و يتسع .
الثانية: إعترافنا و إقرارنا بان حجم المشاكل وخطورتها يفرضان علينا تضحيات عديدة .وتغيرات جذرية فى المواقف والتوجهات .. وقد تفاقمت أزمات حاضرنا الى درجة أصبح معها قدر من (طوبائية )التفكي، ضرورة واجبة لمعادلة (ديستوبيا ) الواقع الذى نعيشه ويتوقف تحويل هذا المنحى الطوبائى الى واقع عملي على مدخلنا الأساس في تناول الأشكالية. و مرة أخرى يمكن أن تساهم
المواقع بما تتيحه من فرص عديدة (أهمها إنتشارها الواسع وتقبلها من قبل عدد كبير من الكتاب والقراء) في عملية التحويل هذه .
الثالثة: تحاشي (البداية من الصفر)، كي لا يتولد شعور من الإحباط عند الجميع، بل أن نحاول بعث الحيوية في الحركة الفكرية والثقافية الحالية و المتنامية ومفاتحة وكسب نخبة من دعاة التغيير من المفكرين من ذوي التوجه المنفتح ، ممن أثبتوا قدراتهم على الإنجاز في ظل الظروف الراهنة و إستعدادهم للتكييف مع أولويات ومتغيرات الوضع الذي نعيشه، وتشجيعهم على النشر .
كما أقترح على إدارات هذه المواقع أن تبقي دراساتهم ومواضيعهم لفترة أطول من فترة عرض القصائد والمقالات وذلك لحاجة المتخصصين الى وقت كافي لقراءتها والتعليق عليها ،وحاجة القراء أيضا لقراءة التعليقات المهمة للاساتذة المتخصصين، والتي في أغلب الأحيان تنزل في نهاية فترة عرض النتاجات المختلفة.
معذرة أخوتي الشعراء، انا لا أريد أن أقلل من أهمية الشعر
وأنا من هواته ومتذوقيه، ولدي محاولات متواضعة فيه، ولكن ليس بالشعر وحده تتقدم الحياة .
مرة أخرى ألوذ بكم لإنتشال ثقافتنا من كبوتها الراهنة، وليس أمامنا من مجال إلا تجاوز الأزمة ثلاثية الأبعاد:
تحديات الداخل ..وتحديات الخارج ..وتحديات إعداد المثقف لنفسه. هذه الدعوة ليست سوى مقدمة لما سيقدمه أخوتي المثقفون من مبادرات.