إيميلدا ماركوس في الجامعة
حذفت اسمها من قائمة العشق ووضعته في قائمة الطعام.. شطبته من دليل سيمفونيات الموسيقى وأضافته الى دليل متاحف الشمع حيث الزعماء والقتلة والأدباء واللصوص حيث مارلين مونرو.. وريا وسكينة. .وكيندي. . وديجول.. والسادات. .وآل كابوني. .حيث الشمع نهاية كل المشاهير.
إنها امرأة مثيرة ومسيطرة. . جذابة ومتسلطة. . من يلمس لحمها كمن يكبش جمرة مشتعلة. .والتورط في علاقة معها كالتورط في عملية تجسس، أو تهريب، أو اغتيال، أو سطو مسلح.. ينتهي في محكمة الجنايات. .كل من عرفوها ذاقوا في لحظة واحدة طعم الفراولة والليمون.. الكريز والكونياك. .الشيكولاته والشطة. .كل من عرفتهم لوحتهم لخبطتهم . . لعبت بحاسة الوقت عندهم. .جعلت الظهر فجراً. . والسبت خميساً. . وأكتوبر أمشيراً. .والخريف شتاء.. وعبثت بقواعد الحساب. . فالزائج إنقلب الى ناقص . . والقسمة تحولت الى ضرب.. والنسبة المئوية أصبحت عمولة. . أو عروسة. . أو سلطة تحكم الشعب في الصباح. . وتلعب في الفراش ليلاً.
هي. . إيميلدا ماركوس.
المرأة التي جمعت بين السحر، والغموض، والسلطة، والشهرة، والثروة، والجرأة، والقسوة. . وأعلنت أقوى حكومة في غرفة نوم.. في زماننا.
في السبعينات كانت حكومة الصين تساعد ثوار الفليبين بالمال والسلاح، فطارت الى بكين، وعانقت ماوتسي تونج. .وطبعت قبلة على خد شواين لاي. .وعادت الى بلادها وهي تحمل وعداً بألا تتدخل الصين في شؤون الفلبين الداخلية.
في ديسمبر 1980 تأزمت علاقات الفليبين بأمريكا، فطارت الى نيويورك، ونزلت في الشقة المجاورة لشقة رونالد ريجان – وكان على وشك تولي السلطة. .في فندق "والدورف استوريا"، واجتمعت معه بحضور نائبه جورج بوش أربع ساعات، واتفقت معه على إعادة المياه بين البلدين الى مجاريها. . لتصبح العلاقات كما كانت .. مثل السمن على العسل.
وبعد 3 سنوات تأزمت العلاقات من جديد. . وبدت واشنطن كمن نفض يده من الرئيس الفليبيني فرناند ماركوس. . زوجها. . فدعت وزير الخارجية الأمريكية جورج شولتز للحضور الى مانيلا. .العاصمة.. وفي المطار وأمام عشرات المستقبلين، انحنى شولتز على يد إيمليا وقبلها. . ثم . . عانقها.. وبعد أن شعر بالدفء، قال للصحافيين "إن صداقة أمريكا والفلبين لن تضعف ولن تتبدل".
ودعت البابا لزيارة الفلبين ليحضر الاحتفال بالعيد الفضي لزواجها وعندما ذهبت الى الفاتيكان قالت للبابا بولس السادس:
– إن الرب هو المحبة. .وأنا أحب أنا أحب المحبة.. أنا في حب دائم.. لذا سأذهب بعد وفاتي الى الجنة.. أليس كذلك يا سيدي البابا؟
وأغمض البابا عينيه وقال لها وكأنه يداعبها:
– ما أحلى كلامك أيتها الطفلة.
إنها امرأة مشكلة.. والمرأة المشكلة هي التي تفرض حضورها.. إنها برق.. زلزال . . طوفان.. بركان. . فيضان.. وألف سؤال.
وصفها ناصر الدين النشاشيبي بأنها جميلة حتى السحر. . أنيقة حتى البساطة. . طموحة حتى الخطر. . جريئة حتى الموت. .تعمل بلا تعب. . وتتعب بلا سبب. . وتنظم الشعر، وتؤلف الأغاني، وتدبر المؤامرات، وترقص حتى مطلع الفجر.
وقد قالت له:
– إن حياة المرأة في حبها. . وحبها في حياتها!
– وأنت؟
– حياتي أنا أيضاً هي الحب.
– هذه رومانسية؟
– بل واقعية . .فالله خلق الحياة مناصفة بين الرجل والمرأة.. منح الرجل القوة.. ومنح المرأة الجمال.. ولا معنى للجمال بلا قوة.. ولا قيمة للقوة بلا جمال.
إن التي تقول هذه الجمل الأشبه بالشعر، والخطابات الغرامية. . هي أغنى امرأة في آسيا. .وواحدة من أغنى 10 سيدات في العالم.. وثروتها تزيد على 15 مليار دولار. . وتملك 45 قصراً ومنزلاً في الفلبين واستراليا وهونج كونج واليابان وأمريكا. .وتملك 3 طائرات خاصة. .وحوالي 3 آلاف زوج من الأحذية. .ومجنونة مجوهرات. . وعندما احتفلت بعرس ابنتها "إيرين" – في سنة 1983 – أحالت الزواج الى عيد وطني. . وأنفقت على الفرح 12 مليون دولار، وأقامت مدينة جديدة تليق بالمناسبة. . وأجلست العروس في مركبة مصنوعة من الفضة الخالصة. .ويجرها عشرة خيول عربية نقلتها طائرة خاصة من المغرب. . وفي تلك السنة أشارت الإحصائيات الى أن 42% من سكان الفلبين يعيشون تحت خط الفقر. . وأن 15% من النساء يعملن في الدعارة. . وأن 7% من الأطفال غير شرعيين. . أولاد حرام.
إن عاصمة بلادها.. مانيلا. . هي مدينة الخطيئة والرذيلة في العالم. لكن. . إيميلدا ترد على ذلك بقولها. . إنه الحسد الذي تحمله العواصم المجاورة لعاصمتنا. . إن مانيلا تشبه الفتاة الساحرة التي لها ألف عشيق وألف حسود.
وسألها النشاشيبي:
– وما هو سر هذا الجمال الساحر الذي تتمتع به فتاة الفلبين في العالم؟
فقالت:
– نحن خليط من الدم الأمريكي والاسباني والصيني. .نحن عصارة أجناس التاريخ الطويل!
* * * *
ولدت إيميلدا في جراج وعاشت طفولة بائسة. . لكنها. .رغم الفقر كانت جميلة.. كانت مثل قطعة الماس في كيس قمامة وقد التقطها بأصابع خبيرة رجل ثري. . يشتغل بالمال والسياسة. .تبناها. . وعلمها. . وسمح لها أن تقول إنه عمها.. واكتشف أن صوتها سوبرانو. .مزيج من الفضة والأمطار الاستوائية. . فقدمها للغناء.. وفيما بعد قالت:
"أنا أغني، لأنني أحب الحياة، وأكره النوم، لأنه يبعدني عن الحياة". . ثم .. استطردت:
"ما يميزني عن غيري أنني . . أنا"!
قبل الصوت. . الصورة.. إنها أنثى ملساء كالبلور. . تحتمل حماقات الرجل. . وتحرض غريزته عليه. . وتغير خريطة الحلال والحرام.. وهي قادرة على فرض الإقامة الجبرية داخل جسدها. . ويمكن في لحظات الغضب أن تصبح أظافرها مشارط. . وضفائرها مشنقة. .وعندما حكمت 60 مليوناً في الفلبين كان أدق وصف لها: إنها امرأة حديدية تدير الحكم بقفاز من حرير.
في أبريل 1954 كان عمها يرأس البرلمان وقد ذهبت لزيارته في الجلسة المسائية التي امتدت الى منتصف الليل وهناك قابلت ماركوس لأول مرة وبعد نصف ساعة من اللقاء طلب منها الزواج وبعد 11 يوماً فقط تزوجا.
كان ماركوس في ذلك الوقت زعيم الأقلية.. أو المعارضة. . وقد بدأ حياته السياسية مبكراً. . كان عمره 18 سنة عندما اتهم بقتل منافس والده في انتخابات البرلمان. .وقد قُبض عليه. . وفي السجن أكمل دراسته القانونية.. وتولى الدفاع عن نفسه. .وحصل على البراءة. . لكن. . دماء السياسي القتيل ظلت تطارد سمعته حتى آخر العمر.
تقول إيميلدا عن ماركوس.. إنه رجل مجرب.
ويقول هو عنها في خطاباته الغرامية لها. . إنك امرأة تعطي الرجل الفرصة كي يمشي فوق الماء . .تجعلينه يدخل في لحم الأشياء. . هذا اللحم الذي يتكلم سبع لغات .. أما أنا فاحترف الإصغاء .. أحبك.. لا أعرف لماذا؟ . . كفي أفسر ما لا يُفسر؟
لكن. . رغم كل هذا الحب فإنه لم يتردد في خيانتها. . وفي كتابه الممتع، وراء كل ديكتاتور امرأة.. ينشر أنور محمد فضيحة ماركوس الممثلة الأمريكية دوفي بيمز. .جاءت الى مانيلا لتمثل دوراً في فيلم يروي قصة حياة ماركوس لتصبح صورته أجمل في عيون العالم. . وفي اللقاء الأول صارحها بحبه.. ولم يوقع لها عقد البطولة إلا في الفراش .. واحتفظ بها عشيقة في فيللا بإحدى ضواحي مانيلا. . وأثناء سفر إيميلدا في رحلاتها الخارجية كانت دوفي بيمز تنام على فراشها في قصر الرئاسة "مالا كاتانج" الذي دخله ماركوس عندما تولى السلطة في 30 ديسمبر 1965.
تقول دوفي بيمز في مذكراتها التي نشرتها مجلة "بيبول" الأمريكية. . إن ماركوس كان يجيد لعبة الفراش لكنه كان رغم براعته لا يجيد التعامل مع امرأتين في فترة واحدة. . لذلك أعطى ظهره لزوجته عندما أصبحنا عشيقين. . وصل مع إيميلدا الى نقطة الصفر .. وصل معها الى ذروة اليأس "حيث السماء رصاص .. والعناق قصاص. . والجنس أقسى عقاب". . لم يعد يجيد القراءة في شفتيها. .وفقد طريقه الى فراشها. .وأصبحت علاقتهما خراباً.
لكن إيميلدا تريد السلطة لا المتعة. . تريد ماركوس الحاكم لا العشيق.. لذلك راحت تفتش عنه وعن دوفي بيمز. .وقد أزعجه ذلك فقرر التخلص من الممثلة الأمريكية التي قررت أن تفضحه.. اعتقلها البوليس السري.. واعتدوا عليها جنسياً.. وعرضت عليها إيميلدا 100 ألف دولار كي تلتزم الصمت.. ولكن المبلغ لم يرضها.. خاصة أنهاسجلت شرائط لماركوس وهو يمارس الجنس معها.. وأضافت هذه الشرائط الى الوثائق والمستندات والتقارير السرية التي سرقتها من مكتب الرئيس الى جانب بعض ملابسه الداخلية.
في مؤتمر صحفي عالمي في مانيلا أدارت دوفي بيمز شريطاً من هذه الشرائط. . إن من سوء حظ ماركوس أنه لا يمارس الجنس إلا بصوت مرتفع. . وهو يتحدث في الشريط عن بقايا الأظافر .. ونزيف الفم. . وشظايا الأسنان على النهدين.. وهناك عبارة كررها كثيراً. . "ماذا تفعلين؟ ماذا تفعلين؟". . ولا نملك الجرأة على ترجمة نص الشريط الذي نشرته مجلة "لوي" الفرنسية. . لكن من السهل أن نقول إن طلبة الجامعة أذاعوا الشريط في محطة إذاعتهم. . وإن المعارضة التي كان يتزعمها بنينو أكينو استغلته استغلالاً سياسياً وإعلامياً مذهلاً.
كادت أن تدفع دوفي بيمز حياتها ثمناً لما فعلت.. فقد أرسلت إيميلدا فرق اغتيالات من 10 رجال لقتلها بعد أن سافرت الى هونج كونج.. لولا انتباه البوليس البريطاني في هونج كونج لكانت بيمز في حساب القتلى.
أخطر ما في إيميلدا أنها تستخدم أنوثتها المغطاة بالبراءة في إسالة لعاب أقوى حكام العالم. .فهي في النهاية بشر.. يفضلون التفاوض مع امرأة مثلها عن الجلوس منفردين في حجرة مغلقة مع امرأة مثل جولدا مائير. . وتعرف إيميلدا ذلك جيداً. . وتقول "أنا لست جولدا مائير. . أنا امرأة جميلة. . جذابة". . هكذا ببساطة وجرأة وصراحة. .وقد وصفت الرئيس السوفيتي الأسبق بريجنيف بأنه طفل "لقد رأيته سعيداً بأوسمته وهو يعرضها أمامي وكأنه صبي يداعب لعبته الملونة".
ووصفت وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بأنه بلاي بوي "أهبل". .
لقد تصور أن قبلة يخطفها من شفتيها هو ثمن باهظ تدفعه مقابل أن تدعم الولايات المتحدة زوجها "إنني قبلته كما يقبل الجليد النار. . وقد تصورت أنه لن يكتفي بذلك.. لكنه اكتفى فكان أن ضحكت في سري من تواضع رغباته".
وسألها النشاشيبي:
– وماذا عن الرئيس ماو؟
أجابت:
– أعظم ما فيه إنسانيته، لقد تناولت معه الغداء في بكين وعندما ودعته أخذت يده ورفعتها على رأسي، تماماً كما جرت العادة في بلادنا عندما نودع رؤساء الدول. .وإذا به يرتعش، وعندما استعاد تماسكه أخذ يدي ووضعها على رأسه وقال ضاحكاً لقد تعلمنا هذه العملية من رؤساء دول أفريقيا عندما يزورون بلادنا. .إنهم يرفعون يدنا على رؤوسهم.. فنرفع أيديهم على رؤوسنا!
وبجانب الرؤساء كانت إيميلدا على علاقة مع نجوم الفن والسينما في العالم.. كان أقربهم الى قلبها نجم هوليود جورج هاملتون.
ولكن.. مهما كانت هذه العلاقات فإنها كانت تصب في النهاية في غريزة السلطة التي كانت أشد التهاباً عند ايميلدا من غريزة الجنس.. فهي زوجة الرئيس.. وسلاحه السري .. وتريد أن تكون نائبه الذي يرث الحكم.. وهي السيدة الأولى. . وعضو في البرلمان. .ووزيرة الخدمات الإنسانية.. ومفتاح المقاولات والمناقصات والشركات وشبكات العمل السري.
وقد انزعجت عندما انهارت صحة زوجها خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكمه.. إنها أصعب سنوات مرت بها.. وهي تحكم من خلال زوجها فماذا تفعل وزوجها لم يعد قادراً على الحكم؟ .. لم يكن أمامها سوى أن تشكل حكومة من حكومات غرف النوم. . فطلبت من زوجها تعديل المادة "6" من الدستور. . لتصبح القوانين بموجب المادة الجديدة قرارات.. أو تصبح القرارات بقوة القوانين. . وهكذا حكمت نيابة عن زوجها الذي كان يوقع على قرارات كانت تصدرها هي. . وكان عليها أن تواجه البرلمان والمعارضة والشارع الذي يمتلئ بالمظاهرات.
* * * *
كان بنينو أكينو أبرز معارض لماركوس وزوجته. .وقد قبض عليه في خريف 1972. . بموجب الأحكام العرفية وفي السجن أضرب عن الطعام وكاد أن يموت. . وفي خريف 1977 حكموا عليه بالموت رمياً بالرصاص.. وقبيل التنفيذ تدخل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر طالباً العفو عنه.. على أن يغادر البلاد. .وهو ما حدث. . حيث سافر هو وأسرته للعيش في منفاه في مدينة بوسطن الأمريكية. .وهناك بدأ يحرك المعارضة الفلبينية نحو أعمال العنف التي هزت نظام ماركوس كثيراً.. وتقول زوجته كورازون:
– إن أكينو لم يكن إرهابياً كما صورته إيميلدا في الصحف والمجلات وشبكات التليفزيون التي اشترتها بالمال.. بل على العكس. .كان شاعراً يؤمن بالحرية ويغني لها. .وقد كتب قصيدة طالبني فيها أن أكف عن القلق. . لأنه:
سيأتي نهار أحبك فيه. .لا تحزني لو غربت الشمس. .أو اختفى القمر. .أو انقطع المطر..ولا بد أن يتغير لون السماء..ولا بد أن يستدير القمر. .ولا بد أن ينهمر المطر. .ليروي أرض بلادنا العطشى للحرية. .
لكن الشعر وحده لا يكفي للتخلص من طاغية، فاسد، لم يهزمه المرض، بل زاده قسوة، وأثر على قواه العقلية، بعد أن امتد تأثير الفشل الكلوي المزمن الذي يعاني منه الى المخ. .بجانب القصيدة لا بد من القنبلة. . وبجانب الزهور لا بد من الرصاص . . هكذا نفذ رجال أكينو عملية كبرى في مانيلا، في شتاء 1980 كادت أن تقتل ماركوس نفسه.
واستمرت عمليات التفجير والاغتيال أكثر من 3 سنوات. .راحت بعدها إيميلدا لتقابل أكينو سراً لتساومه. . وقد طلب منها العودة. .لكنها حذرته من القتل. . على أنه بتحريض من المخابرات الأمريكية قرر العودة. . وفي يوم السبت 20 أغسطس 1983، هبطت طائرته في مطار مانيلا. . واكتشف رجال الأمن أنه يرتدي قميصاً واقياً من الرصاص. .وقبل أن تلمس قدمه الأرض انطلقت رصاصة من الخلف، لتصيب رأسه. . فسقط غارقاً في دمائه. .وانطلقت رصاصة أخرى لتقتل القاتل. . على طريقة اغتيال كيندي.
ويقسم مدير المخابرات الأمريكية الأسبق وليم كيسي أن ماركوس بريء من دم أكينو . . ولكن عندما سأله الصحفي المعروف بوب وود ورد عن دور زوجته إيميلدا في الجريمة .. يقول: إنها امرأة جميلة. . والمرأة الجميلة لا تنسى الإهانة. .وقد أهانها أكينو، واتهمها بالفساد المالي والخلقي.. ثم إنها امرأة قوية. . والمرأة القوية لا تهدأ إلا إذا شمت رائحة الدم. . إنه أشد تأثيراً عليها من رائحة البرفان.
– هل يصل انتقامها الى حد القتل؟
– انتقام من؟
– ايميلدا ماركوس؟
– إنني أتحدث عن المرأة الجميلة . . القوية بشكل عام.
– فهمت!
في سنة 1985 كان على المخابرات الأمريكية أن تبحث عن بديل لماركوس، بعد أن أفقده المرض السيطرة على نفسه تماماً.. وكان البديل إما جنرال في الجيش يقوم بانقلاب عسكري لصالح واشنطن. .أو زعيم مدني يقوم بانقلاب ديمقراطي من خلال الانتخابات لصالح واشنطن أيضاً. .واختار رونالد ريجان الحل الثاني. . وأجبر ماركوس على إجراء انتخابات الرئاسة في فبراير 1986 قبل موعدها بعامين. . وقرر أن تكون انتخابات نزيهة . . أي قرر أن يسقط ماركوس.
وحرمت المخابرات الأمريكية على إيميلدا أن تدخل الانتخابات بدلاً من زوجها التي توقعت هي الأخرى فشله. . وفي مقر المخابرات المركزية في لانجلي قابلها وليم كيسي. . واعتذر بنعومة عن الاستجابة لطلبها. .ولكنها غضبت. . وصرخت. . وضربت المكتب بيدها. .قائلة:
– لا أحد يمنعني ولا الشيطان من ذلك.
فمد وليم كيسي يده في هدوء الى كيسي من البلاستيك في داخله مجموعة شرائط فيديو قدمها لها قائلاً:
– شاهدي هذه الشرائط قبل أن تتخذي قرارك.
– هل . . فيها. . أو . .
– إنها ستسعدك في الشيخوخة عندما لا يبقى للمرأة سوى ذكرياتها الحلوة القديمة.
– انه ابتزاز.
– بل إنذار.
– لكن كورازون أكينو سترشح نفسها.
– يكفي امرأة واحدة.
– أنا أكثر جمالاً وذكاء منها.
– هي أكثر براءة.
وخرجت "ملاك آسيا" – حسب وصف الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون – مهزومة من واشنطن . .وخرج زوجها – بعد فوز كورازون أكينو في الانتخابات – مهزوماً من مانيلا. .سافر الى منفاه في الولايات المتحدة في 25 فبراير 1986 .. وبعد حوالي 3 سنوات مات في هونولولو. . واحتفظت إيميلدا بالجثمان حتى توافق كورازون أكينو بدفنه في الفلبين. . وفي صيف 1993 جاءت الموافقة.
وسافرت ايميلدا والجثمان الى مانيلا. . كانت ترتدي السواد، وإن لم تنس أن الموضة هي الميني جوب. . كذلك لم تنس أن تضع حول رقبتها كوليه من الماس ليبرق في لون الليل أو لون الحزن الذي ترتديه. . إنها امرأة مثيرة مسيطرة حتى آخر العمر. . حتى القبر . . حتى نهاية الدهر.
من كتابه حكومات غرف النوم