الأحد ٢٩ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم هاني محمود

اشتباك

الشمس تصبُّ نفسها فوق الرءوس، أكوامٌ من اللحم اللزج ملقاة في صندوق السيارة. كانوا قد أصبحوا عشرة رجال. البيوت القليلة المتناثرة على جانبي الطريق الصحراوي كانت قد ابتلعت بعضهم.

علامات المرور تشير إلى اقتراب إحدى نقاط التفتيش. أحدهم يدق زجاج السيارة. يريد المغادرة. السيارة تتوقف. تتحرك إحدى يديه القابضتين على (مِقود) السيارة. تأخذ نقود الأجرة... أصبحوا تسعة! نقطة التفتيش تقترب. ملامح أفرادها تجرى نحوه, تتباين. الأمين سعيد في المقدمة، يراه من حين لآخر فهو يوميا على الطريق، ينقل الخُضرَ والفواكه من الإسكندرية إلى مدينته الساحلية. كان الأمين يمسك دفتره, بعض الأوراق المالية الصغيرة تُلقَى عبر نوافذ السيارات النقل التي تسبقه. بعضها يسقط في يد الأمين والأخر يسقط على الأرض. حين أصبح بمحاذاة نقطة التفتيش كان الأمين ينحني لالتقاط ورقة مالية. وهو يعتدل منحه ابتسامة باهتة ساخرة ومضى في طريقه. سوف يحرر له الأمين مخالفة. قبض على لحيته. كانت تنسكب فوق صدره. تساءل عن نوع المخالفة هذه المرة: تجاوز السرعة المقررة، أو نقل ركاب في سيارة نقل البضائع أو... ليس مُهما نوع المخالفة. المهم أنه لم يخضع لابتزاز الأمين, لن يتخلى عن مبادئه أبدا. هذا ما أعلنه لصاحب السيارة، وهو يطلب منه أخذ بعض الأوراق المالية الصغيرة لإعطائها لنقاط التفتيش المنتشرة بطول الطريق. رفض في إصرار وقال له:

 لا يجوز يا شيخ. هذه رشوة.

جادله صاحب السيارة كثيرا، وأصرَّ هو على رأيه، واستسلم صاحب السيارة.. كان يعلم أنها هدنة وأن صاحب السيارة سوف يعود إلى نفس الموضوع, خاصةً حين يأتي ميعاد التجديد للسيارة، وتخرج إلى النور فاتورة المخالفات.

إنه رجل مُعقَّد، كان سيقيم الدنيا ولن يُقعدَها، لو علم بأمر هؤلاء الرجال داخل صندوق السيارة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى