الاثنين ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم سهاد عوني عبد الهادي

الأديبة الفلسطينية و دورها في قضية فلسطين

لا شك بأن تطور الثقافة يتزامن مع انطلاق الحريات الفكرية، ونحن نرى الحمد لله أن أقلام الأدباء العرب تتحدى الحدود الوهمية التي قسمت الوطن من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي،فتنطلق معبرة عن ألام و أوجاع الأمة، تنتزع حروفها من بين سلاسل القيود التي تفرض عليها بسبب حصار أو محاولة لمصادرة هذه الأفكار، مؤمنة بوحدة المصير.فتعددت معارض الكتب والندوات في مختلف الدول العربية.

وكان عرس الثقافة العربية في العاصمة الجزائرية التي اختيرت عاصمة للثقافة العربية لعام 2007 ، فتعددت فيها النشاطات، مؤكدة على وجه الجزائر العربي التقدمي، حيث انطلقت يومي 27-28 تشرين الثاني، فعالية الملتقى العربي الجزائري بتقديم( سرديات الكاتبة العربية) حيث شاركت فيها العديد من الكاتبات العربيات من مختلف أرجاء الوطن، ومن أجيال مختلفة. وقد تناولت الكتابة السردية للرعيل الأول، والكتابة العصرية للجيل الحالي، وذلك في سياق( السيرة الذاتية – الرواية- القصة).وقد اقترح الأديب الدكتور أمين الزاوي، مدير المكتبة الوطنية الجزائرية، التي نظمت هذا اللقاء، فكرة إنشاء نادي للكاتبة العربية، يضم الأديبات في العالم العربي. وكنت قد تقدمت بورقة تعرَف بالأديبة الفلسطينية ودورها في قضية فلسطين.حيث تلتصق بنبضها مع نبض الأرض والإنسان، رغم ما يعترضها من معوقات اجتماعية أو اقتصادية. وقد استعرضت في عجالة ثلاث مراحل مختلفة من الأدب النسائي الفلسطيني، بداية من عام النكبة في 1940 ، متمثلة بالأديبة سميرة عزام، التي ولدت في عكا عام 1927، حيث مارست مهنة التعليم وهي في السادسة عشرة. وكتبت الوجدانيات والشعر والقصة القصيرة، ونشرت بعضها في جريدة (فلسطين) بتوقيع (فتاة الساحل). ويعد عام 1948 تنقلت بين بغداد وبيروت وقبرص، في وقت كانت تكتب وتترجم من الانجليزية إلى العربية.فكانت من أوائل من كتب القصة القصيرة في الأدب العربي بسبب اطلاعها على الآداب الأوروبية والروسية.

كان اغتراب المرأة الشرقية أحد همومها الكبرى،وقصصها الفلسطينية فقد كرستها للحظتين، الأولى تشمل المقاومة قبل النكبة، والثانية تشمل آلام الفلسطينيين في المنافي بعد النكبة.

وإذا ما نظرنا إلى واقع الأدب الذي تكتبه الروائيات الفلسطينيات في المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة، نرى أنهن استطعن أن يتركن بصمة واضحة، ولكن الظروف السياسية، وما تحمله من عدم استقرار وتواصل مع الخارج، أبعد بعض هذه الأصوات عما تستحقه من الاهتمام في تنوع تجربتها في القصة والرواية والشعر، أمثال: حزامة حبايب، حنان عواد، نداء الخوري، وسهام عارضة.. وغيرهن. وقد جاءت هذه التجارب بكتابات ناضجة الوعي السياسي والاجتماعي والإبداعي، مع تميز كل منها بالظروف الخاصة والعامة، التي حددت إطار التجارب والتصادم مع الحياة،فقد ارتبط بعضها بالمقاومة في الداخل مثل كتابات سهام عارضة في (مذكرات سجين، البيت الأبيض)،أو معايشة الثورة من داخلها وهي في المنفى، كتجارب ليانة بدر في( شرفة على الفاكهاني، ونجوم أريحا). أو معايشة الظروف للفلسطينيين في الداخل كروايات سحر خليفة ( الصبار، عباد الشمس، باب الساحة) ورواية مي صايغ التي كتبتها بعد تجربة شعرية طويلة.

كما رأينا روايات الحرب ضمن السياق الاجتماعي والتاريخي للفلسطينيين كروايات ليلى الأطرش في مجموعتها القصصية (يوم عادي) وعن الشتات الفلسطيني( امرأة للفصول الخمسة) وحالة انفصال العائلة وانقسامها بين البلدان في(ليلتان وظل امرأة).
وأما شاعرة فلسطين الأولى فدوى طوقان، التي عانت الكثير في بداياتها، من قسوة الواقع الاجتماعي المتزمت.ولكنها استطاعت التغلب عليها، بمساعدة شقيقها الشاعر إبراهيم طوقان، الذي أخذ بيدها وعلمها وصقل موهبتها الشعرية.

رسمت فدوى طوقان تصورها، بأن دور الشاعر والأديب في الانتفاضة الفلسطينية، لا يقل أهمية عن دور المقاتل، فالشعر الحماسي يشكل دافعاً قوياً للصمود والاستبسال في المعركة، وحين قرأت قصيدتها( لن أبكي)في الإذاعة،جعلت أحد المقاومين أن يقسم ومن معه على المقاومة حتى النهاية.
وقال موشيه دايان رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي عام 1967، في مناسبة خاصة، أنه يخشى من قصيدة واحدة من قصائد فدوى، أكثر من مجموعة مقاتلين، لكون هذه القصيدة تجند الشعب كله.

وفي هذا الإطار، كانت لي مشاركة عبر رواية (ذاكرة زيتونة) والتي كانت تعبير عن خواطر وانفعالات الإنسان الفلسطيني المحبط،لأخط حنقي على عالم غاب عنه ضميره، وأصور معاناة أشخاص لا ذنب لهم، إلا أنهم أحبوا بلدهم. فقدمت شخصيتين رئيسيتين في الرواية، تصور الأولى معاناة الإنسان النابلسي قبل وبعد الاجتياح الإسرائيلي الكبير لمدينة نابلس عام2002 ،تتجسد في شخصية سهر التي...
( جلست أمام شاشة التلفزيون ترشف قهوة الصباح، وتستمع..

وبدأت الصور تتوالى.. أبلغ من أي وصف أو تعبير، فمداد القلم لا يستطيع أن يترجم الدماء الحمراء التي روت كل شبر من هذه الأرض، عشرات من الشباب والفتيان يقذفون حجارة في الهواء، بصدور عارية، وسيقان تدير معركتهم بالكر والفر، باتجاه جنود يرتدون ستراً واقية من الرصاص، ويغطون رؤوسهم بخوذات حديدية، ويحتمون بآليات ثقيلة، في ساحة معركة غير متوازنة. لم يسجل التاريخ يوماً أصوات قنابل، وصواريخ، وأزيز طائرات بقوة ال(ف 16) مقابل نداءات تنطلق من باطن الأرض إلى عنان السماء هادرة( الله أكبر ولا إله إلا الله والشهيد حبيب الله). حرب لا يعقل أن يدعي أحد بأنه ينتمي إلى أبناء آدم، وهو يرى الرؤوس تنفجر.. والأحشاء تختلط بالتراب، ويقول: هذه حرب عادلة.
وهكذا مرت الدقائق والساعات.. والأيام، وسهر تتجرع مرارة قهوتها التي امتزجت بمرارة حياتها، بينما العالم بأسره ما زال يتذوق قهوة الصباح أو شاي ما بعد الظهر وهو ينظر ويسمع.. ولا يكترث، ما دامت العيادات النفسية المهتمة بكلابه وقططه.. تعمل جيداً.)
وأما الشخصية الثانية في هذه الرواية، فهي شخصية مها، التي تجسد تعاطف الشعوب العربية...

( عادت مها إلى أسرتها إثر تدخل القنصلية البريطانية في القدس الشرقية، بناء على طلب من والدها. ولكنها لم تعد إليها كما غادرتها.. فمسحة من الحزن والكآبة تطل من عينيها،لم تعد مها المرحة، التي تبعث الحيوية والبهجة أينما حلت. بل أصبحت كلماتها قليلة.. ولاحظت عائلتها وزملاؤها في المجلة التي تعمل فيها، بأنها فقدت حماستها في الانخراط في المجتمع ومناسباته، وقد نبهها رئيسها في العمل إلى تقصيرها في عملها،وذكَرها مراراً أنها محررة في باب الاجتماعيات، وعليها التقاط أخبار المجتمع في كل مكان وزمان.. ولم يستطع أن يتجاوب مع أفكارها الجديدة.. ويتفهم بأنها ما زالت تحمل في أعماقها آثار تجربة رحلتها.. فلا تستطيع الفكاك منها بسهولة، ولا التخلص من أحزان لازمتها لأيام معدودة،وقد صهرتها، مع ما عايشته، وعرفته، من قهر أناس لا يراهم العالم إلا أرقاماً مطحونة، في تروس عجلة الزمن المر.)

وإن كانت آفاق تطوير المرأة في المشروع الثقافي الفلسطيني تصطدم بنظرة موروثة، وخاصة الأقلام الشابة والجديدة، تعترض سبيلها المعوقات، إذا ما تعرضت لسرد معاناة المرأة بصراحة، تتمثل أحياناً بتأثير الرقيب الذاتي على إنتاجها، وخاصة إذا ما كانت محاطة بسلطة ذكورية، قبل أن تصطدم برقابة المجتمع أو الرقابة السياسية.

وهنا تبرز الحاجة إلى دور المؤسسات الأدبية والثقافية المستقلة، أو التابعة للأطياف والقوى الفلسطينية المختلفة، لدعم الصمود الثقافي لكلا الجنسين بالمطلق، إضافة إلى دعم الجانب الاقتصادي والذي تمثله رغبات دور النشر، حتى يتوفر المناخ الصحي لإنتاج الطاقات والمواهب الإبداعية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى