الأرملة... رواية اجتماعية لجميل السلحوت وديمة جمعة السمان
«1»
على أرضية مجتمع ذكوري متخلف مبتلى باحتلال إسرائيلي جائر، يكتب جميل السلحوت وديمة جمعة السمان رواية اجتماعية مكرّسة للدفاع عن النساء بشكل عام، وعن النساء المطلقات والأرامل بشكل خاص.
ذلك أن هذا المجتمع الموصوف في الرواية يصبّ جام ذكوريته وتخلفه على النساء؛ باعتبار ذلك صونًا للعائلة ودفاعًا عن شرفها، وإلزامًا للمرأة سواء أكانت زوجة أم أختًا أم ابنة بالخضوع لهيمنة الرجل ولظلمه وغطرسته، وما ذلك بطبيعة الحال إلا للتأكيد على مجتمع غير سوي؛ يشوّه القيم الصحيحة التي ينبغي أن تسود في العائلة وفي العلاقة بين المرأة والرجل، وفي تربية الأبناء والبنات.
«2»
انطلاقا من هذا المنظور؛ تتصدى الرواية بوضوح لكلّ ما يعيق المرأة الشرقية عن ممارسة حياتها على نحو صحيح، وهي، أي الرواية، تستعين، من أجل إيصال رسالتها التربوية الأخلاقية الاجتماعية إلى جمهرة القارئات والقراء، بآيات من القرآن الكريم وببعض الأحاديث النبوية وبمقتطفات من التراث شعرًا ونثرًا، وببعض الأحداث والممارسات المستفادة من الحياة اليومية للناس، وبمقتطفات من مؤلفات حديثة وأقوال مأثورة لكتاب معاصرين وكاتبات.
ولتقديم صور مشخّصة عن معاناة المرأة التي فقدت زوجها، وترمّلت وهي في سن الشباب، يقدّم الكاتب والكاتبة نموذجيّ الأرملة وردة والأرملة ندى، لنرى مقدار ما تعرّضتا له من تحرّش ومن شكوك ومن إهانات، ومن محاولات التحدّث باسميهما وتقرير مصير كل منهما على الضدّ من أرادتيهما، ما يجعلهما كارهتين للرجل نافرتين من تكرار تجربة الزواج؛ علمًا بأن زوج وردة كان محبًّا لزوجته طيبًا في معاملته لها، فيما كان زوج ندى قاسيًا عليها وعلى ابنتها.
«3»
ولقد أحسن جميل السلحوت وديمة جمعة السمّان حين قدّما نموذجين قويّين لامرأتين صمدتا أمام الضغوط الاجتماعية والعائلية، وتحدّت كلٌّ منهما المحاولات التي استهدفت النيل من كرامتها، ومن التعبير عن نفسها وعيش حياتها على النحو الإنساني الطبيعي الذي هو حق لها وليس منّة من أحد.
وبالطبع؛ كنت أتمنى وأنا أتابع السرد المكتوب بإيقاع سريع جذّاب ألا تتحوّل وردة وندى إلى نموذجين نسويّين معاديين للرجل، فتنتقل الرواية بهما من النقيض إلى النقيض، وبرغم أنهما تردّدتا كثيرًا أمام محاولات الارتباط التي بذلها سامر وعنان؛ وهما شخصان يقدران المرأة حقّ قدرها، ويحترمان حريتها ومكانتها في المجتمع، إلا أن خوفهما من سلبيات المجتمع الذكوري وآثاره السلبية عليهما، تبرر لهما هذا التردد، في حين أنهما لم تغلقا الباب في نهاية المطاف أمام فرص الزواج بهما من جديد.
«4»
لغة الرواية جيدة، تطغى على أسلوب السرد فيها نزعة إخبارية تقريرية تناسب طبيعة المشكلة الاجتماعية المطروحة والرسالة المتوخاة منها، وهي تنبض في حالات غير قليلة بمشاعر النساء الطامحات إلى حجز مكانتهن الصحيحة في المجتمع وفي العائلة، وفي كل موقع يحقّ للمرأة أن تكون فيه، ولعلّ من قرأ بعض روايات جميل السلحوت السابقة أو كلّها، ومن قرأ بعض روايات ديمة السمّان السابقة أو كلّها، أن يلاحظ أسلوب كل منهما، وبالتالي حصة كل منهما في الرواية التي بين أيدينا.
إذ أتوقع أن جميل السلحوت كتب النصف الأول من الرواية، وأن ديمة السمّان كتبت النصف الثاني منها، ولا بدّ من أنّهما تبادلا الآراء والاقتراحات حول صنيعِ كلٍّ منهما في هذه الرواية المشتركة التي جعلت همّها الأساس؛ الدفاع عن المرأة في مجتمع ما زال يظلم النساء.*
*الأرملة/ رواية: جميل السلحوت وديمة جمعة السمان/ 227 ص من القطع المتوسط/ مكتبة كل شيء، حيفا 2023.