الإعلام المعاصر ودوره في نشر ثقافة الرأي الآخر
كنا والى الأمس القريب نشكو الإعلام الحكومي الموجه،حيث لا يوجد مكان للرأي الآخر،فكان الإعلام يصب في مصلحة هذا النظام أو ذاك ويمجد أفعاله،الإعلام المعارض آنذاك "الذي يتخذ من الخارج مقرا له"كان محاربا من قبل الأنظمة وبالتالي،فان صوت المعارضة لا يصل إلى الداخل بفعل وسائل التشويش التي كانت مجال براعة وإبداع منقطعة النظير،الإعلام المعارض آنذاك كان همه تعرية أعمال الحكومات ولم يقدم حلولا،أي انه كان يهدف إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة ليس إلا.
سقطت الأنظمة وكنا نتمنى أن يكون الإعلام وخاصة التي تتبع الأنظمة الجديدة،وسيلة لنقل الرأي الآخر أيا تكن ،لكننا وللأسف نجدها اليوم أكثر دفاعا عن رؤى السلطات الجديدة،رغم انه في التعريف بنفسها تقول بأنها تنشر كل الآراء الهادفة البناءة التي لا تتعرض للتجريح الشخصي أو ازدراء الأديان أو المساس بالطقوس الاجتماعية المتعارف عليها،كلام جميل لكنه يظل واجهة تخفي خلفها الرغبة في عدم نشر الآراء والأفكار الأخرى التي تختلف مع التوجهات الأصيلة المرسومة لوسائل الإعلام الجديدة التي تدعي الاستقلالية، فهي لا تنشر الآراء التي لا تتفق مع أهواء السلطات الجديدة إما رغبة منها بالا تتهم بمعاداة السلطات أو بأنها تنشر آراء من رحلوا عن السلطة بغض الطرف عن واقعية تلك الآراء، وبذلك يظل الرأي الآخر طريدا ومحاربا واقله غير مرحبا به.
في البلاد التي بها مكونات أثنية ومذهبية واخص بالذكر العراق،يجرّم بل يكفّر من ينتقد مسئولا أيا يكن حجمه،ويعد ذلك إهانة للطائفة التي ينتمي إليها ذاك المسئول رغم أن الانتقاد يخصه فقط ولا يمس طائفته أو أثنيته وبالتالي تجد وسيلة الإعلام نفسها مضطرة إلى عدم نشر أي نقد لذاك المسئول لئلا يتم قفلها أو التضييق عليها.
في مصر،هناك شيء من حرية الإعلام،جوقة الفلول أخذت وقتها ولم يعد لها اثر،وكذا الحال في تونس خاصة بعد انتخاب السبسي،فقوانين تحصين الثورة ثبت أنها محاولة بائسة طائشة للتفرد بالسلطة،لكن الجمهور التونسي ألقى بالترويكا في مزبلة التاريخ،الإعلام مستنير بل يملك من الجرأة ما جعله يكشف خفايا ونوايا الحكام "الجدد". في ليبيا،المسئولون الجدد يبدؤون حديثهم بإطراء الملك وزبانيته واستمطار شآبيب الرحمة عليهم"معظمهم غادر الحياة" وصب جام غضبهم على رأس النظام السابق وحاشيته،محملينهم ما يجري بالبلد من أعمال عنف وقتل وتشريد رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على سقوط النظام،فأركانه،إما في سجون الميليشيات أو خارج الوطن،الإعلام في ليبيا الجديدة بما فيه الإعلام الذي يدعي بأنه حر،لا يختلف عن الإعلام الموجه الجديد، فيعد من المحرمات وبالتالي فهي لا تقوم بنشر أية مقالة تتحدث عن سيادة الملك أو حاشيته بأمور لا تعتبر تجريحا شخصيا وإنما تحليل لما كانت عليه الأمور آنذاك.
في هذا المقام لا يفوتني أن أعتذر لقناة الجزيرة،التي كنا نظلمها كيف لا تقوم بنشر أخبار عما يجري بمملكة قطر،ربما تناسينا أنها تمثل رأي الدولة حيث لا توجد وزارة إعلام،قد أجد العذر للإعلام الحكومي الجديد في عدم نشر ما يراه مناسبا لكنني أتأسف على أعلام يوهم القارئ بأنه حر ولكنه أكثر انحيازا للأنظمة الديكتاتورية الحديثة من الإعلام الحكومي.
وبالتالي علي من له رأي مخالف لسلطات بلده،أن يبحث له عن مكان خارج الوطن لنشره فلا وجود لإعلام حر في بلاديوالمنطقة بصفة عامة، اقله إلى هذه اللحظة، لا باس، المهم أن يتركوا لنا التواصل مع وسائل النشر الخارجية لنشر ما نراه حقيقة ،حتما وبفعل وسائط التواصل الحديثة ستسقط إمبراطوريات الإعلام الموجه التي لن تجد من يصدقها وستتغلب الكلمة الصادقة على سواها. يبقى القول بأنه لن تنهض الأمم طالما حرية الرأي مكبلة، ووجود إعلام يطبل ويزمر للسلطة ويقدس الحكام السابقين.