البحــر و المدينـة
بجسد ما بقي منه إلا رئتان تحبسان شهيقا نديا وتطلقان زفيرًا حارًا..
واجَهَ البحر..
أعطى ظهره للمدينة..
قال له أبوه ذات يوم:لا شيء أقوى من الماء والنار..
و هذا البحر العنيد..ما انفك يرسل مَوجَهُ تلو الأخرى بإصرار.. و يستردها رغم أنف الشاطئ الذي لا يقوى على حبسها.
الشاطئ يرسم نهاية حدود المدينة..
مثلها.. نامَ في سباتٍ عميق ..لا يبالي بعودة النوارس التي أرهقها السفر ..
باردًا.. جافًا، على غير عادته.
كان دافئًا.. حُضنه يتسع لكل السفن التي أرهقتها البحار.. ولكل النوارس التي تساءلت!!
أرسل البحر موجةً غاضبةً.. توقظه
لكنه مازال باردًا.. جافًا.
***
أجهز الحزن على ما تبقى في رئتيه من شهيق..فخرج زفيرًا حارقًا
مَنَحَهُ البحر نسمةً أخيرة..
أعادت له الروح.
***
التفت إلى المدينة..
تحتضر.. تلفظ أخر أنفاسها..
ما اكترث لها..
عاود النظر إلى البحر.
جباراً.. حنوناً.. في طياته النقيضان.. يُرسل موجاته تترًا.. يلح في الإرسال.. بلا مقابل
شامخًا.. عملاقًا.. في مد دائم.. حدَّثَ نفسه
***
كلما أطَلَّ السُلطان من شرفة قصره.. هتفت المدينة .
يعيش السلطان!!
ينتشي..يتهلل وجهه... يلوح لها بيديه الملطختين
فتبقى في ذُل انكسارها تهتف.. يعيش السلطان!!!
حِِرباء.. كمعظم المدن القبيحة تُبَدِّلُ لونها حسب المرحلة
رقصت على ذيلها واستطال لسانها.. بحِبرِ النفاق
كم أمقت هذه المدينة التعيسة..المنافقة
أشاح بوجهه عنها.
واستقبل البحر..
أين المدينة من شموخك.. أيها البحر؟؟
***
جسدا ما بقي منه إلا رئتان ..
أشفق البحر عليها فمنحها شهيقًا نديًا
امتلأَت..
للجسد.. عادت الحياة
***
مرة أخرى نحو المدينة.. استدار
ما زالت في سُباتِها العميق..
الغضب الحارق إلى رأسه.. تصاعد
زمجر..أزبد.. صرخ في وجهها الذي ما أحبه
احمَرَّت عيناه.
لوَّحَ في الفضاء بقبضته..
تحول إلى " تنين " يقذف لهبًا
قبل أن يحرقها تمنى أن تعترف بإثمها..ما فعلت!!
قذفها بما تبقى في رئتيه من نار ولهب..أحرقها على من فيها .
وأكمل حديثه مع البحر الشامخ العنيد ..
جباراً.. حنوناً.. في طياتك النقيضين.. تُرسل موجاتك تترًا.. تُلِحُ في الإرسال.. بلا مقابل.