السبت ٣ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم عبد الهادي شلا

هجـرتي الأولـى

عند بَوابـَة المَهجــَر وقَفتُ ..
علَى ظهري إمــرأة أحمــِلُ
ليست ككل النســـَـاء
تَـعـُد خطواتي وتُـحصــِيها
وحين تـَنثـُر الريحَ من كفـِـها
تـُفـَتـِتُ صخر قلبي ..المـُوصـَـد
وتدعو الله أن أرجـِـع.!!
 
الأرضُ غير الأرض
فيها فـَجوةٌ تتَـسـِع .. تَكـــبُر
تمتـَدُ إلى الســـَماءِ
تـَفصـِـلُ الحـُلمَ عن زمنـِي
وتـَشـُـقُ عنه النهـــر
إلى ضفتين أو أكــْثـَر
في ضفةٍ منها يـُبحـِرُ قـَاربٌ بلا شـِـراعٍ
وعلى الضـَفةِ الأخرى
حصـَانٌ كنت أظنه من ثـَلــجٍ
لـَونـَه أبيض!؟
ينامُ الحُـلمُ في ســَرجِـه
يعصر غيمة ً حـُبلى
تُســقيني من ضـِرعـِها لبَـَنــًا خالصــاً
فيكبـُر في غـُربتي الحـُلمُ .. ولا أشــْبَع
تتَوالــَد الخُطـوات كـُلما الشمسُ منِـي دَنـَت
تَسـكُـب من نورهـــا شـَهد الدمعُ
وتُلقي عليَّ كلمات
فلا أســـمع!
في يـَومِ هِجــرَتي الأوَل
والريح التي نـُثـِـــرَت تـَشــتاق للمسـَافات
حملُها حصاني من الضــَفة الأُخـــرى
إلى ضــَفةِ الحُـلمِ في المهجـــَر
والمـَرأةُ التي سـَكنت حـَنايا القَلب
رجـــَوتهـَا أن تـُبقـَي
صـَندوقَ الصـَمتِ في شفتيها على أسرارهِ مُغلـَـقا
تجرحـُــني
تـَصدُمنـِي منهـَا الكلمـَـات
حين تَكسـِـره
وتـُســقيني كأسـَـها الأول
بلا خـَـمـرٍ ولا ماضٍ يُلاحقني
و لا حاضــِر يُهديني من شــَفتيه .. قـُبلـَـة ً
ويقول لـِي: ارحـــل
فأبقيته في وجـَع ٍ
يجــــتر سراب صحراء
من عيوني تـَفـَجــَـرَ ماؤهـــَا الأصفـــَر
وعـُشـــبٌ نمـَى فيها مثلَ عـُمــــري
مُــرًا ... أمـَــرُّ من ثمــَرةِ الحنظــَل !
 
تمـُرُ الأيَــام وأنَــا أخطـُو
في تيةٍ له بريقُ الذهــَب
ورائحتُــه العــَنبر
ووجهُ أبي يـُرافقني
كظلي يدفع عني حـُرقة الشمس التي ســَـرَقـَت
بهجة اللحظة
وكان أبي يـُوصيني
إياك أن تسمع كلامَ الشمسِ
وإن هـَمـَســَت
فكلامهـــا حـُلوٌ..عـــَذبٌ
مـُؤلـِمٌ .. مُوجع
عند الصبح قالت لي الشمس تغويني:
انتظرني هــُنا ..غـــــَداً أرجـِع !
 
كــَذبت الشمس وطــَــال يوم الثلج
صار كل ما حولي ناصــِعًا ..أبيض
تَذكـــَرتُ كــَلام أبـِي
إنها تطــوي في ظــِلها
خطوات كل غــَريب
تصليه بنارِ من نورها
تـَخـــدع ، ولا تـَشــبع
 
كانت خطواتي إلى الظـِل أقرب
يُوثقني بوهــمٍ ٍ
و يشدني إلى صـُـوَر ٍ
يرســُمني في واحدة منها
ظــِـلاً
ويمسـَحُ عن وجهي ملامحي الشــَرقية
وأنا إلى الظــِلِ.. أقــْرب
أصــبحتُ ... رمـَاديــَاً
والشمس تســـرق الحــُلمَ من مُقلتي
تخبئه في قارورة الأفـــراح؟!
والظــِل مسكينٌ
إذا حَضــَرت الشــَمسُ لا يبرح!
 
تـَذكرتُ كــَلامَ أبي:
تمَهـَل يا بـُني
فموجُ البحــرِ أزرقـَهُ غــَـــاو ٍ
في ســُرعة الخـَطوِ تضيع منا أقــدام
وأقبَلـْتُ نحـــو النــُور بلا شـــمس ٍ ولا ظـــل ٍ
أحــَدّقُ في دروب عجــزي وكتمـــَاني
تُحـَدثـُـني نفسي وتســألني:
أتخاف من عتمــَةِ البــَحر؟!
قلت لها: أبــَـداً
أنا لا أخاف من بحــر ٍ مـَوجُهُ حــِبر الوَرق
أســوَدُهُ .. أزرقـُهُ وأحمــَرُهُ
ولي في ركــوب البحـــر
جــَولاتٌ وصــَولاتُ
وما وُقــُوفي ببابِ المهجــَر إلا عن نصيحةِ أبي:
تمهــَل فليسَ أول القَطـْـفُ..أحـــلاهُ
شــَمـَّرتُ عــَن ســـَـاعدي
رسمت لوحاتي بألــوان ٍ من مــداد القــَلب
وافترشـــتُ الأرضَ التي أجهــَــل
أثــُورُ مــَـراتٍ
وأكثرُ المــَرات يَقنـِي بالله ..
يَقينــِي
جــَمالٌ في جمـــَالٍ في جمـــَالٍ
تـَذكـَّرتُ "عـَمرو" حين قـَال:
أرضـُها خـَصبٌ وماؤهــَا عــَذبٌ
و النساء حولي من الجــَنةِ
كـُلَّهــُنَ لــُعـــَبٌ في لـُعـَــبٍ
يرشــفون الحيــَاة شـــــَقاءً
ويشربون ماء الوهــم من عـُلـَب
وما نســِيت بيتنا القـَديم
"داليــَة" فيه تجود بعناقــِيد العـِنب
في المسافة بينه والمهجــَر
شــَاخت صــَارت عجــُوزًا
عــَـاقـِـرًا لا تُـنجــِب
لنار الفتنة صـــَارت حطب
هي في قــلبي على مـَــرمَـى حجـــَر
و بــَاب البيتِ
مفتــوحٌ على شـِـعارات بـَلــَت
يَقتـُـله حمــاسُ الخـُطــَب
لذلك فـــلا عجب أن
هجـــرتي الأولى كانت لأني
فلسطيني من أمة العــَرب!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى