الخميس ٦ آذار (مارس) ٢٠٢٥
بقلم بلال الأورفه لي

«التذاكر» تذكّرًا بالتحادث في المصادر الإسلاميّة لمريم العلي

استضاف مركز الفنون والآداب في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتورة مريم العلي لمشاركة تأمّلاتها حول مفهوم «التذاكر» في الموروث السرديّ العربيّ، والموضوع جزء من مشروعها الحاليّ الأوسع حول الذاكرة في سياق التراث الإسلاميّ، انطلاقًا من خبرتها الأكاديميّة في الأدب العربيّ.

في هذه الجلسة التي أدارها الدكتور بلال الأرفه لي، بدأت الدكتورة العلي محاضرتها بعرض أمثلة من آيات قرآنيّة التي تُبرز محوريّة فِعل التذكير فيه، ثمّ شرّحت الفروقات الفيلولوجيّة الدقيقة بين عدد من الألفاظ منها «ذِكر» و«ذُكر»، مركّزة على المعنى التفاعليّ الذي يُفيده الذِّكر بالكسر، وولجت منه إلى لفظ التذاكر.

عرّفت الدكتورة العلي التذاكُر بأنّه عمليّة تذكّر تحادثيّة بين طرفين أو أكثر، تعكس التفاعل والتشاركيّة، وشرعت بتأصيل استعمال اللفظ في العربيّة، وردّته إلى الشعر الجاهليّ، وبينّت أنّ التذاكر فيه تعبير عن المفاخرة بين القبائل المتنازعة في أيّام العرب، المحدِّدة للهويّة الثقافيّة العربيّة والمستلهَمة عبر العصور من خلال حكايا الذاكرة الشعبيّة التي تستعيد تلك الأيّام وبطولاتها.

وافتتحت الدكتورة العلي استعراضها لاستعمالات التذاكر في سياقه الإسلاميّ بحديثين يظهران النبيّ طرفًا في العمليّة، الأوّل يتذاكر فيه عمره مع أبي بكر، والثاني يتذاكر فيه الدنيا مع عمّه حمزة. وقد استندت إلى هذين الحديثين لبيان معنى الندّيّة الذي يفيده اللفظ، وكذا الالتفات إلى رواية النساء، فالأوّل مرويّ بصوت عائشة والثاني بصوت خولة بنت قيس زوج حمزة، وذاك كما رأت الدكتورة العلي يهزّ شيئًا من السيطرة الذكوريّة على الأخبار التي تُحدّث عن تذاكر رجلين أو أكثر، وليست النساء فيها طرفًا.

أضافت الدكتورة العلي أنَّ التذاكر أسهم في استحضار الأحكام الدينيّة المستجدّة ومحاولة فهمها منذ فترة الإسلام المبكر وما بعدها، فكان التذاكر فعلاً توسّله الصحابة والتابعون لطرح أسئلتهم حول مسائل بعينها، سعيًا إلى إجابات شافية سواء زمن النبيّ الذي كان مرجعهم فيها أو بعده.

وتوسّعت الدكتورة العلي في تبلور اللفظ اصطلاحيًّا مع بدء تداوله مقرونًا بلفظ العلم، واستشهدت بالقول المنسوب إلى ابن عبّاس ’تذاكر العلم بعض ليلة أحبّ إليّ من إحيائها‘ الذي حاز شهرة واسعة وعقّب عليه العلماء شرحًا وتفصيلاً، ثمّ استعرضت العلي عبارة ’تذاكر الحديث‘ وبيّنت كيف تخلّق معها التذاكر ممارسة علميّة ثابتة، يضطلع بها طلّاب الحديث وعلماؤه على السواء، وكيف صارت عنوانًا متصدِّرًا في مصنّفات الحديث.

وعرّجت الدكتورة العلي على جانب اجتماعيّ يحتمله التذاكر يأخذنا إلى قضيّة سوسيولوجيا المعرفة، مقدّمة شواهد حوله مسرحها بلاطات الأمراء، التي شكّلت حاضنة ثقافيّة رحبة تفاعلت فيها ديناميات الأدب والسياسة والاجتماع في العالم الإسلاميّ بالعصر الوسيط.

وأشارت الدكتورة العلي إلى أنّ أخبار التذاكر لا تقتصر على العلم «الجادّ»، بل تتعدّاه أحيانًا إلى شيء من الفكاهة والهزل سيّما في مصنّفات الأدب التي يُسجّل في تذاكر قضايا ولطائف شتّى كتذاكر كتمان السرّ، والحسد، والنساء، وغير ذلك.
وفي الختام، أشارت الدكتورة العلي إلى أنّ التذاكر ممارسة تواصليّة يجدر بها أن تذكّرنا على الدوام بأنّ العلم كان بين العلماء القدماء مسعى حواريًّا، يجاوز حدود الانتماءات العقديّة والفكريّة والتخصّصات والخبرات المختلفة، وهي سِمة فارقة للثقافة الإسلاميّة أيّام سطوعها.

فشكرًا للدكتورة مريم العلي على الأمسية الرائقة وعلى مشاركتها هذه الإلماعات القيّمة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى