الخوف من الآخر عند سمـيح القاســم
مـــقدمة :
يعد سميح القاسم من الشعراء البارزين في فلسطين المحتلة عام 1948، وهو من الشعراء الذين يشار لهم بالبنان، وقد أبدع سميح القاسم في نثره، كما أبدع في شعره. ينتمي القاسم إلى طائفة درزية، ويقيم في منطقة الجليل، ويتمتع ببعض الحقوق التي يتمتع بها أي عربي يقيم هناك، وله من الحرية وطلاقة اللسان، ما يتمناه كثير من المثقفين والأدباء العرب؛ بسبب الظروف التي يعيشها، ويعايشها مع الاحتلال، ومع ذلك، نرى في أدبه كثيراً من اللفتات التي تدل على عكس ذلك، ومنها : الخوف وانعكاساته وأسبابه.
وفيما يتعلق بالخوف من الآخر في هذه القصة، نرى هناك عدة انعكاسات له، منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي، مثل : خوف اليهودي من العربي أو العكس، وخوف اليهودي من النازي، وخوف اليهودي من اليهودي ,وخوف الألماني من اليهودي. والقصة التي ندرسها تعبر عن قضية اجتماعية إنسانية، تحاول رسم صورة للعلاقة القائمة بين الشعبين – العربي واليهودي – على أرض فلسطين التاريخية.
ملخص القصة:
تعالج القصة قضية الصراع الفكري الثقافي بين شعبين، يعيشان على أرض واحدة، وتنظر إلى العلاقة القائمة بين الظالم المظلوم، أو بين الضحية والجلاد. وهناك أعمال عربية كثيرة تناولت مثل هذه الفكرة، وحاولت معالجتها، مثل : رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال"، وكذلك رواية " قنديل أم هاشم " ليحيى حقي " والحي اللاتيني " لسهيل إدريس، فالفكرة ليست جديدة، ولكن ما يميزها في هذه القصة، أن كاتبها يرى الواقع، ويعايشه بكل أبعاده وملابساته.
تدور أحداث القصة حول شاب عربي – أمير – يتخرج في الجامعة العبرية في القدس بدرجة الماجستير في العلوم السياسية، ولكنه يرفض العمل في إحدى السفارات الإسرائيلية؛ لأن انتماءه القومي يحدّ من إمكانية وجود العمل المناسب لتخصصه؛ فلم يجد البديل، إلا العمل في أحد المطاعم في داخل إسرائيل، وهناك، يتعرف على فتاة يهودية " روتي " ، تدرس الأدب الإنجليزي في جامعة تل أبيب، ويقيم الكاتب علاقة صداقة بينهما، تطورت هذه العلاقة مع الزمن، ولكنها " كانت علاقة تناقض متكاملة، تقوم بين شاب، تعمل على سحقه السياسة الإسرائيلية العنصرية، وفتاة تقف على هامش السياسة، وتكتفي بطرح الأسئلة؛ لتستقر الإجابة عليها في وعيها الذي قررته هذه السياسة" ( سميح القاسم في دائرة النقد، 1991: ص 212 ).
وهناك شخصية أخرى، هي شخصية " علي، " الأخ الأصغر لأمير والذي حصل على أعلى الدرجات العلمية في الثانوية العامة، ومع ذلك، لم يستطع الدخول لإحدى الجامعات الإسرائيلية؛ بسبب العنصرية اليهودية، فلم يجد سبيلاً، إلا التسلل لسوريا ومواصلة الدراسة فيها، هكذا كان يخطط، وأثناء محاولته تنفيذ هذه الفكرة، قتله أحد الضباط الإسرائيليين على الحدود الشمالية لفلسطين التاريخية، وكان القاتل، هو والد روتي، وهو شخص متعال، ينظر للآخرين بعين الاحتقار، وروتي، هي صديقة أمير، شقيق علي، فكانت النهاية، أن توفيت روتي متأثرة بصدمة عصبية؛ بسبب ما فعله أبوها بعلي، وطلبت من أبيها أن يضع صورتها في ألبومه، ذلك الألبوم الذي كان يحتفظ فيه بصورة كل ضحية – فدائية – فلسطينية، يقوم بقتلها، قائلة له في نهاية القصة: لتكن هذه الصورة الأخيرة في الألبوم. فالقصة تحاول رسم الطريق للمستقبل بين هذين الشعبين، وعلى أيّ أساس، وماهو الأفق والرؤية القريبة والبعيدة.
الدراسة :
يقول مكسيم غوركي في إحدى كتاباته : " إن على الكاتب الكبير أن يوجه قارئه نحو هدف كبير، هو التحرر من كل قوة ووحشية ومن كل أكذوبه، .... ولن نحرر أنفسنا...ما لم نتعلم كيف نحب الإنسان.....إنه سيأتي يوم، يفهم فيه العالم أجمع، بأن أقدس شيء على الأرض، هو الإنسان".
يحاول سميح القاسم تطبيق هذه الفكرة، ويريد أن يثبت أن الخيار الإنساني، هو الذي يجب أن يكون أو يُنتظر، ولكن كيف؟ وما هي وسيلته؟ في ظل الواقع المعاش صباح ومساء، الواقع المليء بالخوف من الآخر والرعب منه واحتقاره ومحاولة طمسه أو عدم الاعتراف بوجوده أو حتى تقبله.
ولعل الخوف من الآخر لم يسيطر على فكر القاسم وحده، وإنما كان هاجساً عند كثير من الشعراء والأدباء والمثقفين العرب، وغيرهم من اليهود بشكل خاص والغرب بشكل عام ، يقول توماس بروسج، وهو كاتب رواية ألماني، يقول خلال حضوره معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي عقد في بداية هذا العام : " إننا نعرف أنكم - العرب - لا يمكن أن تتفوقوا علينا علمياً أو تكنولوجياً أو حضارياً، ومع ذلك، إننا نخاف منكم، ونهابكم من بعيد ". يمكن الانطلاق من هاتين العبارتين ( لغوركي وبروسيج ) ، للحديث عن الخوف من الآخر، وبخاصة عند سميح القاسم، الذي يعيش وسط الآخر ويتعايش معه.
تكمن ملابسات الخوف عند القاسم في هذه القصة في أكثر من بعد، منها : الخوف من الجهل في عدم معرفة الفلسطيني بما يفكر به الآخر، وبخاصة الشخصية الفلسطينية، غير المتعلمة، الساذجة، يقول إبراهيم ( وهو عامل مطعم ) : " اسمع يا أمير، حين نصل تل أبيب، يصبح اسمي " أفراهام " لا إبراهيم، نريد أن نعيش يا أخي، فلا تدعني هناك إلا باسم " أفراهام " (ص18)، وهذه العبارة لها دلالات مختلفة بالنسبة لأمير المتعلم، فالخوف على لقمة العيش عند إبراهيم، بهذه الطريقة، التي تنتهي بأن يغير الإنسان اسمه، لم ترق لأمير،فهو قد نظر إليها من زاوية أخرى، فالشخص الذي يغير اسمه بهذه السهولة، ويتنازل عنه، قد يتنازل عن أمور أخرى أكبر، ويكمن الخوف عند إبراهيم أيضا من السياسة والحديث فيها "... ولكن لا تثرثر في السياسة، تشتغل، وتقبض أجرتك، ولا شيء أكثر في تل أبيب " (ص19)، فشخصية إبراهيم، لا همَّ لها سوى تأمين لقمة العيش، مهما كانت الوسيلة، وبغض النظر عن المبدأ؛ لأن إبراهيم معروفاً عنه، من أولئك الشباب الصايعين، الذين يكثرون من مرافقة اليهوديات"(ص44)، وهو في الوقت نفسه يرضى أن يكون لا شيء..." إذا أردت أن تكون هنا شيئاً، فعليك أن تكون لا شيء (ص24)، يكمن الخوف هنا على هذا الجيل الذي يفكر بنفسه فقط، وبهذه الطريقة الساذجة، التي قد ندفع جميعا ثمنها غاليا؛ بسبب سلوك هذا الجيل وتصرفاته، دون وعي أو إدراك؛ لأن هذا النوع من الشخصيات، يسهل استغلاله من الاحتلال، وتوظيفه لما يريد في تنفيذ مخططاته.
وقد تمثل الخوف عند الشخصية الرئيسة – شخصية أمير -، عندما طلب منهم أحد المسافرين اليهود أثناء سفرهما– هو وصديقه – ، في الحافلة قائلاً:" شيكت.... أتيم مفريعيم "... سكوت...أنتما تزعجاني ( ص 19 )، فهما كانا يضحكان، ولم يتوقفا، إلا عندما طلب منهم اليهودي ذلك، فسكت أمير، ولم يحتج على ما قاله اليهودي، فهل لو طلب منهم- وبخاصة أمير - شخص عربي السكوت بهذه الطريقة ؟ لاستجابا له ؟!.
ويبرز الخوف المتبادل، الخوف من الآخر، عندما طلب أحد اليهود من صاحب المطعم الذي يعمل فيه أمير، قائلاً : ما هذا يا بلابوس – ويعني صاحب البيت –، قل للحمار الذي يشتغل عندك، أن يضع مزيدا من الزيت على صحن الحمص....أنا يهودي مثلك، وتلقي بي في الخارج، ألا يكفي أنك تشغل العرب..... لا شك بأنك تحبهم، تحب العرب... إنهم يقتلون أبناء شعبك، وأنت تحبهم، أحرج البالابوس بعض الشيء، وتلفت حواليه وكأنه يعتذر( ص20،21) ، ويبرز في هذا المقطع، الخوف من العربي، كونه عربياً، على الرغم من أنه يقوم بخدمة اليهود في المطعم، وربما يسهر على راحتهم ، إلا أنهم لا يحترمونه، حتى الذين يستأجرونهم لا يثقون فيهم، وهذا واضح من خلال كلمة " أحرج البالابوس وكأنه يعتذر"؛ لأنه في داخل نفسه يخاف من العربي، ولا يأتمنه، فالعلاقة بين اليهودي وعماله العرب، قائمة على المصلحة المتبادلة فقط، فلا يثق أحدهم بالآخر، وخاصة اليهودي، أما نحن فللعاطفة مكانتها في نفوسنا .
ولعل مظاهر الخوف، الخوف المتبادل، لم يكن فقط بين العرب واليهود، وإنما نجد في هذه القصة، تلك الرواسب التي حملها اليهود معهم من ألمانيا، إبان الحكم النازي، وجاء هذا واضحا على لسان أكثر من شخصية، سواء بشكل مباشر، أو من بشكل سلوكي لا إرادي، فعندما كانت روتي تشاهد فيلماً في السينما مع أمير، تدور أحداثه حول الحرب العالمية الثانية " بدأ المشهد: جند نازيون يلهون في إحدى غرف المعسكر، يأتي زميل لهم بفتاة يهودية، ويدخل معها إلى غرفة مجاورة، بعد قليل يعود، فيسأله أحد زملائه بسخرية :" هل هي عذراء "، فيرد بسخرية مباشرة : " كانت عذراء ". فجأة ، سحبت روتي يدها، فصعد الدم ساخناً إلى صدغي أمير" ( ص 38 )، فروتي هنا، قارنت بين العرب والنازيين، بشكل سريع تلقائي، من خلال الصورة التي رسمت في مخيلتها عن العرب، واسترجعت الزمن الماضي، المرسوم في مخيلتها عن النازيين، وربطته من خلال المشهد، بالصورة المرسومة عن العرب وسلوكهم.
وتمثَّل خوف اليهود هنا – وتمثلهم روتي- من جهتين، الرواسب من الحكم النازي من جهة، الماضي، والعرب الذين يسكنون بجانبها، الآن، الحاضر، زمن معايشتها لأمير، فخافت من أمير وسحبت يدها من يده ، يؤيد هذا أيضاً، ما قاله اليهودي " السكران " الذي طرد من المطعم، وخلال خروجه من المطعم، كادت سيارة أن تداهمه، فقال له تلقائياً : " كدت تدهسني يا ابن....... الألمان بأنفسهم، لم يتمكنوا من قتلي " (ص21).فالخوف لم يتمثل في خوف العرب من اليهود أو العكس فحسب، من خلال الصورة الحالية، وإنما من خلال تلك التراكمات المشوهة ( أحيانا ) عند كل شعب عن الآخر، ونقلها من جيل إلى جيل، بالصورة ذاتها أو تطويرها.
ونلاحظ أيضاً موقف الأم البسيطة، غير المتعلمة، والتي لم يتشكل عندها الوعي باليهود من خلال الفهم السياسي الناضج، وإنما فقط من خلال ما سمعته عنهم عن طريق الرواية والمشافهة، فبنت صورة متخيلة عنهم، وعن أساليبهم ، وجاء موقفها عنهم في حالتين وموقفين، برؤية مرسومة مسبقاً، تقول : " الله يغضب عليهم أولاد الحرام، شهادتك وسع الملحفة، وما من عمل " (ص9)، وتقول عند أول زيارة لروتي لبيت أمير: أهلاً وسهلاً يمة....بيتنا مفتوح لكل الأوادم...ليش لأ..أصابع إيدك مش مثل بعضهم....الدنيا ملآنة ملاح وعاطلين"( ص46).
وهذا الموقف يدل على أن هناك، في المخزون الذهني، صورة مرسومة، مستوحاة ومشكَّلة من قبل عن اليهود العاطلين، ولكنها من واقع كرمها وعروبيتها، لم تُرد أن تعاتب أمير؛ لأنه أحضر فتاة يهودية، فهي كبيرة السن، وسنها قريب من سن " أبي سليم" الذي رأى في روتي، خلال زيارتها للقرية مع أمير، لا هدف لها، سوى أنها ستغوي أمير وتضحك عليه، وفي النهاية، تأخذ أرضه "....عبد الله كان أمير، وضحكت عليه يهودية...أكيد أنها هذه السائبة، حطت عينها على شقفة أرض هذه البلد.."(ص45)،وهنا تتفق الصورة عند أبي سليم والأم في التشكيل، فكلمات الأم : أولاد الحرام – العاطلين – بيتها مفتوح للأوادم ( وفي ذهنها غير الأوادم ) – أصابع اليد ليست متشابهة ( وتقصد السيء منها )، كلها إشارات توحي بأن هؤلاء في مخيلة هذا الجيل، يوضعون في الجانب الآخر، الجانب المظلم السيء، "وهنا تكمل التجربة الحياتية، المتمثلة في أن التقاء العرب واليهود اليومي، يمكن أن يغير كثيراً من الآراء المسبقة، التي اكتسبها كل طرف عن الآخر، من خلال الاستماع أو القراءة "( الأسطة، 1992 :ص 109 ).
بدأت الصورة المشكلة ذهنيا من خلال المدرسة والشارع والجامعة عن العرب، بدأت تتغير عند روتي – في الرواية - ، من خلال مقابلتها للشخصيات العربية المتعلمة، وعلى رأسهم أمير، ولم يكن عبثاً، أو من قبيل المصادفة، أن يقيم الكاتب الحوار بين شخصيتين متعلمتين، وهذا الأقرب إلى المنطقية والواقعية من غيرها، بالنسبة للأجيال التقليدية، التي استندت على أفكار مسبقة ومتوارثة في رأيها بالآخر، واتخذت موقفاً سلبياً منه، ولا تريد أو تحاول تغييره أو النظر فيه أو مناقشته.
وقد بدا هذا التحول واضحاً في قول الكاتب :"... تتضعضع ثقتها بالمسّلمات العديدة التي حشو رأسها بها من البيت إلى حديقة الأطفال إلى الجامعة..." (ص44)، وراحت تناقش والدها ساخرة من ألبومة...فثار ثورة عارمة، واتهمها بالشيوعية، وحذَّرها من العودة إلى مثل هذه الدعاية السامة( ص41).
ويبرز أيضاً خوف اليهودي من النازيين، فعندما جادلت أباها في رفضها العلاقة مع اليهودي " الشكنازي "، وأنها قد انفصلت عنه، ولا تريده؛ لأنه يخدم في الجيش، برزت الصورة التقليدية المكروهة عن العرب في قوله"...لولا الجيش لكنت الآن سبية في حريم الأمراء العرب" (ص56)، ويبرز هنا استرجاع الزمن إلى الماضي البعيد، من خلال كلمة السبي، فاستحضار الصورة التراثية، سبي النساء، ما زالت تخيفهم. ويبرز في القصة أيضا الخوف من اليهود، فيما بينهم، الغربي والشرقي، ظهر ذلك واضحا من خلال كلام والد روتي، عند حديثه عن اليهود ذوي الأصول الشرقية، إذ وصفهم بأنهم ".... لا يحسنون سوى التكاثر كالأرانب...يرتكبون الجرائم" (ص56 )، فهؤلاء عاشو مع العرب، فاكتسبوا شيئا من صفاتهم السيئة، فأصبحوا مجرمين.
هذا الكلام وَلَّد عندها ردة فعل من خلال النقاش والجدال، الذي وضحه لها أمير، إذ أنه لا يكره اليهود؛ لأنهم يهود، بل لأنهم أرادوا حلاً لمشكلتهم مع النازيين، على حساب شعب آخر، وهي مقتنعة تمام الاقتناع، بأن اليهود أيضاً كانوا منبوذين ومتفرقين، وكان لهم أفعال مشينة وسيئة، ربما هي التي سببت كره العالم لهم، وأرادت إثبات ذلك، إذ أحضرت لوالدها كتاب هتلر – كفاحي – وقرأت منه: " يتربص الولد اليهودي ذو الشعر الأسود بالفتاة البريئة، طيلة ساعات، وعلى وجهه سمة من الفرح الشيطاني، إنه يدنسها بدمه، ويسلبها بذلك من شعبها" ( ص57)، ويتجلى هنا الخوف من الآخر، في خوف الألمان من اليهود، وهذا ما أرادت إثباته لأبيها، بمعنى، إذا كنتم تخافون العرب؛ بسبب أعمالهم السيئة، كما تدعون، فالألمان كانوا يخافونكم؛ بسبب أعمالكم السيئة أيضا. ولكنها في النهاية تتراجع عن هذا الاندفاع " لا..لا.. من نحن حتى نتحدى كل هذه الرواسب والتراكمات البشعة"(ص67).
ومن مظاهر الخوف التي برزت في القصة الخوف من المستقبل، وبخاصة المستقبل الغامض المجهول للجيل القادم، جيل علي " علامات ممتازة، صحة جيدة، رغبة جامحة، وطريق مسدود، كل الجامعات التي توجهت إليها رفضتك" (ص58)، وهذا أيضاً جاء على لسان أمير في قوله : " والغلاء يتفاقم يوماً بعد يوم، والقلق يكبر يوماً بعد يوم..."(ص15،16). والخوف بكل أبعاده من الآخر، والمجهول من هذا الآخر ، يتجلى بشكل واضح في القصة، فاليهود كانوا، وما زالوا، يخافون من العرب، والعرب يبادلونهم الصورة ذاتها، والألمان كذلك مع اليهود والعكس، والعرب مع الآخر والآخر مع العرب. وهذه قضية، كما قلت في البداية، قديمة جديدة، تناولها أكثر من كاتب.
وأرى هذا السلوك، وهذا الشعور بالخوف، والخوف المتبادل، أراه قضية منطقية طبيعية؛ بسبب اختلاف الفكر والعقيدة والمبدأ، واختلاف الرؤى والأهداف، واختلاف العادات والتقاليد، ومفهوم الأخلاق؛ ولأن هذه العوامل كاملة، هي التي شكلت الإنسان العربي، هي ذاتها، التي شكلت الآخر، ولكن من زاوية أخرى ومن مفهوم آخر، فتجلى الخوف عندنا وعندهم كل من الآخر.