الأربعاء ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم وجدى العبد الله

الدراما التلفزيونية في قبضة الإعلام الرسمي العربي

عند الحديث عن الدراما التلفزيونية العربية (ورمضان مناسبتها الكبرى) يتطلب أول ما يتطلب توضيح جوانب أكثر حول ما يجري في ساحات الإنتاج الدرامي العربي، وبما يُعرض على الشاشات العربية، التي تصبح في هذا الشهر موضع أنظار العائلة العربية..!
إعلام أم دراما..؟

ومن حيث المبدأ، فإن صناعة الدراما التلفزيونية أضحت أسيرة أجهزة الإعلام الرسمي العربي، بشكل أو بآخر. وهي بهذه الدرجة أو تلك تمثل جزءاً من الدعاية والإعلام الرسميين؛ ولكن الدول (العربية) تتباين في التعامل معها ما بين الاستغلال المباشر الجائر المفضوح، والاستثمار العقلاني، الذي لا يستسلم لضغط الحاجات المباشرة والآنية..
وتتضح هذه المساحة في الفارق ما بين الأعمال التاريخية وبعض الأعمال المجيرة لمكافحة الإرهاب.. إذ تبقى الوقائع التاريخية محصنة أكثر من الحكاية المتخيلة إزاء التوظيفات الجائرة، ومن هنا، فهي تبدو أكثر منطقية، وأوقع أثراً، وتجد الإقبال الأشد.
ومن جهة أخرى، فإن الدراما التاريخية تبدي كفاءة في المعركة الأساسية التي تواجهها الدراما التلفزيونية العربية اليوم، والتي يمكن اختزالها بسؤال كبير، هو: إعلام أم دراما..؟ إنها أكثر من سواها قادرة على أن تأتي في المحصلة عملاً درامياً كاملاً، مهما جرى توظيفه إعلامياً..

وبهذا المعنى، فإن الدراما التاريخية تمثل فرصة ذهبية للدراما التلفزيونية، تستعيد من خلالها توازنها، الذي يمكنه أن يقوم على التوفيق ما بين الحاجات الدرامية والحاجات الإعلامية..

الآفة القاتلة

وقد مثلت قطر، طوال سنوات، ومن خلال إنتاجها لجملة من الأعمال التاريخية الهامة، نموذجاً للاستثمار العقلاني للدراما. ومن المؤسف أنها لم تواصل هذا النهج، في خطوة قد تنم عن ارتجال لا يعي الميزات الكبيرة التي انطوى عليها هذا الإنتاج، الذي نجح في أن يكون علامة تميز أخرى لهذه الدولة العربية الصغيرة، في مجال الإعلام، دون أن يعني ذلك الاعتداء على النوع الدرامي.

وبعيداً عن إصدار الأحكام القطعية، فإنني أعتقد أن الانسحاب القطري من مجال إنتاج الدراما التاريخية (وأصر على تسميته انسحاباً)، لا مسوغ له، ولا مبرر يغطيه، وقد يكون بالأساس من بعض أعراض فوضى سوق الإنتاج العربي، أو من بعض منتجات غياب المؤسسية عن مؤسساتنا العربية، التي تتحكم بها المزاجية والقرارات المرتجلة.
ومن جهة أخرى، ثمة آفة شائعة مستشرية في العالم العربي، وتتمثل بتحكم غير المثقفين بالقرار الثقافي، وغير الفنانين بالقرار الفني، تجعل من الارتجال والفوضى سمة رئيسة في أداء المؤسسات في كل مجال وتخصص. وبهذا فلا يكفي إلقاء اللوم على فوضى سوق الإنتاج، بغياب إنتاج الدراما التاريخية لهذا العام، فآفتنا وآفة قطر القاتلة أكبر من عادية؛ وهي في نفس الوقت متوقعة، لولا أن قطر نجحت على مدار السنوات الماضية في أن تتميز بعدة مجالات، لا سيما في مجال الإعلام وإنتاج الدراما التاريخية، ولولا أن انسحابها هذا العام من مجال الإنتاج الدرامي، قد كسر الصورة الناصعة.
شكراً للكويتيين!

في السياق نفسه، تردد أن الجدل الذي يدور في الكويت حول مسلسل "خالد بن الوليد"، في الكويت، سببه ملاحظات على المستوى الذي جاء عليه العمل، وليس فقط لأسباب دينية. وبالرغم من الاستغراب الشديد الذي يثيره ذلك، وبالرغم من أن ذلك لا يتفق مع سمعة مخرج العمل محمد عزيزية، فإن هذا يدفع للتوقف عنده بتحفظ، فلا مجال للدفاع عن عمل هابط، أو غير جيد، أو حتى دون المستوى المأمول.

..ولا أحد يدافع عن الرداءة!

ويشجع تداول النقاش حول مسلسل "خالد بن الوليد"، على هذا المستوى، على طرح قضية أخرى تتعلق بهذا العمل، ألا وهي موضوعه، الذي بدا وأنه يخاطب الحاجة اليائسة للمشاهد العربي في استحضار البطولة والماضي، لغايات التأسي وتعزية النفس وهدهدتها لتنام على حلم الماضي الجميل. وكان المأمول دوماً من الدراما التاريخية، أن تكون لحظة نقاش عميق لا تخلو من روح نقدية، تكشف عن عورات الحاضر، في إخفاقات الماضي.. لا مسكن للألم والأمل، معاً، يقبع على رفوف صيدلية متسيبة ومستباحة!
وإذا ما صدقت مبررات الجدل الذي يدور حول هذا المسلسل، فلن يكون مستغرباً أن يكون الخلل من هذا الباب.. باب التلهف على تقديم صورة ناصعة أحادية الجانب والبعد للماضي. وهو ما لا يليق بعمل تاريخي جاد، ومعه لا ينفع مخرج جيد، ولا ممثل لامع، لأن العطار لا يصلح ما أفسد الدهر.

وقد طالب أحد الكتاب، على أحد المواقع الاليكترونية، بتقديم الشكر للكويتيين لأنهم "لم يغفلوا عن مراقبة سير العمل ومتابعته، ثم رفع الصوت ضد عرضه..!؟"، وزاد أن "ذلك على أية حال أدعى للإعجاب بهم، حيث لم تردهم الكلفة المالية المرتفعة عن مراجعة أنفسهم، والتحقق من مدى مناسبة العمل، ومراجعة سويته الفنية".
وهنا، يمكننا أن نردد معه: "إن ثبت أن المسلسل لا يليق بمكانة خالد بن الوليد، أو إن صحّ أنه ليس بالجودة اللازمة"، فإن الكويتيين الذين اعترضوا على العمل يستحقون الشكر، وإن من الأجدر الإقرار بأن الجمهور أحق بالحكم على هذا العمل وسواه.

بعيداً.. بعيداً!

بعيداً من ذلك كله، وقريباً للغاية من جوهره، هناك موضوع الحرية والرقابة.. فلا يبدو إن الدراما التلفزيونية قد قطعت الشوط الهام في هذا المجال، بالرغم من الانطباع الذي أشاعه انتشار الفضائيات العربية، حول الحرية وتجاوز الرقابة، واقتحام الحدود المغلقة التي تمثل بالنسبة لها الظرف الأنسب للحضور.

لا تزال المحطات التلفزيونية العربية ملكية للدولة، وجزءاً أساسياً من الإعلام الرسمي، وتخضع لإداراته. وهذا وحده كفيل بتأمين السيطرة القوية على خطط الإنتاج، وتكييفها بالصورة التي تناسب الإعلام الرسمي.

وإذا كان انتشار القنوات الفضائية الخاصة، قد أشاع بدوره انطباعاً أكبر بالحرية والخلاص من الرقابات المحلية، فقد تبين أن هذا محض وهم؛ فالفضائيات الخاصة ليست بعيدة عن الإعلام الرسمي، فهي مملوكة وممولة بمال سياسي، لا يقل التزاما بالإعلام الرسمي العربي، ولا يختلف عنه إلا بإمكانياته من حيث الإنفاق، وتقديم سلع مزخرفة مبهرجة.
فهل من أمل للدراما التلفزيونية العربية للتحرر من قبضة الإعلام الرسمي العربي..؟
نعم، حين يصبح المستهلك الحقيقي هو جمهور المشاهدين مباشرة، لا أجهزة الإعلام الرسمي العربي. وهذا ممكن، ولكنه أمر بعيد التحقق!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى