الأربعاء ٢٨ أيار (مايو) ٢٠٠٨
مثقفون من الريف
بقلم جميل حمداوي

الدكتور عبد الله شريــــق

تمهيــــد:

تزخر منطقة الريف الموجودة في شمال المغرب بالكثير من المثقفين والمبدعين والعلماء في مجالات شتى، بيد أن هناك مجموعة من المثقفين تركوا بصماتهم الرمزية الدالة في الساحة الثقافة الريفية، ومنهم الثالوث الثقافي: الدكتور عبد الله شريق، وحسين القمري، ومحمد

أقضاض. مع العلم أن هناك الكثير من المثقفين الآخرين، بيد أنهم أعطوا الأولوية للانتماء الحزبي والنضال الإيديولوجي والأهمية الكبرى للجانب السياسي والكلام الخطابي على حساب ماهو ثقافي وعلمي، كما أنهم لم يدونوا ما كانوا يقولونه ويحملونه من أفكار، فبقيت أعمالهم محصورة في جانب النظرية دون الانتقال إلى الممارسة والكتابة والنشر. لكن الثالوث الثقافي الريفي شمر عن ساعده، وغدا يدبج الكتب وينشر كل ما يكتبه على صفحات المنابر الإعلامية منذ السبعينيات من القرن الماضي بدون كلل أو تعب إلى يومنا هذا. ويشبه هذا الثالوث في رأيي مدرسة الديوان المصرية التي ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين، وكانت تتكون من عباس محمود العقاد، وعبد الرحمن شكري، وعبد القادر المازني.

وإذا كان محمد أقضاض من هذا الثالوث الثقافي الريفي قد تخصص في الرواية والسرديات، وحسين القمري اهتم اهتماما كثيرا بالمسرح والإبداع الشعري، فإن الدكتور عبد الله شريق اختص في نقد الشعر والتعريف بالمناهج النقدية تنظيرا وتطبيقا حتى أصبح علما فيها يشار إليه بالبنان. إذا، من هو الدكتور عبد الله شريـــق؟

بطاقــــة تعريـــف:

يعد الدكتور عبد الله شريق من أبرز المثقفين بالناظور منذ السبعينيات من القرن العشرين إلى

جانب ثلة من المثقفين كحسين القمري، ومحمد أقضاض، وبشير القمري، ومحمد الشامي، ومحمد الولي، ومارزوق الورياشي....

ويتميز عبد الله شريـــق عن هؤلاء بصدق مبادئه، ونقاء سريرته، وإخلاصه في عمله إتقانا وتفانيا، علاوة على صرامة منهجه، واتساع ثقافته، وتخصصه المتميز في النقد الشعري. كما يعرف بابتعاده عن الأهواء السياسية والسجالات الإيديولوجية التي انغمس فيها الكثير من أقرانه من المثقفين. زد على ذلك، أنه لم يتحين الفرص لكي يتسلق طبقيا أو يحظى بالمناصب السامية كما فعل الكثير من مثقفي المنطقة، ولم يخن أبدا منطقته أو يدر لها ظهره أو يتنكر لها على غرار الكثير من المثقفين. بل كان مثقفا كريما، وعالما جوادا سمحا، لايعرف قلبه الحقد أو الكراهية أو يميل إلى تصفية الحسابات الضيقة كما هو شأن بعض ضعفاء النفوس، بل نراه مثقفا مظلوما ولم يأخذ حقه الذي هو في حاجة إليه، ولم يكرم إلى حد الآن التكريم الذي يستحقه.

وعلى الرغم من ذلك، فهو مازال بطلا شامخا، يعطي من وقته الكثير، ينظم الندوات والمحاضرات. ومن ثم، يعتبر فرع الناظور الذي يترأسه عبد الله شريق من أكثر الفروع الوطنية تنشيطا على مستوى تفعيل مؤسسة اتحاد كتاب المغرب ثقافيا وفنيا وعلميا، والفضل يعود كله إلى الدكتور عبد الله شريق الذي قدم كل وقته من أجل أن تكون مدينة الناظور قطبا ثقافيا مشعا متميزا.

ومن المعروف أن الدكتور عبد الله شريق من مواليد مدينة الناظور سنة 1953م، درس التعليم الابتدائي والثانوي بنفس المدينة، فتابع دراساته الجامعية بكلية الآداب بفاس منذ سنوات السبعين. وعين بعد ذلك أستاذا للتعليم الثانوي، فرئيسا لمصلحة الشؤون التربوية بنيابة التعليم بالناظور.

هذا، وقد حضر رسالة شهادة دبلوم الدراسات العليا في مناهج النقد الشعري تحت إشراف الدكتور محمد الكتاني. وبعد ذلك، حضر أطروحة دكتوراه الدولة تحت إشراف الدكتور أعراب الطريسي، وناقشها بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2006م.

ومن المعلوم أيضا أن الدكتور عبد الله شريق، رئيس فرع اتحاد كتاب المغرب بفرع الناظور، شارك في عدة ملتقيات ومهرجانات ثقافية أظهرت مدى كفاءته وتميزه في نقد الشعر، واستيعابه الجيد لترسانة من المناهج الأدبية القديمة والحديثة والمعاصرة التي لم تعرفها الساحة النقدية العربية إلا في العقود الأخيرة من القرن الفائت. ولم يكتف عبد الله شريق بالثقافة العربية فحسب، بل تبحر في الثقافة الأمازيغية وألم بكل معارفها وأجناسها، وأصدر مجلة أدبية فصلية في أربعة أعداد بعنوان" فضاءات ثقافية" إلى جانب زميليه حسين القمري ومحمد أقضاض.

ونقول بكل صراحة وموضوعية: بأن الريف لم تكن له قيمة تذكر، ولم يكن يساوي أي شيء بدون الثالوث الأدبي الدكتور عبد الله شريق، وحسين القمري، ومحمد أقضاض الذين رفعوا راية الثقافة بالناظور، وأنعشوه فكرا وإبداعا ونقدا، وقدموا صورة مشرقة عن الناظور بصفة خاصة ومنطقة الريف بصفة عامة. كما تتلمذ على هؤلاء الرواد الأساتذة جيل من المثقفين الشباب كجمال أزراغيد، وفؤاد أزروال، وجميل حمداوي، وفخر الدين العمراني، وفاروق أزنابط، ومصطفى بنعلال، وعيسى الدودي، وسعيد أقضاض،وسعيد المرسي، وآخرين.

وقد اختارت وزارة التربية الوطنية بالمغرب نصه النقدي " تحليل نصي لقصيدة" الليل والفرسان" المأخوذ من كتابه " في حداثة النص الشعري" ضمن مقرر " الممتاز في اللغة العربية" للسنة الثانية من التعليم الثانوي التأهيلي، صفحة246؛ نظرا لكون الدكتور عبد الله شريق نموذجا متميزا في مجال الدراسة الأدبية الوصفية؛ ونظرا لكونه أيضا تمثل مجموعة من المناهج النقدية المعاصرة كالمنهج البنيوي اللساني والمنهج السيميائي في الكثير من كتبه ومقالاته الأدبية والنقدية.

ب/ مؤلفات الدكتور عبد الله شريق وأعماله:

للدكتور عبد الله شريق إسهامات فكرية وأدبية كثيرة من الصعب حصرها خاصة في مجال الثقافة العربية ومجال الثقافة الأمازيغية. بيد أننا سنقدم جزءا من هذا العمل الثقافي الزاخر دون أن

نذكر كل أنشطته ومقالاته ومحاضراته وإسهاماته الجادة في الكثير من الندوات والملتقيات الثقافية:

إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف(كتاب مشترك): طبع الكتاب بمطابع أمبريال، سلا، الطبعة الأولى سنة 1994م، يضم الكتاب186 صفحة من الحجم الكبير، والكتاب مشترك مع محمد أقضاض، وحسين القمري؛

في حداثة النص الشعري: صدر الكتاب عن منشورات البوكيلي بالقنيطرة في طبعته الأولى سنة 1995م في 177 صفحة من الحجم الكبير؛

في شعرية قصيدة النثر: طبع الكتاب من قبل اتحاد كتاب المغرب سنة2003م في 59 صفحة من الحجم الكبير؛

تاريخ الأدب الأمازيغي(كتاب مشترك): ظهر هذا الكتاب في طبعته الأولى سنة 2006م، في 127 صفحة من الحجم المتوسط، وقد تولى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نشر الكتاب وطبعه وتوزيعه؛

الأدب المغاربي اليوم(كتاب مشترك): صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى سنة 2006م عن منشورات اتحاد كتاب المغرب في 328 صفحة من الحجم الكبير؛

خاتمـــة:

يتبين لنا مما سبق ذكره بأن الدكتور عبد الله شريق من رواد الكتابة النقدية في المغرب، ومن

النقاد المتميزين في مجال نقد الشعر ووصفه وتفسيره، وهو أيضا من المعروفين بتمسكه بالشعرية البنيوية والمناهج النقدية المعاصرة.

كما أنه باحث نشيط أسهم بكثير من المقالات والأبحاث والدراسات في مجال الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية، وعرّف بالعديد من الشعراء الشباب المغاربة ولاسيما الذين يكتبون القصيدة النثرية. ومايميز عبد الله شريق ويرفع مكانته الثقافية بين النقاد المغاربة أنه يحتكم إلى مقاييس نقدية علمية صارمة، ولا يتساهل في عمله النقدي قيد أنملة، ولا يزكي أحدا إلا إذا كان له عمل جيد، ولا يقبل على النصوص الإبداعية كيفما كان مستواها، بل يدقق النظر ويتروى في إصدار الأحكام، كما أن غرباله النقدي لايعترف سوى بالمبدعين المتميزين الأكفاء، ولا ينساق أبدا وراء عواطفه أو يميل إلى منطق الإخوانيات و المجاملات الزائفة التي تسيء إلى الأدب والإبداع على حد سواء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى