في المغـــرب قديما وحديثا
تمهـــيد:
عرف المغرب في مساره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتاريخي منذ عهد الأدارسة إلى يومنا هذا مجموعة من النظريات التربوية الإصلاحية على المستوى العام أو على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي. بيد أن الإصلاح التربوي لم يتحقق بشكل حقيقي إلا في القرن العشرين، وامتداد سنوات الألفية الثالثة، إذ جرب المغرب مجموعة من النظريات والتصورات التربوية الوافدة إلينا من الغرب من جهة، وتطوير النظريات التربوية التراثية الأصيلة (نظرية الملكات) من جهة أخرى. وقد ارتبطت هذه الإصلاحات بالتطورات التي كان يعرفها المغرب على مستوى البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية والإيديولوجية. ومن ثم، أصبح مشكل التعليم بالمغرب هو الذي يثير كثيرا من اللغط والجدال والنقاش إلى يومنا هذا. ومازلنا إلى حد الآن نبحث عن بديل تربوي لإنقاذ منظومتنا التربوية والتعليمية من أزماتها الخانقة ومزالقها المتشابكة والمعقدة.إذاً، ماهي مجمل النظريات والتصورات التربوية التي عرفها المغرب عبر تاريخه المديد من الأدارسة إلى يومنا هذا؟ هذا هو السؤال الذي سوف نحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة.
النظريات التربوية ووظيفة المدرسة:
ثمة مجموعة من النظريات التربوية القديمة والحديثة والمعاصرة التي حللت بنية المؤسسة التربوية فهما وتفسيرا وتأويلا، فاكتشفت مظاهر أزمتها، وشخصت عيوبها، وأشارت إلى جوانبها الإيجابية، ثم قدمت الحلول الناجعة بغية ربطها بالتنمية المستدامة. ومن بين هذه النظريات التربوية نذكر ما يلي:
بيداغوجيات التعليم العتيق:
ارتبط التعليم المغربي منذ الفتوحات الإسلامية الأولى إلى يومنا هذا بالمدارس العتيقة أو ما يسمى أيضا بالمدارس القرآنية أو التعليم الإسلامي أو التعليم الأصيل. وقد قامت هذه المدارس بتلقين العلوم النقلية، كالعلوم الشرعية والعلوم اللغوية والمعارف الأدبية، بله عن العلوم العقلية والكونية. وقد ساهمت هذه المدارس في نشر الدين الإسلامي، والتعريف به في كل أرجاء المغرب، وساهمت أيضا في توفير الأطر المؤهلة والكفاءات العلمية التي تولت مهمات التدريس، والفتيا، والإمامة، والخطابة، والتوثيق العدلي، والقضاء، والحسبة، وشؤون الإدارة، والاستشارة السلطانية. كما تخرج من هذه المدارس العديد من العلماء والمفكرين والمثقفين والكثير من الجهابذة الموسوعيين المتعمقين في كل فنون المعرفة. وقد اشتهروا في العالم الإسلامي مغربا ومشرقا، بل تخرج منها بعض سلاطين المملكة المغربية ومؤسسو دولها، كعبد الله بن ياسين زعيم المرابطين، وأحمد المنصور الذهبي سلطان الدولة السعدية.
وينضاف إلى ذلك، أن علماء هذه المدارس وطلبتها قد شاركوا في الجهاد ومقاومة العدو الأجنبي بكل بسالة واستماتة. وشمروا عن سواعدهم لتهذيب نفوس الناشئة المغربية ، وتطهيرها من الشك والإلحاد وبراثن الشر والضلالة، عبر تأسيس مجموعة من الروابط والزوايا ، كالزاوية الناصرية والزاوية الشرقاوية على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر والتقييد.
وعمل هؤلاء العلماء كذلك على تعليم الصبيان والبنات والتلاميذ بتأسيس الكتاتيب القرآنية والمساجد والمدارس والمعاهد، لتلقين هؤلاء المتعلمين مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد اللغة العربية، وإقرار الدراسات الإسلامية للحفاظ على العقيدة المحمدية، وحماية اللغة العربية من العاميات واللهجات المحلية. كما ساهم هؤلاء العلماء في الحفاظ على المذهب المالكي، وتمثل التصوف السني، والدفاع عن الفكر الأشعري، والحث على احترام مواثيق البيعة السلطانية.
ومن هنا، فقد قامت المدارس العتيقة بأدوار ووظائف عدة، كالدور التربوي – التعليمي، والدور الوطني، والدور القومي، والدور الأخلاقي، والدور التأطيري التنموي. ومازالت هذه المدارس العتيقة تقوم بأدوارها المعهودة إلى يومنا هذا، بل زادت الحاجة إلى هذا النوع من المدارس، بعد تراجع مستوى الطلبة في مجال العلوم الشرعية والأبحاث الدينية، خاصة في ما يخص المواريث والتفسير، وفهم مقاصد الحديث النبوي، وتقعيد الفقه وأصوله....
لذا، سارعت الدولة المغربية في عهدي الملكين : الحسن الثاني ومحمد السادس إلى تأسيس دار الحديث الحسنية بالرباط ، وتأسيس كليتي الشريعة بفاس وأكادير وكلية أصول الدين بتطوان، والعناية بالجوامع الإسلامية المعروفة، كجامع القرويين بفاس، وجامع ابن يوسف بمراكش، مع الترخيص للعديد من المعاهد والكتاتيب القرآنية بأداء وظيفتها التربوية والتعليمية طبقا للظهير الشريف 13.01 الصادر في 29 يناير2002م.
وإذا كانت ظاهرة المدارس التعليمية بالشرق قد ظهرت في القرن الخامس الهجري إبان العصر العباسي مع الوزير نظام الملك الذي أسس مدرسته العلمية ببغداد، وهي أول مدرسة في الشرق ، فإنها تواجدت في المغرب - حسب عبد الله كنون- في القرن نفسه في عهد المرابطين مع مدرسة أجلو التي تأسست قرب تزنيت. أي: مدرسة وجاج بن زلو التي تتلمذ فيها عبد الله بن ياسين أحد مؤسسي الدولة المرابطية. ويذهب بعض الباحثين إلى أنها ظهرت في العصر المريني في القرن السادس الهجري ، كما نجد ذلك عند صاحب القرطاس الذي يرجع بداية تأسيسها إلى يعقوب المنصور الموحدي الذي ينسب له بناء الكثير من المدارس في كل من أفريقيا والمغرب والأندلس.
و" مما يؤكد هذا التضارب حول تاريخ تأسيس المدرسة، أن بعض المصادر التاريخية تنفي ظهورها بالمغرب قبل القرن السابع الهجري، ويأتي محمد المنوني بدوره ليثبت تاريخ تأسيس المدارس بالمغرب في العهد الموحدي، وبالضبط على عهد الخليفة المرتضى، الذي أسس مدرستي القصبة، وجامع المرتضى وهو جامع ابن يوسف بمراكش.
إلا أن المدارس كمؤسسات تعليمية، عرفت في العهد المريني ازدهارا واسعا واهتماما كبيرا من لدن السلاطين الذين أسسوا عدة مدارس في المدن المغربية، وخاصة مدينة فاس التي عرفت في هذا العهد ازدهارا ثقافيا كبيرا، فأصبحت قبلة للعلماء، ولم يقتصر مشروع بناء المدارس على مدينة فاس وحدها، بل استفادت منه مدن أخرى كسلا ومكناس ومراكش وغيرها."
لكننا نرى أن المدارس العتيقة ذات المنحى الشرعي ظهرت في المغرب مع الفتوحات الإسلامية مع عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير. وكان الهدف من هذه الفتوحات هو نشر الدين الإسلامي في المغرب والأندلس، وتفقيه الناس في العلوم الشرعية وأصول الدين و اللغة العربية. وكانت المساجد والجوامع - بطبيعة الحال- فضاءات للتوريق (الوعظ والتذكير والاستغفار والاستتابة) والتدريس والتعليم.
هذا، ويتميز المحتوى الدراسي في المدارس العتيقة المغربية بالطابع الموسوعي، وتعدد المواد الدراسية التي كانت تجمع بين العلوم النقلية والعقلية. وتضم لائحة العلوم والمعارف التي كانت تدرس بهذه المدارس أزيد من أربعين علما، وهي" لائحة تشكلت تدريجيا، ابتداء من القرنين الثاني للهجرة، مع ظهور العلوم الشرعية الإسلامية والأدبية، ومع اقتباس علوم الحضارات السابقة. ويمكن اعتبار تلك التصانيف نوعا من المقررات الدراسية التي يمكن للطلاب أن يختاروا منها ما يشاؤون، حسب عدة اعتبارات، غير أن لائحة المواد المدروسة علميا في حلقات الدروس العامة بالمساجد أو المدارس أقل من نصف اللائحة التي تقدمها كتب تصانيف العلوم، ولا تشتمل إلا على حوالي عشرين علما فقط، موزعة بين علوم دينية وأدبية وطبيعية. ولم يكن تدريس هذه اللائحة خاضعا لمقاييس مضبوطة ومقننة، إذ ليس هناك مضمون دراسي موحد لمستوى من مستويات التعليم، أو لجهة من جهات المغرب، خلال العصر الوسيط، في غياب أية سلطة تعليمية تشرف وتعمل على توحيد المقررات، بل كان الطلاب والمدرسون يتمتعون بحرية نسبية في اختيار المادة التي يرغبون في تعلمها، متى شاؤوا، ومن أي كتاب شاؤوا، وعلى الأستاذ الذي يطمئنون إليه. لذا، تعددت المحتويات التعليمية، حسب ميول الأفراد وتقاليد الجهات، في وقت معين. ومع ذلك، ترسخت، في ظل هذه الحرية النسبية وهذا التنوع، عوائد كانت توجه الطلاب لاختيار مواد بعينها والبداية بأخرى يفرضها مجتمع يتسم إجمالا بالمحافظة، وبالتالي، يمكن ملاحظة وجود وحدة داخل هذا التعدد والتنوع".
وكانت الدروس في المدارس العتيقة المغربية إلى يومنا هذا تنطلق من المدونات والمنظومات التعليمية، وقراءة الكتب، وتصفح نصوصها بالشرح والتفسير والتوضيح، ومناقشة أفكارها وأحكامها وقضاياها، من خلال إيراد المسائل، واستعراضها بالدرس والفحص ، واستحضار كل أقوال العلماء في كل مسألة معينة، والتمثيل لها من أجل استخراج مجموعة من الأحكام والقواعد، سواء أكانت مطردة أم شاذة كما هو الحال في الفقه والنحو. وغالبا ما يتبع الفقيه في تدريسه طريقة اختصار كتب الأمهات في فنون وعلوم شتى من أجل تقديمها لطلبته لحفظها واكتسابها، سواء أفهموا ذلك أم لم يفهموا. ويعني هذا أن التعليم في هذه المدارس كان يعتمد على الحفظ والتلقين، واختصار المتون والكتب والمصنفات في ملخصات وشروح وتعاليق وحاشيات وهوامش ومدونات . لذلك، يلتجئ المدرسون إلى اختصار المعارف والدروس في شكل متون موجزة مختصرة مقتضبة ككتاب (الأجرومية) في علوم اللغة العربية، و(متن الرسالة) لابن سحنون في الفقه المالكي، أو في منظومات شعرية ليسهل حفظها واستيعابها كألفية بن مالك في النحو ، ومختصر خليل في فقه مالك.
و كانت هذه المنظومات التعليمية سائدة في العصر العباسي مع انتشار المظهر العقلي، وتسهيل الكتب والمؤلفات من أجل حفظها واستظهارها كما هو حال (كليلة ودمنة) لابن المقفع التي حولت شعرا، و الشيء نفسه ينطبق على الكثير من الكتب الفقهية والقصص والحكايات التي كتبت نظما. ومن أشهر مصنفي المنظومات التعليمية نذكر في هذا العهد إبان بن عبد الحميد اللاحقي ، " فله من هذا الفن بضعة آلاف من الأبيات، فقد نظم في القصص والتاريخ والفقه وغير ذلك من العلوم والمعارف. وقد نقل كتاب ( كليلة ودمنة) إلى الشعر في أربعة عشر ألف بيت، فأعطاه يحيى بن خالد عليه عشرين ألف دينار، وأعطاه الفضل بن يحيى خمسة آلاف دينار، وله مزدوجات منها مزدوجة اسمها " ذات الحلل" ذكر فيها بدء الخلق وشيئا من أمر الدنيا ومن الفلك ، والمنطق، ثم له مزدوجات أخرى في تاريخ الفرس،.... وله كتاب حلم الهند، وكتاب الصوم والاعتكاف..."
وقد صار الشعر التعليمي - القائم على تحويل العلوم والمعارف إلى نظم شعري- ظاهرة لافتة للانتباه في عصور الانحطاط العثماني والجمود التركي سيما في القرنين السادس والسابع الهجريين وما بعدهما. وبعد ذلك، انتقل هذا الشعر، وبما يستتبعه من جمود وركود وكساد وتخلف، إلى دول المشرق والمغرب على حد سواء.
ومن المنظومات والمتون التي كان يدرسها التلاميذ والطلبة في المدارس العتيقة ، بعد حفظ القرآن الكريم، وحفظ سنة الرسول (صلعم) ، وتعلم العربية والحساب، ما كتبه محمد بن عبد الله بن مالك (/1273م/672هـ)، كالألفية في النحو، وهي أرجوزة من ألف بيت، ولامية الأفعال في أبنية الأفعال، وإيجاز التعريف في علم التصريف، وكتاب محمد الصنهاجي ابن آجروم (1323م/723هــ) ( المقدمة الآجرومية في مبادئ علم العربية)، فضلا عن كتب أخرى كلامية المجرادي، والمرشد المعين لابن عاشر، ونظم مقدمات ابن رشد لأبي زيد الفاسي، ومنظومة الرسموكي في الفرائض، ورسالة أبي زيد القيرواني، ومنظومة السملالي في الحساب...
ومن هنا، كان البرنامج أو المقرر الدراسي في المدارس العتيقة المغربية يتكون من وحدات أساسية، تتمثل في العلوم الشرعية كتفسير القرآن وعلومه، وحفظ الحديث مع علومه وشروحه، ودراسة الفقه وأصوله، والتمكن من أصول الدين والعقيدة، وتمثل مبادئ الأخلاق، والتبحر في علوم التصوف، والاستهداء بالسيرة النبوية العطرة.
أما العلوم الثانوية التي لايمكن الاستغناء عنها، وهي عدة المتعلم الضرورية في فهم العلوم الشرعية وتفسيرها ، فتتمثل في تحصيل علوم العربية من نحو، وصرف، وبلاغة، ودراسة للأدب.
وهناك وحدات تكميلية لابد للمتعلم من التعرف عليها ، وهي بمثابة علوم عقلية تأتي بعد تحصيل العلوم النقلية، كالإلمام بالمنطق والتوقيت والحساب والفلسفة....
ومن ثم، تتميز هذه المدارس العتيقة بأصالة المحتويات، وجدية التعلم، والعمق في الاستيعاب، ومناقشة المسائل، والتنوع في الوحدات الدراسية، والنزعة الموسوعية في تحصيل مجموعة من الفنون والعلوم والمعارف، والاعتماد على الشرح والحفظ والتلقين والإفهام. وبالتالي، ترتكز برامج هذه المدارس بصفة عامة على " الحوم حول الدين: قرآنا وحديثا وفقها وأصولا وعقيدة وتصوفا. والعناية بعلوم اللغة العربية، باعتبارها وسائل ضرورية لفهم الدين، وإدراك مقاصد مصدريه الأصليين: القرآن الكريم، والحديث الشريف.
والتركيز على الأخلاق وتطهير النفس من الرعونات والأدران."
وتتمثل منهجية التدريس في المدارس العتيقة في شرح المسائل الشرعية واللغوية والكونية شرحا مستفيضا، مع تفريعها استنباطا واستطرادا وإسهابا وتقعيدا، بالاعتماد على الشواهد القرآنية والحديثية واللغوية، واستقراء الوقائع التاريخية والدينية والواقعية والعقلية والإخبارية والسردية والعرفانية لتوضيح الدرس وتعميقه، ولا ينتهي العالم من باب معرفي حتى ينتقل إلى باب آخر، ليشبعه درسا وفحصا وتمحيصا إلى أن يمل طلبة العلم، ويوشكون على الانصراف.
وإليكم منهجية موسى العبدوسي في التدريس والإقراء والتعليم بجوامع فاس ، وهو من كبار علماء العصر المريني، ومن جهابذة رجال الفكر وفطاحل الفقه وعلوم العربية، وكان له صيت كبير في المغرب والمشرق على حد سواء" إذا قرأ المدونة فاستمع لما يوحى : يبتدئ في المسألة من كبار أصحاب مالك، ثم ينزل طبقة طبقة حتى يصل إلى علماء الأقطار من المصريين والأفريقيين والمغاربة والأندلسيين وأئمة الإسلام وأهل الوثائق والأحكام حتى يكل السامع وينقطع عن تحصيله الطامع. وكذا إذا انتقل إلى الثانية وما بعدها، هذا بعض طريقته في المدونة.
وأما إذا ارتقى الكرسي، يعني كرسي التفسير، فترى أمرا معجزا ينتفع به من قدر له نفعه من الخاصة والعامة. يبتدئ بأذكار وأدعية مرتبة، يكررها كل صباح ومساء يحفظها الناس ويأتونها من كل فج عميق. وبعد ذلك، يقرأ القارئ آية فلا يتكلم شيء منها إلا قليلا، ثم يفتتح فيما يناسبها من الأحاديث النبوية، وأخبار السلف وحكايات الصوفية وسير النبي وأصحابه والتابعين.ثم بعدها، يرجع إلى الآية، وربما أخذ في نقل الأحاديث فيقول الحديث الأول كذا والثاني كذا والثالث كذا إلى المائة فأزيد، ثم كذلك في المائة الثانية، والشك في الثالثة".
ثم قال:" وكذلك فعل في إقرائه للعربية، فبدأ بأصحاب سيبويه، ثم نزل إلى السيرافي وشراح الكتاب وطبقات النحويين حتى مل الحاضرون وكلوا. ومازال كذلك حتى ذهبوا ولم يراجع في ذلك، وقد كان قصدهم اختباره وامتحانه".
وكان العلماء المغاربة يتتبعون عدة طرائق تربوية في التدريس، يمكن حصرها في الطرائق البيداغوجية السبع التالية:
الطريقة المعجمية الاصطلاحية التي تعتمد على شرح النصوص، وفك غموضها ومبهماتها دون زيادة؛ لأن الزيادة تضر بالمتعلم كما هي طريقة محمد بن عرفة (توفي سنة803هـ) في القرن الثامن الهجري ، وكان يترك للمتمدرس حرية استنتاج ما يمكن استنتاجه.
الطريقة العراقية التي تتكئ على المنهج العقلي في مناقشة النص، وتصنيف معلوماته، والبحث في الأدلة والقياس والبراهين الحجاجية، دون الاهتمام بتصحيح الروايات أو الوقوف عند معاني الألفاظ على طريقة القيروانيين في تدريس المدونة.
الطريقة القيروانية التي تستند إلى المنهج النقلي في التعامل مع النص، إذ تهتم بالدراسة النحوية الإعرابية والمعجمية، ثم تطبيق منهج الجرح والتعديل في نقد الروايات سندا ومتنا، و التعرض لرجال السند وأخبارهم.
الطريقة المغربية المعروفة لدى القاضي عياض في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وكانت تجمع بين الطريقتين العراقية والقيروانية. أي: بين المنهج العقلي والمنهج النقلي.
الطريقة الفاسية نجدها في القرن السابع الهجري مع عبد العزيز العبدوسي (توفي سنة 937هـ) الذي كان ينطلق من المدونة أساسا للدرس، وإثرائه مما قيل في الموضوع المدروس من المؤلفات الفقهية الأخرى. وقد طبق هذه المنهجية في تدريس ألفية بن مالك التي جعلها منطلقا لدراسته اللغوية ، فيستعرض آراء النحاة طبقة طبقة إلى أن يصل إلى العلماء المتأخرين، سواء أكانوا في المشرق أم في المغرب. وممن اشتهر بهذه الطريقة الشيخ ابن غازي محمد القوري(توفي سنة782هـ). يقول أحد تلاميذه عن مجلسه:" بأنه كثير الفوائد مليح الحكايات. لازمته في المدونة أعواما، ينقل عنها كلام المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء والموثقين، ويطرز ذلك بذكر موالدهم ووفياتهم وحكاياتهم وضبط أسمائهم والبحث في الأحاديث المستدل بها في نصرة آرائهم فمجلسه نزهة للسامعين".
الطريقة الأندلسية التي تنبني بشكل واضح على التقييدات والشروح والاختصارات، وتسمى هذه الكتب بالطرر أو التقاييد على المدونة، وقد قيدها الطلبة في حلقات أشهر الأساتذة كأبي الحسن الصغير(ت719هـ)، وأبي زيد عبد الرحمن الجزولي (ت714هـ)، وغيرهما، وكانت هذه الطريقة معروفة لدى الأندلسيين في القرن السادس الهجري، وانتقدها ابن العربي بشدة، وهي طريقة مناقضة لفكرة المختصرات، وهذا ما يفسر معارضة بعض المغاربة في القرن 8هـ للمؤلفات المختصرة في عدة علوم كمختصر خليل في الفقه مثلا.
الطريقة الحديثة التي تجمع بين مواصفات المدرسة السلفية العتيقة من جهة (المدرسة في العهود المغربية الماضية)، ومواصفات المدرسة العصرية من جهة أخرى، من خلال الانفتاح على اللغات الأجنبية والعلوم الحديثة.
وعلى العموم، فقد كانت الطريقة المغربية والطريقة الأندلسية في التدريس تتطلبان من المتعلمين سنوات عديدة من عمره للتحصيل والإحاطة بجميع آراء العلماء مهما كانت طبقاتهم ومستوى معارفهم. ويقول محمد أسكان في كتابه( تاريخ التعليم بالمغرب خلال العصر الوسيط):" غير أن طريقة استعراض كل ماذكر في المسائل الفقهية من أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين وفي مختلف الأقطار الإسلامية يجعل استيعابها على الطلاب صعبا ويتطلب وقتا طويلا، وهذا ما يفسر جزئيا طول المدة الدراسية التي يقضيها الطلاب، في القرن 8هــ، بسكنى المدارس بفاس التي كانت تصل في المعدل إلى 16 سنة، وهي مدة أطول بكثير من المدة التي يقضيها الطلاب بمدارس تونس التي كانت لاتتعدى خمس سنوات، وإن كانت قد تقلصت إلى مثل هذه المدة في بداية القرن 10هـ حسب شهادة الوزان".
أما على مستوى لغات التدريس والتلقين، فكان الفقهاء يستعملون الفصحى والعامية المغربية واللغة الأمازيغية في قبائل سوس والريف والأطلس المتوسط، كما كانت بعض الكتب الدراسية تؤلف أو تترجم إلى الأمازيغية وتدرس بها، مثل: كتب الفقه كرسالة أبي زيد القيرواني، ومختصر خليل، وشرح البردة وغيرها.
النظريـــة الإصلاحيــة السلفيــة:
ترتبط هذه النظرية بالسلطان محمد بن عبد الله الذي أدخل إصلاحا على التعليم ، فركز على العلوم النقلية والتوجه العقائدي السلفي، والعناية بنشر كتب السنة تعويضا لكتب الفقه ، ومنع تدريس الفروع والعلوم العقلية، كعلم الكلام والفلسفة والمنطق وتصوف الغلاة والقصص الإخبارية. لذا، أصدر السلطان نصا إصلاحيا موجها إلى عموم المجتمع لتنفيذه في تنظيم القضاء وإمامة المساجد والتعليم سنة 1203هـ، وإليكم نصه:
" ليعلم الواقف على هذه الفصول، أننا أمرنا باتباعها والاقتصار عليها ولا يتعداها إلى ماسواها:
الفصل الأول: في أحكام القضاة، فإن القاضي الذي ظهر في أحكامه جور وزور وما يقرب من ذلك من الفتاوى الواهية مثل كونها من كتب الأجهورية ولم يبلغ سندها إلى كتب المتقدمين فإن الفقهاء يجتمعون عليه ويعزلونه عن خطة القضاء ولا يحكم على أحد أبدا.
الفصل الثاني: في أئمة المساجد، فكل إمام لم يرضه أهل الفضل والدين من أهل حومته يعزلونه في الحين ويأتون بغيره ممن يرضون إمامته.
الفصل الثالث: في المدرسين في مساجد فاس، فإنا نأمرهم أن لايدرسوا إلا كتاب الله تعالى بتفسيره وكتاب دلائل الخيرات في الصلاة على رسول الله (صلعم)، ومن كتب الحديث المسانيد والكتب المستخرجة منها والبخاري ومسلما من الكتب الصحاح، ومن كتب الفقه المدونة والبيان والتحصيل، ومقدمة ابن رشد والجواهر لابن شاس والنوادر والرسالة لابن أبي زيد وغير تلك من كتب المتقدمين، ومن أراد تدريس مختصر خليل فإنما يدرسه بشرح بهرام الكبير والمواق والحطاب والشيخ علي الأجهوري والخرشي الكبير لاغير. فهذه الشروح الخمسة بها يدرس خليل مقصورا عليها، وفيها كفاية، وماعداها من الشراح كلها ينبذ ولا يدرس به، ومن ترك الشراح المذكورين، واشتغل بالزرقاني وأمثاله من شراح خليل يكون كمن أهرق الماء واتبع السراب. وكذلك قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كالكلاعي وابن سيد الناس اليعمري، وكذا كتب النحو كالتسهيل والألفية وغيرهما من كتب هذا الفن، والبيان بالإيضاح والمطول، وكتب التصريف، وديوان الشعراء الستة، ومقامات الحريري، والقاموس ولسان العرب وأمثالهما مما يعين على فهم كلام العرب لأنها وسيلة على فهم كتاب الله وحديث رسول الله (صلعم) وناهيك بها نتيجة.
ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد رضي الله عنه كافية شافية يستغني بها جميع المسلمين. وكذلك الفقهاء الذين يقرأون الإسطرلاب وعلم الحساب فيأخذون حظهم من الأحباس لما في تلك من المنفعة العظيمة والفائدة الكبيرة لأوقات الصلاة والميراث، وعلى هذا يكون العمل إن شاء الله.
ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لايدرون بأنهم لايدرون، ومن تعاطى ماذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلايلومن إلا نفسه، وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها مامرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة، وأن يضلوا طلبة البادية فإنهم يأتون من بلدهم بنية خالصة في التفقه في الدين وحديث رسول الله (صلعم)، فحين يسمعونهم يدرسون هذه العلوم التي نهينا عنها يظنون أنهم يحصلون على فائدة بها فيتركون مجالس التفقه في الدين واستماع حديث رسول الله (صلعم ) وإصلاح ألسنتهم بالعربية فيكون ذلك سببا في ضلالهم".
بيد أن هذا المنشور الإصلاحي السلفي قد توقف مع ابنه مولاي سليمان الذي طالب العلماء بالعودة إلى ماكانوا عليه من كتب ومؤلفات ومصنفات سابقة، بله عن تجديد هذا النص القانوني الإصلاحي مرة أخرى مع المولى عبد الرحمن بن هشام ، إلا أن العلماء لم يأخذوا بهذا المنشور، ماداموا يفضلون كتبهم التي تعودوا عليها في التدريس والإقراء.
التعليـــم الطائفــي:
ارتبط هذا التعليم بالمستعمر الفرنسي الذي حاول أن يجعل التعليم المغربي تعليما طائفيا متنوعا. وفي هذا الصدد، يقول السيد هاردي مدير التعليم مخاطبا المراقبين المدنيين بمكناس عام 1920م، ومزودا إياهم بمجموعة من التوجيهات لتمثلها، بغية السيطرة على المناطق التي كانوا يتولون قيادتها:"منذ سنة 1912م دخل المغرب في حماية فرنسا، وقد أصبح في الواقع أرضا فرنسية، وعلى الرغم من استمرار بعض المقاومة في تخومه، تلك المقاومة التي تعرفون أنتم وإخوانكم في السلاح مدى ضراوتها ، فإنه يمكن القول: إن الاحتلال العسكري لمجموع البلاد قد تم. ولكننا نعرف نحن الفرنسيين إن انتصار السلاح لايعني النصر الكامل: إن القوة تبني الإمبراطوريات، ولكنها ليست هي التي تضمن الاستمرار والدوام.إن الرؤوس تنحني أمام المدافع، في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد والرغبة في الانتقام. يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان. وإذا كانت هذه المهمة أقل صخبا من الأولى ، فإنها صعبة مثلها، وهي تتطلب في الغالب وقتا أطول."
ومن هنا، فقد سعت فرنسا إلى الأخذ بالنظرية الطائفية في مجال التعليم، فقد قسم التعليم المغربي إبان فترة الحماية تقسيما طائفيا بين المسلمين، والإسرائليين، والأوروبيين. ولكل طائفة ثقافتها الخاصة، وتعليمها الخاص، مع مراعاة وضعية كل فئة على حدة. ومن ثم، يرتبط تعليم المسلمين بثلاث فئات: تعليم النخبة، وهي فئة مثقفة نسبيا، وتتكون من رجال المخزن والعلماء وكبار التجار والأعيان، وطبقة جماهير المدن الجاهلة المحرومة، وطبقة جماهير البادية المنعزلة والمبعثرة. وفي هذا السياق، يقول السيد هاردي:" وهكذا، فنحن ملزمون بالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية، وتعليم لعموم الشعب.الأول يفتح في وجه أرستقراطية مثقفة في الجملة،...توقفت عن النمو الفكري بسبب تأثير العلوم الوسيطية،...إن التعليم الذي سيقدم لبناء هذه النخبة الاجتماعية تعليم طبقي يهدف إلى تكوينها تكوينا منظما في ميادين الإدارة والتجارة، وهي الميادين التي اختص بها الأعيان المغاربة.أما النوع الثاني، وهو التعليم الشعبي الخاص بالجماهير الفقيرة والجاهلة جهلا عميقا، فيتنوع بتنوع الوسط الاقتصادي. في المدن يوجه التعليم نحو المهن اليدوية، خاصة مهن البناء، وإلى الحرف الخاصة بالفن الأهلي.أما في البادية، فيوجه التعليم نحو الفلاحة... وأما في المدن الشاطئية، فسيوجه نحو الصيد البحري والملاحة." أما عن المواد العامة التي ستتخلل هذا التعليم التطبيقي، فهي اللغة الفرنسية التي بواسطتها ستتمكن من ربط تلامذتنا بفرنسا...
إن أكثر ما يجب أن نهتم به هو الحرص على ألا تصنع لنا المدارس الأهلية رجالا صالحين لكل شيء، ولا يصلحون لشيء. يجب أن يجد التلميذ بمجرد خروجه من المدرسة عملا يناسب التكوين الذي تلقاه، حتى لايكون من جملة أولئك العارفين المزيفين، أولئك اللامنتمين طبقيا، العاجزين عن القيام بعمل مفيد، والذين تنحصر مهمتهم في المطالبة، هؤلاء الذين عملوا في المستعمرات الفرنسية الأخرى، وفي غيرها من المستعمرات على جعل التعليم الأهلي مصدرا للاضطراب الاجتماعي."
أما التعليم العتيق والأصيل المقترن بجامع القرويين، فقد اهتمت به فرنسا اهتماما خاصا، بإصلاحه وتجديده ومراقبته، لكيلا يهاجر المغاربة إلى مصر لنقل الأفكار السلفية الثورية التي كان ينادي بها جمال الدين الأفغاني، و محمد عبده، ورشيد رضا. وفي هذا الإطار، يقول المستر بيكي في كتابه (المغرب) سنة 1920م: " لقد احتفظت الحماية دون تردد بالتعليم القائم في هذه المساجد، وعملت على ترميمه، وعلى إعادة جامعة فاس إلى سابق إشراقها... ومن المؤكد أنه من مصلحتنا ألا يذهب المغاربة للبحث عن هذا النوع من التعليم الإسلامي العالي في الخارج، كالجامع المشهور، جمع الأزهر بالقاهرة."
وقد حدد السيد مارتي موقف فرنسا من التعليم الأصيل بالمغرب في كتابه (مغرب الغد) الصادر عام 1925م" إنه على الرغم من أن القرويين تجتاز أزمة خانقة ، فإنها لن تموت، بل لابد أن تتطور ذاتيا بتأثير الأفكار الواردة من الشرق، وفي هذه الحالة سينقلب الأمر ضد الحماية، وتصبح عاجزة عن التحكم في الأحداث. ولذلك، يجب أن نعمل على تجديد القرويين؛ لأنه إذا لم نفعل ذلك نحن، فإن هذا التجديد الذي تفرضه الظروف سيتم بدوننا وضدنا." ثم، يضيف:" إن تجديد القرويين سيمكننا من الاحتفاظ في المغرب بأولئك الشبان النازحين من عائلات مرموقة، بدل تركهم يذهبون إلى الشرق لتلقي العلم الذي ستحرمهم منه القرويين في حالة عدم تجديدها". ثم يتساءل:" ماذا يمكن أن يأتي به هؤلاء الشبان من الشرق؟ " ألا يعودون بميول إنجليزية أو بروح النهضة الإسلامية والتعصب الوطني.
... ومن هنا، يتضح أن هذه التدابير المختلفة المقترحة من أجل تجديد القرويين، والخاضعة لمراقبة فرنسية دقيقة، ليست أبدا تدابير ثورية، إنها لاتستهدف غير بعث الحياة القديمة نفسها التي كانت لجامعة القرويين، ولكن بصيغة جديدة، إنها تدابير ستمكننا من توجيه التطور الداخلي لهذه الجامعة، وهو التطور الذي بدأ يعلن عن نفسه منذ الآن. إن المثل القائل: "لاتحرك من لايحرك ساكنا"، هو بكل تأكيد من أحسن المبادئ السياسية. ولكن عندما يتململ النائم، ويهدد بالاستيقاظ ، فإن الحكمة تقتضي، ولاشك، ألا يترك الإنسان نفسه يفاجأ بالأحداث."
يتبين لنا من خلال هذا النص بأن الإقامة الفرنسية كانت تخاف من ترك جامع القرويين بدون إصلاح شكلي؛ لأنها كانت تتخوف من الآثار الثورية الوافدة من الشرق؛ مما سيكون له تأثير سلبي على وضعية فرنسا بالمغرب بانتشار الوعي بين الشعب المغربي. في حين، ما يهم فرنسا هو الحفاظ على أوضاع البلد كما هي. ولا يعني التجديد - هنا- عصرنة المواد وتحديثها وتجديدها، بل مجرد إصلاح سطحي، يهدف إلى إعادة جامع القرويين إلى فترتها المعهودة في الماضي، بتلقين المواد الدينية والشرعية واللغوية ليس إلا، وهي مواد لاتحرك الواقع السياسي، ولا تخدمه لامن قريب ولا من بعيد. ومن هنا، كانت سياسية فرنسا في المغرب أن يسعى التعليم إلى المحافظة على القيم الموروثة نفسها لدى المغاربة. وفي هذا النطاق، يقول السيد مارتي:" إنه لمن واجبنا، ومن أجل مصلحتنا معا، عندما نوجه مجهوداتنا لإدخال إصلاحات ثقافية في المجتمع المغربي، ألا نعمل على زعزعة هذا المجتمع، وألا نمس تقاليده. يجب أن نعطي لجميع الطبقات " خبز الحياة" (يقصد التعليم) الذي يناسبها والذي هي في حاجة إليه، كما يجب أن نوجه تطور كل من هذه الطبقات في الإطار الخاص بها. هنا كما في بلدان أخرى توجد بروليتاريا يدوية... ولكن ليس لدينا في المغرب بروليتاريا فكرية. فهل هناك أية فائدة في خلق مثل هذه البروليتاريا الفكرية، سواء بالنسبة لمصلحة المجتمع المغربي أم بالنسبة للسيطرة الفرنسية؟ يقينا، لا..إن عملنا العظيم الذي نقوم به من أجل التجديد الثقافي يجب أن ينحصر فقط ضمن الأطر التقليدية لهذا المجتمع. وسيتوجه نحو البورجوازية التجارية والقروية، نحو موظفي المخزن، نحو رجال الدين ورجال العلم، وبكلمة واحدة النخبة... يجب ألا نخلق- بواسطة التعليم- جماعة من الساخطين المستائين اللامنتمين طبقيا. لنبق أسياد المستقبل، لنجمع بين الصفوة الاجتماعية والنخبة الفكرية، وذلك بمنح التربية الفكرية الرفيعة لأطر المجتمع المغربي وحدها، أولئك الذين يستطيعون استيعابها واستعمالها."
هذا، وقد التجأت فرنسا إلى إصدار الظهير البربري الذي يهدف إلى تطبيق سياسية فرق تسد، بفصل البرابرة عن إخوانهم العرب، بإنشاء مدارس خاصة للأمازيغيين، تكون مخالفة للمدارس العربية الإسلامية الأصيلة، والهدف من كل ذلك هو إشعال جذوة العرقية بين سكان المغرب، وإبعاد الأمازيغ عن دينهم وعقيدتهم، لكي يسهل عليهم تنصيرهم وتدجينهم واستلابهم فكريا ودينيا وحضاريا وثقافيا، وفرنستهم سلوكا وتعاملا وديانة. وفي هذا النطاق، يقول السيد مارتي:" لقد حصل الاتفاق بين إدارة التعليم العمومي وإدارة الشؤون الأهلية، وتحددت بذلك مبادئ سياستنا التعليمية البربرية بكامل الدقة.إن الأمر يتعلق بمدارس فرنسية بربرية تضم صغار البربر، يتلقون فيها تعليما فرنسيا محضا، ويسيطر عليها اتجاه مهني، فلاحي بالخصوص.إن البرنامج الدراسي في هذه المدارس يشتمل على دراسة تطبيقية للغة الفرنسية، لغة الحديث والكلام، بالإضافة إلى مبادئ الكتابة والحساب البسيط، ونتف من دروس الجغرافيا والتاريخ وقواعد النظافة ودروس الأشياء...إن المدرسة الفرنسية البربرية هي إذا مدرسة فرنسية بالمعلمين، بربرية بالتلاميذ...وليس هناك أي مجال لوسيط أجنبي.إن أي شكل من أشكال تعليم العربية، إن أي تدخل من جانب الفقيه، إن أي مظهر من المظاهر الإسلامية، لن يجد مكانه في هذه المدارس، بل سيقصى منها جميع ذلك بكل صرامة."
ولم يقتصر الأمر على المدارس الابتدائية فقط، بل شمل التعليم الثانوي والجامعي، فتأسست ثانوية أزرو لتدريس البربرية سنة 1931م، وتأسست بالرباط معهد الدراسات المغربية العليا الذي تحول بعد الاستقلال إلى كلية الآداب. وقد كان هذا المعهد يسمى في سنة 1914م بالمدرسة العليا الفرنسية البربرية، حيث كان تدرس فيه اللهجات الأمازيغية والفلكلور والإثنوغرافيا على سبيل الخصوص.
وعلى أي حال، فقد كانت نسبة التعليم في فترة الحماية ضئيلة جدا، لأن فرنسا لم تكن تسعى إلى تعميمه، بل كانت تقصره على نخبة معينة من أعوان المستعمر. كما كان المغاربة يرفضون التعلم في مدارس المحتل. وفي هذا، يقول محمد عابد الجابري:" إن الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب المغربي قد بقيت طوال عهد الحماية بدون تعليم. وإذا كان هذا يرجع، بالدرجة الأولى، إلى تخطيط رجال الحماية، فهو يعود كذلك إلى مقاطعة الشعب المغربي للمدارس الني أنشأتها فرنسا بالمغرب.لقد كان جل التلاميذ لايتمكنون من إنهاء السلك الذي ينتمون إليه ، بل يطردون أو ينقطعون دون مستوى الشهادة الابتدائية، مما جعل الآباء يدركون أنه لا فائدة في إرسال أبنائهم إلى المدارس، ماداموا سيغادرونها بعد حين دون الحصول على أية مؤهلات تضمن لهم وضعية أفضل عندما يلجون الحياة العملية. اضف إلى ذلك أن مصيرهم بعد التعليم، إذا ما تعلموا، كان حتما العمل مع سلطات الحماية، إما في الإدارة وإما في المؤسسات الاقتصادية الفرنسية، الشيء الذي كان يؤهلهم لأن يصبحوا متعاونين بشكل أو بآخر مع الحماية الفرنسية، مما كان يعد خيانة وطنية."
وهكذا، يتبين لنا بأن فرنسا في عهد الحماية اعتمدت على تعليم طائفي انتقائي للتفرقة بين فئات المجتمع الواحد، وإذكاء شعلة النزاع العرقي والطائفي والديني.
نظريــــة البديــل الوطنــــي:
بعد استقلال المغرب سنة 1956م، قرر المغرب تطبيق نظرية البديل الوطني، بدلا من اتباع سياسة المحتل الفرنسي في مجال التعليم. وقد أنشئت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، فعقدت أول اجتماع لها يوم28 شتنبر1957م. وقد أقرت اللجنة المبادئ الأربعة لإصلاح التعليم، وهي: التعميم، والتوحيد، والتعريب، والمغربة. والهدف من هذه المبادئ الأربعة هو تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة. " إن النتائج العملية لحصيلة الحكومات المغربية في السنوات الأولى من الاستقلال في ميدان التعليم، قد جاءت متناقضة مع المذهب التعليمي الذي تم إقراره والذي اعتمدت فيه المبادئ الأربعة (التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة) التي حظيت بالإجماع الوطني.ولم تكن الوضعية تخفى على أحد، بل لقد كانت موضوع تشهير من طرف الأحزاب والنقابات واتحاد الطلاب التي ظلت جميعها توظف، بشكل واسع، مشكل التعليم في كفاحها السياسي والنقابي. وعلى الرغم من إنشاء المجلس الأعلى للتربية الوطنية، في يونيه من عام1958م، والذي كان يتألف من ممثلي وزارة التعليم والوزارات الأخرى المختصة إلى جانب ممثلي القوى الوطنية المذكورة، هذا المجلس الذي أريد منه أن يكون مجلسا تستشيره كافة المراجع العليا في وزارة التربية الوطنية فيما ترمي إلى تحديده من سياسة في ميدان التعليم والثقافة، فإن السياسة التعليمية في المغرب بقيت إلى حدود سنة 1960 خاضعة لما يمليه الأمر الواقع.وبعبارة أخرى إن المبادئ الأربعة الوطنية لم تعتمد كمبادئ لتخطيط عام إلا مع المخطط الخماسي الأول1960-1964، الذي دشن انطلاقة حقيقية بقيت امتداداتها تنعكس على السنوات اللاحقة حتى بعد أن تم التراجع عنه."
ومن هنا، فإن أول إصلاح تربوي في المغرب بعد الاستقلال كان باسم البديل الوطني، وكان يطرح في طياته إصلاحا شاملا قائما على أربعة مبادئ سياسية وتربوية كبرى.
المذهب التعليمي الجديد أو مذهب بنهيمة:
بعد أن تعمم التعليم بالمغرب، وتزايدت أعداد المتعلمين، عجزت الدولة عن تحمل مصاريف هذه الأعداد الضخمة ، فأرادت الدولة التراجع عن سياسية التعميم؛ لأن ميزانيتها لاتستطيع أن تتحمل نفقات هذه الأفواج الضخمة من التلاميذ والطلبة، وأن نظرية المبادئ الأربعة لم تكن واقعية وبراجماتية. فأصدر وزير التعليم آنذاك في بدايات الستينيات من القرن الماضي، بمباركة القصر الملكي، سياسة تعليمية جديدة، تسمى بمذهب بنهيمة نسبة إلى وزير التعليم آنذاك الذي عين مباشرة بعد إضرابات التلاميذ بالدار البيضاء. ومعنى ذلك أن الدولة بدخلها القومي المحدود لن تستطيع أن تلبي جميع حاجيات التعليم؛ لأن تطور عدد المتمدرسين لايساير ميزانية الدولة المحدودة.لذا، اضطرت الدولة إلى سن سياسة تضييق قاعدة المقبولين، والحد من عدد التلاميذ، والتوقف عند نسبة معينة من المقبولين، وإخضاع التعليم للمحك الاقتصادي. لذا، بدأ مذهب بنهيمة يتراجع شيئا فشيئا عن تسويق قاعدة التعميم. كما استطاعت وزارة التعليم في الفترة نفسها تعريب التعليم الابتدائي، استعدادا لتعريب التعليم الإعدادي والثانوي.بيد أن مغربة الأطر لم تؤت أكلها بعد، فقد استمر كثير من الأجانب في تدريس العلوم، وتسيير الإدارة التربوية. وقد ترتب على هذه السياسة التعليمية أن ثارت عليها الأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات الآباء واتحاد الطلبة، " فاضطرت الحكومة إلى السكوت ... بينما واصلت العمل وفق المخطط الثلاثي، مع التشديد في قبول التلاميذ الجدد، فكانت النتيجة أن استقر التعليم الابتدائي عند العدد نفسه تقريبا خلال سنوات المخطط 1.124.078 سنة 1965-1966و1.088.394 سنة 1966-1967و1.115.634 سنة 1965-1967). أما حجم التعليم الثانوي، فقد عرف بعض الزيادة نظرا لتوافد الأعداد الكبيرة التي تم قبولها في الابتدائي خلال المخطط الخماسي السابق.وهكذا، بلغت أعداد التلاميذ في المرحلة الثانوية بسلكيها الإعدادي والثانوي الأحجام التالية: 179.615 تلميذا في السنة الأولى من المخطط و210.832 في السنة الموالية و232.050 سنة 1967-1968، بينما سجل التعليم العالي الأعداد التالية خلال سنوات المخطط على التوالي:6.799 ثم 7.285 ثم 7.400طالبا."
وعليه، فقد ارتبط مذهب بنهيمة بسياسة التعميم من خلال التحكم في وتيرة الخريطة المدرسية، وتكييفها مع الفاتورة الاقتصادية وميزانية الدولة، وإن كان ذلك دافعا مباشرا لانتشار الأمية بالمغرب، بسبب تضييق القاعدة الهرمية للخريطة التربوية، وهذا بلا ريب يؤثر على مسار التنمية الحقيقية.
نظرية الوحدة والفروع:
بعد الاستقلال مباشرة، تمثل التعليم المغربي نظرية الوحدة والفروع على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي، إذ انتقل من نظرية الوحدة كما يتجلى ذلك واضحا في كتاب(اقرأ( لأحمد بوكماخ ، وكتاب الفرنسية Bien lire et comprendre/H.Tranchart)) ، ليتبنى – بعد ذلك- نظرية الفروع. ومن المعلوم أن نظرية الوحدة هي تدريس مادة ما، كأن تكون اللغة العربية أو اللغة الفرنسية على أنها وحدة مترابطة ومتكاملة مراعاة للأسس التربوية والنفسية واللغوية، كأن نستثمر نص القراءة – مثلا- في التعبير والتذوق والإنشاء والشكل والنحو. بمعنى أن نظرية الوحدة أو المنهج المحوري - حسب عبد العليم إبراهيم - هي" أن ننظر إلى اللغة على أنها وحدة مترابطة متماسكة، وليست فروعا مفرقة مختلفة، ولتطبيق هذه النظرية في تعليم اللغة يتخذ الموضوع أو النص محورا تدور حوله جميع الدراسات اللغوية، فيكون هو موضوع القراءة، والتعبير، والتذوق، والحفظ، والإملاء، والتدريب اللغوي... وهكذا، وقد كانت هذه الطريقة هي السائدة في العهود الأولى تدريسا وتأليفا، وكتاب (الكامل) للمبرد يعد مثالا للتأليف على هذه الطريقة؛ ففيه يعرض النص، ويعالج من الناحية اللغوية والنحوية والصرفية وغيرها. وطبيعي أن نظرية الوحدة لاتعترف بتخصيص حصص معينة لنوع من أنواع الدراسات اللغوية".
وينضاف إلى ذلك، أن المدارس العتيقة والأصيلة بالمغرب ، كجامع القرويين، تتخذ هذا المنهج في التعليم والتدريس، حيث يستثمر النص أو الكتاب المنطلق ليكون وثيقة للدراسة الشاملة والكلية.
أما نظرية الفروع، أو ما يسمى أيضا بمنهج المواد المنفصلة، فالمقصود بها تدريس اللغة العربية أو اللغات الأجنبية بطريقة فرعية مستقلة. بمعنى أن المدرس يدرس مواد مختلفة من اللغة العربية – مثلا- على أنها فروع مستقلة في منهاجها وبنياتها الديداكتيكية والبيداغوجية. وفي هذا السياق، يرى عبد العليم إبراهيم بأن المراد بها في تعليم اللغة" أننا نقسم اللغة فروعا، لكل فرع منهجه وكتبه وحصصه، مثل: المطالعة، والمحفوظات، والتعبير، والقواعد، والإملاء، والأدب، والبلاغة.
ولتطبيق هذه النظرية يعالج كل فرع من هذه الفروع على أساس منهجه المرسوم في حصصه المقررة في الجدول الدراسي."
هذا، وقد تبنى المغرب هذه الطريقة منذ سنوات السبعين من القرن العشرين في السلك الإعدادي، فقد كان هناك كتاب للقواعد، وكتاب للقراءة، وكتاب للمحفوظات، وكتاب للتاريخ، وكتاب للجغرافيا، وكتاب للتربية الوطنية، وكتاب للتربية الإسلامية. وكانت لكل مادة طريقتها في التدريس والتوجيه...
نظريــة يوهان فريدريش هربارت الديداكتيكية:
لقد تبنى التعليم المغربي ، عن وعي أو عن غير وعي، الطريقة الديداكتيكية التي فصلها الفيلسوف والمربي الألماني يوهان فريدريش هربارت( Johann Friedrich Herbart)، وقد عاش ما بين 1776 و1841م. وتنحصر خطواته التدريسية في خمس خطوات إجرائية، وهي: التمهيد، والعرض، والربط، والتطبيق، الاستنتاج والاستنباط. ومازالت نظريته تطبق بشكل من الأشكال في أوروبا وأمريكا الشمالية. وقد ربط هربارت نظريته التربوية بالأخلاق وعلم النفس. وقد اهتم كثيرا بالترابط المعرفي، وتنمية رغبة الاهتمام لدى المتعلم تحفيزا وتشويقا وتشجيعا، ومراعاة ميول التلاميذ النفسية والاجتماعية والأخلاقية، و الربط بين الأفكار القديمة والجديدة أثناء عرض الدرس، وتفصيله اعتمادا على التشابه والتماثل والمقايسة والمقارنة.
هذا، وقد خلف لنا يوهان هربارت فردريش مجموعة من الكتب الفلسفية والتربوية والنفسية، مثل: (المدخل إلى الفلسفة/1813م )، و(الفلسفة العملية العامة/1808م)، و(الميتافيزيقا العامة/1828-1829م) ، و(التربية العامة/1806م)،و(خطة محاضرات في علم التربية/1835م)، و(السيكولوجية علماً/1824م).
ويمكن تفصيل خطوات هربارت التربوية على النحو التالي:
1- التمهيد (Introduction).
2- العرض(Présentation).
3- الربط والموازنة (Association).
4- التطبيق(Application).
5- التعميم والتلخيص(generalization).
ومن أهم مزايا طريقة هربارت أنها طريقة منظمة ومتسلسلة في عرض المادة العلمية ، وتعتمد على عنصر التشويق قبل العرض، وتساعد على ترسيخ المعلومات وتثبيتها في أذهان الطلاب.
وتسعف الطلاب في التفكير والكشف عن الحقائق، والاعتماد على النفس. ومن ناحية أخرى، تساعد.على ربط الموضوعات ببعضها.
أما عن عيوب هذه الطريقة، فتتمثل في اهتمام هربارت بالأمور الحسية أكثر من عنايته بتربية الخيال والتفكير المستقل. كما أن هذه الطريقة تصلح في دروس كسب المعرفة. أما في دروس كسب المهارة، فإنه يصعب اتباعها. كما تحد هذه الطريقة بخطواتها المحددة من عملية التفنن في العملية التعليمية. وفي الأخير، تهمل طريقة هربارت الدوافع الداخلية للفرد وكل ما يتعلق باستعداداته ونواحيه النفسية والانفعالية، وترى أن المربي يستطيع عن طريق المعلومات والأفكار أن يكوّن الدوافع، ويبني العواطف، ويوجه السلوك .
نظريـــة التطبيـع الاجتماعـي:
أخذ المغرب على الصعيد البيداغوجي بنظرية التطبيع الاجتماعي القائمة على تصورات إميل دوركايم (Emile Durkeim) الذي يرى بأن وظيفة المدرسة تقوم على وظيفتي الحفاظية أوالمحافظة، والتشديد على جدلية الماضي والحاضر. بمعنى أن المدرسة وسيلة للتطبيع، وإعادة إدماج المتعلم داخل المجتمع. أي: تقوم المدرسة بتكييف المتعلم، وجعله قادرا على الاندماج في حضن المجتمع. إذاً، تقوم المدرسة بوظيفة المحافظة والتطبيع، ونقل القيم من جيل إلى آخر عبر المؤسسة التعليمية. ويعني هذا أن المدرسة وسيلة للمحافظة على الإرث اللغوي والديني والثقافي والحضاري، ووسيلة لتحقيق الانسجام، والتكيف مع المجتمع.أي: تحويل كائن غير اجتماعي إلى إنسان اجتماعي، يشارك في بناء العادات نفسها التي توجد لدى المجتمع.وهذا يؤدي إلى أن تكون المدرسة مؤسسة توحيد وانتقاء واختيار.ويعني هذا أن المدرسة توحد عبر التكييف الاجتماعي، ولكنها تميز بين الناس عبر الانتقاء والاصطفاء.ومن ثم، فالوظيفة الأولى للمدرسة هو زرع الانضباط المؤسساتي والمجتمعي.ويرى مارسيل بوستيك" بأن كل نظام مدرسي يتسم بسمة المجتمع الذي أنشأه.وهو منظم حسب مفهوم التصور المعطى للحياة الاجتماعية، ولدواليب الحياة الاقتصادية، والروابط الاجتماعية التي تحرك هذا المجتمع.ولهذا، حلل علماء الاجتماع بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصلات بين العلاقة التربوية والنظام الاجتماعي، نظرا لأنهم يعدون التربية بمثابة مؤسسة، مهمتها تكييف الشباب مع حياة الجماعة بواسطة إجراءات معقدة الاستنباط."
ويعني هذا أن المغرب قد أخذ بنظرية التطبيع الاجتماعي على مستوى فلسفة التربية والتعليم، انسجاما مع وظيفة المحافظة على القيم السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية نفسها...
النظرية التكوينية عند جان بياجي:
إذا كان المغرب قد طبق نظرية دوركايم على الصعيد التربوي الاجتماعي والسياسي، فإنه طبق تصورات جان بياجيه (J.Piajet) على الصعيد التربوي والنفسي؛ لما لها من أهمية نظرية وتطبيقية في التعامل مع الطفل في مختلف مراحله العمرية.
هذا، وتنبني الإبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجيه على المقتربات: السيكولوجية والبيولوجية والمنطقية. بمعنى أن جان بياجي قد ركز في مختلف دراساته على تبيان كيفية تطور التفكير عند الطفل عبر مجموعة من المراحل العمرية المختلفة، وكيف يحقق نوعا من التوازن من خلال التفاعل البنيوي التكويني بين الذات والموضوع أو بين الذكاء والبيئة.
هذا، وقد تمثل جان بياجيه الملاحظة العلمية المنظمة في تجاربه العلمية حين رصده لمختلف المراحل التي كان يمر بها طفله. كما استرشد أيضا بتعاليم فلسفة كانط الألماني، حينما بين بأن الطفل في تعلمه لا يعتمد فقط على حواسه، بل يشغل أيضا قدراته العقلية والفطرية والمنطقية في اكتساب المعرفة. وبالتالي، يعرف مجموعة من العمليات المنطقية البديهية، مثل: السببية، والزمان، والمكان، وديمومة الأشياء...
ومن ثم، يرى بياجيه بأن الذكاء ناتج عن الترابط البنيوي بين الخبرة والنضج. ومن ثم، فالذكاء عبارة عن عمليات عقلية ناضجة تساعد الطفل على التكيف والتأقلم إيجابيا مع بيئته. ويعني هذا أن الطفل الذكي هو الذي يستعمل مجموعة من الإستراتيجيات العقلية والمنطقية للتعامل مع بيئته تكيفا عبر طريقين هما: الاستيعاب والملاءمة. ويقصد بالتمثيل استيعاب خبرات البيئة عن طريق التحكم فيها أو تغييرها جزئيا أو كليا لتحقيق نوع من التوازن مع الواقع الخارجي. علاوة على ملاءمة الخبرات القديمة مع الوقائع الجديدة أثناء التعامل مع البيئة. ويعني التوازن عند بياجيه انسجام الطفل عقليا وجسديا مع متطلبات المحيط وبيئته.
وينضاف إلى هذا أن جان بياجي حدد أربع مراحل نفسية وتربوية، هي: المرحلة الحسية الحركية، وتمتد من لحظة الميلاد حتى السنة الثانية، ومرحلة ما قبل العمليات، وتبتدئ من السنة الثانية حتى السنة السابعة، ومرحلة العمليات المادية أو الحسية، وتبتدئ من السنة السابعة حتى السنة الحادية عشرة، ومرحلة التفكير المجرد، وتبتدئ من السنة الثانية عشرة إلى بداية فترة المراهقة. ويعني هذا أن الطفل في تعلمه ونموه العقلي والجسدي ينتقل من مستوى المحسوس إلى مستوى المجرد.
و لاننسى بأن المنظومة التربوية والتعليمية والإدارية المغربية تأخذ بنظرية جان بياجيه في وضع البرامج والمقررات، ومراعاة التدريج في اختيار المحتويات حسب النمو العقلي والبيولوجي للمتعلم. كما تعتمد نظريته في التدريس حين التعامل مع ثنائية المحسوس والمجرد، مع الاستعانة بالتصنيف العمري في تقسيم المراحل الدراسية إلى المستويات التالية: الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، والجامعي.
الاسترشاد بمبادئ التربية الحديثة:
تعتبر مبادئ التربية الحديثة أو الطرائق الفعالة من أهم التقنيات والآليات الإجرائية لتحقيق الديمقراطية الحقيقية ، سيما أنها من مقومات التربية الحديثة والمعاصرة في الغرب، كما قال السيد بلوخ( Bloch) حينما أعلن بأن نجاح المدرسة الفعالة: " لازب من أجل بزوغ مجتمع ديمقراطي لايمكن أن يكون كذلك إلا عن طريق منطوق مؤسساته".
وقد ظهرت هذه الطرائق الفعالة في أوروبا، وبالضبط في أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، مع كل من: ماريا مونتيسوري Maria Montessori ، وجون ديويDewey، وكلاباريد Claparide ، وكرشنشتاير Kerschensteiner، وفرينيه Freinet، وكارل روجرز Rogers، ومكارنكو Makarenko، وريبول Reboul، وفيريير Ferrière، وجان بياجيه J.Piaget،...
وتعتمد هذه الطرق الفعالة الحديثة على عدة مبادئ أساسية هي: اللعب، وتعلم الحياة عن طريق الحياة، والتعلم الذاتي،والحرية، والمنفعة العملية، وتفتح الشخصية، والاعتماد على السيكولوجيا الحديثة، والاستهداء بالفكر التعاوني، و الأخذ بالتسيير الذاتي، وتطبيق اللاتوجيهية ، ودمقرطة التربية والتعليم...
هذا ، ويؤكد أصحاب الطرائق الفعالة الحديثة، بلغة تكاد تكون واحدة، رفضهم القاطع للنزعة التسلطية والتلقينية مع ضرورة:" تدعيم ولادة مجتمع ديمقراطي، مادامت المدرسة التقليدية لاتكون الكيان الشخصي، كما لاتحقق الدمج الاجتماعي، بل تؤدي - على العكس في آن واحد- إلى تمييع المجتمع، وإلى قيام النزعة الفردية الأنانية. ويضيف أولهم، ونعني كلاباريد، أن علاج مثل هذه النقيصة لايكون بأن ندخل على هامش الأمر تربية مدنية غريبة عن أي تربية من هذا الطراز التقليدي. وجميعهم يشيد بالقيادة الذاتية لسبب وحيد هو أنهم يريدون أن يحلوا محل النظم الزجرية التي ييسر الترويض ذيوعها وانتشارها، بأخرى جديدة تشتمل على المشاركة والمسؤولية، وبالتالي، على ما ييسر انطلاق الشعور الغيري.
وأخيرا، إنهم يخشون، في حال غياب التدريب المناسب، أن تنحدر الديمقراطية فتغدو حكم التفاهة والضعة."
إذأ، لقد تمثل المغرب في مؤسساته التربوية والتعليمية، بشكل من الأشكال، مختلف النظريات والتصورات التي نادت إليها التربية الحديثة أو الطرائق الفعالة والنشيطة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
النظريـــات اللسانيـــة:
استفادت المدرسة المغربية من تطبيق مجموعة من المقاربات اللسانية على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي، مثل: تطبيق البنيوية السوسيرية، والاسترشاد بالبنيوية الوظيفية، والانفتاح على النحو التأليفي، والاطلاع على الكلوسيماتيكية، و تطبيق التوزيعية السلوكية في النحو والإعراب بالسلك الابتدائي، والانطلاق من التوليدية التحويلية لنوام شومسكي في مقررات البكالوريا الأدبية، والاستهداء بالتداوليات الوظيفية التي انطلقت مع فان ديك وسيمون ديك... من خلال تمثلها ديداكتيكيا، وتطبيقها في دروس اللغة والأدب واللسانيات والسيميائيات والبيداغوجيا والديداكتيك.وهكذا، نجد أن نظرية الأهداف تقترن بالسلوكية البنيوية. في حين، تنبني المقاربة بالكفايات على التوليدية التحويلية. كما استعملت المقاربة التداولية في التواصل الحواري في تدريس اللغات، من خلال ربط الكلام بسياقه التواصلي والتخاطبي.
نظــرية الجودة التربوية:
تعد جودة التعليم أولى الأولويات للسياسات التربوية لدول العالم؛ لما يفرضه عالم اليوم من إكراهات سياسية واقتصادية، وتسابق في مجال التكنولوجيا والمبادلات التجارية، وهيمنة فلسفة العولمة والتشارك والاتصال. وهذا ما يجعل الدول تفكر في إصلاح المنظومة التعليمية، كلما تغيرت الظروف والرهانات المستقبلية والاقتصادية والأمنية.
هذا، وإذا تصفحنا معاجم اللغة العربية، فإننا نجد كلمة الجودة تعني الإتقان والإحكام، وهي نقيض الرداءة. جاد الشيء جوده وجودة. أي: صار جيدا. وقد جاد جودة وأجاد: أتى بالجيد من القول أو الفعل. وبذلك، تكون الجودة هي الإتقان القولي والفعلي. وهذه المعاني تقصدها أيضا قواميس اللغات الأجنبية. وتجعل من الجودة ( كاليتيه/Quality) صفة للتمييز بين الجيد والرديء.
وتعني الجودة في المفهوم الاقتصادي التراضي بين الطرفين: البائع والمشتري حول البضاعة المتعاقد عليها من حيث الكيف والكم. ويعني هذا أن الجودة لها شقان أساسيان: الجانب الكي يتمثل في المردودية، والجانب الكيفي الذي يكمن في الجودة.
ويقصد بالجودة في الميدان التعليمي ما أشار إليه وزير التعليم الدكتور حبيب المالكي حينما صرح بأن " الجودة ليست شيئا جامدا، بل إنني أكاد أشبهها بذلك النهر الذي يساعد على إخصاب الأرض حتى تكون في مستوى الآمال المعقودة عليها في ما يتعلق بالمردودية، لأن الجودة، انطلاقا من هذا التشبيه المجازي، مسلسل، وليست نقطة في فراغ. لذلك، فحينما نتحدث عن الجودة ينبغي لنا أن نستوعب أننا نتحدث بالضرورة عن الاهتمام بجماليات الفضاء، وعن توفير النقل المدرسي، وعن الإطعام والداخليات بالعالم القروي، وتطوير المناهج ، وتجديد الكتب المدرسية. كما أننا حينما نتحدث عن الجودة دائما، فإننا نتحدث كذلك عن التكوين المستمر للأستاذ بكيفية متواصلة ودائمة، وتفعيل دور المفتش....لهذا، فإن الجودة بهذا المعنى، هي هدف ووسيلة في الوقت نفسه".
وهناك من يعتبر أن الجودة لا تتحقق إلا عندما تستجيب المدرسة المغربية لما يطمح إليه المغاربة من مستقبل زاهر وآمال معقودة، وعندما يرضى عليها كل التلاميذ والأساتذة والأطر الإدارية والآباء وأولياء الأمور بصفة خاصة،والشعب المغربي بصفة عامة.
وإذا عدنا إلى التعليم المغربي وجدنا الجودة تقترن ارتباطا جدليا بالإصلاح والتغيير والاستحداث. وقد عرف النظام التعليمي المغربي ورشات إصلاحية كبرى منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. ويمكن أن نحدد مجموعة من هذه الإصلاحات وهي :
إصلاح 1957 الذي استهدف تأسيس المدرسة الوطنية المغربية، وقد ارتبطت الجودة ضمن هذا المنظور الإصلاحي بالمبادئ الأربعة: التعميم والمغربة والتوحيد والتعريب.
إصلاح 1985 الذي كان بعنوان(نحو نظام تربوي جديد) الذي فرضه التقويم الهيكلي والبنك الدولي والتطور التكنولوجي الهائل، وقد اقترنت الجودة التربوية في هذا الإصلاح التربوي بمراجعة الكتب المدرسية، وإعادة النظر في المناهج الدراسية وفي مضامينه ،وتنويع التعليم، وتحسين تدريس اللغات، وتعزيز مسلسل التعريب ،وإعطاء الأهمية للترجمة، وفتح شعبة التبريز لتكوين المدرسين وتقويتهم في المواد العلمية، وتنمية العلوم الرياضية والتقنية، و إحداث مسالك اللغات لتحقيق إصلاح بيداغوجي ناجع.
إصلاح 1994 الذي استهدف تجديد منظومتنا التربوية والمؤسسات التعليمية، وارتبطت الجودة فيه بمشروع المؤسسة و الشراكة التربوية، كما تنص على ذلك المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 12 أبريل 1994.
إصلاح 2000 م الذي يسمى بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي خصص مجاله الثالث للرفع من جودة التربية والتكوين من حيث المحتوى والمناهج، بغية التخفيف والتبسيط والمرونة والتكيف. وتتم هذه الجودة بمراجعة البرامج والمناهج، وإعادة النظر في الكتب والمراجع المدرسية والجداول الزمنية والإيقاعات الدراسية، وتقويم أنواع التعلم، وتوجيه المتعلمين، وتهم هذه المراجعة مجموع المؤسسات العمومية والخاصة. وينطلق هذا الإصلاح من فلسفة الكفايات والوضعيات البيداغوجية.
هذا، وبعد أن اهتمت الوزارة بالجانب الكمي، كتعميم التمدرس، ومحاولة القضاء على الأمية، ومحاربة ظاهرة التسرب الدراسي والفشل التربوي وتعثر التلاميذ على حد سواء، وجدت الوزارة نفسها أمام مشكل عويص ألا و هو تدني مستوى التعليم ، وهزالة المردودية، والضعف اللغوي والعلمي والتقني لدى التلميذ ، وعدم قدرته على التكيف مع الوضعيات التكنولوجية والإعلامية الجديدة؛ مما دفع الوزارة إلى التفكير في الاهتمام بالجانب الكيفي، بدلا من الاهتمام بالجانب الكمي الذي استنزف أموالا باهظة من ميزانية الدولة التي وصلت إلى حد 26% من الميزانية العامة للبلاد. وفي هذا الصدد، يقول محمد الدريج :" إن الانكباب على حل المشاكل الكمية خاصة ما ارتبط منها بالخلل بين العرض والطلب( صعوبات تعميم التعليم وتمويله وترشيد الإنفاق عليه...) لا ينبغي أن يشغلنا عن العناية بجودة التعليم، والتي ... تشكل هدفا يهم كل الفاعلين في المجال التربوي- التعليمي على الصعيد العالمي."
هذا، وترتبط الجودة في منظومتنا التربوية بجانبين أساسين هما: جودة الإدارة و جودة المنظومة التربوية وعملياتها التعليمية / التعلمية. ويمكن الذهاب بعيدا بأن الجودة لا يمكن أن تتحقق إلا في مجتمع ديمقراطي حقوقي وحداثي، يؤمن بالعلم، والنظام ، والابتكار، والإبداعية، والعمل الجماعي، وتقديس العمل، والتفاني فيه. ويؤمن كذلك بالانفتاح والحوار والتناص الثقافي، ويساهم في إثراء الحضارة الإنسانية.
مدرســـة النجـــاح:
تستند مدرسة النجاح في التعليم المغربي - حسب المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 20ماي 2009م- إلى مجموعة من الأهداف والغايات. ومن أهم هذه الأهداف الخاصة والعامة نذكر ما يلي:
تنفيذ مبادئ المخطط الاستعجالي لإنقاذ المنظومة التربوية من عوامل التردي والانتكاس والتخلف.
الارتقاء بالمنظومة التعليمية عن طريق إصلاح المدرسة الوطنية، سواء أكنت تنتمي إلى القطاع العمومي أم الخصوصي.
ترسيخ ثقافة اللامركزية واللاتمركز.
إعطاء صلاحيات أكبر وأوسع لتدبير الشأن الجهوي والإقليمي والمحلي.
جعل المدرسة نقطة ارتكاز المنظومة التربوية قصد إصلاحها وتطويرها.
توفير كافة الوسائل الضرورية للارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها المؤسسة التعليمية.
وضع اعتمادات مالية هامة رهن إشارة المؤسسات التعليمية لمساعدتها على بلورة مشاريعها اعتمادا على أساليب علمية مرنة.
إحداث جمعيات لدعم مشروع المؤسسة الذي يعتبر دعامة أساسية في تحقيق مدرسة النجاح، وتسمى هذه الجمعيات بـ" جمعية دعم مدرسة النجاح". وتتكلف هذه الجمعية بوضع مشاريع المؤسسة، وصرف الاعتمادات الخاصة بدعمها، وبلورة أهدافها على أرض الواقع.
الرفع من مستوى الحكامة الجيدة بالمؤسسة التعليمية من خلال التدبير العلمي والمعقلن المرتكز على المقاربة التشاركية والتدبير بالنتائج.
إرساء آليات النهوض بالحياة المدرسية بالمؤسسة التعليمية ماديا ومعنويا.
منح دينامية تربوية واجتماعية لجميع الفاعلين والمتمدرسين بالمؤسسة التعليمية ولشركائها تعبئة وانخراطا.
الرفع من أداء المؤسسة التعليمية و قدرتها التنافسية، وتطوير منتوجها التربوي.
الانفتاح الواعي للمؤسسة التعليمية على محيطها الاجتماعي والاقتصادي.
تنمية الأنشطة الاجتماعية والثقافية بالمؤسسة التعليمية.
القيام بشراكات مع مختلف الفاعلين في الحقل التربوي على المستوى المحلي والجهوي والوطني لدعم مدرسة النجاح، والارتقاء بها.
هذه هي أهم الأهداف التي سطرتها وزارة التربية الوطنية عبر أدبياتها ومذكراتها وتقاريرها الاستعجالية لإصلاح المدرسة الوطنية، والارتقاء بها تقدما وازدهارا وتنمية.
دليل الحياة المدرسية:
تعمل الحياة المدرسية على خلق مجتمع ديمقراطي منفتح وواع ومزدهر داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات التربوية . وتقوم أيضا على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري، والقضاء على الفوارق الطبقية، والحد من كل أسباب تأجيج الصراع وتنامي الحقد الاجتماعي، خاصة وأن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة، تعمل على ربط المؤسسة بالمجتمع، وتوفير حياة مفعمة بالسعادة والأمل والطمأنينة والسعادة ، وتحقيق الأمان والحرية الحقيقية للجميع . وهي تسعى أيضا إلى تكريس ثقافة المواطنة الصالحة في إطار احترام حقوق المتعلم/ الإنسان داخل فضاء المؤسسة، وتطبيق المساواة الحقيقية، وإرساء قانون العدالة المؤسساتية، وفتح باب مبدإ تكافؤ الفرص على مصراعيه أمام الجميع، دون تمييز عرقي أو لغوي أو طبقي أو اجتماعي. فالكل أمام قانون المؤسسة سواسية كأسنان المشط الواحد. ومن ثم، فلا قيمة للرأسمال المالي أو المادي في هذا الفضاء المؤسساتي أمام قوة الرأسمال الثقافي الذي يعد معيار التفوق والنجاح، والحصول على المستقبل الزاهر.
و يقصد بالحياة المدرسية( la vie scolaire ) في أدبيات التشريع المغربي التربوي تلك الفترة الزمنية التي يقضيها التلميذ داخل فضاء المدرسة، وهي جزء من الحياة العامة للتلميذ/ الإنسان. وهذه الحياة مرتبطة بإيقاع تعلمي وتربوي وتنشيطي، متموج حسب ظروف المدرسة وتموجاتها العلائقية والمؤسساتية. وتعكس هذه الحياة المدرسية ما يقع في الخارج الاجتماعي من تبادل للمعارف والقيم، وما يتحقق من تواصل سيكواجتماعي وإنساني. وتعتبر"الحياة المدرسية جزءا من الحياة العامة المتميزة بالسرعة والتدفق، التي تستدعي التجاوب والتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والقيم الاجتماعية والتطورات المعرفية والتكنولوجية التي يعرفها المجتمع، حيث تصبح المدرسة مجالا خاصا بالتنمية البشرية. والحياة المدرسية بهذا المعنى، تعد الفرد للتكيف مع التحولات العامة والتعامل بإيجابية، وتعلمه أساليب الحياة الاجتماعية، وتعمق الوظيفة الاجتماعية للتربية، مما يعكس الأهمية القصوى لإعداد النشء، أطفالا وشبابا، لممارسة حياة قائمة على اكتساب مجموعة من القيم داخل فضاءات عامة مشتركة".
ويتبين لنا – مما سلف ذكره- بأن الديمقراطية لايمكن تجسيدها على أرض الواقع إلا إذا تحققت في مدرسة تستهدي بالحياة المدرسية، وتسترشد بمقوماتها الإيجابية.
نظرية الشراكة والمشاريع التربوية:
من المعلوم، أن الشراكة نوعان: شراكة داخلية وشراكة خارجية. وما يهمنا في هذا السياق هو ما يسمى بالشراكة الداخلية التي يساهم فيها جميع الفاعلين من مدرسين وأساتذة ومتعلمين ورجال الإدارة ومشرفين تربويين وأسر التلاميذ ومجلس التدبير داخل المؤسسة تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتنشيطا وإشرافا.
وبغية خلق مشاريع تربوية تخدم المؤسسة من قريب أو من بعيد، ينبغي التركيز على مواضيع الشراكة ذات الأولوية والضرورة القصوى، مثل: محاربة الهدر المدرسي عن طريق الدعم التربوي، وتقديم ساعات إضافية تطوعية لخدمة التلاميذ، ومساعدتهم على مراجعة دروسهم، وإنجاز واجباتهم وفروضهم المنزلية أو الفصلية، مع تدريبهم على التطبيق المنهجي والتحليل التركيبي والتقويمي، والأخذ بيدهم من أجل السير بهم نحو ثقافة التعلم الذاتي والتكوين المستمر، وسد كل ثغرات التعثر والنقص لديهم بإرشادهم لمواصلة دراستهم حجاجا وتأثيرا، والتنسيق مع أسرهم من أجل إرجاع أولادهم إلى المدرسة، وإقناعهم بأهمية التعلم والتكوين والتدريس من أجل بناء مواطن صالح.
كما يمكن الاستعانة بالمدرسين والمشرفين التربويين للمشاركة في تنمية البحوث التربوية التي ترتكز على تحسين أداء المتعلم، والانطلاق من فلسفة الكفايات المستهدفة، و تجديد الطرائق البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية وأساليب المراقبة والتقويم وأنظمة الامتحانات، دون أن ننسى أهمية المشاركة في تكوين المدرسين إداريا وتربويا من قبل رجال الإشراف ورجال الإدارة الذين لهم خبرة في الميدان، عن طريق مناقشة المذكرات وتوضيحها، و شرح دواليب التسيير و التدبير حين انعقاد اللقاءات والندوات والمجالس التعليمية.
هذا، و تستهدف الشراكة الداخلية أيضا استعمال تكنولوجيا الإعلام والتواصل الرقمي، من خلال إنشاء خليات الإعلام والاتصال الحاسوبي. ولا نغفل كذلك مدى أهمية عملية الارتقاء بعلاقات التعامل السيكولوجي والاجتماعي والإداري بشكل بنيوي دينامي وإنساني وظيفي داخل المؤسسة التعليمية، من خلال احترام المتعلمين ورجال التربية والإدارة و رجال الإشراف والآباء وأمهات التلاميذ وأوليائهم، واللجوء إلى سياسة المرونة والحوار الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، وتطبيق مبدإ الحافزية والمساواة، واحترام الكفاءات، والسعي نحو تحقيق الجودة الكيفية (الإبداعية) والكمية (المردودية).
كما تستند المشاركة التربوية إلى تشجيع الإبداعات التربوية، والارتقاء بالرياضة المدرسية، وتنشيط المؤسسة التعليمية فنيا وثقافيا وإعلاميا واجتماعيا وبيئيا من خلال خلق شراكات ذاتية أو داخلية.
و يمكن لهذه الشراكات أن تتحقق ميدانيا وواقعيا لو طبقت الوزارة نظام سيــﮔما ( SIGMA) قصد إعطاء المؤسسات التعليمية صفة مصلحة تابعة للدولة مسيرة ذاتيا، تعتمد على إعانات الدولة ومنحها ومواردها الخاصة، وما تستجلبه من إمكانيات مادية ومالية وبشرية عبر الشراكات التي تخلقها.
نظرية المجزوءات (Approche Modulaire)
لقد ترجمت كلمة (Module ) الفرنسية بالمجزوءة أو المصوغة أو الوحدة أو المنظومة... كما ترجمت عبارة ( l’enseignement modulaire ) بالتعليم عبر المجزوءات. وتشتق كلمة المجزوءة من فعل جزأ الذي يعني القطع والتقسيم. وينسجم هذا المفهوم مع مدلول (module ) الذي يعني تقسيم السنة الدراسية إلى مجزوءات فصلية ووحدات، يمكن تقسيمها بدورها إلى وحدات ومقاطع وفضاءات وحلقات، قصد تحقيق مجموعة من الكفايات المسطرة لمواجهة وضعيات سياقية تستلزم من المتعلم إظهار قدراته الذاتية وكفاءاته الفردية. لكن مصطلح مجزوءة لا ينسجم صرفيا مع الفعل الرباعي في اللغة العربية ألا وهو جزأ الذي ينبغي أن تشتق منه كلمة مجزأة أو مجزآت. وسنتعامل مع كلمة المجزوءة على الرغم من عدم صحتها الصرفية، مادامت وزارة التربية الوطنية قد أقرت هذا المصطلح في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ووظف أيضا في الكتاب الأبيض، وفي الكثير من الأدبيات التربوية والدراسات البيداغوجية.
أما المجزوءة اصطلاحا، فهي مجموعة من المواد المنسجمة أو هي مجموع من الوحدات التعليمية في مجالات متكاملة. وتعرفها فيفيان دولاندشير (( Viviane De Land Sheere بأنها:"وحدة معيارية أو شبه معيارية تدخل في تأليف كل متكامل (منهاج)، قابلة للإدراك والتعديل والتكييف، فهي كفيلة ببناء برنامج دراسي على القياس المطلوب. "
ويعرفها روجيه فرانسوا ڰوتييهRoger François Gautier بأنها "تنظيم خاص لجزء من التدريس بالتعليم الثانوي" .
ويعرفها كذلك المجلس الوطني للبرامج بفرنساCNP)) ) بأنها" وحدة تعليمية نوعية أو مستعرضة تختار موضوعاتها من طرف الأساتذة انطلاقا من معايير يحددونها بعد التنسيق والتشاور فيما بينهم داخل فريق تربوي ."
.
وعليه، فإن المجزوءة عبارة عن وحدات دراسية فصلية، يتم تقطيعها إلى مواد ومجزوءات صغرى، بينها علاقات تكامل واندماج وترابط عضوي، سواء داخل مسلك أم سلك دراسي، وذلك من أجل تنظيم الحياة المدرسية، وخلق القدرات الكفائية لدى المتعلم لمواجهة كل الوضعيات المحتملة التي يصادفها في الواقع الذي يعيش فيه المتمدرس.
هذا، وتستند المجزوءة إلى ثلاث عناصر أساسية هي:
المدخلات : تستهدف تسطير مجموعة من الكفايات المزمع تحقيقها في شكل أهداف إجرائية سلوكية، قبل الدخول في مسار تعلمي أو تنفيذ مجزوءة دراسية، ويتم ذلك بوضع امتحان تشخيصي قبلي في شكل الوضعيات- الأسئلة.
الهيكـــل : يقسم المقرر إلى مجزوءات دراسية، وبعد ذلك إلى وحدات ديداكتيكية ومتواليات أو حلقات تعلمية، تساعد المتعلم على التعلم الذاتي والتكوين المستمر في شكل فردي أو جماعي.
المخرجات: هنا، نتحقق من نجاعة القدرات والكفاءات التي أنجزها المتعلم وأداها أثناء سيرورة التعلم. وهذا التقويم تشخيصي ومرحلي ونهائي.
أما عن أنواع المجزوءات، فهناك مجزوءات إجبارية، ومجزوءات إجبارية تكميلية، ومجزوءات اختيارية.
ويمكن أن تكون المجزوءة في إطار سيرورتها الإنجازية : مجزوءة نوعية، أو مجزوءة مستعرضة ممتدة.
ويمكن تصنيفها أيضا إلى مجزوءات تنظيمية ترتبط بالخبرة، وما يتم تعلمه ذاتيا كالمجزوءات الإجبارية والاختيارية والتكميلية. ومجزوءات
ديداكتيكية ترتبط بمحتويات المرجع الدراسي، مثل: الكتاب المدرسي والوثائق السمعية والبصرية.
نظريـــة مـــوت المدرسة العموميـــة:
يقر كثير من الدارسين والباحثين والآباء والمواطنين بموت المدرسة العمومية المغربية ونهايتها على غرار ما ذهب إليه إيفان إليتش في كتابه (نهاية المدرسة)، حينما تحدث عن المدرسة الليبرالية بأمريكا اللاتينية. وبما أن المدرسة الليبرالية مدرسة طبقية وغير ديمقراطية ، فإنها في الدول المتخلفة والمستبدة تكرس سياسة التخلف والاستعمار، وتساهم في توريث الفقر والبؤس الاجتماعي . هذا ما دفع إيفان إليتش (Ivan Ilitch) إلى إلغاء هذه المدرسة الطبقية غير الديمقراطية في كتابه(مجتمع بدون مدرسة).
فنظرية موت المدرسة - حسب كوي أفانزيني- هي في الحقيقة نظرية " تأثرت تأثرا كبيرا بالعوامل الجغرافية التي أحاطت بها والتي قد تجعل منها نظرية صالحة لبلدان أمريكا اللاتينية، غريبة كل الغرابة عن المنطق التربوي للغرب. لاسيما أننا نجد فيها بعض التساؤلات التي تؤيد مثل هذا التفسير الذي يقصرها على بلدان بعينها، ذلك أن السيد إيليش ينزع أحيانا إلى القول بأن المدرسة ملائمة للعصر الصناعي وأنها من إرث هو مخلفاته، وينبغي أن تشجب فقط في البلدان المتخلفة حيث لاتستطيع أن توفر الانطلاقة اللازمة لها وحيث يكون حذفها شرطا لازما لحذف الاستعمار والقضاء عليه، على أنه في أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي بالقضاء عليها قضاء جذريا، ويرى فيها مؤسسة بالية أنى كانت".
والدليل على موت المدرسة العمومية بالمغرب تراجع جودة المنظومة التربوية كما وكيفا ووظيفة، وتراجع مكانة النظام التربوي المغربي على الصعيد العالمي بصفة عامة، وعلى صعيد الوطن العربي بصفة خاصة حسب التقارير الدولية، على الرغم من الإصلاحات التربوية العديدة التي قام بها المغرب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. ونشير أيضا إلى تراجع المدرسة العمومية على مستوى التحصيل والنجاح والجودة مقارنة بالمدرسة الخصوصية التي أصبحت هدفا لكل الأسر المغربية لإنقاذ أولادهم من شبح البطالة والفشل الدراسي.
هذا، وقد وصفت المدرسة العمومية المغربية بأنها مدرسة " مريضة مشوهة تعكس غلبة من يدبر في مواجهة من لايملك حيلة"، وهو وصف بالغ الدلالة بالنسبة لمدرسة أضحى أداؤها المختل يجسد كل الأعطاب المجتمعية، ويعكس موازين قوى تعمل انطلاقا من تعميق الفوارق الصارخة بين مدرسة تفتقر إلى البنيات الأساسية والتجهيزات الضرورية وذات مردود هزيل ونتائج متردية لاتستحق حتى التعليق، بل ومقبولة ما دامت الخدمة التي تقدمها هذه المدرسة مجانية، وتعليم خاص يحرص على تسويق نفسه كتجسيد للجودة والمردودية المرتفعة والمضمونة، مادام قابلا للمحاسبة من قبل الذين يدفعون سعرا مقابل الخدمة المقدمة لأبنائهم. وعلى الصعيد الأخلاقي تشهد المدرسة العمومية انتكاسا واضحا لقيم التطوع والمثابرة والمسؤولية، واستسلاما للهيئة التربوية في مواجهة إغراءات المال، مع الزحف والتوسع المرعب لسوق الدروس الخصوصية؛ مما يعد سببا آخرا لبداية نهاية المدرسة العمومية بالصورة التي تشكلت فيها في الوجدان الشعبي كفضاء للعطاء وكسب العلم والمعرفة، فيما يتنامى الشعور لدى أبناء الطبقات الكادحة بالعجز والفوات، مع تركز التفوق المعرفي في صفوف " الميسورين"، الذي يعزز احتكارهم للثروة والسلطة على نحو غير مسبوق في تاريخ المغرب؛ إذ حتى عهد قريب كان التفوق الدراسي، والدافع إلى الاجتهاد والتحصيل العلمي، يكاد يكون ينحصر في صفوف أبناء الطبقات الشعبية."
ومن الأدلة الأخرى على موت المدرسة العمومية تراجع مكانة المدرس اجتماعيا؛ بسبب تدني أجرته ، وتضعضع وضعيته الاقتصادية على جميع المستويات. وقد نتج عن ذلك أن أصبح مثار سخرية واحتقار وتنكيت. وفي هذا السياق، يقول الباحث المغربي عبد المجيد السخيري:" كثيرة هي المؤشرات الدالة على نهاية المدرسة العمومية في عصرنا، في المغرب كما في بلدان كثيرة تسير على نهج الرأسمالية المنتصرة ، وتخضع كليا لسياسات السوق المملاة من قبل الأذرع القوية للرأسمال العالمي، وكثيرة هي أيضا العلامات الدالة على انتهاء الدور التقليدي للمدرس(ة) ، وتحطم صورته المبجلة ، وتراجع إشعاعه الاجتماعي، وتقزيم وظيفته في العملية التعليمية بما يتناسب مع تهميشه، وتحجيم حضوره ودوره في الحياة العامة. ولا ينبغي أن ينظر على هذا على أنه مجرد تتويج لمراجعات نظرية في الأدب التربوي تستهدف الحد من السلطة الفعلية للمدرس(ة) التقليدي(ة) داخل الفصل الدراسي، ونقد ممارسات تربوية تجعل منه محور العملية التعليمية- التعلمية، وتحرير العلاقات التربوية من الهيمنة الأحادية للمدرس(ة)، وما يرتبط بها من أشكال التسلط والعنف الرمزي واحتكار المعرفة وامتلاك الحقيقة ومعايير الصواب والخطأ وغيرها من صور التمركز الذاتي والاستبداد المقنع.كما أن تراجع السلطة الأخلاقية للمدرسين (ات) في المناخ السائد اليوم ليس مجرد تحصيل لهذا النقد، بل هي أيضا نتيجة لهجوم مركب يستهدف تحييد هؤلاء من الصراع، وتشطيب دورهم السياسي بما يفسح المجال أمام المقاول ليحل مكانهم في تدبير المدرسة، وكسب النتائج السياسية المترتبة عن هذا الحلول من خلال استثمار المنافع المعنوية المرتبطة بالموقع الرمزي (التاريخي) للمدرس(ة)."
وعليه، فهناك الكثير من المغاربة الذين يؤكدون بكل صراحة موت المدرسة المغربية على كل المستويات والأصعدة، مفضلين المدرسة الخصوصية التي فرضت نفسها في الساحة التربوية بما حققته من جودة عالية و مردودية معتبرة.
خاتمــــة:
وخلاصة القول، تلكم- إذاً- أهم المراحل التي عرفها التعليم المغربي في مساره التطوري، وقد حددناها في بيداغوجيا التعليم العتيق الذي امتد فعليا من عهد المرابطين إلى مراحل الدولة العلوية، والتعليم السلفي الذي تبلور مع بعض سلاطين الدولة العلوية كمحمد بن عبد الله مثلا، والتعليم الطائفي الانتقائي الذي تمثله نظام الحماية.
وقد اتبع المغرب بعد الاستقلال مجموعة من الإصلاحات التربوية، منها: تطبيق نظرية البديل الوطني من خلال التركيز على المبادئ الأربعة: التعميم، والتوحيد، والتعريب، والمغربة، ثم تطبيق المذهب التعليمي الجديد مع بنهيمة. وتتسم هذه المقاربات بتعدد أبعادها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما فيما يخص البيداغوجيا والديداكتيك، فقد طبق المغرب مجموعة من المقاربات، مثل: نظرية الوحدة والفروع، ونظرية هربارت، والنظريات اللسانية، ونظرية التطبيع الاجتماعي لدوركايم، ونظريات جان بياجيه العقلية والنفسية والبيولوجية، والأخذ بفلسفة الجودة والشراكة، وتطبيق دليل الحياة المدرسة، والانفتاح على نظرية المجزوءات، والأخذ بمدرسة النجاح.
مشاركة منتدى
7 حزيران (يونيو) 2017, 14:50, بقلم مواطن
يجب الا نضع في قفص الاتهام ونحمل مسؤولية تدني المستوى للتلميذ فقط بل هناك الاباء والادارة التربوية واتحفظ عن كلمة تربوية فبعض المديرين لايعرفون حتى ادوار المجالس التقنية من مجلس تدبير الى اخره فلا يعرفون ايضا طرق التدريس من تدريس بالكفايات والوضعية المسالة... عرفت ان احدهم اراد ان يقوم بعرض في موضوع الرؤية الاستراتيجية للاصلاح فجاء به كميا يقال بالفرنسية copier coller من وجدة سيتي واصفر واخضر حين طرحت عنه الاسئلة وهذا من المديرين الذين يرغبون في تغيير الاطار بدون تكوين
1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017, 21:11, بقلم شيماء
السلام عليكم هل يكمن ان تميدوننا بفكرة حول التقويم كيف كان قديما في المدارس المغربية وما هي البيداغوجيات التي تم اعتمادها قبل المقاربة بالاهداف والكفايات
6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017, 23:39, بقلم شيماء
رااااااائع جدا مقال يجمع بين الاختصار والافادة شكرا لكم
17 شباط (فبراير) 2018, 08:47, بقلم anass hammissa
تمهـــيد:
عرف المغرب في مساره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتاريخي منذ عهد الأدارسة إلى يومنا هذا مجموعة من النظريات التربوية الإصلاحية على المستوى العام أو على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي. بيد أن الإصلاح التربوي لم يتحقق بشكل حقيقي إلا في القرن العشرين، وامتداد سنوات الألفية الثالثة، إذ جرب المغرب مجموعة من النظريات والتصورات التربوية الوافدة إلينا من الغرب من جهة، وتطوير النظريات التربوية التراثية الأصيلة (نظرية الملكات) من جهة أخرى. وقد ارتبطت هذه الإصلاحات بالتطورات التي كان يعرفها المغرب على مستوى البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية والإيديولوجية. ومن ثم، أصبح مشكل التعليم بالمغرب هو الذي يثير كثيرا من اللغط والجدال والنقاش إلى يومنا هذا. ومازلنا إلى حد الآن نبحث عن بديل تربوي لإنقاذ منظومتنا التربوية والتعليمية من أزماتها الخانقة ومزالقها المتشابكة والمعقدة.إذاً، ماهي مجمل النظريات والتصورات التربوية التي عرفها المغرب عبر تاريخه المديد من الأدارسة إلى يومنا هذا؟ هذا هو السؤال الذي سوف نحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة.
14 أيلول (سبتمبر) 2018, 19:51, بقلم أم سعد
أعجبني المقال جدا وخصوصا الخاتمة التي تضمنت تاريخ إصلاح التعليم بالمغرب والبيداغوجيات المعتمدة بشكل مختصر ومفيد.
بارك الله فيكم وفي أمثالكم وتقبلوا سيدي فائق تقديراتنا لمجهودكم الجبار في تقاسم مثل هذه المعلومات القيمة.
مقال في غاية الروعة.
19 كانون الأول (ديسمبر) 2019, 21:06, بقلم فيصل
اعجبت اشد الاعجاب بهذا المقال الجامع و كذا بالتدقيق و الوصف شكرا جزيلا و جزاك الله خير الجزاء. كما اتمنى منكم لو امكن اضافة بعض المراجع او مراسلتي بها على الايمايل المعتمدة قصد اعتمادها في بحث يخصني حول نفس الموضوع. و شكرا لكم
4 حزيران (يونيو) 2023, 19:27
مقال نافع جدا باعتباري من المشرق فهمت شيئا من واقع المغرب وتحولاته