الأحد ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

الرؤية الإيروسية في (بعيدا عن بوقانا)

تقديــــم:

يعد عبد الحكيم امعيوة من أهم كتاب منطقة الريف الواقعة في الشمال الشرقي من المغرب إلى جانب محمد شكري، وإسماعيل العثماني، وميمون الحسني، ومصطفى الحسني، وعمرو القاضي، وأحمد أبابري، والعباس الخليفي، ومحمد الأشعري، وخالد قدومي، وحسين الطاهري، وميمون ج. كبداني...

وقد تميز عبد الحكيم امعيوة عن هؤلاء الروائيين بالرؤية الإيروسية الشبقية، وسرد مواضيع الحب والتجارب الغرامية الخليعة كما في روايته الأولى " بعيدا عن بوقانا"،. بيد أن الكاتب لم يصل في عبثيته الجنسية إلى الرؤية البورنوغرافية التي نجدها لدى محمد شكري في روايته" الخبز الحافي" التي تأثر فيها بالكاتب الإيطالي ألبرتو مورايا. ويعني هذا أن عبد الحكيم امعيوة اختار أسلوب الإضمار والتكنية والإشارة والتلميح، في حين اختار محمد شكري أسلوب التوضيح والتفصيل والتصوير الجنسي المباشر؛ مما أثار الكثير من ردود النقد التي وصلت إلى تهديده بالقتل، ومنع روايته من التوزيع في أسواق العالم العربي على غرار رواية " موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح وروايات أخرى لاداعي لذكرها.
هذا، وقد أصدر الكاتب المغربي عبد الحكيم امعيوة روايته الأولى" بعيدا عن بوقانا" في طبعتها الأولى سنة 2007م عن مطبعة بالرباط ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب في 213 صفحة من الحجم المتوسط. فماهي- إذا- سماتها الدلالية والجمالية والمرجعية؟

1/ السمات الــدلالية:

من يتأمل رواية" بعيدا عن بوقانا" في أبعادها الدلالية والمرجعية، فإنه سيكتشف حقيقة جلية بأن هذه الرواية هي رواية فضاء بامتياز؛ لأن الكاتب يركز فيها على البحر الذي يوفر للكاتب شعرية الحب والخمر والاستسلام لكوليغرافية الجسد الشبقي وفتنة غوايته القاتلة. وإذا كانت الرواية توحي باستهتار محمادي الشخصية الرئيسة في الرواية، فإن شاطئ بوقانا يقدم للكاتب الدفء والحنان والاحتماء الوجودي، كما يعطيه الأمان والإحساس بالحياة الحقيقية. ويذكرنا الخطاب السفري في الرواية، والذي يتمثل في انتقال محمادي من الناظور(البر) إلى شاطئ بوقانا(البحر) بمغامرات سندباد التي كانت تتأرجح بين البر والبحر، وبين عالم الانغلاق وعالم الانفتاح.

ومن هنا، فمحمادي سندباد مغامر يخوض غمار الجسد والبحر بعبثية سائبة وسلبية بدون قيم أخلاقية وبدون مسؤولية وجودية وبدون حصانة هوياتية أصيلة ومناعة وطنية وحضارية. إن محمادي كما يظهر ذلك عبر سراديب الرواية شاب يتابع دراساته في فرانكفورت بألمانيا، يزور بلدته بني أنصار ليقتنص فرص العمر عن طريق الانغماس في الرذيلة والفحش اللاأخلاقي بدون أن يعاتبه الضمير أو يخجل من نفسه أو يتقي الله في سلوكاته. يبدو محمادي دون جوان زمانه، يعيش حياته على إيقاع معاقرة الكأس، والتأمل في الحياة والطبيعة والبحر كفيلسوف تائه حيران، يتلذذ بجسد خليلته زليخة التي تشاركه فلسفة التيه والضياع والوحدة والغربة والعزلة والحرمان.

و بعد ذلك، يدخل محمادي في علاقات بوهيمية مع مجموعة من الشخصيات غير المسؤولة أخلاقيا، منافقة في تعاملاتها الاجتماعية، تنافق بعضها البعض على حساب القيم والفضيلة الربانية. فلا يهم هؤلاء في هذا الوجود المبارك سوى شرب أنواع الخمور المغربية والأجنبية المستوردة، كما يبدو ذلك واضحا وجليا من خلال مصطلحات معجم الخمر، حيث أورد السارد مجموعة من أسماء الخمور التي تعرفها الكاتب الحقيقي عن قرب ومعايشة ميدانية. وتعاني هذه الشخصيات المرصودة في الرواية من الكبت والعقد الجنسية اللاشعورية، فهي تتلذذ بالمومسات، وتنفق أموالها من أجل إرضاء طلباتهن على حساب الأسرة وبناء المجتمع الصالح. ومن ثم، تتمحور الرواية حول الثوابت الإيروسية التالية: الجسد، والخمر، والبحر، والتأمل الشاعري، والمجون. كما تتضمن الرواية داخليا حبكة سردية أخرى ذات طابع واقعي اجتماعي تتعلق بتكوين نقابة من أجل تعويض التجار الذين أحرقت خيامهم عبر بناء سوق إسمنتي يحميهم من أخطار الزمان:

" أردت أن استفز بنعيسى فسألته في شيء آخر:

  ماذا فعلت النقابة بشأن السوق المحروق؟
  مازلنا نتفاوض مع البلدية.
  بودي معرفة ماذا تريدون من البلدية بالضبط؟
حرك شفتيه باعتباط وملل. وربت على كتفي وقال بهدوء، هذه المرة:
  نريدها أن تبني سوقا للخضار وتسلمه لأصحاب الخيام المحروقة في ذلك السوق المهترىء."(1)

ولم تكتف الرواية برصد ماهو نقابي فحسب، بل كانت تسخر من قيم المجتمع، وكانت تمرر انتقاداتها لمغرب الاستقلال، وتقارنه بالدول الأجنبية على مستوى التنمية والتأهيل الاقتصادي والاجتماعي. فيظهر الكاتب بأسلوب ساخر تخلف المغرب وقزميته التي تتجلى في هشاشة البنية التحتية، وتضعضع اقتصاده الضعيف، واستفحال الفقر والبطالة، وانتشار الدعارة، وممارسة الناس لظاهرة التهريب على الحدود من أجل تأمين عيشهم وحياتهم:" حين أتحدث عن الإصلاحات في الطريق السيار بين الناظور ومليلية، فأنا لا أقصد أن هذه الطريق تشبه، لا من قريب ولامن بعيد، تلك الطرق المؤدية إلى قرية أركمان، والتي جئت منها وأنا أسير كسلحفاة في مواجهة" الميسوبيشات" التي يسوقها الإسبان لأن أجورهم في مستوى الرخاء الأوربي ونفقاتهم في مستوى الحزقة المغربية".(2)

وعليه، فقد ركز الكاتب كثيرا على تجربة محمادي الإيروسية مع عشيقته زليخة الأنثى الماجنة الطائشة، التي عاش معها مجموعة من التجارب الجنسية العابثة فوق شاطئ بوقانا بين انتشاء السكر ولذة المجون وعشق الأكل والشراب والتدخين بكل ظمإ وشره وافتتان. ومن ثم، يصبح الحب هنا ليس بمفهوم الحب المثالي أو الحب العذري أو الحب الصوفي أو الحب الإسلامي لبناء الأسرة عن طريق الزواج المشروع، بل حب الرواية هو حب الإفساد وتدمير كيان المجتمع والجهر بالرذيلة على حساب الفضيلة الأخلاقية العليا. وبالتالي، فشخصية الرواية شخصية سلبية عابثة مستهترة تعيش انفصاما ذاتيا وواقعيا، ولا تحمل قيما أصيلة كالشخصية الإشكالية التي نظر لها لوسيان گولدمان في كتابه" من أجل سوسيولوجية الرواية".

هذا، ويلخص لنا مقتبس الرواية الذي يوجد في مستهل الرواية نظرة الكاتب العالمي أوسكار وايلد إلى الحب الغربي، والذي يشير فيه إلى ضآلة الحب البشري الإيروسي الشبقي، وانبطاحه التراجيدي أمام السأم والملل وحتمية الموت. وهذا هو مضمون الرواية الذي يحيل عليه عبد الحكيم امعيوة في نصه الماجن هذا:" الحب البشري لا يعرف شيئا يمكن تسميته النصر: كل ماهنالك بعض النجاح القليل قبل الهزيمة النهائية أمام الموت أو اللامبالاة". (3)

وهذا شيء طبيعي إذا سرنا بالحب البشري إلى مهاوي الرذيلة والإفساد، وابتعدنا كثيرا عن قيم الفضيلة الربانية السامية، وألقينا بأنفسنا في الرذيلة الشيطانية بمعاقرة الخمور، والانتشاء بسكر المخدرات، والتلذذ بفتنة الجسد الساحر، والانسياق وراء غواية جمال الأنثى الحسناء. بالفعل، لن نكون سعداء في حياتنا المعيشية؛ لأن السعادة البشرية هي سعادة الضمير ونقاء السريرة القائمة على عشق الذات الربانية، والارتماء في أحضان الجمال الروحاني السرمدي مصداقا لقوله تعالى:" ألا بذكر الله تطمئن القلوب".

2/ السمات الفنية والجمالية:

تستند الرواية سرديا إلى الرؤية مع أو الرؤية الداخلية الجوانية، فالسارد حاضر في الرواية عبر ضمير المتكلم الفردي أو الجماعي، حيث يشارك الشخصية الرئيسة أحداثها عن طريق الاستبطان والتذكر والاعتراف والبوح والتصريح. وهذا ما يقرب هذه الرواية من الخطاب الأوطبيوغرافي أو من رواية السيرة الذاتية.

ومن تجليات هذه الرؤية السردية الداخلية التي يحضر فيها السارد إلى جانب الشخصية المحورية المقطع السردي الذي استهل به الكاتب روايته الإيروسية:" عندما ننحدر على الربوة المطلة مباشرة على الطريق الضيقة، والتي تتسع عند المفترق، أضحينا نشم رائحة البحر تماما. وكنا نعرف أنه عند نهاية الطريق الضيقة المتربة والمحفرة، يوجد مفترق تضيق بعده الطريق وتتسع." (4).

ويؤدي السارد في هذه الرواية مجموعة من الوظائف كوظيفة السرد، ووظيفة البوح والاعتراف، ووظيفة التذكر والاسترجاع، ووظيفة الانتقاد والسخرية من أعراف المجتمع وقيمه، ووظيفة التعليق والتقويم، ووظيفة التنسيق بين الشخصيات، ووظيفة الوصف والتعبير، ووظيفة التنبيه والتبليغ.

وفيما يخص الزمن السردي، فالرواية كرونولوجية في مسارها الإيقاعي، متعاقبة زمنيا وسببيا من الحاضر نحو المستقبل، تنطلق من حاضر اللذة واللقاء والعبث تجاه مستقبل الوداع والفراق والعودة إلى فرانكفورت. إنها رحلة اللهو والمجون والإفساد وتضييع الوقت. كما يغلب على الرواية بطء الإيقاع بسبب الوصف الفضائي، وذكر المشاهد الغرامية الخليعة وتكرارها مرات عديدة بشكل متواتر رتيب وممل. وقد التجأ الكاتب إلى تقنية التضمين والتناسل التوليدي حينما ولد قصة النقابة من قصة الحب الأساسية أثناء جلساته الإيروسية والعابثة مع مجموعة من الأشخاص المحرومين الذي كانوا يتطلعون إلى تأسيس نقابة وهمية حلمية لانعدام الفعل والممارسة والوقوف عند حد الشعارات الزائفة والثرثرة الزائدة التي ترتبط بالسكر والخلاعة والعبثية القاتلة.

وفيما يخص أسلوب الكتابة، فقد أكثر الكاتب من استخدام أسلوب السرد أو الأسلوب غير المباشر، ولكنه أرفقه كذلك بالحوار على لسان الشخصيات، وشغل الحوار الداخلي في شكل أحلام وتأملات ومتمنيات:" في شاطئ بوقانا سأقف حافي القدمين وأقبلك، سأقبلك فقط. هكذا، سأمصمص شفتيك. ثم انظر للبعيد حيث المدى الأزرق يعانق سماء الريف القانية، غير آبهة بالحلزونات التي تحتد وقد تدمي أسفل قدمي. سأبكي ربما. ستعتمل مهجتي بأشياء نبيلة أراها بنفسجية في ذلك الفضاء البحري الأزرق. سأفرح لقدومك وسأعض أصابعي أسفا في ذلك الفضاء البحري الأزرق. سأفرح لقدومك وسأعض أصابعي أسفا على السنوات الثمان العجاف حيث لاماء ولا رجل...

في شاطئ بوقانا سأرى هذه المرأة الريفية... هي جميلة ولاشك، وإلا فلماذا أصبحت أحن إليها بشكل يعود بي إلى إحساسات قوية وقديمة. سأراها وأنظر إليها، خلفها الموج يداعب بعض الحلزونات التي استبد بها الحنين إلى عالم بحري، شاقها ازرقاقه بعد أن تلظت تحت شمس قاسية وعطوفة" (5)

هذا، وقد استخدم الكاتب في روايته تراكيب عربية ممزغة ومدرجة زاخرة بألفاظ أمازيغية وعامية وإسبانية وألمانية، كما وظف لغة واقعية مباشرة تشخص الذات والواقع معا. وفي نفس الوقت استعمل لغة شاعرية ووصفية تأملية من خلال التركيز على فضاء بوقانا واستقراء أوصافه اعتمادا على خطاب التأمل، وخطاب الحلم، وخطاب الخمر، وخطاب الجسد، وخطاب الوصف الذي كان ينساب استقصاء وتفصيلا وخاصة أثناء وصف الأماكن والفضاءات الشبقية كفضاء بوقانا وقرية أركمان.

أضف إلى ذلك، أن الكاتب قد استخدم لغة التهجين الاجتماعي، وأسلوب القدح والتعيير، وسجل السخرية من خلال توظيف لغة الشارع ومفردات الخطاب الإباحي والبورنوغرافي، كما تتأرجح مقاطعه السردية بين لغة التقرير الواقعي ولغة البيان والإنشاء الشاعري.

ويمكن أن نعتبر ثنائية الحياة والعبث هي بمثابة المولد الدلالي للنص وأيضا بمثابة المربع السيميائي المنطقي الذي يتحكم في البنى السطحية للتمظهرات النصية للرواية.

وإذا انتقلنا إلى البنية العاملية، فالعبث هو المرسل الحقيقي، بينما المرسل إليه يتمثل في الفئة البوهيمية العابثة التي تتكون من محمادي، وزليخة، وبوهرو، وبنعيسى،ومحمد، والمهربة الوجدية... أما الذات الرئيسة فيعبر عنها محمادي بأفعاله الحدثية الكثيرة، والموضوع هو الانتشاء والتلذذ بزليخة. أما فيما يخص المساعد فنذكر وسامة محمادي ومكانته الثقافية، وهجرته إلى فرانكفورت، وامتلاكه للنقود والسيارة، والاستعانة بمجموعة من الأصدقاء المتسكعين العابثين الذين كانوا يسهلون عليه الليالي الحمراء وسهرات الخلاعة والمجون. أما المعاكس فيتمثل في رجال السلطة، وعيون المجتمع الصاحية التي تمجد الفضيلة، وتنتقد الرذيلة.

ونلاحظ أن الرواية من خلال منطق الأحداث تميل إلى الطابع البيكارسكي والشطاري الذي يهيمن كثيرا على الرواية بمنطقة الريف، حيث نجدها ظاهرة لافتة للانتباه في روايات محمد شكري، وإسماعيل العثماني، وميمون الحسني.

3/ صورة الكاتب إلى الريف:

إذا أردنا أن نعرف صورة الريف الأمازيغي في الرواية المغربية صياغة ودلالة مقصدية، فثمة عدة رؤى متناقضة ومتشابهة.

فعمرو والقاضي ينظر إلى الريف على ضوء رؤية سياسية جنائزية في رواياته:" البرزخ"، و" الطائر في العنق"، و" رائحة الزمن الميت" مصورا سقوط اليسار المغربي، ومجسدا سنوات الرصاص والجحيم السياسي والاجتماعي، إلا أنه يعود مرة أخرى في روايته" الجمرة الصدئة" إلى تمثل الرؤية الأطوبيوغرافية البيكارسكية ذات المنحى الواقعي الانتقادي التي يشاركه فيها كل من إسماعيل العثماني في روايته"غورغو"، وميمون الحسني في روايته" جذور الضباب"، ومحمد شكري في روايته" الشطار"،ورواية" زمن الأخطاء"، ورواية" الخبز الحافي" التي تطغى عليها أيضا الرؤية البورنوغرافية الثائرة على الواقع المأساوي وأعراف المجتمع السائدة.

وإذا كان عباس الخليفي أيضا في روايته" شجرة الدردار" يصدر عن رؤية واقعية على غرار أحمد أبابري في رواياته:" من البحر إلى البحر"،و " صغار الأفاعي"، و" الزمن الأعمى"، و" المدينة النائمة"... فإن خالد قدومي في روايته " الريف بين الأسود والأبيض" ينطلق من رؤية تاريخية ممزوجة بالنزعة الواقعية الاجتماعية. أما محمد الأشعري في روايته " روح الجنوب"، فإنه يتعامل مع الريف على ضوء رؤية صوفية مناقبية تمتح من التاريخ وتخييل الرحلة والعودة إلى الجذور. في حين نجد مصطفى الحسني في روايته " ملكة جمال المتوسط"، وحسين الطاهري في روايته"الرقص على الماء" ينطلقان من رؤية رومانسية إلى الوقائع والأحداث التي تعرفها منطقة الريف، ومن مرتكزات هذه الرؤية التفاؤل والعمل والصبر والأمل.

وإذا انتقلنا أيضا إلى رواية عبد الحكيم امعيوة" بعيدا عن بوقانا" فهي رواية وجودية عبثية تصدر عن رؤية إيروسية تشوبها الرؤية الشطارية والواقعية الانتقادية. بيد أن الريف بالنسبة للكاتب هو فضاء التيه والضياع، وفضاء التخلف والفقر والتهريب،وفضاء الذوبان الوجودي في الفلسفة الأبيقورية القائمة على اللذة والانتشاء.
كما يبدو الريف من خلال سطور الرواية ملاذ التسكع والعبث والاستهتار، ناهيك عن كونه حانة جرداء لشرب الخمر والتلذذ بفتنة الجسد وسحر البحر. ويعتبر الريف كذلك من خلال الرواية فضاء الوحدة والغربة والعزلة وانحطاط الإنسان في مجتمع مهترىء فاسد من القاعدة إلى القمة.

وعليه، فالريف من خلال رواية" بعيدا عن بوقانا" ريف الطبيعة القاسية، والتخلف المدقع، وفضاء العبث والفساد والبوهيمية الوجودية، وملجأ الدعارة والتهريب والتسكع والبطالة والفقر والصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي. كما أنه فضاء المخدرات والهستيريا والجنون البشري والهجرة غير المشروعة. أضف إلى ذلك أنه فضاء التناقضات الجدلية وانبطاح الكينونة الوجودية، وفضاء الغربة الإنسانية والقلق الحضاري.

خاتمـــة:

ونستنتج، مما سبق، أن رواية " بعيدا عن بوقانا" رواية إيروسية شبقية تصور مجموعة من التيمات كالخمر والبحر والجسد والعبث، وفي نفس الوقت تطل على المجتمع من خلال تشخيص مجموعة من العيوب الموبوءة التي رصدناها سابقا، ويمكن إجمالها في انحطاط الإنسان قيميا وأخلاقيا ودينيا، وانبطاحه واقعيا ووجوديا. ومن ثم، فالرواية تعتمد على الخطاب البيكارسكي الشطاري القائم على الواقعية الانتقادية، وتشخيص الذات والواقع تشخيصا مأساويا، والتمرد على الأعراف الموجودة والقيم السائدة في المجتمع.

ومن ثم، فالرواية صورت الريف تصويرا فظيعا وقاسيا على غرار رواية " الخبز الحافي" لمحمد شكري، ورواية " جذور الضباب" لميمون الحسني. لكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا: كيف سيتعامل المتلقي مع هذه الرواية؟ وماهي الرسالة التي يريد أن يوصلها الكاتب من خلال هذه الرواية الشبقية الماجنة؟ وهل كل من مر بمجموعة من التجارب الإيروسية والبورنوغرافية (الجنسية) سينشرها للشباب لتمثلها أو الاستمتاع بها أوالاقتداء بها؟

فلابد أن نقر بدون أن نخوض في جدال بيزنطي بأن الفن لابد أن يقترن بالفضيلة والأخلاق والآداب الإسلامية، فلا فن إطلاقا بلا أخلاق، ولا إبداع بلا مثل عليا وقيم أصيلة ومبادئ إنسانية سامية. ولا يمكن أن نقبل نظرية الفن من أجل الفن في مجال الآداب والفنون إذا كانت على حساب القيم الدينية والفضائل السامية.

 [1]


[1

(1)- عبد الحكيم امعيوة: بعيدا عن بوقانا، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:112-113؛
(2)- عبد الحكيم امعيوة: نفس الرواية، ص:50؛
(3): عبد الحكيم امعيوة: نفس المصدر، ص:3.
(4): عبد الحكيم امعيوة: نفس المصدر، ص:7؛
(5): عبد الحكيم امعيوة: نفس الرواية، ص:7.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى