الرمز في رسالة الطيور لنجم الدين دايه (الرازي)
الملخص
لا يخفی علی الباحثين والنقاد أن للروح أو النفس الإنسانية الناطقة، دورا بارزا في القصص الرمزية.تلک الروح التي تلاقي أصلها السماوي – الملکة المرشدة – وذلک بعد أسرها في سجن الجسم وبعد إدراکها هذا الأسر.کما أن هذه الملکة تخبرها عن الحواجز التي تمنعها عن الوصول إلی أصل الوجود.
تتناول "رسائل الطيور" مرحلة ما بعد إخبار الروح.أو بعبارة أخری إن هذه المرحلة تشمل مرحلة اطلاع الروح عن غربتها عندما تتعرف علی حواجز الطريق.يمکن تسمية هذه المرحلة بمرحلة مغادرة الأرض نحو السماوات.ولهذا الأجل تتجلی النفوس المسافرة في صورة طير أو طيور غادرت شبک الماديات منطلقة نحو الأصل.
إن «الطير» يرمز إلی "التعالي" ورحلته تعتبر رحلة نحو الداخل للقاء النفس أو الأصل الحقيقي الإنساني والتعرف عليهما:
«ولذلک ما نسميه رموز التعالي، تعتبر رموزا دالة علی محاولات الإنسان للوصول إلی هذه الغاية.إن هذه الرموز تمهد الأرضية لإدخال مضامين اللاشعور إلی ذهنه الذي يشعر کما أن تلک الرموز تمثل عرضا نشيطا لتلک المضامين المذکورة ... وفي هذا المصداق يعتبر الطير أکثر الرموز تناسبا والتعالي وهذا الرمز يمثل ماهية الشهود العجيبة التي تعمل عن طريق وسيط واحد.» [1]
تظهر النفوس المسافرة في رسائل الطيور في شکل طيور تتجاوز حواجز الطريق واحدة تلو الأخری، بعد المشقات وترک الحواس المادية للوصول إلی أصلها الحقيقي.لانطلاق الروح مصاديق کثيرة تحدث عنها بارمندوس اليوناني في رحلة سماوية. [2] کما أن أفلاطون يشبه النفس في رسالة فدروس إلی عربة شدّ إلی جانبيها حصانان مجنّحان. [3]
يعد ابن سينا في الحضارة الإسلامية أول فيلسوف، رمز لانطلاق الطير لعروج الروح من الأرض إلی السماوات العليا.
وکان إخوان الصفا قد اعتبروا معنی التعاون في باب الحمامة المطوقة في کليلة ودمنة، رمزا لمعاناة الروح الإنسانية في سجن الجسد.ويری الأستاذ المرحوم فروزانفر أن فکرة إخوان الصفا تعود إلی القصيدة العينية لابن سينا وتشبيه الروح بالورقاء. [4] «والقصيدة العينية لابن سيناء تعتبر من النتجات الأولی التي تمثلت فيها الروح أو النفس الإنسانية الناطقة في صورة الورقاء.» [5]
هذا وإننا يمکننا العثور علی تشبيه الروح بالطير في القرنين الخامس والسادس – عندما تمّ تأليف رسائل الطيور – في نتاجات الآخرين.واعتنی بعد ابن سينا، أحمد الغزالي وروزبهان بقلي الشيرازي – سيما في عبهر العاشقين – بهذا التشبيه أکثر من الآخرين: «عندما طارت طيور الأرواح المقدسة من أغصان الشهود واجتازت سماوات اليقين، لايمکن العثور عليها في البساتين القريبة...» [6] وشبّه محمد الغزالي بعد ابن سينا، أسفار السالکين الروحانية بالطيور التي تبحث عن العنقاء.والوجه المشترک الوحيد بين رسالة الطيور للغزالي ورسالة الطير لابن سينا [7] هو رمز الطيور فيهما، وأسفار الطيور نحو الملک.تجدر الإشارة إلی أن رسالة الغزالي – التي اتسمت بصبغة عرفانية محضة – تم تدوينها باللغة العربية وترجمها أخوها أحمد الغزالي إلی اللغة الفارسية. [8]
يختلف أصل الرسالة عن ترجمتها بالفارسية في الشواهد الفارسية والعربية.لاتوجد بعض العبارات الفارسية في النص العربي کما أن المحسنات البديعية في النص الفارسي تغلب علی المحسنات الأدبية في النص العربي.ولکن لايوجد اختلاف في الشکل والمضمون بين النصين.
«استخدم السهروردي بعد ابن سينا والغزالي في رسالة العقل الأحمر من الطيور کرمز للروح والنفس الناطقة الإنسانية.» [9] غير أن الطير الذي وقع في الشباک في رسالة السهروردي [10] هو "الصقر".
أصبحت رسائل الطيور وأشکالها المختلفة – التي لا مجال لذکرها في هذا المقال – بمنزلة سلالم عرجت بمنطق الطير للعطار النيسابوري [11] إلی أعلی درجات قصص الطيور.يبدو أن العطار کان ينظر في شکله العام لقصصه إلی رسالة الطير للغزالي. [12]
وما نهتم به في هذا المقال الموجز ويمکننا أن نعتبره ضمن رسائل الطيور ولو من حيث شکله الظاهري هو رسالة الطيور لنجم الدين الرازي الذي دوّن مرصاد العباد. يبدو أن هذا الکتاب تم تأليفه حوالي عام 590ق.
تجتمع في القسم الأول من الحکاية، الطيور المظلومة علی باب راوي الحکاية، ويطلب الببغاء بوصفه مندوبا للطيور من الراوي أن يبلغ سليمان الکبرياء ما تتحمله الطيور من الظلم والجور.يحدث هذا الظلم بسبب ابتعاد عنقاء المُغرِب – ملک الطيور – عن تلک الطيور المظلومة:«نتحمل هذا الظلم والجور لأن عنقاء المُغرب – الذي أصبح ملکا علينا – ابتعد عنا.» [13] وفي القسم الثاني من الحکاية يبعث الراوي حمامة من أبراج قلبه إلی سليمان الکبرياء لتظلّم الطيور حيث تصل إلی سليمان بعد أن تجتاز حواجز ومراحل وأشخاصا في الطريق.
إن المراحل التي تمر بها الحمامة هي تلک المراحل التي تجتازها الطيور في رسائل الطيور من الأرض حتی السماوات.في المرحلة الأولی يقع عالم تملؤه العفاريت والغول وتقع في جانبه الأيمن أرض خصبة يعيش فيها أناس متميزون بجمالهم.(إشارة إلی قوی الخير والشر، والصفات الحميدة والمذمومة.)ثم تجتاز الحمامة عناصر أربعة: التراب، والمياه، والرياح، والنيران، وتجتاز الأفلاک التسعة لتصل أخيرا إلی عرش سليمان الکبرياء ثم تبلّغ رسالتها ويصبح الهدهد واسطة لنقل الجواب.تبلغ الحمامة ذروة السفر عندما تصل إلی عرش سليمان الکبرياء.يرسل سليمان الکبرياء جوابا إلی الحمامة البطلة في رسالة إلی عنقاء المغرب، ويأمره برفع الظلم عن الطيور.إلا أن هذه المرة ليس المبلّغ تلک الحمامة.فعندما يقدّم الببغاء – الناطق باسم الطيور – رسالة سليمان إلی الراوي، يحس الراوي فجأة أنه أصبح هدهدا واجبه إرسال الرسالة إلی عنقاء المغرب.وتتحول الضمائر في مجريات السفر والقصة إلی المتکلم.
«عندما بلغتُ الرسالة ما رأيت الهدهد بل وجدت نفسي هدهدا والمعنی مفهوم.» [14] يصاحب الهدهد في الطريق غرابا وصقرا أبيض.يجتاز سبعة أقاليم وسبعة بحار ليصل أخيرا إلی جانب البحر الأخضر حيث يفوق ابيضاض مائه، لون الحليب، کما تفوق عذوبة ميائه، طعم ماء الورد وتتحرک فيه أسماک ناطقة بنشاط. [15] وهناک يشاهد الهدهد جزيرة عجيبة حاصرها ثعبان.وهناک أطفال کثيرون مشغولون بالعبث والألعاب حول تلک الجزيرة بحيث يتصور الناظر أن «ذلک التلّ عيدهم ونيروزهم» [16] والثعبان يبلع کل مرّة أحد هؤلاء الأطفال غير أنهم مشغولون بالعبث والألعاب دون خوف.
يجتاز الهدهد بصحبة الغراب والصقر هذا البحر الأخضر ثم يصلون إلی برية وعندما يدخلون في ظلمة کأنها "ظلمات بعضها فوق بعض" [17] يجدون ينبوع الخلود ويشربون منه ثم تشرق الدنيا أمام عيونهم وأخيرا يرون قلة القاف التي تعادل القلل الشاهقة عندها کأوراق القش.دفنت علی القاف کنوز وفيرة وتکثر عليها طلسمات کثيرة يرقد إلی جانبها ثعبان عظيم.وفي هذه الحالة ينادي مناد: "وفوق کلّ ذي علم عليم" [18] يطير محرّکا جناحيها ومحدّقا علی قمة القاف ويری وکر عنقاء المغرب: «أصبح ظله الظليل حجاب الشرق والغرب، ومزّق أستار الليل والنهار، والأرض أسيرة في مخالبها والسماء عاجز تحت جناحيه والکونان مستتران في منقاره.» [19]
يفرّ الغراب والصقر من هذا الجلال والراوي – الهدهد – تسقط من يديه الرسالة إلا أن عنقاء المغرب يعطيها عطفا عليه.ثم يقرأ رسالة سليمان قائلا: «سمعا وطاعة، إنني أعمل وفق إشارات صاحب الجلالة سليمان الکبرياء.» [20] وأخيرا يطير الهدهد إلی مکانه فرحا ونشاطا.
تزخر رسالة الطيور لنجم الدين رازي من الرموز والکنايات والصور الشعرية.إلا أن الکاتب وصف الأمکنة والموجودات وصفا بسيطا بحيث يدرک القارئ المعاني الخفية بسهولة.فعلی سبيل المثال ترمز کلمة "البساط" إلی الأفلاک التسعة التي تطير الحمامة فوقها.ورد في الکتاب حول البساط الأول "فلک القمر" هکذا: «رأی أحدهم علی البساط الأول، زنجيا يستعير کلّ ليلة ثيابا جديدة من ترکي حسن الوجه شريف، وکان يزيّن نفسه، إلا أنه کان معافا في الشهر ليلة واحدة ومريضا في تسع وعشرين ليلة منه.والقمر قدّرناه منازل حتی عاد کالعرجون القديم.» [21]
والمتتبع للتفسير الذي يقدمه الکاتب نفسه في القصة يری أن هذه القصة ليست تجربة عرفانية للأنا الذاتية، بل هي تمثيل رمزي يعبّر عن غرض خاص.فالطيور التي تجزع لدی الراوي هم رعايا مدينة ريّ المظلومون، وعنقاء المغرب هو من کبار الرجال في عصر الکاتب وهو جمال الدين شرف سلغور الذي يعتبره الکاتب منجي الناس ومخلّصهم من ظلم حکام العصر.ومن هذا المنطلق يصطبغ تمثيل الدايه بصبغة انتقادية – اجتماعية وسياسية: «إذا کانت أسفار طيور الغزالي والعطار للوصول إلی المعرفة فإن أسفار حمامة الرازي کانت لدفع الظلم.» [22]
ولکن لايبدو أن ذکر موضوع دفع الظلم وحده کان غرض الکاتب نجم الدين: «...ولغة القصة الطنانة التي تزخر بالصور والأخيلة الشعرية وکذلک بالمصطلحات والکلمات التي تدل علی الفلسفة بحيث يتراءی للقارئ أن للتقليد والتفنن دورا أکثر إذ حضّ الکاتب علی خلق مثل هذه القصة.» [23]
تظهر معاني الرموز الخفية في کتاب نجم الدين – کما قيل سابقا – بسبب وصفه عندما کتب: «رأی امرأتين، الأولی سوداء، والثانية سمراء.» [24] فالمرأة السوداء ترمز إلی التراب والمرأة السمراء ترمز إلی الماء؛ «رأی رجلين: أحدهما أبيض والآخر أحمر.» [25] فالرجل الأبيض رمز للرياح والأحمر رمز للنار؛«ذهب من هنالک ثم نظر فرأی الملک سليمان الکبرياء، مع البسط السبعة.» [26] والبسط السبعة رمز للسماوات السبع:«أرسلت من برج القلب حمامة برسالة سرية إلی طلب حاجة.» [27] فالحمامة ورسالتها رمزان لأدعية الصالحين وهکذا: عنقاء المغرب رمز لجمال الدين شرف سلغور(من رجال عصر الکاتب)؛ والماء رمز للحياة والعلم؛ والجزيرة رمز للدنيا؛ والأطفال رمز للمغفلين من الناس؛ والثعبان رمز للموت؛ واللآلي رمز للحقائق؛ والغراب ذات مائة ألف عين رمز لليلة ونجومها؛ والصقر ذو عين واحدة رمز للنهار والشمس؛ والظلمات رمز للفتن؛ والبحر رمز لمصدر الفضل والمعرفة و... .
إن هذه القصة بالرغم من قلة الرموز والتفاسير فيها بالمقارنة إلی باقي قصص الطيور، ومع أنها ليست علی مستوی کبير من الفلسفة والعرفان، فإنها جديرة بالاهتمام حيث إنها تعدّ من مواريث النثر الفارسي قبل عصر المغول ثم لأنها انعکاس لمعاناة رعايا ريّ في عصر المؤلف.
مشاركة منتدى
5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020, 07:35
يوم صباح بعد فجر أرى واشوف ويأتي مجموعة من الطيور لونها اسود غامق عندما أراها تقف علا مكان أمامي وحجمها وضبط شكل ولا تنطق وأذكر الله عندما أراها واسحب فانتصر وتسمع لما اذكره ارجوا الجواب من فترة قليلة هاذا شي