الزهد فی شعر أبي العلاء المعرّي
بقلم مریم إدریس خریجة جامعة آزاد آبادان
أبوالعلاء المعري
– هو«أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد التنوخي المعريّ».
[1]
– ولد في «يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بمعرة النعمان» ]]
[2]
– فجدِّر فی السنة الثالثه من عمره، وکُفَّ من الجدری وقال لاأعرف من الألوان إلا الأحمر.
[3]
– «ولما أدرك سن التعلم أخذ ابوه یلقنه علوم اللسان العربی فتعلمها. وتلمذ بعد ذلك لنفر من علماء بلده فضم إلی صدره ماحوته صدورهم».
[4]
– «وقال الشعر وهوابن احدی عشرة سنة. ورحل إلی بغداد سنة 398 هـ فأقام سنة وسبعة أشهر» .
[5]
– سببین إثنین جعلت أبو العلاء أن یترك بغداد ویتخذ قرار الرجوع إلی المعرّة فهما: كما یشیر إلیهما فی الأبیات اللاحقة، الفقر ومرض أمه.
«أثارني عنــكـم أمــران: والــدةلـم ألقها، وثــراء عـاد مـسفــوتاأحیاهما الله عصر البین ثم قضیقبل الأیاب الی الذخرین أن موتیلــولارجــاءُ لقــائیها لــما تـبعتعنسي دلیلاً كسّر الغمد إصـلـیـتا»
[6]
«وبعد ذلك قرّر أبوالعلاء في نفسه العزلة والخروج عن الدنیا فأعتزل عن الناس إلاّ عن تلامیذه وسمّيَ نفسه رهین المحبسین العمي والمنزل وظل عاكفاً علی التعلیم والتألیف عازفاً عن ملذات الحیاة لایأكل الحیوان ولا ما ینتج منه، قانعاً من الطعام والحلوی بلعدس والتین ومن المال بثلاثین دیناراً موقوفا علیه فی كل عام، راضیاً من اللباس والفراش بغلیظ القطن وحصیر البردي. وحرّم علی نفسه الزواج ضناً بنسله علی لؤم الناس وبؤس الحیاة.»
[7]
فهو«واسع الثقافات سعة شدیدة فهویعرف الدیانات والمعتقدات المختلفة كما یعرف الفلسفة والتنجیم والتاریخ والتصوف، وما یطوي في ذلك من ثقافات یونانیه وفارسیة وهندیة»
[8]
(كان المعري، شديد الإيمان بالله. ولكن إيمانه لم يكن إيماناً وجدانياً فحسب بل كان إيماناً عقلياً وللمعري أدلته على وجود الله وهي:
1ـ الدليل الأول: هودليل الحكمة والعناية، وخلاصته أن في العالم نظاماً وترتيباً يدلان على وجود خالق حكيم فيقول:
فساد وكون حادثان كلاهما شهيد بأن الخلق صنع حكيم
2ـ الدليل الثاني: هودليل البرهان، وخلاصته أن الملحد بحشر الأجساد ملحد بالله، فإذا آمن الإنسان بالحشر لم يخسر شيئاَ. وإذا جحده خسر كل شئ.
[9]
وتوفي لیلة الجمعة الثاني: من شهر ربیع الأول سنة (449 هـ).
[10]
أما من أهم خصائصه الخلقیه «زهده وإعراضه عما فی هذه الحیاة من اللذات، ولك في سیرته بالمعرّة تسعاً وأربعین سنة أصدق دلیل علی أن هذا الخلق قد كان من الصور النفسیه اللازمة له. وكذلك العفة والقناعة وعزة النفس. »
[11]
«وكان لهذا القانون الصارم الذي إتخذه أبوالعلاء لنفسه أثره الكبير في حياته الأدبية لأن التشدد في الحياة كلفه التشدد في إلتماس الإجادة وجعله يلتزم ما لا يلزم في أعماله العقلية، وحياته المادية.»
[12]
«وفي هذا القسم من حياته أنشد ديوانه لزوم ما لايلزم (اللزوميات) والتزم فيها أن تكون القافية على حرفين، وأن تشمل أشعاره كلَّ حروف الضاد وما يلحقها من الفتح والضم والكسر والسكون، فقد كان لكل حرف بإستثناء الألف ـ أربعة فصول: فللباء المضمومة فصل، وللمفتوحة فصل، وللمسكورة فصل آخر، وكذلك للباء الساكنة وهكذا. وفي هذا دلالة على مقدرة لغوية وعروضية وفلسفية لاتخفى على أحد، وأكثر لزومياته متين اللفظ، فخم الأسلوب يعجّ بالمصطلحات العروضيّة، والصرفية، والفقهيّة، والطبيّة، والفلسفية، ويحوي من الأمثال السائرة، والحكم الماهرة، وما يستلزم كتاباً لإحصائها وتبيانها.»
[13]
المعري، أبوالعلاء: ديوان اللزوميات، المقدمة، شرح وحيد كبابة وحسين حمد، 1992م، ص 10.
«لعلّ ديوان «لزوم ما لایلزم» الوحيد، بين دواوين العرب القدماء الذي ينطلق من حياة الإنسان وشؤون المجتمع، وإن من زاوية خاصة طغى عليها روح الزهد والتشاؤم. فأبوالعلاء، خلافاً لمن سبقه وعاصروه ولحقه من زملائه القدماء، لم ينطلق في شعره من قصور الحكام وميادين المحاربين، بل من أوساط الشعب المغلوب على أمره والرازح تحت وطأة الفقر والظلم والإبتزاز.»
[14]
وبعد ما قرأت ديوانه اللزوميات عدّة مرات وتأملت في آرائه وأفكاره وجدت أن أبوالعلاء قد تحدث عن العقل والحياة ومايواجهها الإنسان في حياته ومجتمعه من السراء والضراء والشدة والرخاء والتشاؤم السائد على حياته فيتضح لنا أن سير الحياة على غير ما يرضاه هوالذي أدى إلى زهده.
وأما الغرض من هذه الرسالة هوالكشف عن معالم الزهد في شعر أبي العلاء وبرأيي هذه المعالم بينها الشاعر في آرائه التي برزت في إتجاهين هما المجتمع وفساده والحياة والموت ففي الشق المقبل من هذا الفصل بينت ملخصاً من تلك المعالم ديوانه اللزوميات الذي يتضمن آلاف الأبيات في الزهد والتنفير من الحياة الدنيا.
مفاسد المجتمع العباسي في شعر أبي العلاء
أهم مفاسد التي كان یراها أبوالعلاء نستطيع أن نقسمها إلی ثلاثة مواضيع وهی: الموضوع الأول الفساد السياسي والثاني حب المال والثالث ضعف الدين .
أما آراؤه السياسية فنابعة من فساد المجتمع الذي كان يعيش فيه وهويحارب السلطة إنها في نظره فاسده لكون المكر والرشوة والفحش هوالطريق إليها، ولكون الحكام جماعة فوضى ورذيلة، يتبعون هواهم ويسومون الرعية ظلماً وينعمون بمالها وثمرة أتعابها.
وقد أدت الأوضاع القائمة إلى تحرر في الدين وميل إلى الظلم والتعسف ممّا كان له أكبر الأثر في نغمة أبي العلاء المعري على الساسة والحكام وفي ذلك ترك المعري آراء سياسية فيه الكثير من الجرأة، فهوينكر الملك ووراثته في عهد يسيطر فيه النظام الملكي الاستبدادي.
نماذج من الفساد السياسي في شعره:
فهويرى أن الملوك ما هم إلا خدم وضعوا لإصلاح شؤون الناس:
إذا ما تبـيّنا الأمـــور تكشفــت لنــــاوأمــير الـقــوم لــلقـــوم خادمُ
وواقع الحال أن الحكام لا همَّ لهم سوى الجاه والمال وفرض الضرائب.
فانظر اليه يصف سياسة سلاطين العصر:
يكفيك حزناً ذهاب الصالحين معــاًونحـنُ بعدهم في الأرض قطّانإنّ العراق وإنّ الشــــام مـــد زمنٍصفــران، ما بهمــا للملك سلطانساس الأنـــــــام شياطين مسلطــــةٌفــي كلّ مصرٍ من الوالين شيطانمن ليس يحفل خمص الناس كلهـمإن بات يشرب خمراً وهومبطانُأمّا كلابٌ فأعـيـا مـــــن يغالبهـــــمكأنّ أرماحهم في الحـرب شيطان
[15]
ويعتقد أن الساسة في عصره يصرّفون أمور الدولة والرعية بغير عقل وتفكير:
يسوسون الأمور بغير عقلٍوينفذ أمـــــرهم فيقــــال ساســــةفأفِّ من الحياة وأفّ مــنيومـــــن زمــــنٍ رياســته خساسـة
[16]
ويدعوهم إلى استخدام العقل في ادارة البلاد وسياستها، قائلاً لهم:
وإذا الرئاسة لم تصن سياسة ٍعقلية ٍ، خطيء الصواب السائس
[17]
ويزداد بغي الحكام حتى نراه يغضب ويصرخ.
ملّ المقام فكم أعـــاشــــر أمــــــةًأمرت بغير صلاحها أمراؤهاظلموا الرعية واستجازوا كـيدهافعدومصالحها وهم أجراؤها
[18]
حب المال
وأما الآفة الإجتماعية الثانية التي نراها واضحة في ديوانه هي آفة حب المال والحرص عليه فالمال إحدى زينة الدنیا ویؤكد هذا قوله تعالی: «المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا».
[19]
والإسلام «يكره أن يسيطرالمال علی قلب الانسان وهواه فيتخذه هدفاً وغاية، والاسلام يريده وسيلة إلی سعادة الدنيا والآخرة. ويری فيه خير مطيه للمؤمن لوأخذه بحقه ووضعه في حقّه. فالمؤمن يلتمس المال من وجوهه المشروعة، ويتحرّی فيه الحلال، ويطلبه بنفس عزيزه قانعة، ثم يرعی حق ا... فيه فلاينفقه في باطل، ولايمنعه من حق، حينئذ يصبح سعيه عبادة، وماله نعمة، ويكون جدير بسعادة الدارين».
[20]
ونماذج من حب المال فی شعره:
یكثر حب المال في عصره ومن طبيعة الزاهد في الدنيا كره المال فأبوالعلاء ذمّ جمع المال كثيراً لأنّه يذكر الموت وبما يحدث بعد الموت من انتقال كل ما جمعه الانسان إلی غيره:
وكــم جــمــع النــــفائس ربّ مــــالٍفــلمّا جــدّ مــرتــحلاً ذراها
[21]
فهذه الآفة الاجتماعية في عصر المعرّي أدّت الی ظلم اجتماعي كبير وهوسوء توزيع الثروات والأموال، فالأموال ليست موزعه توزيعاً عادلاً والحصول عليها عسير فهناك أناس يتضورون جوعاً بينما جيرانهم يشكون ألم البطنة ومن الناس من ينال فوق حاجته بأدنی سعي وأيسر جهد ومنهم من لاينال حاجته إلاّ بالكدّ والتعب أولاينالهم لها أبداً. فهويشارك الناس في حل هذه المشكلة الاجتماعية فيفرض الحلول لتلك الأزمات الخطيرة التي تهدّد كيان المجتمع وروح الدين القويم. فاذا كان هناك مثل هذا الظلم الأجتماعي فالواجب تأدية الزكاة ولوأنّ الناس أخرجوا أموالهم لما كان هناك محروم ولما حدث هذا التفاوت الاجتماعي الكبير في الطبقات .
ياقوت مــا أنت ياقـوت ولا ذهبفــكيف تعجزأ قـواماً مساكيناوأحسب الناسً لوأعطوا زكاتهملما رأيت بني الأعدام شاكينا
[22]
وأبوالعلاء يری الحرص هوالذي يدعوا إلی طلب المال وطلب الدنيا.
نهاهم عن طلاب المال زهدٌونادی الحرصُ ويبكم اطـلبوهفألقــاها إلــی أســمــاع غُـثرٍإذا عــرفـــوا الــطّريــق تنكّبوهسعوا بين اقترابٍ واغترابٍيــمــوت بــغــصــّةٍ مــتغرّبوهغــدوا قــوتاً لــمثلهم تـساویخــبيــثوه لـــديــه وطــيّــبــوه
[23]
وأكّد علی خطر آفة الحرص وحب المال، علی الأخلاق، فحيث توجد هذه الآفة تنتشر الشرور الخلقية .
المال يسكت عن حقٍ، وينطق فيبطلٍ، وتجمع إكراماً له الشيع
[24].
وإقتران الطمع والحرص بالذلة والخضوع من المعاني التي ألحّ أبوالعلاء عليها في مجابهته لآفة حب المال لما شهده عصره من كثرة الجشعين الذين أراقوا ماء وجوههم علی عتبات الملوك والأغنياء ولا سيما الشعراء المتكسبون بشعرهم.
فلسُّ ما اخترت إنّ اروح منيــسار قــارون عــفــةٌ وفــلس
[25]
وهويحّث علی طلب رزق الحلال:
كلوا طيّباً فالطيب فيما طعمتميبين علی أفواهكم خالص الشكر
[26]
وهويذكر بأن الرزق مقسوم، قسمه ا... وقدره، وعلی ذلك فالكدّ والعنا لايفيد شيئاً، والحرص لايزيد رزقاً:
يسليك أنّ القابض الرزق باسطٌ
وأنّ الــذي شــادَ البـنيّــة هــادم
[27]
ويخاطب الذين يظنون أنهم سبب في رزق المخلوقات بأنهم مخطئون لأنّ الرزاق هوا...
وقد منّوا بــرزق ا.. جــهـــلاًكــأنّـهم لــــبـــاغٍ ســبّـــبـــــوه
[28]
والمالك الحقيقي هوا... والإنسان عبد لا يملك شيئاً وقد صوّر المعرّي هذه الصورة في قوله:
فــقـــيرٌ كــلّ مـــن فــي الأرضِ إنّ الــعبــد لا يــمــلـــــك
[29]
وإذا كان الأمر كذلك فإن من يجهد نفسه وينازع غيره سعياً وراء التملك والغنی غافل وسفيه، لأنّه يخدع نفسه فكل ما في يده عارية لابدّ أن يردّها:
تنازع فــي الــدنيا سواك ومالهولا لك شـيءٌ بــالـحقـيقة فــيـهاولــكــنــها مــلك لــربّ مــقــدّريعـير جـنوب الأرض مرتدٌ فيهاولم تحظ في ذاك النزاع بـطائلٍمن الأمر إلاّ أن تعدّ ســفــيــهــا
[30]
ونراه يذم البخل ويحارب هذه، الخصلة السيئة التي إزدادت بين أبناء عصره لإن المال الذي يهتم صاحبه بجمعه طوال عمره ولن يستفيد منه ما الفائدة فيه:
قرّ البخيل فأمسي من تحفظه يـلقي عـلی الـجسم ديناراً فدينارايشكوالشتاء فيرجوأن يدفّئهأوقد صلاءَك ليس المسجد النارا
[31]
ضعف الدين
أصيب الكثيرون من أبناء العصر بحب الدنيا حباً ألهاهم عن الآخرة، وقادهم إلی الحياة ٍ تنعدم فيها روح الدين وينتشر فيها التكالب علی الثروة والجاه. وكان أثر ذلك وبيلا علی الدين والإستخاف بشعائره، وعلی الأخلاق التي أصابها الكثير من الفساد .
نماذج من آفة ضعف الدين في شعره:
فهويری الدين قد أصابه الضعف حتی إضمحلّ يوماً بعد يوم.
أخلت عمود الدين في الإرض ثابتاًوفي كل يومٍ يضمحلّ علی مهل
[32]
وها هوقد انتهی في اضمحلاله إلی أن أهملت شعائره.
قد أصبــح الدين مضمحلاً وغيّرت آيـة الـدهــورفـــلا زكــاةٌ ولا صــيــامٌ ولا صلاةٌ ولا طهورواعتاض جلّ النكاح قومٌ بنســوةٍ مـالهـا مـهــور
[33]
والدين هوطهارة قلب وعفة ُ نفس:
والدين نصحُ الجيوب مقترناً مدی الليالي بعفّة الحُجَز
[34]
وأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم علی التذكير بالله الذي يری ويسمع ويحاسب علی الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلی التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيها للغافلين وزجراً للاهين وحثا لهم علی التزود بالعمل الصالح استعداداً للموت وما بعده:
اذكر إلهــك إن هببـت من الكريوإذا اهممت لهجعةٍ ورقاداحذر مجيئك في الحساب بزائفٍفــالله ربّــك أنــقــدُ النــقــادِ
[35]
وهويدعوإلی الاستكثار من العبادة ويقول:
اركع لربك في نهارك واسجد ِومــتی أطــقت تهجّداً فتهجّدولتحل عرسك بالتقـي فنظامهأسنی لها من لؤلؤ وزبـرجدِ
[36]
ويقول أيضاً:
ادأب لـربك لا يـلومك عـاقــلٌفي سجن هذي النفس أوإدآبها
[37]
ويدعوإلی التزود من التقوی، في مثل قوله:
تقواك زادٌ فاعتقد أنّهأفضلُ ما أودعـته في السّــقـاء
[38]
وايضاً يقول:
عليك بتقوي ا... في كل مشهدٍ
فللًّةِ ما أذكی نسيماً وما أبقي
أذا ما ركبت الحزم مستبطئاً له
سبقت به من لا تظنُّ له سبقا
[39]
واستغفار دائم من الذنوب يراه المؤمن أجدر به من أن يشغل لسانه بلغوا الكلام:
وشـغــل فــمٍ يستغـفـر ذنـبـهأحقُّ به من ذكر زينب أوجمل
[40]
وتجنّب ما يقبح ويريب اتقاءً للهی، وشكراً لنعمة:
طاعمٌ أنت وارد عذب مــاءٍمـعـرس بـالفــتــاة حاذٍ كـاسي
المصدر نفسه، ج 2، ص 657]]
لأنّ الخمر يذهب بالعقل:
إنّ كــؤوس الــمــدام تــشبــهـماالسيوفٌ، والموت في مـــضاربهاشــمـوسـها شمس باطلٍ شـرقتفــلا يــكــن فــوك مـــــن مغاربهاونـمـلها إن تــدبّ فــي جــســدٍأضــرًّ لـلـنــفس مــن عــقـاربـهــاوكـلّ ما أذهـب الـعـقـول وإنخــــــــالفها، فــــــهومن أقاربـهـاجــرّبهـا عـالــمٌ بــشـيــمـتــهـــاويـــــــــذهب اللــــبّ في تجاربهاوقد تقضـّي الحـيـاة راضــيــة ًبــــــدون مـــــــا نـيل من مآربـهـاإن شربت راحها زنت وجنتفــــــليتّق ا... فــــــي مـشـاربـهــا
[41]
الحياة والموت في شعر أبي العلاء المعري
سنرى أن قوام نظرة أبي العلاء إلى الدنيا ما رآه من زوال هذه الدنيا وشرورها. أما نظرته إلي الموت فتقوم على الرهبة والراحة. وسنراه بعد ذلك يخلوا إلى نفسه خائفاً، يائساً، يحث على التقوى والزهد في الدنيا والعمل للآخرة.
أبوالعلاء والدنيا:
ما عرف عن أبوالعلاء يتجه إلى العقل كثيراً ويعتبره أسمى ما وهب إلى الانسان فهويتجه إلى العقل والعقل يهديه إلى تفاهة الدنيا لأنها زائلة. في حين أن فطرة الإنسان تحب الخلود فروح أبوالعلاء تجد الحياة الدنيا ليس إلا فترة إنتظارٍ مؤلم إلى أن يأتي الموت وينقلها إلى حياةٍ خالدة. فبرأي الزوال هوأول عيبٍ يراه في الدنيا .
1- الزوال: وأبوالعلاء يذكر رأيه ويعيده مراراً وتكراراً، فاذا الصورة تكبر أوتصغر، وتتسع أوتضيق ولكنها لاتخرج عن الأصل الذي رسمه لها، قال:
بالـقضـاء الـبـلــيغ كـنا فعـــشـنـاثم زلنا وكـلّ خــلقٍ يــزولُنحــن في هذه البسيطة أضيــاف ٌلنــا في ذرى المليك نزولُوالأمـيــران ذاهــبــان مــولــىًمستـجّدٌ، وراحــلٌ مـهـزولبلى الحبلُ والغزالة ُ فوق الأرض ِ لـــم يبل خيطهــا المغـزول
[42]
وحقيقة الفناء هذه تنفر أبي العلاء دنياه وتجعله إنساناً متشائماً ويائساً:
أتذهب دارٌ بـــــالنصاء، وربــها يخلفـــــها عمّا قليلٍ ويذهب ُ
أرى قبساً في الجسم يطفئه الردى وما دمت حيّاً فهوذا يتلهّب
[43]
وإسمعه يكرر هذا المعنى بشكل آخر:
وتـقــــدم الأرض نـفــــوسٌ أتـت مخــلوقــةً مـن أنفس ٍتاويـهوالدهر كالحيّوتِ والحــوت فـي إهلاكـه مــا حـوت الحـاويةإن تعمــــــر الـدارُ فــــلابــدَّ مـن يوم ردىً يــتركهــا خـاوية
[44]
وذكر أحد الدارسين حياة أبي العلاء المعري أن مصدر تشاؤمه يعود إلى اضطراب الحياة الاجتماعية في عصره وإلى شعوره بالنقص أيضاً ممّا أثّر فيه أشد تأثير فنراه يسمي نفسه برهين المحبسين ويعتكف في منزله. ويروح يسلك في حياته سلوك المتصوفين الذين يرضوه بالعيش القليل فيقول:
الحمد لله قد اصبحت في دعـةٍأرضى الــقـلــيل ولاأهـتمُّ بالقـوتِوشاهدٌ خالقي أنَّ الصلاة لـــهأجَـــلُّ عندي مـــــن درّي وياقـوتيولاأعاشر أهل العصر، إنّهمإن عوشروا بين محبوبٍ وممقوتِ
[45]
ولم يؤثر فيه التشاؤم في حياته الشخصية وسلوكه اليومي في الإعتكاف والتقشف فقط، بل إنها اعتملت في نفسه وتفجرت شعراً ونثراً.
وأي حياة تلك الحياة؟:أخــوسـفــــرٍ قصده لحـــــدهتــمـادى به الســيرُ حــتى بـــلــــغودنــياك مـثل الإناء الخبيثوصــاحــبهـــا مــثــل كـلبٍ ولغ
[46]
فالبشر في هذا العالم ضيوف، وما الطعام الذي تقدمه لهم الدنيا إلاّ الموت فهم في هذه الحياة لاهون بالمقبّلات وهذا المعنى العميق يصوره لنا قوله:
إنا ضيوف زمانٍ ما قراه لناإلاّ المنايا، ونحن الآن في اللهن
[47]
وبرأيه مثل هذه الدار الفانية لاتصلح دار إقامة حيث لاأمان لمقيم فيها:
لعمرك ما الدنيا بدار إقامةوكالحيُّ في حالِ السلامة آمـن
[48]
2- شرورها:
عاش أبوالعلاء قرابة أربعين عاماً قبل عزلته بين الناس وجرّب الحياة وتأمل فيها فوجدها ليس إلاّ دار شرور:
وهل تــظفر الــدنــيا عــليَّ بمنةٍومـا سـاء فيهـا الـنـفس أصـناف مـا سرّايلاقي حليفُ العيش ما هوكـارهٌوإن لـم يـكــن إلاّ الـهـــواجــرَ والقـــرّانوائبُ منها عمّت الكهل والفتىوشيخ الورى، والطفل، والعبدَ والحُرّا
[49]
نظر أبوالعلاء إلى الدنيا بمنظار أسود، فقد إستنزل أشد سخطه وغضبه عليها ولهج في لزومياته بذمها واحتقارها وكان في كثير من الأحيان يدعوها بأم دَفِر، وهي كنيه قديمه لها (والدَفِر: النتِن، فهي كنيه قبيحة تعرب عن احتقار واضح، وأم دَفِر: الداهيه وقيل: سميت أم دَفر لما فيها عن الآفات والدواهي وقد أوسعها سبّاً وشتماً وذمّاً ولوماً، وعرض ذمها بصور مختلفة. وحض على اجتنابها وزهد فيها، وشغل حيزاً كبيراً من شعره فيها)
[50]
أخوك معذّبٌ يــــــا أمُّ دَفــرٍأطـــلتــه الـــخــطوب وأرهقتهومازالت معاناة الـــرزايـاعــــــلى الانســان حتى أرهقته
[51]
وقوله:
يا أمُّ دفر لورحلت عن الــورىكسروا، ولومن آلِ ضبةٌ كوزاإني ذممتك فاشهري أوأشرعيلاأرهب المعمود والمـركــوزا
[52]
وقوله:
أرى كلَّ أم عُبرها غير مبــطيءٍوما أم دفرٍ بالتي بأن عـبرها
[53]
ونراه كثيراً ما ينبه الانسان بغدر الدنيا:
وجدتك فـــي رقـــدةٍ فــانــتـبهأحــذرك مـــن هـــذه الخاتــلـةأتاهـــا بـــنـــوها عــلى غِــرّةٍوما عــلـمـوا أنّـهــا قــاتـلـــة
[54]
وهذا الغدر إنما يتجلى لأبي العلاء أكثر ما يتجلى، في الموت. إصغ إليه ينشد:
غنتــك دنــياك الــخلوبوحــبّهـــا في الـــكــفّ عــــودأمــا إســاءتــهــــــا فـــقدكانـــت وحــسنــاهـــا وعـــودوالمرء يهــبط هاويــــــاًوالعيش مـــن كلفٍ صـــــعودوالشخص مثل اليوم يمـضـي فــي الـزمان ولايعـود
[55]
وإسمعه يقول:
ولـم تـفتـــأ الدنــيا تغــرُّ خلــيلها،وتبدله من غمض أجفانه سهـداتريه الدجى في هيأة النور خدعةًوتطــمعـــه صـاباً فــيحسبه شهـــداوقد حملته فوق نعشٍ، وطالمـاسرى فوق عنسٍ، أوعلا فرساً نهداكأنَّ ابن حوّاء الدفيـن ابن وقتـــهأجـــــــادت لــه في حجر كافلةٍ مهـداوقد صيّرت مثواه لحــد قــرارةٍوصحّتـــه سقمــاً ورغبته زهـــــداولم تتّرك مــــن حيلةٍ لتغـــــرّهولم يبق في إخلاصــــه حبّها جـهدا
[56]
وانه ليعجب كيف يغتر بها الناس رغم كل ما يراه على خداعها:
لقد غرّت الدنيا بنيها بمذقهــــاوإن سمحوا من ودّها بصـــريحأليلى، وكلّ أصبح ابن ملـوّح،ولبنى وما فينا سوى ابن ذريحوفي كلّ حينٍ يؤنس القوم آيـةٌبشخصٍ قتيلٍ أوبشخص جريحولم يطّرحك المرءُ عنه لعبرةٍيراها بمرفوتِ العظام طــــريحوليس لنا في مدّة العيش راحة ٌفكيف بموتٍ من أذاك مريــــح
[57]
فالدنيا خسيسة تافهة، والناس ما هم إلاّ أخسّاء وكم في هذه الدنيا من أنواع العظات ولكن الناس لايرون ولايسمعون:
خَسستِ يا أمنا الدنـيا فــأفّ لــنــابنوالخســيسة أوبــاشٌ أخـساءُوقد نطقت بأصناف العظات لناوأنتِ فيما يظنّ القوم خرساء
[58]
أبوالعلاء والموت:
رأينا أبوالعلاء كثيراً ما يزعجه أن تنتهي الحياة بالموت. إنه إذ تختم به الحياة فيمحوكل ما سبق من سعادة لمثل المقر المر الذي يتناوله الانسان بعد عسل النحل فلايبقي له إلا المرارة.
[59]
أرى مقراً في آخر العيش كائنانسيت له ما أطعمتك الجوارس
[60]
فاذا هوخائف مذعور، يطارده شبح الموت في كل حين، ويتمثل له وجهه في كل شي يحيط به، ويطالعه إنى إتجه. وهذا صوت الموت الذي يملأ أذنه يصبح حائلاً بينه وبين جمال الحياة:
وأراك يا سمع الحمام فلم تبنسجع الحمام بأسجل وأراك
[61]
فلا عجب أن يحفل ديوانه اللزوميات، بذكر الموت، وتصوير اهواله وآفاته. واذا استوصينا شعره في ذلك وجدناه قائماً على نظرتان رئيسيتان:
1- رهبة الموت: ابوالعلاء يخشي الموت ويفرق لذكره، ولايزال يذكر الناس بأهواله وآلامه، ليرهبهم به. فلن نستغرب إذا سمعناه يكرر المعاني ويعيدها ولن نستغرب ان يحثهم على الإنتباه من غفلتهم، وان في جزعه من الموت وخوفه منه، بعض التأويل المعقول لنقمته على الدنيا وتشاؤمه:
كأنّما العالم ضــأنٌ غــــــدتللرّعي، والموت أبوجـعدهفهادجٌ حامـــــلٌ عكـــــــازهوفـــارسٌ معتقلٌ صعــــدةوآخر ٌ يــــــدرك مــــن تلبهويترك الدنيا لمــــن بعـــدهعيشٌ كما تعهدُ لامخلـــــفٌوعيده بــــل مخلــفٌ وعـدةهل يأمن البر جيسُ في عزهمن قــدر يعدمـــه سعــــــدهكأنما النجم لخــوف الـــرّدىتأخذه من فـــرقٍ رعـــــــدهكم لابنٍ في الأرض لـم يذكّرلبناه، مـذبان، ولا دعـــــدةأحاذر السيل، ومن لي بمـنجــــاةٍ اذا أسمعنـــــي رعدةوالوقت لايفتا فـي مــــــرّهمقربــــاً من أجـــــل بعــــدةفراقب الخالق بالــغيب فــيالقيمة والنيمـــــة والقعــده
[62]
فتراه لرهبته من الموت يشبهه بالحيوانات المفترسه والطيور الجارحة:
كأنما العالم ضأنٌ غــــــدتللرّعي، والموت ابوجعدة
[63]
ويقول:
أوكالمغـــــير مـــــن العــاسلـــات يطـــــرق زربـــــه
[64]
ويقول:
يكـــــر فـــــي الناس كالأجـدل المـــــعاود ســـــــربــة
[65]
وهويصف كرهه إلى الموت بهذه الصورة المهيبة:
وطريقي إلى الحمام كــريــهٌلم تــهبْ عــندَ هــوله اليَـهَماءُولوأنَّ البيداء صارمُ حربٍوهي من كل جانبٍ صرماءُ
[66]
فهويبيّن خوفه من الموت في الابيات الآتيه وثم يلوذ بربه ويرجوالنجاة منه:
مستطارٌ أنا من خوف الرديكل شيءٍ في كتابٍ مستطرغفــــر ا... لعبدٍ غــــافــــــلٍهوفــي أعظم جهلٍ وخطر
[67]
ويرى جمال الحياة في الخلود وعدم الشيب:
أحسن بدنيا القوم لوكان الفتىلا يقتضى وأديمه لايحلم
[68]
وأما الموت قدر الإنسان ولن ينجومنه أبداً فلابد أن نعتبر منه:
هوالموت من ينجومن رامحٍفلابدّ من أسهم النابـللنا أسوةٌ في رجالٍ مضــــــواوهل أنا إلا أخوالآبل
[69]
2- الراحة: رأينا رأي المعري في الدنيا فهولايرى فيها خير وانما هي شرٌ مستطير وبالرغم من أنه كان يهاب الموت فقد أحبه لأنه كره الدنيا فنجد في الأبيات التالية يتنازع مع الموت وحب البقاء:
تودّ البقاء النفس ُ من هيبة الردىوطول بقاء المرء سمٌ مجــربُعلى الموتِ يجتازُ المعاشر كلّهممقيمٌ بــــأهليه ومـــــن يتغرّب
[70]
فوجد الحياة عذاب والموت الراحة الأبدية:
حياتي تعذيب وموتي راحةوكل ابن انثي في التراب سجين
[71]
وأفضل من طول العمر والغنى في هذه الدنيا الموت لأنه راحة من مصائب الدنيا وشقائها.
موت يسير معــــه رحمــــةخيرٌ من اليسر وطول البقاءوقد بلونــــا العيش اطوارهفمــــا وجدنا فيه غير الـشقاءتقدّم الناس فيـــــا شوقنــــاإلى اتباع الأهل والأصدقاء
[72]
فالموت يغني والحياة تفقر:
أمّا الحياة ففقرٌ لاغنى معهوالموت يغني فسبحان الذي قدرا
[73]
فأبوالعلاء يقارن بين الموت والحياة فيجد الموت أكثر رحمة لنا فهويغلق كل بابٍ للشر تفتحه الدنيا وهوأعدل ما يمر على الناس اذ يغني والدنيا تفقر.
ما أعدل الموت من أتٍ وأسترهفهيجيني فأني غيــــر مهتـــاجالعيش أفقر منا كــــل ذات غنىوالموت أغنى بحقٍ كلّ محتاجأذا حياةُ علينا للأذى فـــتحـــــتباباً مـــــن الشــر، لاقاه بإرتاج
[74]
فسبحان ا... الذي ساوى بالموت بين أفراد البشر: الغنى والفقير الساعي والمقيم
عز ّالــــذي بالموت ردّ غنيناكفقيــــرنا ومقيمنــــا كالراحل
[75]
وعنده الملك والصعلوك يتساويان فمصيرهما واحدٌ في حفرةٍ ترابية:
يساوي مليك الحي صعلوك قومهوتسحى له الأرض الزرود فتلهم
[76]
ولا يميز بين ظالم ومظلوم، فهويأتي على الجميعِ:
ورأيت الحمام يأتي على العالـــــم مـــــــن قاهـــرٍ ومن مقهور
والموت يعمّ الدنيا، كما لوأنه غيم يتلوغيماً:
وجدت الموت ينتظم البرايابسحــبٍ منــه فـي أعقــــاب سحبِ
[77]
ويصف الموت بأنه لايترك كائن حي. فلا يترك بهيمه ولانبته ولايترك حتى كواكب السماء.
لاذات يســـربٍ يُعرّي الـرّدى، ولاذات سُــــربـــــهْومــــــا أظـــــــن ُّ المناياتخطوكــــــواكب جربــــهستأخذ السر والغـــــــــفـرَوا السّمــــــــاك وتربـــهْفتّشن عن كــــــــل ّ نفس ٍشـــــــرقَ الفضاء وغربهْوزرن عـــــــن غيــر برّعجــــم الأنـــــام وعـــربه
[78]
فهويهلك الأفاعي العظيمة، أوالعصافير الحقيرة، كما يهلك الأسود الضاريه من الحيوان، يريد أن لاناج من الموت، عظم أم حَقُرَ.
قضاءُ ا... يبتعث المنايــــا،فيهلكن الأساود والأسودافعيشا مفضلين أواستميحا،وسودا معشراً أولا سودا
[79]
فرأيت كيف يجد أبوالعلاء العدل والمساواة بين جميع أفراد البشر بل بين جميع الكائنات في الأبيات السابقة. فهوكان يبحث حول العدل والمساواة في حياته والكنه رآها في الممات.
فلاعجب إن وجدناه يرحب بالموت وينتظره. وحينما طال به البقاء خاطب نفسه مطمئناً لها أن الموت الذي تنتظره لابد آت ولوطالت الحياة .
يا مرحبا بالموت مـــن منتظرإن كـــــان ثـــــم تعـــارف وتلاق
[80]
ويقول:
نفسي أخاطب والدنيا لها غبروفي الحمام إذا طال الأذى درك
[81]
ويقول:
متى أنا للدار المريحة ظاعــنفقــــد طــــال في دار العناء مقاموقد ذقتها ما بين شهد وعلقموجربتــــها فــــي صحة وسقام
[82]
فيطلب عن ا... سبحانه وتعالى التعجيل في الموت لأنه يرى نفسه في النحس مذ ولد:
رب متى أرحل عن هذه الدنيا فـــــــأني قد أطلت المقاملم أدر ما نجمــي ولكنـــــهفي النحس مذجري واستقام
[83]
فآثر أبوالعلاء الموت على الدنيا لشدة ما رآه من آلامها .
أبوالعلاء والآخرة
طفنا مع أبي العلاء في دنياه يائساً متشائماً مذعوراً، يخيفه الموت. ثم شاهدناه وقد تخلى عن دنياه وآثر الموت واتجه بذهنه إلى ربه يسأله حسن العقبى في الآخرة. فاذا سمعته يندد بالموت، ويذكر شرور الحياة، ويحث على التزود للآخرة، فاعلم أنه يعتصم بالآخرة خوفاً من الموت:
يهاب الناس ايجاف المناياوهل حاد القضاء عن الهيوب
[84]
ويقول أيضاً:
سيلقى كلّ من حذر المنايا،ثــقــلـيك مــــن درعٍ وتــرسٍلنا ربُّ، وليس له نظيـــر ٌيسيّر أمـــرهُ جبـــلاً ويرسي
[85]
وهويخاطب الانسان أن دنياك هذه مليئةٌ بالشرور فابحث عن غيرها.
أيا سارحاً في الجود دنياك معدنٌيفورُ بشرٍ، فابغ في غيرها وكرا
[86]
ويعتبرأبوالعلاء الدنيا جسرٌ للعبور إلى الآخرة والدنيا هذه زائلة والموت يفتك بالإنسان.
ودارا ساكنٍ وحياةُ قـــــــومٍكجســــرٍ فوقه إتصل العبوريعطّل منزل ويـــزارُ قبــــرٌ،وما تبقى الديارُ ولا القبورُحمامٌ فاتكٌ فـهـل انتــصــــار؟وكســـرٌ دائمٌ فمتى الجـبـور
[87]
ويبين شوقه إلى الدار الآخرة ليرتاح من دنيا العذاب:
يا رب اخـرجني إلى دار الرضىعجـــــلاً، فهـــــذا عالمٌ منكـوسظلّوا كدائرة ٍ يحــــــوّلُ بعضهـــامن بعضها، فجميعهـــا معكوس
[88]
وهويذكر عفوا... سبحانه وتعالى اذ عذاب يوم الحساب عظيم ويذكر خوفه منه.
عاقبــــة الميــــت محمـــــــودة ٌإذا كفـــــــى ا... أليــــمَ العقــــــابليــــس عــــــذابُ ا... من خانهكالقطع للأيدي وضرب الرّقــابلكنّـــــــه متصــــــلٌ فاحـــتقبما شئت لايوضع كوضع الحقابونـــــاره لا تشبـــــه النار فيإفنائها ما أطعمـــت مــــن ثقـــابكم عملٍ أهملـــــه عـامــــــــلٌيحفظـــه خالقنـــــــا بـــارتقــــابْوإن ما غودر فــــي مـدّتـــيكقاب قــــوسٍ مــدّ اوبعض قـابليتـي هبـــاءٌ في قنــــائي لأيّأوقطرةٌ بيـــن جنــــاحي عـقــابأوكنــــــت كــدريّـاً أخا قفرةمشرَجُــــهُ مــــــن آجنات الـوقاب
[89]
ورأيت كيف بيّن خوفه في الأبيات الأخيرة وهومرتهبٌ يبحث عن مفرٍ من عذاب ا... وهويتمنى لويكون شيئاً تافهاً كغبارٍ في ماء يشربه ثور، أوقطرة ماء بين جناحي نسر أوطيراً يعيش في الصحراء ويشرب الماء الآس من الصخر وهذا وإن دل على شي ء فيدل على شدة الخوف من عذاب ا... إذ يدنوالأجل.
واذا كان الموت قد ألقى في قلبه الرعب وزهّده في الحياة فانه لم ينسه الآخرة ولم يزهده فيها. بل إنه ليخاف الآخرة كما يخاف الموت وسيأتي يوم الحشر والحساب:
ولا تأمنـنْ أن يحـشر اليومَ ربّـــهله بـصـرٌ مـن قــدرةٍ ولــه سـمعفيخبر بالتقصيــــر عنك مؤنّبــــاً،وتسكبَ دمعاً حيث لاينفع الدمعهنالك لاترجوصريخاً مزعــزعاًصدور عوالٍ فوقها للردى لمـــع
[90]
وليتزود من أجل الآخرة كي لايخسرها فعزة المرء وشرفه في ما يدّخره لآخرته:
خاب الذي سار عن دنياه مرتحــــــلاًوليس في كفّه من ديــنها طـرفُلاخير للمــرء إلا خيـــــــرُ الآخــــــرةيبقي عليه، فذاك العزّ والشرفنرجوالسلامة في العقبى وما حسنتأعمالنا، فيرجى الفوزُ والغرفُ
[91]
ونراه كثيراً ما يحظ على تقوى ... وفعل الخير وإقامة الفروض الدينية وكسب الرزق بالعمل ومنع النفس من أهوائها. قبل أن يأتي الموت.
فــــــــاتّق ا... وحـــــــدهوتحمّل لــــه الكلـفوافعل الخيرَ، والحديثكثيرٌ قــــد اختلــــفلاتقومـــــنّ في المساجدترجـــوبهــا الزُّلـفمعمــلاً بســـــط راحتيكإلـــــى نائلٍ يلــــــفورُم الرزق في البــــلادفإن رمتـــه ازدَلــفواظلفِ النفس فالطريدسريـــعٌ إلى الظّلــفوتلـــافَ الذي مضـــىقبلَ أن ينزل التلـف
[92]
ولا خلاص من عذاب الحياة سوى الاعتصام بحبل ا... والتقوى:
تفكروا بالله واستيقضـوافإنها داهية ضئبــلُ
[93]
والتقوى هوأعظم ربحٍ يراه:
أعدُّ أسنى الربح فعل التقىفلاأكن ربّ من الخاسرين
[94]
الخاتمه:
أما أهم النتائج التي توصلت إليها فهي:
- اثرت العوامل النفسية والإجتماعية والسياسية في أدب المعري وأفكاره وزهده.
- هدف المعري من نظم اللزوميات الوعظ والإرشاد فتضمن هذا الديوان بآرائه حول العصر والحياة وبيّن لنا أفكاره في الزهد باتجاهين الأول المجتمع وفساده والثاني الحياة والموت.
- فأبوالعلاء كان يحب الناس ويتمنى لهم السعادة ولكنه فوجئ بإنهما كهم في الشرور والمفاسد. ففضل العزلة على معاشرتهم وقام بدوره كمصلحاً إجتماعياً يحارب مفاسد المجتمع التي يراها في حب المال وحب الجاه وضعف الدين.
- فحذّر المرء من الرئاسة واعتقد أن الرئاسة والقيادة هما أصل الحقود فليتجنب الإنسان منها. وثم حذّر من فكرة جمع المال والحرص عليه وحارب الظلم الإجتماعي الكبير وهوسوء توزيع الثروات في مجتمعه بتآدية الزكاة والإنفاق وذم البخل.
- وما عرف عن أبوالعلاء أنه متدين حقيقي فقد صعب عليه ضعف الدين في مجتمعه والدين عنده عقيدة لامجرد أقوال فأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم على التذكير با... الذي يرى ويسمع ويحاسب على الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلى التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيهاً للغافلين وزجراً لللاهين وحثاً على التزود بالعمل الصالح.
- وثبت لنا أن أبوالعلاء كان يحب الدنيا ولكنه عاش أزمات نفسية وروحية صعبة ومتوالية بسبب عاهات العمى والوجه المجدور والجسد النحيف والواقع الإجتماعي والسياسي المحبط فنظر إليها بمنظار أسود وراى كل ما فيها الزوال والشرور، فكرهها وذمها كثيراً ووصفها بأوصاف ذميمة كالخائنة، والخسيسة والفاتكة والغدّارة.
- وكان يخاف الموت ولكنه وجد الراحة في ذلك ورأى العدل والمساواة اللذان كانا معدومان في عصره، في الممات.
- فإتجه بذهنه إلى ربه وإعتصم بالآخرة خوفاً من الموت ويذكر عفوا... سبحانه وتعالى إذ عذاب ا... يوم الحساب عظيم ويوصي للتزود من أجل الآخرة كي لايخسرها ويرى عزة المرء وشرفه في ما يجمعه لآخرته.
- ففي زهده كان مختاراً وكان في ذلك في ذلك إيجابى بنّاء فنظرته التشاؤمية لم تكن ترمي إلى هدم المجتمع وإنما إلى تنبيه الناس للتخفيف من حب الدنيا وتعلقهم بها حتى لايركنوا إلى الكسل والتواكل.
- وكان صادقاً في زهده وظل ملتزماً بما قال وبما ألزم نفسه من مجاهدات وقيود حتى وفاته ليظهر قوة إرادته، وليعلن أنه تزهدوا إعتزل رغم الغرائز التي فطر عليها الإنسان.
منابع:
- القرآن الكریم
#ـ إبن خلكان، أبوالعباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: د:إحسان عباس، منشورات الرضى، ط2، قم، 1346هـ. - الإفريقي المصري، محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
#ـ البيهقي، الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين، كتاب الزهد الكبير، دار الجنان، 1408هـ/1987م.
#ـ الجندي، محمد سليم، الجامع في أخبار أبي العلاء المعري وآثاره، دارصادر، بلاط،بيروت،، 1412هـ 1992م.
#ـ الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، دار إحياء التراث العربى،ط4 بيروت، 1426هـ / 2005م.
#ـ حسين، طه، تجديد ذكرى أبي العلاء المعري، مكتبة المدرسة، ط2،بيروت، 1983م. - الحلبي، إبن العديم: الإنصاف والتحري، تحقيق: عبدالعزيز حرفوش، دار جولان، 1428 هـ / 2007م.
#ـ خضر، سناء، النظرية الخلقية عند أبي العلاء المعري بين الفلسفة والدين، دار الوفاء لدنيا الطباعة، اسكندرية، 1686/1999م.
#ـ الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين،ط5، بيروت، 1985 م.
11ـ الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي، دار الثقافة، ط 29، بيروت، 1985.
#ـ الصفدي، صلاح الدين خليل بن أبيك، الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ/2000م.
#ـ ضيف، شوقي، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف، ط11، قاهرة، 1119م.
#ـ القفطي، جمال الدين، أنباه الرواة على أنباه النحاة، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة،1950م.
#ـ محمد ضيف، عبدالستار، شعر الزهد في العصر العباسي، مؤسسة المختار، 1426هـ/2005م.
#ـ المعري، أبوالعلاء، ديوان اللزوميات، شرح كمال اليازجي، دار الجيل، بيروت، 1412هـ/1992م.
#ـ ـــــــــــ، ـــــــــــــ، سقط الزند، شرح احمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، 1410 هـ / 1990 م.
بقلم مریم إدریس خریجة جامعة آزاد آبادان
أبوالعلاء المعري
– هو«أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد التنوخي المعريّ».
[95]
– ولد في «يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بمعرة النعمان» ]]
[96]
– فجدِّر فی السنة الثالثه من عمره، وکُفَّ من الجدری وقال لاأعرف من الألوان إلا الأحمر.
[97]
– «ولما أدرك سن التعلم أخذ ابوه یلقنه علوم اللسان العربی فتعلمها. وتلمذ بعد ذلك لنفر من علماء بلده فضم إلی صدره ماحوته صدورهم».
[98]
– «وقال الشعر وهوابن احدی عشرة سنة. ورحل إلی بغداد سنة 398 هـ فأقام سنة وسبعة أشهر» .
[99]
– وأما سببین إثنین جعلت أبوالعلاء أن یترك بغداد ویتخذ قرار الرجوع إلی المعرّة فهما: كما یشیر إلیهما فی الأبیات اللاحقة، الفقر ومرض أمه.
«أثارني عنــكـم أمــران: والــدةلـم ألقها، وثــراء عـاد مـسفــوتاأحیاهما الله عصر البین ثم قضیقبل الأیاب الی الذخرین أن موتیلــولارجــاءُ لقــائیها لــما تـبعتعنسي دلیلاً كسّر الغمد إصـلـیـتا»
[100]
«وبعد ذلك قرّر أبوالعلاء في نفسه العزلة والخروج عن الدنیا فأعتزل عن الناس إلاّ عن تلامیذه وسمّيَ نفسه رهین المحبسین العمي والمنزل وظل عاكفاً علی التعلیم والتألیف عازفاً عن ملذات الحیاة لایأكل الحیوان ولا ما ینتج منه، قانعاً من الطعام والحلوی بلعدس والتین ومن المال بثلاثین دیناراً موقوفا علیه فی كل عام، راضیاً من اللباس والفراش بغلیظ القطن وحصیر البردي. وحرّم علی نفسه الزواج ضناً بنسله علی لؤم الناس وبؤس الحیاة.»
[101]
فهو«واسع الثقافات سعة شدیدة فهویعرف الدیانات والمعتقدات المختلفة كما یعرف الفلسفة والتنجیم والتاریخ والتصوف، وما یطوي في ذلك من ثقافات یونانیه وفارسیة وهندیة»
[102]
(كان المعري، شديد الإيمان بالله. ولكن إيمانه لم يكن إيماناً وجدانياً فحسب بل كان إيماناً عقلياً وللمعري أدلته على وجود الله وهي:
1ـ الدليل الأول: هودليل الحكمة والعناية، وخلاصته أن في العالم نظاماً وترتيباً يدلان على وجود خالق حكيم فيقول:
فساد وكون حادثان كلاهما شهيد بأن الخلق صنع حكيم
2ـ الدليل الثاني: هودليل البرهان، وخلاصته أن الملحد بحشر الأجساد ملحد بالله، فإذا آمن الإنسان بالحشر لم يخسر شيئاَ. وإذا جحده خسر كل شئ.
[103]
وتوفي لیلة الجمعة الثاني: من شهر ربیع الأول سنة (449 هـ).
[104]
أما من أهم خصائصه الخلقیه «زهده وإعراضه عما فی هذه الحیاة من اللذات، ولك في سیرته بالمعرّة تسعاً وأربعین سنة أصدق دلیل علی أن هذا الخلق قد كان من الصور النفسیه اللازمة له. وكذلك العفة والقناعة وعزة النفس. »
[105]
«وكان لهذا القانون الصارم الذي إتخذه أبوالعلاء لنفسه أثره الكبير في حياته الأدبية لأن التشدد في الحياة كلفه التشدد في إلتماس الإجادة وجعله يلتزم ما لا يلزم في أعماله العقلية، وحياته المادية.»
[106]
«وفي هذا القسم من حياته أنشد ديوانه لزوم ما لايلزم (اللزوميات) والتزم فيها أن تكون القافية على حرفين، وأن تشمل أشعاره كلَّ حروف الضاد وما يلحقها من الفتح والضم والكسر والسكون، فقد كان لكل حرف بإستثناء الألف ـ أربعة فصول: فللباء المضمومة فصل، وللمفتوحة فصل، وللمسكورة فصل آخر، وكذلك للباء الساكنة وهكذا. وفي هذا دلالة على مقدرة لغوية وعروضية وفلسفية لاتخفى على أحد، وأكثر لزومياته متين اللفظ، فخم الأسلوب يعجّ بالمصطلحات العروضيّة، والصرفية، والفقهيّة، والطبيّة، والفلسفية، ويحوي من الأمثال السائرة، والحكم الماهرة، وما يستلزم كتاباً لإحصائها وتبيانها.»
[107]
المعري، أبوالعلاء: ديوان اللزوميات، المقدمة، شرح وحيد كبابة وحسين حمد، 1992م، ص 10.
«لعلّ ديوان «لزوم ما لایلزم» الوحيد، بين دواوين العرب القدماء الذي ينطلق من حياة الإنسان وشؤون المجتمع، وإن من زاوية خاصة طغى عليها روح الزهد والتشاؤم. فأبوالعلاء، خلافاً لمن سبقه وعاصروه ولحقه من زملائه القدماء، لم ينطلق في شعره من قصور الحكام وميادين المحاربين، بل من أوساط الشعب المغلوب على أمره والرازح تحت وطأة الفقر والظلم والإبتزاز.»
[108]
وبعد ما قرأت ديوانه اللزوميات عدّة مرات وتأملت في آرائه وأفكاره وجدت أن أبوالعلاء قد تحدث عن العقل والحياة ومايواجهها الإنسان في حياته ومجتمعه من السراء والضراء والشدة والرخاء والتشاؤم السائد على حياته فيتضح لنا أن سير الحياة على غير ما يرضاه هوالذي أدى إلى زهده.
وأما الغرض من هذه الرسالة هوالكشف عن معالم الزهد في شعر أبي العلاء وبرأيي هذه المعالم بينها الشاعر في آرائه التي برزت في إتجاهين هما المجتمع وفساده والحياة والموت ففي الشق المقبل من هذا الفصل بينت ملخصاً من تلك المعالم ديوانه اللزوميات الذي يتضمن آلاف الأبيات في الزهد والتنفير من الحياة الدنيا.
مفاسد المجتمع العباسي في شعر أبي العلاء
أهم مفاسد التي كان یراها أبوالعلاء نستطيع أن نقسمها إلی ثلاثة مواضيع وهی: الموضوع الأول الفساد السياسي والثاني حب المال والثالث ضعف الدين .
أما آراؤه السياسية فنابعة من فساد المجتمع الذي كان يعيش فيه وهويحارب السلطة إنها في نظره فاسده لكون المكر والرشوة والفحش هوالطريق إليها، ولكون الحكام جماعة فوضى ورذيلة، يتبعون هواهم ويسومون الرعية ظلماً وينعمون بمالها وثمرة أتعابها.
وقد أدت الأوضاع القائمة إلى تحرر في الدين وميل إلى الظلم والتعسف ممّا كان له أكبر الأثر في نغمة أبي العلاء المعري على الساسة والحكام وفي ذلك ترك المعري آراء سياسية فيه الكثير من الجرأة، فهوينكر الملك ووراثته في عهد يسيطر فيه النظام الملكي الاستبدادي.
نماذج من الفساد السياسي في شعره:
فهويرى أن الملوك ما هم إلا خدم وضعوا لإصلاح شؤون الناس:
إذا ما تبـيّنا الأمـــور تكشفــت لنــــاوأمــير الـقــوم لــلقـــوم خادمُ
وواقع الحال أن الحكام لا همَّ لهم سوى الجاه والمال وفرض الضرائب.
فانظر اليه يصف سياسة سلاطين العصر:
يكفيك حزناً ذهاب الصالحين معــاًونحـنُ بعدهم في الأرض قطّانإنّ العراق وإنّ الشــــام مـــد زمنٍصفــران، ما بهمــا للملك سلطانساس الأنـــــــام شياطين مسلطــــةٌفــي كلّ مصرٍ من الوالين شيطانمن ليس يحفل خمص الناس كلهـمإن بات يشرب خمراً وهومبطانُأمّا كلابٌ فأعـيـا مـــــن يغالبهـــــمكأنّ أرماحهم في الحـرب شيطان
[109]
ويعتقد أن الساسة في عصره يصرّفون أمور الدولة والرعية بغير عقل وتفكير:
يسوسون الأمور بغير عقلٍوينفذ أمـــــرهم فيقــــال ساســــةفأفِّ من الحياة وأفّ مــنيومـــــن زمــــنٍ رياســته خساسـة
[110]
ويدعوهم إلى استخدام العقل في ادارة البلاد وسياستها، قائلاً لهم:
وإذا الرئاسة لم تصن سياسة ٍعقلية ٍ، خطيء الصواب السائس
[111]
ويزداد بغي الحكام حتى نراه يغضب ويصرخ.
ملّ المقام فكم أعـــاشــــر أمــــــةًأمرت بغير صلاحها أمراؤهاظلموا الرعية واستجازوا كـيدهافعدومصالحها وهم أجراؤها
[112]
حب المال
وأما الآفة الإجتماعية الثانية التي نراها واضحة في ديوانه هي آفة حب المال والحرص عليه فالمال إحدى زينة الدنیا ویؤكد هذا قوله تعالی: «المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا».
[113]
والإسلام «يكره أن يسيطرالمال علی قلب الانسان وهواه فيتخذه هدفاً وغاية، والاسلام يريده وسيلة إلی سعادة الدنيا والآخرة. ويری فيه خير مطيه للمؤمن لوأخذه بحقه ووضعه في حقّه. فالمؤمن يلتمس المال من وجوهه المشروعة، ويتحرّی فيه الحلال، ويطلبه بنفس عزيزه قانعة، ثم يرعی حق ا... فيه فلاينفقه في باطل، ولايمنعه من حق، حينئذ يصبح سعيه عبادة، وماله نعمة، ويكون جدير بسعادة الدارين».
[114]
ونماذج من حب المال فی شعره:
یكثر حب المال في عصره ومن طبيعة الزاهد في الدنيا كره المال فأبوالعلاء ذمّ جمع المال كثيراً لأنّه يذكر الموت وبما يحدث بعد الموت من انتقال كل ما جمعه الانسان إلی غيره:
وكــم جــمــع النــــفائس ربّ مــــالٍفــلمّا جــدّ مــرتــحلاً ذراها
[115]
فهذه الآفة الاجتماعية في عصر المعرّي أدّت الی ظلم اجتماعي كبير وهوسوء توزيع الثروات والأموال، فالأموال ليست موزعه توزيعاً عادلاً والحصول عليها عسير فهناك أناس يتضورون جوعاً بينما جيرانهم يشكون ألم البطنة ومن الناس من ينال فوق حاجته بأدنی سعي وأيسر جهد ومنهم من لاينال حاجته إلاّ بالكدّ والتعب أولاينالهم لها أبداً. فهويشارك الناس في حل هذه المشكلة الاجتماعية فيفرض الحلول لتلك الأزمات الخطيرة التي تهدّد كيان المجتمع وروح الدين القويم. فاذا كان هناك مثل هذا الظلم الأجتماعي فالواجب تأدية الزكاة ولوأنّ الناس أخرجوا أموالهم لما كان هناك محروم ولما حدث هذا التفاوت الاجتماعي الكبير في الطبقات .
ياقوت مــا أنت ياقـوت ولا ذهبفــكيف تعجزأ قـواماً مساكيناوأحسب الناسً لوأعطوا زكاتهملما رأيت بني الأعدام شاكينا
[116]
وأبوالعلاء يری الحرص هوالذي يدعوا إلی طلب المال وطلب الدنيا.
نهاهم عن طلاب المال زهدٌونادی الحرصُ ويبكم اطـلبوهفألقــاها إلــی أســمــاع غُـثرٍإذا عــرفـــوا الــطّريــق تنكّبوهسعوا بين اقترابٍ واغترابٍيــمــوت بــغــصــّةٍ مــتغرّبوهغــدوا قــوتاً لــمثلهم تـساویخــبيــثوه لـــديــه وطــيّــبــوه
[117]
وأكّد علی خطر آفة الحرص وحب المال، علی الأخلاق، فحيث توجد هذه الآفة تنتشر الشرور الخلقية .
المال يسكت عن حقٍ، وينطق فيبطلٍ، وتجمع إكراماً له الشيع
[118].
وإقتران الطمع والحرص بالذلة والخضوع من المعاني التي ألحّ أبوالعلاء عليها في مجابهته لآفة حب المال لما شهده عصره من كثرة الجشعين الذين أراقوا ماء وجوههم علی عتبات الملوك والأغنياء ولا سيما الشعراء المتكسبون بشعرهم.
فلسُّ ما اخترت إنّ اروح منيــسار قــارون عــفــةٌ وفــلس
[119]
وهويحّث علی طلب رزق الحلال:
كلوا طيّباً فالطيب فيما طعمتميبين علی أفواهكم خالص الشكر
[120]
وهويذكر بأن الرزق مقسوم، قسمه ا... وقدره، وعلی ذلك فالكدّ والعنا لايفيد شيئاً، والحرص لايزيد رزقاً:
يسليك أنّ القابض الرزق باسطٌ
وأنّ الــذي شــادَ البـنيّــة هــادم
[121]
ويخاطب الذين يظنون أنهم سبب في رزق المخلوقات بأنهم مخطئون لأنّ الرزاق هوا...
وقد منّوا بــرزق ا.. جــهـــلاًكــأنّـهم لــــبـــاغٍ ســبّـــبـــــوه
[122]
والمالك الحقيقي هوا... والإنسان عبد لا يملك شيئاً وقد صوّر المعرّي هذه الصورة في قوله:
فــقـــيرٌ كــلّ مـــن فــي الأرضِ إنّ الــعبــد لا يــمــلـــــك
[123]
وإذا كان الأمر كذلك فإن من يجهد نفسه وينازع غيره سعياً وراء التملك والغنی غافل وسفيه، لأنّه يخدع نفسه فكل ما في يده عارية لابدّ أن يردّها:
تنازع فــي الــدنيا سواك ومالهولا لك شـيءٌ بــالـحقـيقة فــيـهاولــكــنــها مــلك لــربّ مــقــدّريعـير جـنوب الأرض مرتدٌ فيهاولم تحظ في ذاك النزاع بـطائلٍمن الأمر إلاّ أن تعدّ ســفــيــهــا
[124]
ونراه يذم البخل ويحارب هذه، الخصلة السيئة التي إزدادت بين أبناء عصره لإن المال الذي يهتم صاحبه بجمعه طوال عمره ولن يستفيد منه ما الفائدة فيه:
قرّ البخيل فأمسي من تحفظه يـلقي عـلی الـجسم ديناراً فدينارايشكوالشتاء فيرجوأن يدفّئهأوقد صلاءَك ليس المسجد النارا
[125]
ضعف الدين
أصيب الكثيرون من أبناء العصر بحب الدنيا حباً ألهاهم عن الآخرة، وقادهم إلی الحياة ٍ تنعدم فيها روح الدين وينتشر فيها التكالب علی الثروة والجاه. وكان أثر ذلك وبيلا علی الدين والإستخاف بشعائره، وعلی الأخلاق التي أصابها الكثير من الفساد .
نماذج من آفة ضعف الدين في شعره:
فهويری الدين قد أصابه الضعف حتی إضمحلّ يوماً بعد يوم.
أخلت عمود الدين في الإرض ثابتاًوفي كل يومٍ يضمحلّ علی مهل
[126]
وها هوقد انتهی في اضمحلاله إلی أن أهملت شعائره.
قد أصبــح الدين مضمحلاً وغيّرت آيـة الـدهــورفـــلا زكــاةٌ ولا صــيــامٌ ولا صلاةٌ ولا طهورواعتاض جلّ النكاح قومٌ بنســوةٍ مـالهـا مـهــور
[127]
والدين هوطهارة قلب وعفة ُ نفس:
والدين نصحُ الجيوب مقترناً مدی الليالي بعفّة الحُجَز
[128]
وأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم علی التذكير بالله الذي يری ويسمع ويحاسب علی الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلی التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيها للغافلين وزجراً للاهين وحثا لهم علی التزود بالعمل الصالح استعداداً للموت وما بعده:
اذكر إلهــك إن هببـت من الكريوإذا اهممت لهجعةٍ ورقاداحذر مجيئك في الحساب بزائفٍفــالله ربّــك أنــقــدُ النــقــادِ
[129]
وهويدعوإلی الاستكثار من العبادة ويقول:
اركع لربك في نهارك واسجد ِومــتی أطــقت تهجّداً فتهجّدولتحل عرسك بالتقـي فنظامهأسنی لها من لؤلؤ وزبـرجدِ
[130]
ويقول أيضاً:
ادأب لـربك لا يـلومك عـاقــلٌفي سجن هذي النفس أوإدآبها
[131]
ويدعوإلی التزود من التقوی، في مثل قوله:
تقواك زادٌ فاعتقد أنّهأفضلُ ما أودعـته في السّــقـاء
[132]
وايضاً يقول:
عليك بتقوي ا... في كل مشهدٍ
فللًّةِ ما أذكی نسيماً وما أبقي
أذا ما ركبت الحزم مستبطئاً له
سبقت به من لا تظنُّ له سبقا
[133]
واستغفار دائم من الذنوب يراه المؤمن أجدر به من أن يشغل لسانه بلغوا الكلام:
وشـغــل فــمٍ يستغـفـر ذنـبـهأحقُّ به من ذكر زينب أوجمل
[134]
وتجنّب ما يقبح ويريب اتقاءً للهی، وشكراً لنعمة:
طاعمٌ أنت وارد عذب مــاءٍمـعـرس بـالفــتــاة حاذٍ كـاسي
المصدر نفسه، ج 2، ص 657]]
لأنّ الخمر يذهب بالعقل:
إنّ كــؤوس الــمــدام تــشبــهـماالسيوفٌ، والموت في مـــضاربهاشــمـوسـها شمس باطلٍ شـرقتفــلا يــكــن فــوك مـــــن مغاربهاونـمـلها إن تــدبّ فــي جــســدٍأضــرًّ لـلـنــفس مــن عــقـاربـهــاوكـلّ ما أذهـب الـعـقـول وإنخــــــــالفها، فــــــهومن أقاربـهـاجــرّبهـا عـالــمٌ بــشـيــمـتــهـــاويـــــــــذهب اللــــبّ في تجاربهاوقد تقضـّي الحـيـاة راضــيــة ًبــــــدون مـــــــا نـيل من مآربـهـاإن شربت راحها زنت وجنتفــــــليتّق ا... فــــــي مـشـاربـهــا
[135]
الحياة والموت في شعر أبي العلاء المعري
سنرى أن قوام نظرة أبي العلاء إلى الدنيا ما رآه من زوال هذه الدنيا وشرورها. أما نظرته إلي الموت فتقوم على الرهبة والراحة. وسنراه بعد ذلك يخلوا إلى نفسه خائفاً، يائساً، يحث على التقوى والزهد في الدنيا والعمل للآخرة.
أبوالعلاء والدنيا:
ما عرف عن أبوالعلاء يتجه إلى العقل كثيراً ويعتبره أسمى ما وهب إلى الانسان فهويتجه إلى العقل والعقل يهديه إلى تفاهة الدنيا لأنها زائلة. في حين أن فطرة الإنسان تحب الخلود فروح أبوالعلاء تجد الحياة الدنيا ليس إلا فترة إنتظارٍ مؤلم إلى أن يأتي الموت وينقلها إلى حياةٍ خالدة. فبرأي الزوال هوأول عيبٍ يراه في الدنيا .
1- الزوال: وأبوالعلاء يذكر رأيه ويعيده مراراً وتكراراً، فاذا الصورة تكبر أوتصغر، وتتسع أوتضيق ولكنها لاتخرج عن الأصل الذي رسمه لها، قال:
بالـقضـاء الـبـلــيغ كـنا فعـــشـنـاثم زلنا وكـلّ خــلقٍ يــزولُنحــن في هذه البسيطة أضيــاف ٌلنــا في ذرى المليك نزولُوالأمـيــران ذاهــبــان مــولــىًمستـجّدٌ، وراحــلٌ مـهـزولبلى الحبلُ والغزالة ُ فوق الأرض ِ لـــم يبل خيطهــا المغـزول
[136]
وحقيقة الفناء هذه تنفر أبي العلاء دنياه وتجعله إنساناً متشائماً ويائساً:
أتذهب دارٌ بـــــالنصاء، وربــها يخلفـــــها عمّا قليلٍ ويذهب ُ
أرى قبساً في الجسم يطفئه الردى وما دمت حيّاً فهوذا يتلهّب
[137]
وإسمعه يكرر هذا المعنى بشكل آخر:
وتـقــــدم الأرض نـفــــوسٌ أتـت مخــلوقــةً مـن أنفس ٍتاويـهوالدهر كالحيّوتِ والحــوت فـي إهلاكـه مــا حـوت الحـاويةإن تعمــــــر الـدارُ فــــلابــدَّ مـن يوم ردىً يــتركهــا خـاوية
[138]
وذكر أحد الدارسين حياة أبي العلاء المعري أن مصدر تشاؤمه يعود إلى اضطراب الحياة الاجتماعية في عصره وإلى شعوره بالنقص أيضاً ممّا أثّر فيه أشد تأثير فنراه يسمي نفسه برهين المحبسين ويعتكف في منزله. ويروح يسلك في حياته سلوك المتصوفين الذين يرضوه بالعيش القليل فيقول:
الحمد لله قد اصبحت في دعـةٍأرضى الــقـلــيل ولاأهـتمُّ بالقـوتِوشاهدٌ خالقي أنَّ الصلاة لـــهأجَـــلُّ عندي مـــــن درّي وياقـوتيولاأعاشر أهل العصر، إنّهمإن عوشروا بين محبوبٍ وممقوتِ
[139]
ولم يؤثر فيه التشاؤم في حياته الشخصية وسلوكه اليومي في الإعتكاف والتقشف فقط، بل إنها اعتملت في نفسه وتفجرت شعراً ونثراً.
وأي حياة تلك الحياة؟:أخــوسـفــــرٍ قصده لحـــــدهتــمـادى به الســيرُ حــتى بـــلــــغودنــياك مـثل الإناء الخبيثوصــاحــبهـــا مــثــل كـلبٍ ولغ
[140]
فالبشر في هذا العالم ضيوف، وما الطعام الذي تقدمه لهم الدنيا إلاّ الموت فهم في هذه الحياة لاهون بالمقبّلات وهذا المعنى العميق يصوره لنا قوله:
إنا ضيوف زمانٍ ما قراه لناإلاّ المنايا، ونحن الآن في اللهن
[141]
وبرأيه مثل هذه الدار الفانية لاتصلح دار إقامة حيث لاأمان لمقيم فيها:
لعمرك ما الدنيا بدار إقامةوكالحيُّ في حالِ السلامة آمـن
[142]
2- شرورها:
عاش أبوالعلاء قرابة أربعين عاماً قبل عزلته بين الناس وجرّب الحياة وتأمل فيها فوجدها ليس إلاّ دار شرور:
وهل تــظفر الــدنــيا عــليَّ بمنةٍومـا سـاء فيهـا الـنـفس أصـناف مـا سرّايلاقي حليفُ العيش ما هوكـارهٌوإن لـم يـكــن إلاّ الـهـــواجــرَ والقـــرّانوائبُ منها عمّت الكهل والفتىوشيخ الورى، والطفل، والعبدَ والحُرّا
[143]
نظر أبوالعلاء إلى الدنيا بمنظار أسود، فقد إستنزل أشد سخطه وغضبه عليها ولهج في لزومياته بذمها واحتقارها وكان في كثير من الأحيان يدعوها بأم دَفِر، وهي كنيه قديمه لها (والدَفِر: النتِن، فهي كنيه قبيحة تعرب عن احتقار واضح، وأم دَفِر: الداهيه وقيل: سميت أم دَفر لما فيها عن الآفات والدواهي وقد أوسعها سبّاً وشتماً وذمّاً ولوماً، وعرض ذمها بصور مختلفة. وحض على اجتنابها وزهد فيها، وشغل حيزاً كبيراً من شعره فيها)
[144]
أخوك معذّبٌ يــــــا أمُّ دَفــرٍأطـــلتــه الـــخــطوب وأرهقتهومازالت معاناة الـــرزايـاعــــــلى الانســان حتى أرهقته
[145]
وقوله:
يا أمُّ دفر لورحلت عن الــورىكسروا، ولومن آلِ ضبةٌ كوزاإني ذممتك فاشهري أوأشرعيلاأرهب المعمود والمـركــوزا
[146]
وقوله:
أرى كلَّ أم عُبرها غير مبــطيءٍوما أم دفرٍ بالتي بأن عـبرها
[147]
ونراه كثيراً ما ينبه الانسان بغدر الدنيا:
وجدتك فـــي رقـــدةٍ فــانــتـبهأحــذرك مـــن هـــذه الخاتــلـةأتاهـــا بـــنـــوها عــلى غِــرّةٍوما عــلـمـوا أنّـهــا قــاتـلـــة
[148]
وهذا الغدر إنما يتجلى لأبي العلاء أكثر ما يتجلى، في الموت. إصغ إليه ينشد:
غنتــك دنــياك الــخلوبوحــبّهـــا في الـــكــفّ عــــودأمــا إســاءتــهــــــا فـــقدكانـــت وحــسنــاهـــا وعـــودوالمرء يهــبط هاويــــــاًوالعيش مـــن كلفٍ صـــــعودوالشخص مثل اليوم يمـضـي فــي الـزمان ولايعـود
[149]
وإسمعه يقول:
ولـم تـفتـــأ الدنــيا تغــرُّ خلــيلها،وتبدله من غمض أجفانه سهـداتريه الدجى في هيأة النور خدعةًوتطــمعـــه صـاباً فــيحسبه شهـــداوقد حملته فوق نعشٍ، وطالمـاسرى فوق عنسٍ، أوعلا فرساً نهداكأنَّ ابن حوّاء الدفيـن ابن وقتـــهأجـــــــادت لــه في حجر كافلةٍ مهـداوقد صيّرت مثواه لحــد قــرارةٍوصحّتـــه سقمــاً ورغبته زهـــــداولم تتّرك مــــن حيلةٍ لتغـــــرّهولم يبق في إخلاصــــه حبّها جـهدا
[150]
وانه ليعجب كيف يغتر بها الناس رغم كل ما يراه على خداعها:
لقد غرّت الدنيا بنيها بمذقهــــاوإن سمحوا من ودّها بصـــريحأليلى، وكلّ أصبح ابن ملـوّح،ولبنى وما فينا سوى ابن ذريحوفي كلّ حينٍ يؤنس القوم آيـةٌبشخصٍ قتيلٍ أوبشخص جريحولم يطّرحك المرءُ عنه لعبرةٍيراها بمرفوتِ العظام طــــريحوليس لنا في مدّة العيش راحة ٌفكيف بموتٍ من أذاك مريــــح
[151]
فالدنيا خسيسة تافهة، والناس ما هم إلاّ أخسّاء وكم في هذه الدنيا من أنواع العظات ولكن الناس لايرون ولايسمعون:
خَسستِ يا أمنا الدنـيا فــأفّ لــنــابنوالخســيسة أوبــاشٌ أخـساءُوقد نطقت بأصناف العظات لناوأنتِ فيما يظنّ القوم خرساء
[152]
أبوالعلاء والموت:
رأينا أبوالعلاء كثيراً ما يزعجه أن تنتهي الحياة بالموت. إنه إذ تختم به الحياة فيمحوكل ما سبق من سعادة لمثل المقر المر الذي يتناوله الانسان بعد عسل النحل فلايبقي له إلا المرارة.
[153]
أرى مقراً في آخر العيش كائنانسيت له ما أطعمتك الجوارس
[154]
فاذا هوخائف مذعور، يطارده شبح الموت في كل حين، ويتمثل له وجهه في كل شي يحيط به، ويطالعه إنى إتجه. وهذا صوت الموت الذي يملأ أذنه يصبح حائلاً بينه وبين جمال الحياة:
وأراك يا سمع الحمام فلم تبنسجع الحمام بأسجل وأراك
[155]
فلا عجب أن يحفل ديوانه اللزوميات، بذكر الموت، وتصوير اهواله وآفاته. واذا استوصينا شعره في ذلك وجدناه قائماً على نظرتان رئيسيتان:
1- رهبة الموت: ابوالعلاء يخشي الموت ويفرق لذكره، ولايزال يذكر الناس بأهواله وآلامه، ليرهبهم به. فلن نستغرب إذا سمعناه يكرر المعاني ويعيدها ولن نستغرب ان يحثهم على الإنتباه من غفلتهم، وان في جزعه من الموت وخوفه منه، بعض التأويل المعقول لنقمته على الدنيا وتشاؤمه:
كأنّما العالم ضــأنٌ غــــــدتللرّعي، والموت أبوجـعدهفهادجٌ حامـــــلٌ عكـــــــازهوفـــارسٌ معتقلٌ صعــــدةوآخر ٌ يــــــدرك مــــن تلبهويترك الدنيا لمــــن بعـــدهعيشٌ كما تعهدُ لامخلـــــفٌوعيده بــــل مخلــفٌ وعـدةهل يأمن البر جيسُ في عزهمن قــدر يعدمـــه سعــــــدهكأنما النجم لخــوف الـــرّدىتأخذه من فـــرقٍ رعـــــــدهكم لابنٍ في الأرض لـم يذكّرلبناه، مـذبان، ولا دعـــــدةأحاذر السيل، ومن لي بمـنجــــاةٍ اذا أسمعنـــــي رعدةوالوقت لايفتا فـي مــــــرّهمقربــــاً من أجـــــل بعــــدةفراقب الخالق بالــغيب فــيالقيمة والنيمـــــة والقعــده
[156]
فتراه لرهبته من الموت يشبهه بالحيوانات المفترسه والطيور الجارحة:
كأنما العالم ضأنٌ غــــــدتللرّعي، والموت ابوجعدة
[157]
ويقول:
أوكالمغـــــير مـــــن العــاسلـــات يطـــــرق زربـــــه
[158]
ويقول:
يكـــــر فـــــي الناس كالأجـدل المـــــعاود ســـــــربــة
[159]
وهويصف كرهه إلى الموت بهذه الصورة المهيبة:
وطريقي إلى الحمام كــريــهٌلم تــهبْ عــندَ هــوله اليَـهَماءُولوأنَّ البيداء صارمُ حربٍوهي من كل جانبٍ صرماءُ
[160]
فهويبيّن خوفه من الموت في الابيات الآتيه وثم يلوذ بربه ويرجوالنجاة منه:
مستطارٌ أنا من خوف الرديكل شيءٍ في كتابٍ مستطرغفــــر ا... لعبدٍ غــــافــــــلٍهوفــي أعظم جهلٍ وخطر
[161]
ويرى جمال الحياة في الخلود وعدم الشيب:
أحسن بدنيا القوم لوكان الفتىلا يقتضى وأديمه لايحلم
[162]
وأما الموت قدر الإنسان ولن ينجومنه أبداً فلابد أن نعتبر منه:
هوالموت من ينجومن رامحٍفلابدّ من أسهم النابـللنا أسوةٌ في رجالٍ مضــــــواوهل أنا إلا أخوالآبل
[163]
2- الراحة: رأينا رأي المعري في الدنيا فهولايرى فيها خير وانما هي شرٌ مستطير وبالرغم من أنه كان يهاب الموت فقد أحبه لأنه كره الدنيا فنجد في الأبيات التالية يتنازع مع الموت وحب البقاء:
تودّ البقاء النفس ُ من هيبة الردىوطول بقاء المرء سمٌ مجــربُعلى الموتِ يجتازُ المعاشر كلّهممقيمٌ بــــأهليه ومـــــن يتغرّب
[164]
فوجد الحياة عذاب والموت الراحة الأبدية:
حياتي تعذيب وموتي راحةوكل ابن انثي في التراب سجين
[165]
وأفضل من طول العمر والغنى في هذه الدنيا الموت لأنه راحة من مصائب الدنيا وشقائها.
موت يسير معــــه رحمــــةخيرٌ من اليسر وطول البقاءوقد بلونــــا العيش اطوارهفمــــا وجدنا فيه غير الـشقاءتقدّم الناس فيـــــا شوقنــــاإلى اتباع الأهل والأصدقاء
[166]
فالموت يغني والحياة تفقر:
أمّا الحياة ففقرٌ لاغنى معهوالموت يغني فسبحان الذي قدرا
[167]
فأبوالعلاء يقارن بين الموت والحياة فيجد الموت أكثر رحمة لنا فهويغلق كل بابٍ للشر تفتحه الدنيا وهوأعدل ما يمر على الناس اذ يغني والدنيا تفقر.
ما أعدل الموت من أتٍ وأسترهفهيجيني فأني غيــــر مهتـــاجالعيش أفقر منا كــــل ذات غنىوالموت أغنى بحقٍ كلّ محتاجأذا حياةُ علينا للأذى فـــتحـــــتباباً مـــــن الشــر، لاقاه بإرتاج
[168]
فسبحان ا... الذي ساوى بالموت بين أفراد البشر: الغنى والفقير الساعي والمقيم
عز ّالــــذي بالموت ردّ غنيناكفقيــــرنا ومقيمنــــا كالراحل
[169]
وعنده الملك والصعلوك يتساويان فمصيرهما واحدٌ في حفرةٍ ترابية:
يساوي مليك الحي صعلوك قومهوتسحى له الأرض الزرود فتلهم
[170]
ولا يميز بين ظالم ومظلوم، فهويأتي على الجميعِ:
ورأيت الحمام يأتي على العالـــــم مـــــــن قاهـــرٍ ومن مقهور
والموت يعمّ الدنيا، كما لوأنه غيم يتلوغيماً:
وجدت الموت ينتظم البرايابسحــبٍ منــه فـي أعقــــاب سحبِ
[171]
ويصف الموت بأنه لايترك كائن حي. فلا يترك بهيمه ولانبته ولايترك حتى كواكب السماء.
لاذات يســـربٍ يُعرّي الـرّدى، ولاذات سُــــربـــــهْومــــــا أظـــــــن ُّ المناياتخطوكــــــواكب جربــــهستأخذ السر والغـــــــــفـرَوا السّمــــــــاك وتربـــهْفتّشن عن كــــــــل ّ نفس ٍشـــــــرقَ الفضاء وغربهْوزرن عـــــــن غيــر برّعجــــم الأنـــــام وعـــربه
[172]
فهويهلك الأفاعي العظيمة، أوالعصافير الحقيرة، كما يهلك الأسود الضاريه من الحيوان، يريد أن لاناج من الموت، عظم أم حَقُرَ.
قضاءُ ا... يبتعث المنايــــا،فيهلكن الأساود والأسودافعيشا مفضلين أواستميحا،وسودا معشراً أولا سودا
[173]
فرأيت كيف يجد أبوالعلاء العدل والمساواة بين جميع أفراد البشر بل بين جميع الكائنات في الأبيات السابقة. فهوكان يبحث حول العدل والمساواة في حياته والكنه رآها في الممات.
فلاعجب إن وجدناه يرحب بالموت وينتظره. وحينما طال به البقاء خاطب نفسه مطمئناً لها أن الموت الذي تنتظره لابد آت ولوطالت الحياة .
يا مرحبا بالموت مـــن منتظرإن كـــــان ثـــــم تعـــارف وتلاق
[174]
ويقول:
نفسي أخاطب والدنيا لها غبروفي الحمام إذا طال الأذى درك
[175]
ويقول:
متى أنا للدار المريحة ظاعــنفقــــد طــــال في دار العناء مقاموقد ذقتها ما بين شهد وعلقموجربتــــها فــــي صحة وسقام
[176]
فيطلب عن ا... سبحانه وتعالى التعجيل في الموت لأنه يرى نفسه في النحس مذ ولد:
رب متى أرحل عن هذه الدنيا فـــــــأني قد أطلت المقاملم أدر ما نجمــي ولكنـــــهفي النحس مذجري واستقام
[177]
فآثر أبوالعلاء الموت على الدنيا لشدة ما رآه من آلامها .
أبوالعلاء والآخرة
طفنا مع أبي العلاء في دنياه يائساً متشائماً مذعوراً، يخيفه الموت. ثم شاهدناه وقد تخلى عن دنياه وآثر الموت واتجه بذهنه إلى ربه يسأله حسن العقبى في الآخرة. فاذا سمعته يندد بالموت، ويذكر شرور الحياة، ويحث على التزود للآخرة، فاعلم أنه يعتصم بالآخرة خوفاً من الموت:
يهاب الناس ايجاف المناياوهل حاد القضاء عن الهيوب
[178]
ويقول أيضاً:
سيلقى كلّ من حذر المنايا،ثــقــلـيك مــــن درعٍ وتــرسٍلنا ربُّ، وليس له نظيـــر ٌيسيّر أمـــرهُ جبـــلاً ويرسي
[179]
وهويخاطب الانسان أن دنياك هذه مليئةٌ بالشرور فابحث عن غيرها.
أيا سارحاً في الجود دنياك معدنٌيفورُ بشرٍ، فابغ في غيرها وكرا
[180]
ويعتبرأبوالعلاء الدنيا جسرٌ للعبور إلى الآخرة والدنيا هذه زائلة والموت يفتك بالإنسان.
ودارا ساكنٍ وحياةُ قـــــــومٍكجســــرٍ فوقه إتصل العبوريعطّل منزل ويـــزارُ قبــــرٌ،وما تبقى الديارُ ولا القبورُحمامٌ فاتكٌ فـهـل انتــصــــار؟وكســـرٌ دائمٌ فمتى الجـبـور
[181]
ويبين شوقه إلى الدار الآخرة ليرتاح من دنيا العذاب:
يا رب اخـرجني إلى دار الرضىعجـــــلاً، فهـــــذا عالمٌ منكـوسظلّوا كدائرة ٍ يحــــــوّلُ بعضهـــامن بعضها، فجميعهـــا معكوس
[182]
وهويذكر عفوا... سبحانه وتعالى اذ عذاب يوم الحساب عظيم ويذكر خوفه منه.
عاقبــــة الميــــت محمـــــــودة ٌإذا كفـــــــى ا... أليــــمَ العقــــــابليــــس عــــــذابُ ا... من خانهكالقطع للأيدي وضرب الرّقــابلكنّـــــــه متصــــــلٌ فاحـــتقبما شئت لايوضع كوضع الحقابونـــــاره لا تشبـــــه النار فيإفنائها ما أطعمـــت مــــن ثقـــابكم عملٍ أهملـــــه عـامــــــــلٌيحفظـــه خالقنـــــــا بـــارتقــــابْوإن ما غودر فــــي مـدّتـــيكقاب قــــوسٍ مــدّ اوبعض قـابليتـي هبـــاءٌ في قنــــائي لأيّأوقطرةٌ بيـــن جنــــاحي عـقــابأوكنــــــت كــدريّـاً أخا قفرةمشرَجُــــهُ مــــــن آجنات الـوقاب
[183]
ورأيت كيف بيّن خوفه في الأبيات الأخيرة وهومرتهبٌ يبحث عن مفرٍ من عذاب ا... وهويتمنى لويكون شيئاً تافهاً كغبارٍ في ماء يشربه ثور، أوقطرة ماء بين جناحي نسر أوطيراً يعيش في الصحراء ويشرب الماء الآس من الصخر وهذا وإن دل على شي ء فيدل على شدة الخوف من عذاب ا... إذ يدنوالأجل.
واذا كان الموت قد ألقى في قلبه الرعب وزهّده في الحياة فانه لم ينسه الآخرة ولم يزهده فيها. بل إنه ليخاف الآخرة كما يخاف الموت وسيأتي يوم الحشر والحساب:
ولا تأمنـنْ أن يحـشر اليومَ ربّـــهله بـصـرٌ مـن قــدرةٍ ولــه سـمعفيخبر بالتقصيــــر عنك مؤنّبــــاً،وتسكبَ دمعاً حيث لاينفع الدمعهنالك لاترجوصريخاً مزعــزعاًصدور عوالٍ فوقها للردى لمـــع
[184]
وليتزود من أجل الآخرة كي لايخسرها فعزة المرء وشرفه في ما يدّخره لآخرته:
خاب الذي سار عن دنياه مرتحــــــلاًوليس في كفّه من ديــنها طـرفُلاخير للمــرء إلا خيـــــــرُ الآخــــــرةيبقي عليه، فذاك العزّ والشرفنرجوالسلامة في العقبى وما حسنتأعمالنا، فيرجى الفوزُ والغرفُ
[185]
ونراه كثيراً ما يحظ على تقوى ... وفعل الخير وإقامة الفروض الدينية وكسب الرزق بالعمل ومنع النفس من أهوائها. قبل أن يأتي الموت.
فــــــــاتّق ا... وحـــــــدهوتحمّل لــــه الكلـفوافعل الخيرَ، والحديثكثيرٌ قــــد اختلــــفلاتقومـــــنّ في المساجدترجـــوبهــا الزُّلـفمعمــلاً بســـــط راحتيكإلـــــى نائلٍ يلــــــفورُم الرزق في البــــلادفإن رمتـــه ازدَلــفواظلفِ النفس فالطريدسريـــعٌ إلى الظّلــفوتلـــافَ الذي مضـــىقبلَ أن ينزل التلـف
[186]
ولا خلاص من عذاب الحياة سوى الاعتصام بحبل ا... والتقوى:
تفكروا بالله واستيقضـوافإنها داهية ضئبــلُ
[187]
والتقوى هوأعظم ربحٍ يراه:
أعدُّ أسنى الربح فعل التقىفلاأكن ربّ من الخاسرين
[188]
الخاتمه:
أما أهم النتائج التي توصلت إليها فهي:
- اثرت العوامل النفسية والإجتماعية والسياسية في أدب المعري وأفكاره وزهده.
- هدف المعري من نظم اللزوميات الوعظ والإرشاد فتضمن هذا الديوان بآرائه حول العصر والحياة وبيّن لنا أفكاره في الزهد باتجاهين الأول المجتمع وفساده والثاني الحياة والموت.
- فأبوالعلاء كان يحب الناس ويتمنى لهم السعادة ولكنه فوجئ بإنهما كهم في الشرور والمفاسد. ففضل العزلة على معاشرتهم وقام بدوره كمصلحاً إجتماعياً يحارب مفاسد المجتمع التي يراها في حب المال وحب الجاه وضعف الدين.
- فحذّر المرء من الرئاسة واعتقد أن الرئاسة والقيادة هما أصل الحقود فليتجنب الإنسان منها. وثم حذّر من فكرة جمع المال والحرص عليه وحارب الظلم الإجتماعي الكبير وهوسوء توزيع الثروات في مجتمعه بتآدية الزكاة والإنفاق وذم البخل.
- وما عرف عن أبوالعلاء أنه متدين حقيقي فقد صعب عليه ضعف الدين في مجتمعه والدين عنده عقيدة لامجرد أقوال فأخذ المعري يكافح هذه الآفة باتجاه ديني يقوم على التذكير با... الذي يرى ويسمع ويحاسب على الصغير والكبير والتذكير بوعده ووعيده وعقابه والرجاء لثوابه وعلى التذكير بالموت والقبر والحساب والجنة والنار تنبيهاً للغافلين وزجراً لللاهين وحثاً على التزود بالعمل الصالح.
- وثبت لنا أن أبوالعلاء كان يحب الدنيا ولكنه عاش أزمات نفسية وروحية صعبة ومتوالية بسبب عاهات العمى والوجه المجدور والجسد النحيف والواقع الإجتماعي والسياسي المحبط فنظر إليها بمنظار أسود وراى كل ما فيها الزوال والشرور، فكرهها وذمها كثيراً ووصفها بأوصاف ذميمة كالخائنة، والخسيسة والفاتكة والغدّارة.
- وكان يخاف الموت ولكنه وجد الراحة في ذلك ورأى العدل والمساواة اللذان كانا معدومان في عصره، في الممات.
- فإتجه بذهنه إلى ربه وإعتصم بالآخرة خوفاً من الموت ويذكر عفوا... سبحانه وتعالى إذ عذاب ا... يوم الحساب عظيم ويوصي للتزود من أجل الآخرة كي لايخسرها ويرى عزة المرء وشرفه في ما يجمعه لآخرته.
- ففي زهده كان مختاراً وكان في ذلك في ذلك إيجابى بنّاء فنظرته التشاؤمية لم تكن ترمي إلى هدم المجتمع وإنما إلى تنبيه الناس للتخفيف من حب الدنيا وتعلقهم بها حتى لايركنوا إلى الكسل والتواكل.
- وكان صادقاً في زهده وظل ملتزماً بما قال وبما ألزم نفسه من مجاهدات وقيود حتى وفاته ليظهر قوة إرادته، وليعلن أنه تزهدوا إعتزل رغم الغرائز التي فطر عليها الإنسان.
منابع:
- القرآن الكریم
#ـ إبن خلكان، أبوالعباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: د:إحسان عباس، منشورات الرضى، ط2، قم، 1346هـ. - الإفريقي المصري، محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
#ـ البيهقي، الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين، كتاب الزهد الكبير، دار الجنان، 1408هـ/1987م.
#ـ الجندي، محمد سليم، الجامع في أخبار أبي العلاء المعري وآثاره، دارصادر، بلاط،بيروت،، 1412هـ 1992م.
#ـ الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، دار إحياء التراث العربى،ط4 بيروت، 1426هـ / 2005م.
#ـ حسين، طه، تجديد ذكرى أبي العلاء المعري، مكتبة المدرسة، ط2،بيروت، 1983م. - الحلبي، إبن العديم: الإنصاف والتحري، تحقيق: عبدالعزيز حرفوش، دار جولان، 1428 هـ / 2007م.
#ـ خضر، سناء، النظرية الخلقية عند أبي العلاء المعري بين الفلسفة والدين، دار الوفاء لدنيا الطباعة، اسكندرية، 1686/1999م.
#ـ الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين،ط5، بيروت، 1985 م.
11ـ الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي، دار الثقافة، ط 29، بيروت، 1985.
#ـ الصفدي، صلاح الدين خليل بن أبيك، الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ/2000م.
#ـ ضيف، شوقي، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف، ط11، قاهرة، 1119م.
#ـ القفطي، جمال الدين، أنباه الرواة على أنباه النحاة، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة،1950م.
#ـ محمد ضيف، عبدالستار، شعر الزهد في العصر العباسي، مؤسسة المختار، 1426هـ/2005م.
#ـ المعري، أبوالعلاء، ديوان اللزوميات، شرح كمال اليازجي، دار الجيل، بيروت، 1412هـ/1992م.
#ـ ـــــــــــ، ـــــــــــــ، سقط الزند، شرح احمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، 1410 هـ / 1990 م.
مشاركة منتدى
27 نيسان (أبريل) 2018, 16:52, بقلم محمد حسن نژاد
مقال جيد جداً
شکرا