الاثنين ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

السينوغرافيــــا المسرحية

تمهيــــد:

من المعلوم أن المخرج لايمكن بمفرده أن يترجم النص الدرامي إلى عرض مسرحي إلا إذا تكاثفت جهوده مع مجموعة من المساعدين الأساسيين كتقني الإضاءة وتقني الموسيقا وصانع الماكياج والسينوغرافي. بيد أن عمل السينوغرافي يعد من أهم الأعمال التي تتحكم في العرض المسرحي، ويستند إليها الإخراج الدرامي المعاصر بشكل استلزامي.

هذا، وقد تطورت السينوغرافيا من فن الزخرفة والديكور وهندسة المعمار لتصبح فن خلق الصور والرؤى من خلال تفعيل الإضاءة والألوان والتشكيل والشعر والآليات الرقمية والمعطيات السينمائية الموحية.

وقد لوحظ أن المؤلف هو الذي كان يمارس السينوغرافيا قديما، ليصبح المخرج هو الذي يتحكم في تقنيات الخشبة وتموضع الممثلين مع ظهور المخرج منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن أضحت السينوغرافيا اليوم فنا وعلما مستقلا من اختصاص السينوغرافي، الذي تمكن بدوره من الانفتاح على مجموعة من المعارف والعلوم والتقنيات لتشكيل حرفته وتأطير تخصصه في مجال الدراما وتفريد مهمته بمجموعة من المهام والاختصاصات والمزايا والسمات الأساسية في تأثيث الركح الدرامي سمعيا وبصريا وحركيا.

1/ مفهوم السينوغرافيا:

تتكون السينوغرافيا من كلمتين مركبتين أساسيتين هما: السينو بمعنى الصورة المشهدية، و كلمة غرافيا تعني التصوير.

وبهذا، فالسينوغرافيا علم وفن يهتم بتأثيث الخشبة الركحية،ويعنى أيضا بهندسة الفضاء المسرحي من خلال توفير هرمونية وانسجام متآلف بين ما هو سمعي وبصري وحركي. ومن ثم، تحيل السينوغرافيا على ماهو سينمائي بصري ومشهدي من جسد وديكور وإكسسوارات وماكياج وأزياء وتشكيل وصوت وإضاءة. وبالتالي، تعتمد السينوغرافيا على عدة علوم وفنون متداخلة كفن التشكيل وفن الماكياج والخياطة والنجارة والحدادة والموسيقا والكهرباء والفوتوغرافيا والتمثيل. ويعني هذا أن السينوغرافيا فن شامل ومركب يقوم بدور هام في إثراء الخشبة وإغناء العرض المسرحي والسعي من أجل تحقيق نجاحه وإبهار المتفرج.

ويعني هذا أن السينوغرافيا فن متكامل في عناصره يقوم على نقل المجرد وتحويله إلى واقع عن طريق التجسيد وإعادة الخلق. ومن ثم، فالسينوغرافيا في المسرح تعتمد " على تحقيق رؤية متكاملة في عناصر الإضاءة والصوت (أو المؤثرات الموسيقية والغنائية) والديكور والملابس بالقدر نفسه لتكامل وتداخل جهود مصمميها مع المخرج والمؤلف (وضع الممثلين أحيانا) لخلق فضاء خاص للعرض ينقله من مجرد تجسيد النص إلى إعادة خلقه من جديد داخل رؤية تتشابك فيها الفنون التشكيلية مع الفنون المسرحية".

كما ترتكز السينوغرافيا على مجموعة من الصور السيميائية كالصورة الجسدية والصورة الضوئية والصورة التشكيلية والصورة اللفظية والصورة الرقمية والصورة السمعية الموسيقية والصورة الأيقونية. ومن ثم، فالسينوغرافيا:" هي عملية تطويع لحركة فن العمارة والمناظر والأزياء والماكياج والإضاءة والألوان والسمعيات، كما دخلت على تشكيلات جسد الممثل. وهي تعمل أساسا على فن التنسيق التشكيلي وتناغم العلاقات السمعية البصرية بين أجزاء العمل المسرحي.

وقد يختلط مفهوم السينوغرافيا بالإخراج المسرحي، كما يختلط بمفهوم الديكور وبالمفاهيم الأخرى كالإضاءة والموسيقا والصوت والماكياج.... ولكن يمكن إزالة اللبس إذا قلنا بأن السينوغرافيا فن شامل يسع كل المكونات الأخرى، أي السينوغرافيا علم وفن يحوي جميع المكونات الجزئية الأخرى التي تعرض على خشبة المسرح من ديكور وإكسسوارات وإضاءة وتشكيل وموسيقا وصوت، أي إن السينوغرافيا كل والباقي أجزاء. أما الإخراج فهو أشمل لكل المكونات السابقة من سينوغرافيا وديكور وتمثيل وهندسة الضوء والموسيقا.

ومن هنا، فالسينوغرافي هو ذلك الشخص الذي يتقن علم وفن السينوغرافيا. أضف إلى ذلك أن السينوغرافي شخص " يهتم ويعني بدرامية الصورة المسرحية لتحتل مكانة تشكيلية درامية جمالية حيوية تثير الإبهار لدى الجمهور. يستطيع السينوغرافي التلاعب بانتباه الجمهور من خلال التقنيات الحديثة، وذلك بمزج الصوت والصورة والحركة والإضاءة، فالحركة في المسرح من أهم تلك المكونات، كما يمكن من خلال التقنيات الفنية الحديثة أن يقدم للمشاهد صورا مركبة بحيث يمكن مشاهدة صورتين في الوقت نفسه وإن كانت هاتان الصورتان لاتنتميان إلى فترة زمنية واحدة. الغاية من هذا المزج هو المقاربة النفسية أو الفكرية بين الحدثين أو بين شخصين تاريخيين أو غير ذلك. وإلا ما تكون الغاية من المزج الإيحاء بالتكامل الضمني أو الزمني بينهما، على الرغم مما قد يكون بينهما من اختلاف ظاهري. هذه التقنيات غالبا ما تستخدم في المشاهد المتعلقة بالأحلام وحالات الإضاءة الخلفية أو الخطف خلفا المعروفة في فنون الآداب والسينما والمسرح والتلفزيون عندما يجري الجمع بين الماضي والحاضر".

ومن جهة أخرى، تعتمد السينوغرافيا على مجموعة من التقنيات الأساسية لتقديم الفرجة الدرامية كالتزيين والزخرفة والتأثيث والمونتاج والتقطيع والكولاج والإيهام والمكساج والتنوير اللوني والتبئير البصري والتشكيل الجسدي.

2/ تاريخ مصطلح السينوغرافيا:

من المعلوم أن السينوغرافيا عند الإغريق والرومان كانت تعني فن تزيين خشبة المسرح وزخرفتها. وبعد ذلك،اقترنت السينوغرافيا إبان عصر النهضة بفن الديكور والعمارة، لتهتم في العصر الحديث بتأثيث الخشبة وتحويلها فيما بعد إلى مسرح الصورة.

ولم يظهر مصطلح السينوغرافيا باعتباره علما وفنا يهتم بتنظيم المشاهد المسرحية والفضاء المسرحي إلا حديثا في الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك في مجموعة من الدول الغربية لينتقل هذا الاهتمام إلى الشرق وبلدان العالم الثالث. " أما المسرحيون والنقاد العرب فقد نظروا إليه على أنه يندرج ضمن نطاق التغريب في العمل المسرحي، ولاتزال الدراسات التي تتناوله قليلة وضحلة، وتحتاج إلى مزيد من الدقة والوضوح".

ومن المعروف لدى دارسي ونقاد المسرح أن المخرج كانت بداية وجوده قبل السينوغرافي، فالمخرج ظهر في أواخر القرن التاسع عشر، بينما السينوغرافي حديث النشأة والتخصص، ويتولى تأثيث الخشبة وهندستها سيميائيا وسينوغرافيا ومشهديا. وفي الكثير من الأحيان، تتداخل مهمة المخرج مع مهمة السينوغرافي، فيتحول المخرج إلى سينوغرافي والعكس صحيح أيضا نظرا لتداخل مهمات الإطارين معا. لذا، أصبحت كلمة السينوغرافيا مرادفة لكلمة الإخراج مادامتا تقومان بتحويل النص الدرامي من طابعه القرائي إلى طابع العرض والتحقق المشهدي والبصري. فهذا ينشتاين يعطي تعريفا للإخراج يشبه دلالة السينوغرافيا:" مجموع وسائل التشخيص المسرحية: التزيين والإضاءة والموسيقا وأداء الممثلين. ويعني بالمفهوم الضيق للكلمة الحركة التي ترتكز في زمن ما، وفي فضاء تمثليي ما، على تنسيق مختلف عناصر التشخيص المسرحي لعمل درامي."

ومن يتأمل هذا التعريف، فسيلاحظ مدى تداخل المفهومين وتقاطعهما على مستوى الاختصاص والوظيفة التي تتمثل في فن التأثيث وتقديم العرض وتزيين الديكور والتحكم في حركة الجسد وإضاءة المشهد وموسقة العرض الدرامي.

3/ مكونات السينوغرافيا:

تتكئ السينوغرافيا كما قلنا على المزج بين الصور السمعية والصور البصرية والصور الشعورية التي تثير المتفرجين وتدغدغ عواطفهم وتثير ألبابهم وتستفز رؤاهم وتشحن قلوبهم وتحرك فيهم وجدانهم وعواطفهم الحساسة تطهيرا وتغريبا. ويعني هذا، أن هناك أنواع ثلاثة من المسرح: المسرح السمعي، والمسرح البصري، والمسرح الحركي. ومن ثم، فالسينوغرافيا تأخذ مكوناتها من هذه الأطراف الثلاثة، وتمزجها في سياق وظيفي له علاقة بالنص. فلا قيمة للسينوغرافيا إلا في سياقها النصي والدرامي والحركي والذهني والوجداني. وتأبى السينوغرافيا الإقحام والتكلف والتصنع والحشو وإضافة اللوحات بدون أن تكون سياقية ووظيفية.

وعليه، فالسينوغرافيا سمعية وبصرية وحركية، أي ترتبط بفن الرسم والتشكيل والعمارة والنحت والكرافيك والحفر والإضاءة والموسيقا والديكور والجداريات والستائر والملصقات واللافتات والعاكس الضوئي والشاشة السمعية البصرية كالڤيديو والسينما والمانيطوسكوب والحاسوب والإكسسوارات وجسد الممثل أثناء لحظات الرقص والاستعراض والتمثل الكوليغرافي.

4/ أدوارالسينوغرافي واختصاصاته:

كما تعلمون جيدا أن للسينوغرافي دورا هاما في تحبيك العرض الدرامي وتأزيم العمل المسرحي، فهو يقدم خدمات جلى للمخرج حيث يساعده في تزيين الخشبة المسرحية وزخرفتها وتعميرها وبنائها وتأثيث الركح الدرامي بالصور التشكيلية والصور الموسيقية والصوتية، وتوضيب الصور اللفظية في علاقة بالصور الجسدية. ومن هنا، يقدم السينوغرافي مساعدة كبرى للمخرج من حيث تسهيل عملية تنظيم المكان وترتيبه وتنضيده وخلق شاعريته الجمالية ليأتي المخرج ليعطي إشارة الانطلاق للشروع في إنجاز العمل من خلال تقديم قراءاته المشهدية وتحويل ماهو مكتوب إلى ماهو بصري جسدي وسينوغرافي. ويمكن اعتبار السينوغرافي في الحقيقة مخرجا مساعدا أو مخرجا ثانيا للمخرج. وإذا فشل السينوغرافي في عمله وتزيين الخشبة وتأثيثها مكانيا، فإن هذا العمل سيؤثر بلا ريب سلبا على عملية الإخراج بشكل كلي.

وإذا كان عمل السينوغرافي في القديم مرتبطا بالديكور وموضعة الأثاث فوق الخشبة، فإن دوره الآن واسع ومهم جدا،" ليس لكونه يتيح انتشارا واسعا للنص الدرامي فحسب، ولكنه يفهم باعتباره إضاءة له وللفعل الإنساني، بغاية تشخيص وضعية، وتحديد معنى الإخراج المسرحي في إطار متبادل بين الفضاء والنص. إن السينوغرافيا، إذاَ، نتيجة تصور سيميائي للإخراج المسرحي؛ فهي تقوم بوضع ترابط بين مختلف المكونات المشهدية."

وتتنوع علاقة السينوغرافي مع المخرج أثناء الشروع في تنفيذ العمل المسرحي، فيمكن في هذا الصدد الحديث عن أنواع ثلاثة من العلاقات: علاقة استقلالية، وعلاقة تنسيق وتشاور، وعلاقة تداخل وتقاطع.

5/ مميزات السينوغرافيا:

تستوجب السينوغرافيا الناجحة شروطا عدة ومميزات نوعية لابد أن تتوفر في عمل السينوغرافي، ويمكن إجمال هذه الخصائص والمميزات النوعية في النقط التالية:

  أن تكون السينوغرافيا المعروضة وظيفية وهادفة تخدم العرض المسرح والمتلقي على حد سواء ؛
  أن تكون مشوقة ومحفزة وحارة ومؤثرة في الجمهور تترك أثرا إيجابيا على مستوى الرصد والتلقي؛
  أن تكون السينوغرافيا شاملة ومنفتحة ومتنوعة تجمع بين ماهو سمعي وبصري وحركي ؛
  أن يكون للسينوغرافيا تأثير كبير على مستوى التلقي والفرجة عن طريق إثارة المستمع المتفرج ذهنيا ووجدانيا وحركيا، تطهير أو تغريبا؛
  أن تتسم بالجودة الجمالية والفنية تأسيسا أو تجريبا أو تأصيلا؛
  أن تنفتح على جميع المدارس المسرحية الفنية، و تكون حبلى بالمستنسخات الأنتروبولوجية الماقبل المسرحية ؛
  أن تتسم بالإيحائية والرمزية والشاعرية والتناصية والپوليفونية والأسلبة اللغوية؛
  أن تستفيد من الصور الرقمية والإيهامات السينمائية الحركية؛
  أن تطبع بخاصية الاتساق والانسجام والوظيفية الهرمونية المتآلفة أي تتسم بالتناسق الدلالي والسيميائي؛
  أن تكون السينوغرافيا في خدمة الأزمة الدرامية والتوتر المسرحي المشحون بالصراع؛
  أن تكون كتابة ثلاثية الأبعاد (العرض والطول والعمق)؛
  أن تكون سينوغرافيا طليعية تجريبية وحداثية تتسم بالتأسيس والانزياح وتخييب أفق الانتظار؛
  أن تستفيد من مفارقات التكسير الزمني توازيا وتقاطعا وتشظيا؛
  أن تستعين بالتقنيات الآلية والرقمية الحديثة؛
  أن تحطم الجدار الرابع كي تنفتح على الجمهور ومتفرجي الصالة تفاعلا وتأثيرا وتجاوبا؛
  أن تنزاح عن مكونات العلبة الإيطالية لتنفتح على جمهور شعبي واسع إن أمكن تحقيق ذلك كسينوغرافيا الحلقة أو سينوغرافيا المسرح الأنطروبولوجي أو سينوغرافيا المسرح الاحتفالي؛
  أن تحول نظر الجمهور إلى وجهات مشهدية متعددة بدلا من الوجهة المركزية الوسطى التي تحدد المثلث الدرامي الكلاسيكي. وبتعبير آخر، أن توجه نظر الراصد وإدراكه ضمن الأبعاد الهندسية الثلاث؛
  أن تنبع السينوغرافيا المشهدية من رغبات الممثل وقناعاته الجمالية والتصورية، وألا تفرض عليه فرضا أو قسرا.

6/ أنواع السينوغرافيا:

يمكن الحديث عن نوعين من السينوغرافيا من حيث المستوى الفني، فهناك السينوغرافيا الكلاسيكية والسينوغرافيا الطليعية أو التجريبية. فالسينوغرافيا الكلاسيكية هي التي تعتمد على ماهو باروكي تزييني مظهري، و تتسم بفخامة الديكور وكثرة القطع التي تملأ الخشبة، ووجود مجموعة من الإكسسوارات التي يستعين بها الممثلون أثناء أداء أدوارهم التمثيلية كما أنها تحاكي الواقع بحرفية مباشرة أو غير مباشرة.

أما السينوغرافيا التجريبية فهي سينوغرافيا شاملة تجمع بين تقنيات المسرح الفقير لدى گروتوفسكي و استعمال الأيقونات البصرية السيميائية الموحية الدالة، والاستعانة بالموروث الشعبي واستعمال الرقص والغناء وجسد الممثل كوليغرافيا والاستفادة من التشكيل وكل الفنون البصرية المتعلقة بالرسم والنحت والعمارة والحفر والكرافيك.
هذا، ويمكن الحديث عن أنواع عدة من السينوغرافيا على مستوى التوظيف، فهناك سينوغرافيا وظيفية وغير وظيفية، وسينوغرافيا جامدة ثابتة وسينوغرافيا متحركة وديناميكية تتسم بالحيوية وحرارة الصراع الدرامي والحياة المفعمة بالتوتر.

كما يمكن الحديث على مستوى الوسائل عن سينوغرافيا فوتوغرافية، وسينوغرافيا رقمية، وسينوغرافيا مسرحية، وسينوغرافيا كوليغرافية، وسينوغرافيا سينمائية، وسينوغرافيا إذاعية،وسينوغرافيا تشكيلية.

ومن حيث التأثير، نلفي سينوغرافيا ذهنية عقلية، وسينوغرافيا انفعالية وجدانية، وسينوغرافية حسية حركية.

ومن حيث ماهو فني وجمالي، ثمة أنواع كثيرة من السينوغرافيا حسب تنوع المدارس والاتجاهات الأدبية والمسرحية، إذ يمكن الحديث عن سينوغرافيا واقعية، وسينوغرافيا طبيعية، وسينوغرافيا بيوميكانيكية، وسينوغرافيا فانطاستيكية، وسينوغرافيا ﮔروتيسكية، وسينوغرافيا شاعرية، وسينوغرافيا واقعية سحرية، وسينوغرافيا رمزية، وسينوغرافيا سريالية، وسينوغرافيا تكعيبية، وسينوغرافيا تجريدية، وسينوغرافيا تراثية، وسينوغرافيا فانطاستيكية، وسينوغرافيا فارغة أو صامتة، وسينوغرافيا سوداء، وسينوغرافيا أسطورية ميتولوجية، وسينوغرافيا طقوسية / دينية، وسينوغرافيا عبثية، وسينوغرافيا وثائقية تسجيلية، وسينوغرافيا جسدية كوليغرافية، وسينوغرافيا رقمية إلكترونية.

ومن حيث المكونات والعناصر نتحدث أيضا عن سينوغرافيا الصوت، وسينوغرافيا الموسيقا، وسينوغرافيا الحركة، وسينوغرافيا الجسد، وسينوغرافيا الكلمة، وسينوغرافيا الإضاءة، وسينوغرافيا الألوان، وسينوغرافيا الأشياء، وسينوغرافيا الأزياء، وسينوغرافيا التلقي والصالة، وسينوغرافيا المكان. بل هناك أنواع أخرى من السيبنوغرافيا في مجالات أخرى كسينوغرافيا المعارض، وسينوغرافيا الرقص الاستعراضي، وسينوغرافيا الكرنفال، وسينوغرافيا الألعاب.

7/ سيميوطيقا السينوغرافيا:

تحضر السينوغرافيا فوق الخشبة الركحية باعتبارها علامات سيميائية تتكون من الدال والمدلول في انفصال تام عن المرجع الحسي. وبالتالي، تأتي هذه العلامات في شكل أيقونات قائمة على المماثلة ورموز قائمة على التدلال الاعتباطي الاصطلاحي، والإشارات التي ترتكز على مفهوم السببية والمؤشر الاستنتاجي.
ويمكن الحديث عن أربع شفرات سننية سيميائية تنطبق على المسرح كالشفرة الكنائية، مثلا: يحيل الديكور المترف دراميا وسيميائيا وبلاغيا وسياقيا على الطبقة البورجوازية، والشفرة التناظرية القائمة على عدد من المقارنات العقلية والإدراكية المتناظرة، والشفرة الاستبدالية كتحويل أو استبدال مجموعة من البنادق والمسدسات إلى عدد من الرموز الجنسية، والشفرة المكثفة وهي مجموعة من العلامات المختلفة والمتعددة التي يتم الربط بينها لتكوين علامة مركبة جديدة، كان يجري الربط مثلا بين صور الفيديو الموسيقية الغنائية (المسماة فيديو كليب) وبعض الإعلانات الخاصة ببعض السلع أو بعض المناطق السياحية.

ويمكن تجميع الشفرات السيميائية الموظفة في العرض المسرحي في الشفرة اللسانية التلفظية والسمعية، والشفرة البصرية، والشفرة الحركية،. كما يمكن الحديث أيضا في العرض السينوغرافي عن شفرة مكانية، وشفرة زمنية، وشفرة شخوصية، وشفرة شيئية، وشفرة حدثية، وشفرة لغوية، وشفرة أيقونية.

وقد ظهر المسرح باعتباره نظاما سيميوطيقا وعالما مكثفا من العلامات مع الشكلانية الروسية والبنيوية الفرنسية وسيميوطيقا الثقافة ومع سيميوطيقا بيرس وسيميوطيقا ﮔريماس ورولان بارت وهيلبو وكير إيلام في كتابها" سيمياء المسرح والدراما"، وتادوز كوزان في كتاباته عن " العلامة في المسرح"، " وقد نشأت مقولة المسرح كنظام من العلامات وراءها خلفية من الفكر الشكلاني الروسي، خاصة في بداية القرن العشرين، ثم ظهرت بقوة من خلال العمل الرائد لمدرسة براغ في الثلاثينيات والأربعينيات منه. فقد طبق أعضاء مدرسة براغ منهجا سيميوطيقا على كل الفعاليات الفنية. وكان ثمة اهتمام بأشكال متعددة من المسرح (مثلا المسرح الشعبي والمسرح الصيني) في محاولة لرصد الأسئلة، ومناطق الاهتمام الجوهرية بالنسبة على هذه الطريقة الجديدة في الرؤية. وكان نقاد مدرسة براغ مؤمنين بسيميوطيقا للنص والعرض معا، والعلاقات بين الاثنين".

ومن ثم، فالعلامات المسرحية المتنوعة مادة مفتوحة ومتعددة الأطراف والسياقات يمكن إخضاعها لمنهجين نقديين هما: المنهج اللساني الذي يتكلف بدراسة المؤشرات اللغوية واللفظية، والمنهج السيميوطيقي الذي يعني بالصور البصرية والرموز الأيقونية والحركية.

7/ سينوغرافيو القرن العشرين:

قد حقق مجموعة من السينوغرافيين أعمالا مسرحية رائعة بفضل اهتمامهم الكبير بتجويد العرض المسرحي وتزيين السينوغرافيا، ومن أهم هؤلاء نذكر: مايير خولد الذي اهتم بالسينوغرافيا البيوميكانيكية، وﮔروتوفسكي الذي اهتم بالسينوغرافيا الشاملة وخاصة السينوغرافيا التي تجمع بين الكلمة والحركة والحوار والجسد، والسويسري آدولف آبيا (1962-1928م) الذي ركز على سينوغرافيا الإضاءة التموجية، واعترض على الفضاءات المسطحة المتعادلة الناتجة عن استخدام الإضاءة الأرضية وتعويضها بالإضاءة المتموجة ذات الظلال الشاعرية غير المركزة أو الإضاءة العامة. وقد اهتم بالسينوغرافيا التجريدية كما يظهر ذلك واضحا في مسرحية " فاوست" لجوته، وبالإيقاع البصري والجسدي الوظيفي المتناغم مع كل مكونات العمل المسرحي..

ونذكر كذلك الإنجليزي إدوارد گوردون كريگ الذي قدم لأول مرة في القرن العشرين سينوغرافيا شاملة موحية ودالة تتجاوز ماهو زخرفي إلى ماهو فني وجمالي تركيبي. كما اهتم الفرنسي جاك كوپو (1879-1949م) بالفضاء السينوغرافي من خلال العودة إلى مسرح مكشوف يقترن بالممثل وحركيته ويستبعد الآلية والتقنيات الميكانيكية. بينما الفرنسي أندريه أنطوان (1858-1943م) يرى في السينوغرافيا الطبيعية أنها هي التي تحدد حركات الشخصيات وليس العكس.

وهناك أيضا مجموعة من السينوغرافيين الروس كدياغليولارينو، و ألكسندر تايروف الذي اقترن بالسنوغرافيا التجريدية. إذ جعل تايروف ممثليه يستخدمون ماكياجا غريبا لا يشبهون به أحدا في الواقع، وبهذا يصبحون أشخاصا منفردين في عيون المتفرجين في أزيائهم الغريبة الفانطاستيكية. ومن ثم، يكثرون من الألعاب البهلوانية والماكياج الساخر والشقلبة التهريجية والتشخيص الكاريكاتوري الهزلي.

وباعتباره سينوغرافيا تجريبيا متميزا في أعماله الدرامية التي أخرجها للجمهور. فكان يلتجئ في عرض فرجاته الدرامية إلى الاقتصاد في السينوغرافيا نظرا لحاجته إلى الإمكانيات المادية والمالية؛ مما يدفعه الأمر إلى تشغيل الديكور الفقير واستخدام السينوغرافيا المقتصدة واستعمال أساليب مبتكرة في الإخراج الدرامي.
وقد عرف بيتواف أيضا بتوقيف الأحداث المسرحية بطريقة مؤقتة عند مشهد معين للتركيز عليه بطريقة فوتوغرافية مبأرة مستخدما في ذلك تقنية الوقفة الإخراجية.
ونذكر اليوناني يانيس كوكوس الذي أرسى السينوغرافيا المعاصرة على فن التشكيل والرسم حيث يقول:" إنني أوجد بالرسم، ولا أعني هنا الرسم بوصفه فنا، لكن الرسم الذي يساعدني على التفكير، وعلى التكوين، فالرسم هو الأصل في كل شيء. وعلى سبيل المثال، بعض الأحيان أقوم برسم لوحة درامية أجمع فيها جميع الحركات التي لايمكن أن نراها مجتمعة، ولكن هذه الحركات في مجموعها تخلق مناخ اللوحة. وبفضل هذه الرسوم البسيطة أستطيع في بعض الأحيان أن أعدل من وضع الجسم. والاستمتاع بالرسم هو طريقتي لشغل المساحة والفضاء بالأجسام. وفي واقع الأمر بالنسبة إلي أن كل شيء قائم على الرسم، مما يسمح لي بعدم تجمد أفكاري، ويساعد أيضا على وقاية الحركة السينوغرافية، ويجعل دمجها في فكر العرض مستمرا".

ولا ننسى السينوغرافي المعاصر روبرت ويلسون الذي اهتم بسينوغرافيا الصورة والرؤى المرئية، أما أنطوان أرطو وأجينيو باربا فقد ركزا على السينوغرافيا الشرقية ذات الطابع الاحتفالي الطقوسي والديني والسحري (سينوغرافيا الواقعية السحرية).

خاتمــــة:

وعليه، فإذا كان الديكور مفهوما جزئيا، فإن السينوغرافيا مفهوم عام يجمع بين الديكور وكل المكونات البصرية والسينمائية التي تعرض على خشبة العرض. كما يعكس لنا المكون السينوغرافي نوع الرؤية الإخراجية وطبيعتها، ويبين لنا الفضاء المؤثث ومكوناته التشييئية ودواله اللغوية والرؤيوية في علاقتها التفاعلية والتواصلية مع الجمهور. وقد تكون السينوغرافيا إما جادة ساكنة لاحركة فيها وبدون حرارة ولا حياة، أي سينوغرافيا مليئة بالحوارات السقراطية أو الحوارات الدرامية المباشرة والمنودرامية التي تقتل شاعرية العرض بسبب الروتين والتكرار والفعل الدائري، وإما تكون سينوغرافيا متحركة ديناميكية شخوصيا أو آليا أو كوليغرافيا يراد منها خلق فرجة فنية بصرية وسمعية وحركية دالة وممتعة.

 [1]

[1- الدكتور شاكر عبد الحميد: عصر الصورة، عالم المعرفة، الكويت، العدد:311، ص:312؛
- محمد إبراهيم: (المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، الكويت، السنة 8، يناير 2008م، العدد:85، ص:85؛
- محمد إبراهيم: (المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، ص:85؛
- محمد إبراهيم: (المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، ص:85؛
-Pavis, P: Dictionnaire du théâtre, Editions Sociales, Paris, 1980, p:254;
- أحمد بلخيري: معجم المصطلحات المسرحية، الطبعة الثانية،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006، ص:97؛
- روتيسك: هو الذي يتمظهر في شكل كاريكاتوري مشوه ومخيف وغريب. وهو كذلك عبارة عن زخارف وتلوينات وبمثابة أرابيسك، وانغلاق الأشكال، وباقات الورود والحيوانات.
شاكر عبد الحميد: عصر الصورة، ص:316؛
- كير إيلام: سيمياء الدراما والمسرح،ترجمة:رئيف كرم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1992م؛
- kowszan, T, M: (Le signe au théâtre), in Diogène No: 61,1986;
- شاكر عبد الحميد: عصر الصورة، ص:317؛
- يانيس كوكس: السينوغرافيا والرفقة الجميلة، ترجمة:سهير حمودة ونورا أمين، القاهرة، أكاديمية، الفنون، وحدة الإصدارات19، سنة 1994م، ص:22؛


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى