الجمعة ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم محمد العناز

الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر

في كتاب نقدي

نزل مؤخرا إلى السوق الثقافية، في تزامن مع الدورة الخامسة عشرة لمعرض الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب، كتاب نقدي هامّ من تأليف الناقد والمترجم بنعيسى بوحمالة، يتناول على نحومعمّق ومستفيض، مستسعفا أدوات مستحدثة في تحليل الخطاب الشعري وتأويله، التجربة المميّزة للشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر، أحد أبرز الأصوات الشعرية في جيل الستينات العراقي. يقع الكتاب في جزأين (الجزء الأول في 224 صفحة والثاني في 431 صفحة) وهومن منشورات دار توبقال المغربية، وفيما يلي الكلمة التعريفيّة بهذا المشروع النقدي والتي يأويها ظهر الغلاف:

أيتام سومر.. لربّما هوالنّعت الأوفى تشخيصا لهوية جيل الستينات في الشعر العراقي المعاصر. ولعلّه يتم مركّب في حالة شعرائه: يتمهم في سومر.. مسقط رأسهم الحضاري العريق.. سومر تلك الالتماعة الحضارية الراقية في سديم العالم القديم، ويتمهم في بدر شاكر السياب.. أبيهم الشعري الرمزي ورأس الحربة في شعرية الرّيادة.. هم الذين لم يتورّعوا عن الفتك بمنجزه، وضمنيا بكامل تراث الرّيادة، وإزاحته، بالتالي، من طريقهم الشّاقة نحوالحرية.. صوب القصيدة..

جيل شعري قدير، نابه، وطليعي سوف ينفرز عنه عراق ستينات القرن الماضي فكان أن اعتنق مبدأ التجريب وصمّم على إعمال قطيعة جذرية مع السائد الشعري مجترحا، من داخل يتمه المركّب هذا، جملة من الإبدالات الكتابية المتقدمة والمنتجة التي ستكون لها مفاعيلها الملموسة في القصيدة العربية المعاصرة.. جيل يذكّرنا، بناء على سيرته ونشاطيّته، بأبرز الأجيال الشعرية التي تمخّضت عنها الحداثة الغربية: جيل التعبيريين الألمان، جيل المستقبليين الروس، جيل 27 الإسباني، جيل البيت الأمريكي.. إذ هويتمتّع بنفس جدارتها الإبداعية والثقافية ويقاسمها، وياللمطابقة، مآلها المأساوي الذريع أو، بالأحرى، لعنتها..

إن الكتاب ليضعنا في صورة هذه السيرة وتلك النشاطيّة من خلال التجربة الشعرية لحسب الشيخ جعفر، أحد ألمع شعراء الجيل وأكثرهم عمقا وحيويّة.. شاعر أمدّ الشعرية العربية المعاصرة، ومنذ وقت مبكّر، بجماليات فارقة في البناء الشعري، كالتدوير الإيقاعي وتقنية الحكي الشعري والإيهام الحلمي..؛ وكذا أسطرة الوقائع والتوضّعات، والصدور عن رؤيا أورفية للعالم.. الرؤيا الأدقّ تعبيرا عن جوهر الكتابة الشعرية والأبلغ ترميزا لمفارقيّتها المحيّرة والجاذبة في آن معا..

لكن وفرضيات الكتاب تنبني، في المقام الأول، على أعمال ودراسات الباحث الأمريكي مايكل ريفاتير المتمحورة حول الدّالية، كمفهوم يعنى بتوصيف ونمذجة السيرورة التكوينيّة المتنامية التي تمرّ بها القصائد المفردة أوالمتون الشعرية العريضة وهي تنضج، على أكثر من صعيد، نواتها الصلبة الأصلية.. فإن هذا الاختيار المنهجي لسوف يخفره نوع من الانفتاح إزاء مظانّ مرجعية أخرى عديدة، لسانية وسيميائية وأسلوبية.. رديفة، مسعفة، ما في ذلك شك، على استغوار هذه التجربة واستكشاف إوالياتها البنائية ودينامياتها التخيّلية علاوة على محفّزها الرؤياوي.. وأيضا بإزاء ذخيرة من الكتابات والوثائق التاريخية والأدبية والأسطورية والفنية والفلسفية والأنثروبولوجية والتحلينفسية.. المؤهلة لإدنائنا من تمظهراتها النصّية العيانية ومن لاوعيها الشعري المضمر سواء بسواء..

وإذن فهو، أي الكتاب، يسعى، إن شئنا، إلى قراءة تجربة حسب الشيخ جعفر، كممثّل لجيل شعري مائز، قراءة فاحصة، مسائلة، وفاعلة.. علميّة، بالأولى، غير أن هذا لا يمنعها من التحلّي بأخلاقيات الإنصات، المحبّة، والتفاعل لأنها، أي القراءة، تبقى معنية، وعن الآخر، بانتواءات هذه التجربة ورهاناتها القصيّة..

في كتاب نقدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى