السبت ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم سميرة سلمان عبد الرسول

الشحاذ

وقف وحيداً حائراً إزاء انعكاس صورته الموجود على زجاج المحل القابع قبالته...كان مصدوما كأنما يرى صورة لشخص غريب، شخص لم يلتق ِ بهِ قبلاً.. اتسعت حدقتاه وتوقفت أهدابه عن الحركه، أدار رأسه بحركة بطيئة إلا أن عينيه بقيتا متسمرتين على ذلك الشبح الموجود أمامه وكأنما كان يريد التأكد أنها كانت فعلاً انعكاس لصورته وأن الكائن الذي ارتسمت ملامحه الباهته أمامه هو نفسه... ارتد رأسه إلى حيث النقطه التي ابتدأ منها، عندها فغر فاه ببلاهة مقيتة.

رفع الى شعره يد مرتجفه متلمساً خصلات شعره الشعثاء والتي بدت جافه وقذرة كأنها أرض بوار محرومة من أي قطرة مياه منذ زمن بعيد...ورغم كل هذا التقحل إلا أن بعض العيدان ألصغيره وبقايا طمي متيبس كان قد ألتقص بالعش الكائن فوق رأسه...حاول أن يقتلع بعضها إلا أنها كانت متجذره في موقعها بفخر أبيَ...عندها مدًَ ذات اليد إلى زجاج المحل علَه يكون قد اتسخ بالتراب وأن ما يراه كان زيفاً، لكن، ما أن وقع ناظره على تلك اليد المتسخة التي نسي أن يغسلها منذ حين، حتى وبسرعة سحب قبضته وأخفاها داخل جيب المعطف الذي كان يرتدي .

عندها تواترت الأيام والذكريات أمامه وكيف أنها توقفت لحظه خسارته لكل ما يملك..أمواله، زوجته، ومنزله الذي كان يوما عامرا بالوصوليين والمخادعين وتذكر جلياً حين أنفض الحشد الذي كان يحيطه عندما علموا بخسرانه لكل شيء!حتى سمعته أثر اختلاسه لأموال الشركة التي كان يعمل بها كمحاسب؟ ولكنه كان مجبوراً على السرقة فطلبات زوجته ل اتنتهي ومتطلبات الحياة التي يعيش مكلفه، وكان الثمن باهظاً لنزواته ومجونه وكثر صرفه وإغداق الحسناوات بالهدايا، كان الثمن حريته وخسرانه لسني عمره التي تآكلت في السجن كمسمار صديء.

كم كان يكره ذكرياته في المرتهن حيث تعرض لشتى عناوين المهانة والذَل.

سرت قشعريرة باردة في أوصاله...حين تذكر تلك الأيام الماضية بكل مخاوفها وبذاءة لحظاتها ..أسدل أجفانه على عينين أغر ورقتا بالدموع

كأنه يريد منع الدموع من أن تنهمر.. لكن كم هي قاسية الأيام حين تعريك من خداعات وأوهام تقتاتها لكي تستمر بالحياة...فما كاد يلفظ ألآم ذكريات

مرَت، حتى برزت أمامه وكالصاعقة سيده أربعينية تمسك بيد شخص ليس غريب عنه ممكن؟ تساءل-" ممكن أن تكون هذه هي؟ ممكن؟ زوجتي؟ ومن هذا الذي يرافقها من؟ آه، بلى أنه هو من كان يوسوس في أذني مزيناً الحرام والسرقة في عيني.. أتذكر كيف كان يدفعني لاختلاس أموال ألشركه دفعاً، اذن فقد كان مرامه بيتي وزوجتي؟ ".

اقتربت المرأة منه فأشاح بوجهه عنها بسرعه الى الناحية الأخرى إلا انه أحس بيدها وقد دست عمله ورقيه في يده.... ثم لحقت بمن كان بمعيتها والذي كان قد سبقها ببعض خطوات...رفع المال الذي تفضلت به من كانت زوجه له ذات يوم وقد تسمرت عينيه عليه فأحكم قبضته و..خرَ أرضا وقد فارق النبض جسده المتهالك ..تجمعت الماره حول جسده البارد الذي خلا من اي من سمات الحياة وبعد قليل وصلت سيارة الإسعاف لتنقل جثة الشحاذ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى