الاثنين ١١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم ساسي حمام

الضجيج

يظهر الرجل في مدخل الحي فتفزع النساء الجالسات أمام الابواب ويرمين ما بأيديهن ويتركن البراد والكانون ويدخلن الى منازلهن ويبقين وراء الابواب ينظرن من الثقوب ينتظرن اختفاءه . وتقف الكرة في مكانها ويتجمد الاطفال وتنحبس الانفاس .

يدخل الرجل الحي ويتوجه نحو منزله بخطوات بطيئة ...لايكلم أحدا ولا ينظر الى أحد ولا يرد تحية ولا يهدي ابتسامة ... يقف أمام منزله ... يدير المفتاح ... يدفع الباب بعنف ... يدخل بهدوء وتؤدة ... يغلق الباب وراءه بقوة ... تمر برهة كأنها الدهر ثقلا وصمتا وترجع النساء الى حلقاتهن وتنطلق الاحاديث وتحمر جمرات الكانون وتدب الحياة من جديد في الحي ويمتلئ حركة وصياحا وتطير الكرة من جديد في كل الاتجاهات وتتدحرج هنا وهناك بين الارجل وعلى الرؤوس وترتطم بالجدران والابواب والنوافذ .

يمر وقت قصيرويرتفع صياح الرجل وتنتشر ضجة الاواني المعدنية وهي ترمى على الجدران والصحون وهي تتحطم على الارض وبعد مدة تطول أوتقصر يعود الهدوء من جديد الى البيت ويسوده صمت المقابر .

تضايق منه سكان الحي الذين لم يعرفوا هذا الضجيج وهذا الصياح وارتعشت الاجسام وخاف الصغار وبكوا وارتموا في أحضان أمهاتهم فزعا ... حاول الرجال الاقتراب منه للتعرف عليه ومعرفة مشاكله ... صاحوا في وجهه ... هددوه ...فاجأهم بالصمت واللامبالاة ...

بعد مدة تعودوا عليه وعلى وجوده بينهم وعلى صياحه وصراخه وعلى ضجيجه وصخبه ... وقعوا حياتهم على دخوله وخروجه وصياحه وصخبه .

وتمر الايام والشهور والسنوات ويكبر الاطفال وتهجر بعض النساء الحلقات ويغادر البعض الحي ويبقى الرجل هو نفسه لايتغير... وحيد يدخل الى المنزل ... وحيد يخرج من المنزل ... لم يغير عاداته ... صياح وضجيج وأصوات متباينة ... وحدها الاسئلة تنمو وتكبر وتتكاثر ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى