الاثنين ٢٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣

الطارق.. من واقع القبول إلى درب الوصول

"ودَّع الجميع أولادهم، ووَدَّعت أنا الطَّارق، قبَّلتُ رأسه، وقبَّل يدي، واستودعته عند الذي وهبني إياه. مشيتُ خطواتٍ، ثمَّ استدرت ونظرت إليه وهو يجُّر حقيبته، ويمضي مع الرَّكب المغادر، أراد قلبي أن يناديه ويعيده إلى حضني، وأوقفه عقلي قائلًا: دَعيه يخوض أولى تجارب الحياة، وهو لها".

ليس من السهل أن يسافر أصحاب متلازمة داون دون ذويهم، وأما الطارق فبفضل الدعم المستمر ووعي الأم التي وصلت الليل بالنهار في تنشئته والاهتمام به فقد صار شاباً يعتمد على نفسه، فقد دعمه الأهل حتى استطاع أن يتعلَّم ويعمل، بل ويسافر دونهم مع فريق عمله، ويعتمد على نفسه في حياته كأي شخص مؤهل للانخراط في المجتمع.

ولا يمكن إنكار أن الدمج الذي مارسه الأهل، ولا سيما الأم، الدكتورة ندى جميل البدري، بوعيٍ وإخلاص شديدين قد أهَّلاه للتواصل مع المجتمع بدءًا بالأهل، ومرورًا بالأصدقاء وفريق العمل، ووصولًا إلى أناس من جنسيات أخرى في أثناء الرحلات التي زار فيها عديدًا من البلدان، ومنها: السويد ومصر وتركيا وماليزيا وإنجلترا، وغيرها.

قد يستطيع أصحاب متلازمة داون الانخراط في العالم لو تم اكتشافهم مبكِّرًا، وتم الاهتمام بهم مثلما تقتضي حالة أجسادهم وعقولهم، فتجربة الطارق تجربة حقيقية ترويها المؤلفة/ الأم التي تعلَّمت الكثير من المهارات، بل ودرست علم النفس التطبيقي، وأكملت الماجستير في تعديل السُّلوك الإنساني، ثم الدُّكتوراه، ونالت إجازةً في علاج الاضطرابات النفسية، كل هذا لتستطيع التواصل مع أصغر أبنائها الذي اعتبرته هدية السماء وبوابة الوصول إلى الجنة، على أسس علمية وبخبرة واعية.

يطرح الكتاب الصادر حديثا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 144 صفحة من القطع المتوسط بطبعته العربية و128 صفحة من القطع المتوسط بطبعته الإنجليزية، في قضية مهمة بأسلوب الحكي الشائق، وبالعرض العملي لحياة أسرة منحها القدر ابنًا ذا قدرات خاصة من أصحاب متلازمة داون، وحاربت الأم ببسالة في كل الاتجاهات لتحافظ على ابنها وتراعيه، دون أن تمس حقوق أخويه وأبيه في حياة آمنة مستقرة طبيعية.

وتحكي المؤلفة عن تجربتها التي بدأت مع ابنها ثم انفتحت لتساعد من حولها: «أنشأتُ مركزًا خاصًّا للتدريب والاستشارات، وأصبحتُ مستشارةً في جمعية الإمارات لمتلازمة داون، أُقدِّم الدعمَ والإرشادَ لأهالي الأطفال من ذوي متلازمة داون الذين يحتاجون المساندةَ، وبخاصَّةٍ في مرحلة الحمل والطفولة المبكِّرة لأطفالهم».

ومع تلك التجربة الصعبة، تتضافر الاختبارات لشخص المؤلفة فتأتي إصابتها بسرطان الثدي تحدِّيًا جديدًا استغرق 444 يومًا في رحلة علاجه، مؤكدةً أنها استقبلت خبر مرضها بمنتهى الصبر والرضا، وكان كل ما يشغلها خلال رحلة التعافي أن تهيئ الطارق للتعامل مع مرضها، ومع تلك الجراحة التي أجرتها، واصفةً كيف شعرت بحبه، ودعمه إياها الذي رافقها في أثناء إجراء الجراحة، وحتى اجتازت رحلة المرض التي تكلَّلت بالشفاء المصحوب بالهدوء النفسي والرضا بما قسمه الله لها.

ويستعرض الكتاب كذلك مقتطفات لأهل الكاتبة وذويها يدعمونها والطارق، ويثمِّنون جهدها، ويشيدون بما وصل إليه الطارق بفضل تلك الأم الاستثنائية.

ثم تختتم الكاتبة "الطارق" بنصائح عامة لكل من تعرض لتلك التجربة، وتقدم له خلاصة السنوات وخبراتها بحكم تخصُّصها وأمومتها في الوقت نفسه.

ومن الجدير ذكره أن د. نندى جميل البدري تربوية ومعلمة. اختصّت في مجال الاستشارات الأسرية وتعديل السلوك وبناء الذات، وتقديم جلسات الدعم النفسي. ألّفت مجموعة من القصص التربوية للأطفال والناشئة. (ماستركوتش) ومدرب معتمد في تدريب المدربين وتصميم البرامج التدريبية. تشغل حاليا منصب المدير العام لمركز أساسكو للتدريب في مدينة دبي. محاضرة غير متفرغة في إحدى الجامعات في دبي. وعضو في منظمة الأسرة العربية بالشارقة، وفي المجلس الاستشاري الأسري في دبي، وفي عدد من الجمعيات المهتمة بالتدريب والاستشارات و(الكوتشينج) وهيئات رعاية الطفولة وجمعية الإمارات لمتلازمة داون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى