الأربعاء ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم
الطواف حول فصول الأزمان
القصيدة الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة الشعر الحر لعام 2007
الفصلُ يَزرع -هائجا-في النّفْس آلافَ الطقوسْ.وجهٌ يحدّث للمرايا ذكريات الأرض ِ،تُرسم في الوجوه خرائطُ الأزمان ِ،يقرأها المكانُيَصبها تحت التراب صدى ـفيَنبتُ في تراب النفْس ذاكرة ًتُكوّن ما سيأتي ...النور قرب الروح يدفئ قلبَناو الوشوشاتُ تَرنّ في الآفاقِكالأمطار إنْ رقصتْ بليلة عيد إسراء الغيوم إلى الترابِو عيدِ معراج القلوب إلى القلوبَْصَّبتْ غيومُ الروح نبضا في الكؤوسْمُلئتْ كؤوسُ الحب ، و ارتشفتْ شفاهُ القلب نبضَهْفإذا بها قد أَشرقَتْ من وجهها الشتويّو المُغبرِّ والعذبِ . . الشموسْو انشقَّ في الآفاق دربٌ أخضرٌو كأنه الآفاق مدَّ يدايصافح روحنافبدا هنا في الأرض وجهُ الأفق مصلوبايُشكِّلُ شهوةَ الأيام و الذكرىو يَرشُقُ عطرَهُ السحريَّ مع عطر الكروم مُعطِّراً أرواحَناحتى تَمازجت النفوسُ مع النفوسْالآن يتّحد السلامُ مع السلامْالفصلُ حُبٌّفاستعدي يا جهاتي.. للهيامْأحبيبتي..هذي العطورُ عطورُ جسمكِو النوارسُ من عيونك قد أتتْو الغيمُ هذا من تَبَخُّرِ نارِ دمعكِجاء بحثا عن غيوميكي نُعيد لنا الهُطولْالآن إنّا قد توالجنا و ضعنا بين بعضيناو لم نَعثرْ عليناو تعانقت أشواقنا بفؤادناو فؤادُنا مُتشبِّثٌ بجذورناو الجذرُ مُمتدٌّ من التُّفاحة الأولىإلى أقصى بساتين الندمْ .من حيث يشتعل اللقاء و ينطفئْتتكوّنينَ و تختفينَ بلا اختفاءْأنتِ البدايةُ ،و الختامُ بلا ختامْمن حيث يَبتدئ الهيامُ بدأتُ ألهثُخلْفَ أشرعة الدمارْو أنا عشقتُ ، أنا أموت ، أنا أحبّكِ،كيف أنسى ظِلَّنا حيث التقينا،و المكانُ أحبَّنا ،و تكحَّلتْ عيناهُ ،عَطَّر جسمَه من أجلناحيث امتزجنا غيمةً قد أمطرتْ فُلاًّيُعرّش عطرُه بين الكواكب سابحا مُتألّقايَنشقُّ حوله ـ دائخا ـعَرْشُ النهارْإنّا صُلبنا الآن ـ ذكرى ـ في الجدارْو تشردت آمالنا و تصاعدت و تطايرت و تطايرتْحتى البُخارْو تجمَّدتْ فينا السماءْالفصلُ دمعٌفاستعدّي يا جهاتي .. للبكاءْالدمعُ يَشربُ من عيوني ناظِرَيّ ْ .و حبيبتي البيضاءُ تلك حبيبتي الحمراءُ ـ (( نَرْمائيّةٌ ))قد أشعلتني أغرقتنيشَرّشَتْ ما بين أعصابي و أعصابِ الزمانِكما جذور ـ لا تُرى ، وهمية ـ عند الجبالْبيني و بين حبيبتي نَفقٌ و لكنْمِنْ سرابٍ ..جاء وجه حبيبتي من ذلك النفق الغريبْجاءت بوجه الحب و ابتسمت أمامي عندهاهطلَتْ ، كأمطار بوجه الصيف ، بسمتُهاعلى صحرا دمي.تتسلّقُ الأعصابَ بسمتُهاو تقطفُ منْ دميْ قمراً يدورُ بلا هدىْفأدورُ مع قمري و نسبحُ في الضَّياعْو أعودُ من وجعي : يبلّل ناظريَّ حليبُ بدرٍ دافئٍ في جسمِها القمريِّ .يبلعُ ثغريَ الصّمتَ المعتَّقَ في شفاهيْثم يُسْكرني السُّكونُ فأرتمي ظلاًّلجسمٍ تحت أقدام الصراعْ.في جسمها سفنٌ و بحرٌ،و الظلامُ به شراعْ.مجنونةٌ ريحُ الزمانِ تجيء عاريةًبشهوةِ ألفِ بُعْدْتغتالُ دفءَ القربِ من حُبِّيفأجلسُ راجفاً من شِدة الفَقدْ .في جسمها الغجريِّ رائحةُ الوداعْالدربُ يمشي لا يَملْو أنا على ظلّي أدورْ:ظلٌّ تكسَّرَ فوق ظلْو القلب تحفره القبورْ.يا ليتَ قلبيَ َيرتحلْنهراً إلى بدءِ العصورْلأسيلَ من رحمِ الأزلْو أُصبَّ في يومِ النشورْ.هذا الزمانُ يسيرُ ، يسبحُ في الدموعْو النارُ تتركُ ما تبقّى من رمادٍ للشموعْالفصلُ ذكرىفاستعدي يا جهاتي .. للرجوعْمن حيثُ يَبتدئ الكلامُ تكوَّنت عيناكِو انسكبتْ على شفتيك أغنيةٌ مضرَّجةٌبنورِ الحلم الأمطار و الإعصارِ ،و انتشرتْ على كفّيكِ ألوانٌ مبلّلةٌبعطر الحب و الموت الذي ينمو به صمتٌو موسيقى و دمْو هناك سار الريحُ خَلْفَ الريح خلف الصِّفرِيلهث في ليالي شعرك الممتد من ثمر الحروفإلى بذور الحرف يبحث عن نهارْو من ابتداء الحب أنجبتِ المشيئة ُظِلّكِ المرميَّ ـ سِحرا ـفوق أصوات البراري و البحارْو أنا تكوّن داخلي في نحو ستّة أدمع ، كونْتِهاثم استويتِ على فؤاديو قد انتشرتِ على امتدادك و امتداديوهنا غفوتِ على دمي فوق الألمْ.تعبَ المكانُ فمنذ نخل لم أنمْالفصل نومٌفاستعدي يا جهاتي . . للحلُمْيمشي بنا الحلم الجريح إلى وطنْيمشي بنا الوطن الخجول إلى حلمْتمشي بنا الأيام ، تسكبنا بأرض قاحلهْنمشي ، نَجرُّ وراءنا التاريخ ؛ يسبقناو يركب في القطار و يرحل التاريخ يرحلثم نبقى لاهثين هناك خلف القافلهْلِمَ أيها البدء الذي كوّنْتَنيكوّنتَ روحي مستقيماو تركتني أمشي ـ هنا ـ فوق الدروب المائلهْ ؟!هذي القلوب مُسدَّدهْنحو الرماحْهذي الأماكن مُسنَدهْفوق الجراحْهذي البلاد مشرَّدهْمثل الرياحْ .تتسلق الأحلامُ أغصانا بجسمك يا حبيبة؛ إنمابعد الوصول إلى ثمار الحلْم ترتعش الخطاتتعثر الخطوات بالضوء البعيدفتسقط الأحلام تسقط في تراب الواقع المنسوجمن حُزن النواحْالفصل شمسٌفاستعدي يا جهاتي . . للصباحْخلْف الجهات وجدت خِلّيركضتْ خطايْنحو المدى .. و تركت ظلّيفوَصلتُ ـ لم ألق سوايْ .ما زلتُ أجلس في النهاية حافيَ الأشياءِأنتظر البدايةَ،و البدايةُ واقفهْو كذلك الطرق التيبين البداية و النهاية عاصفهْو اللحظة الأولى لبدء السير كانت راجفهْو أنا هنالك في النهاية كالبداية كالحكاية كالأساطير الحزينةِكالنهايةِ ،و النهايةُ نازفهْ.الصبر يشرب من دميو الوقت يحرقني فأَطعن ـ ها هنا ـ بخناجر الصرخات،خاصرةَ المسافات الطويلة بيننالكنها ، هذي المسافات العنيدة لا تموتلو أنه الإيمان ينمو في القلوب:إن المسافة أدهر ضوئيةبين السماء و عقلنالكنها هذي المسافة قدْرهابين السماء و قلبنا (( سَنْتِيْدُعَاْءْ )).يا أيها الدرب المضرج بالفراقْهل جئتَ تَزرع في دميشوكَ المسافات التي لا تنتهي ؟!أم أنني أنا جئت من رحم الفراق ليرتدي الأبعادَ عمريكي أكون ممدَّدا للموت جسرا من عناقْ ؟!لا الدرب تدركه الخطا لا لاو لا الإسراء يبدأه و ينهيه البراقْكلٌّ على قدَر حزين يرحلون و ينصُبون بقاءَهمْقبرا على ظلِّ الصهيلْإن المكان ـ هنا ـ قتيلْالفصل هجْرٌفاستعدي يا جهاتي . . للرحيلْ .هاجرتُ من قلبي إلى قلبي ـ هناك ـفأوقفتْ نبضي الحدودْقالوا : ـ جوازك يا غريبْ ._ هل .. هل أنا ..؟أحرقتم التاريخ و الذكرى هناهذي بلادي ..إني أتيت إلى فؤادي .قالوا : ـ جوازك يا غريب ._ إني قريب ، بل و أقرب من قريبْيحتاج دمِّي كي يسافر من وريدي نحو قلبيخِتما و توقيعا و تنفيعا لأعدائي ،و ترقيعا لأشلائي ،و إذنا للسفرْ !!وقفت خطايْبين السراب على الحدودْو رمت يدايْما قد حملتُ إلى الحبيبة من وعودْو بقيتُ وحدي في مدايْلا ، لا أروح و لا أعودْ .الموت يشبهنيو إني الآن أشبههُوقبرٌ ليس معروفا ـ هنا ـ من كان صاحبهوحيدٌ في صحارى لم يصلها الخلق ، يشبهنيو يشبهنا التجمّد و التجّردْ .الفصل مَنفىفاستعدي يا جهاتي .. للتشرّدْ .متسلقا سيفا على شجر من التفاح ِأرجع مرة أخرى إلى نزف الصعودْأتسلق الندم البدائيَّ الحريريَّ الذيما زال يَكبر في دمي حتى نماسدّا طويلا من عصورْما زلت أقطف ـ كلما قطفت يدِي تفاحة ًفاحت عطور من دم التفاح تذبحنيمن الرحم الصغير إلى القبرْ.يا دمعة ًمن قلب (( حواء )) ارتمتفوق اشتهاء فاح من أعصاب (( آدم ))من أرضعكْمن ثديه الطوفانَحتى صرتِ من هذا الزمنْبحرا ً، من الأحزان و الدم ِ و الكوابيس المخيفةِ ،حَول بَرِّ الحلْم و الرؤيا تُحيطْ ؟!يا طعنة ًمن كف (( قابيل )) ارتمت_شِبْرا ـ على صدر ٍلـ(( هابيل )) البسيطْمن مدّد الكفَّ التي طَعنتْ، و درّبهالتحترف القتال، الاغتيالَتُمدُّ آلافا من الأميال, قنبلة ً، صواريخا ـ هناك ـ و مدفعا ،من قاعدات الغرب، ثم تطير،تُسكب ـ هاهنا ـ في صدر (( هابيل )) الذي يمتد في هذا الزمانمن الخليج إلى المحيط ْ ؟!هاجرتُ من صوتي إلى لغتيفبعثرني الكلامُو سُكبتُ من حُبِّي على قلبيفكسّرني الهيامُو مضى صدى حُبِّي إلى حُبِّييُلطِّخه البكاءْ.أشجارُ قلبي ناطحاتٌ للنجومْو ثمارها نبضي تعرّش بين أعصاب السماءْو الدرب يصعد جذعَ أشجار على قلبي تعومْيتسلق الأغصانَ و الأعصابَ و الخفقانَ،يقطف حُبِّيَ الـ ما زلت أسقيه دميو يعود هذا الدرب في كفيه أعصابي،و في شفتيه آثار الدماءْلم يستطع أملي اختراق الأمنياتْلم يستطع عيشي الوصول إلى حياة ْلم يستطع موتي الوصول إلى مماتْمسدودة أزماننا ..تلتف حول العمْر، تخنقناو تتركنا ـ هناك ـ مُعلّقين على حبال الحلْم ِمثل الذكرياتْحَلمتْ خطايْبالسَّير نحو السِّلم ، نحو الأغنياتْفرأت رؤايْقبرا كبيرا ، حوله مستشفياتْالظلم يملأ أرضنا حتى السماءْالشرُّ يملأ وجدنا حتى الفناءْالفصل حربٌفاستعدي يا جهاتي .. للدماءْالدربُ يَدخلني ، فأُصبحُ خارجي.أنا داخلي في خارجيأنا خارجي في داخليأنا أوَّلي في آخري . أنا آخري في أوَّلي.مستقبلي يمشي إلى غَيري،فأمسك حفنتين ، من السراب ،و حفنة ً، من ذلك الوهم المُدمَّى،في يدَيّ ْهذا الذي يبقى لدَيّ ْسافرتُ من ذاتي إليّ ْفتَّشتُ عنِّي فِيَّ ،لم أعثر علَيّ ْ.
القصيدة الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة الشعر الحر لعام 2007