العدساني، رحلة الحياة الأدبية والإنجازات المهنية
عندما دخل الشاعر عبدالرزاق العدساني، مكتبة الروضة التي كانت تحت التأسيس، لفت نظره مجموعة من الصور الكبيرة والخيالية لعدد من علماء المسلمين وقادتهم، مثل: الفارابي، وابن سينا، والغزالي، والكندي، وابن بطوطة، وابن هيثم، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم من المشاهير.فيسأل الشاعر، المشرف علی إعداد تلك المكتبة عن سبب تواجد تلك الصور.ويرد المشرف أنها للزينة ولكي يكون هؤلاء العلماء أسوة لمن يأتي من الزوار.
فلمعت في ذهن الشاعر فكرة رائعة وهي أن يستبدل تلك الصور بصور شخصيات كويتية، لعبت دورا في تاريخ الكويت ومثل هؤلاء أحق أن يعرف الجميع أنهم من كانوا وقاموا بأي شيء جعلهم يتميزون عن غيرهم.إنها فرصة نادرة لاتعوض ولكن الأمر لم يكن سهلا حيث أن الحصول علی تلك الصور ليس بالأمر اليسير.
أخذ شاعرنا علی عاتقه أن يستمر في البحث عن تلك الصور التي حددها فوجد الأمر سهلا ولاقی تشجيعا منقطع النظير من ذويهم، حيث رحب الجميع بهذه الفكرة وأحضروا الصور ولكن كانت هناك عقبة أخری وهي كيفية تكبير تلك الصور فلم يكن تكليف تكبيرها بالقليل غير أن الله سبحانه وتعالی ذلل تلك العقبة لشاعرنا حيث تبنت وزارة الإعلام تكاليف تكبيرها بتقديم صورتين كبيرتين مقابل صورة واحدة.وتمت تلك المساعدة عن طريق أخ الشاعر سليم محمد صالح العدساني الذي كان يشغل آنذاك نائب مدير المطبوعات في وزارة الإعلام.
وأخيرا تم إعداد الصور التي كانت لشخصيات كويتية لعبت دورا في تاريخ الكويت وهم: عبدالملك الصالح ، وعبدالعزيز العتيقي، وعبدالرحمن الدعيج، ومحمد الشايجي، وملا مرشد، وأحمد الغانم، ومحمد الهندي، وعبدالعزيز حمادة، وعطية الأثري، وعبدالعزيز الرشيد، وعبدالوهاب عبدالعزيز القطامي، وراشد بن أحمد الرومي، وعبدالوهاب عيسی القطامي، وفهد العسكر، وداود الجراح، ومحمود شوقي الأيوبي، وفهد بورسلي، وزيد الحرب، وصقر الشبيب، وعبدالله الصانع، وأحمد خالد المشاري، وعبداللطيف النصف، وسليمان العدساني.وتم تعليق تلك الصور عام 1972م.
واستلم شاعرنا في عام 1973م قسم المكتبات العامة وأول مهمة يكلف بها شاعرنا هي أن إدارة المكتبات طلبت من جهة معينة حمل المجلات والصحف التي ضاقت بها المكتبات.ما يؤدي إلی ذهاب شاعرنا إلی المرحوم عبدالرحمن عبدالملك بحثا عن مدرسة خالية علی البحر.فيشرح له الموضوع حيث يقترح الرجل ثانوية الفنطاس للبنات التي كانت خالية آنذاك ويستلم الشاعر مفاتيحها ويتوجه نحومدير إدارة المخازن الأستاذ خالد الغيث لإعداد مقدمات النقل وأخيرا نقل جميع الصحف والمجلات إلی تلك المدرسة المطلة علی البحر فإن طراوة البحر تنعش الورق بعد أن كان يعيش الجفاف القاتل في مخازن المكتبات.
ولم يترك شاعرنا تلك الصحف والمجلات بل يكلف بعض العاملين بفرز كل صحيفة ومجلة علی حدة وبعد أن تم فرزها قام بتجليدها.غير أنه لا يتم تقديره بل يكون جزاؤه جزاء سنمار حيث ينقل إلی قسم آخر لأنه قام بانتقاد إرسال أحد الموظفين بصفته خبيرا إلی اليمن.
نقل شاعرنا عام 1975م إلی قسم الحراس ولكنه لم يكن راضيا إلا أن هذا النقل كان لصالحه أخيرا فعسی أن تكرهوا شيئا وهوخير لكم.فكان الخير كل الخير في هذا النقل حيث تعرف شاعرنا في هذا القسم علی السيد رجا الحجيلان مراقب قسم الجوازات بالوزارة آنذاك وعضومجلس الأمة حاليا فعرّف هذا الرجل الطيب، الشاعر إلی الأستاذ علی الضمور أبي خالد وهو حاصل علی الماجستير في علم العروض فجلس الشاعر إليه وأخذ عنه كل ما يحمله ذلك العلم من معان ورأی شاعرنا من خلاله ما لم يعرفه من قبل من خفايا الشعر وبحوره.
إنجازاته الفنية
سمع الفنان عبداللطيف الكويتية من شاعرنا لحنين عام 1968م فأخذهما باعتبارهما من التراث.وهكذا أخذ شاعرنا طريقه نحو التلحين فقد بدأ العمل في الإذاعة الكويتية عام 1970م في أغنية "يا من شاف العريس"، تأليف أحمد الساير وغناء عبدالمحسن المهنا.وواصل شاعرنا عمله في التلحين حتی عام 1979م عندما اعتزل التلحين لأسباب سنتطرق إليها.واستطاع الشاعر أن يلحن خلال هذه الفترة أكثر من أربعين لحنا عاطفيا وأكثر من عشرين لحنا للمناسبات جُلّها وطنية، ودينية.
يتذكر شاعرنا أن في عام 1972م اعتدی العراق علی حدود الكويت وقتل ضابط وعريف بالصامتة فقام شعب الكويت عن بكرة أبيه احتجاجا علی ذلك العدوان وعلی ذلك العمل المشين.حضر الشاعر علي الربعي شقيق الدكتور أحمد الربعي عند شاعرنا ومعه قصيدة مطلعها:
يَسِيرُ إلَی المَجدِ صَامِدَ الأفعَالِ
رَافِعَ الرَّأسِ بِالرُّبُوعِ الغَوَالِي
قالها وهو يشارك في المظاهرات التي خرجت علی العدوان الآثم الذي أقدم عليه العراق.جلس شاعرنا معه يرددان هذا النشيد وأخذ العود ليبدأ بالتلحين.كانت المشاعر كلها ملتهبة يثور بها الحماس الصادق وهو صدق الغيور علی بلده.
إتصل شاعرنا بأحمد عبدالكريم وهو من القلائل الذين يجيدون أداء النشيد الحماسي وأحد الاثنين ممن يجيدون ذلك: هو وشادي الخليج.حضر أحمد عبدالكريم وكان علي الربعي مؤلف النشيد موجودا عند شاعرنا وكان شاعرنا خائفا من أن يبدي أحمد عبدالكريم اعتذاره حيث أنه ليس هناك من يجيد مثل هذا النشيد كما يجيده هووشادي الخليج.
قال له إن الشاعر عليا نظم هذه القصيدة وقد بدأ بتلحينها.فبدأ شاعرنا بعزف اللحن ليسمع أحمد عبدالكريم وكان خائفا أن يكون رأي أحمد مختلفا ولاسيما أن شاعرنا أول مرة يلحن مثل هذا النشيد الحماسي.فكان اللحن جيدا لدی أحمد عبدالكريم حيث أعجبه ولم يخرج من عند شاعرنا إلا والنشيد مسجل بصوته في مسجله الخاص.
كما أنهما اتفقا علی أن يلتقيا في اليوم التالي عند المرحوم أحمد علي لكتابة ذلك اللحن وبعد أن تمت كتابته توجهوا نحوالإستوديولتسجيل ذلك النشيد.وبعد تسجيله تم إرسال ذلك النشيد إلی مراقب الإذاعة الذي ما كاد يسمعه حتی أمر بحفظه وعدم إذاعته في ذلك الوقت لأنه سزيد النار اشتعالا والحال تطلب التهدئة.فظل النشيد محجوزا إلی أن بدأ الإفراج عنه في حرب أكتوبر.
ويذكر شاعرنا أن من طرائف ذلك النشيد أنه كان للمرحوم عبدالرحمن البعيجان ديوان يلتقي فيه الفنانون وقد وضع الشريط في المسجل ومن الصدفة الغريبة أنه في ذلك الوقت الذي أدار بها المرحوم عبدالرحمن المسجل كان هناك عرض عسكري في التلفزيون.فوافق النشيد العرض العسكري وفي تلك الأثناء دخل أحد رواد الديوان فوجد الجميع صامتين لسماع النشيد فصعق وأخذ يتساءل في خوف ماذا حدث؟ وظن الذي يسمعه ويراه من التلفزيون وبعد أن اطمأن أن الصوت من المسجل وليس من التلفزيون اطمأنت نفسه.
ويتذكر شاعرنا أنه كان يحاول أن يجيد لحن السامري ولكن تلك المحاولات كانت تميل بلحنه إلی روح الفن أوالعرضة البحرية والسامري الوحيد الذي أجاد تلحينه هوالسامري النقازي والذي إيقاعه أربعة علی أربعة.وهوالسامري الوحيد الكويتي الأصيل.وحاول بعضهم علی رأي شاعرنا أن يحول بعض السامري إلی سامري نقازي ولكنهم لم يفلحوا فنيا.
وهذا الفنّ علی رأي الشاعر كما ذكره المرحوم عبدالله عبدالعزيز الدويش فنّ كويتي حيث أن معظم الفنون الكويتية تتميز بأن كل فن له ميزاته الشعرية الخاصة به لا كما يعرفه السامري الذي يغنی علی كل وزن وليس له وزن محدد.ففيما يخص النقازي فهوغالبا ما يكون علی البسيط المتواتر المذيل بتفعيلة كاملة وهي "فعولن" أي أن حروف بيته الشعري يتكون من ستة وخمسين حرفا.
يتذكر شاعرنا أنه عندما شرع بتلحين هذا النوع من السامري سجل أغنية من تأليف المرحوم محمد أحمد التنيب وغناء مبارك المعتوق وهي علی الوزن الذي يعرفع السامري النقازي ومطلعها:"لاوين ماشي بهوی العشاق".
وهذا التسجيل أول تسجيل بإذاعة الكويت يحمل إيقاع أربعة علی أربعة وبشهادة الفنان غنام الديكان بأن شاعرنا هوأول من سجل هذا النوع من السامري بالإذاعة وليس معنی هذا أنه لم يكن موجودا من قبل.
عندما تم تسجيل سامرية "لاوين ماشي" كان المرحوم حسين أمين موجودا فسأل الشاعر عن الإيقاع وقال الشاعر له ليس هذا الذي سمعته هوالإيقاع الحقيقي وبما أن الكثيرين يجهلونه تم وضع هذا الإيقاع ولكن إيقاعه الحقيقي هو: دم تك دم اس.فرد المرحوم حسين أمين أنه لم يسمع هذا الإيقاع وأجاب شاعرنا أنه موجود ولكن الكثيرين يجهلونه.
وفي أغنية ثانية من تأليف الشاعر المرحوم محمد أحمد التنيب من غناء أحمد الجميري من البحرين ثبت شاعرنا هذا الإيقاع.وأشهر سامرية علی هذا النوع من السامري النقازي هي سامرية " سلام علی الذين يستحقون السلاما".
ويعتبر شاعرنا الصوت العربي (التغني بالشعر العربي الفصيح) سيد الفنون عرفته الكويت بعد إنشائها ويقال إن عبدالله الفرج هوالذي أوجده وهذا افتراض قديكون حقيقة وقد لا يكون إلا أن المرحوم أحمد البشر سجل لمعاصر عبدالله الفرج عدة تسجيلات كلها أصوات عربية ويوجد هنا وهناك أصوات عربية لم يسجلها المرحوم أحمد من المرحوم يوسف البكر المعاصر لعبدالله الفرج وبشكل عام ما تم تسجيله من قبل المرحوم أحمد كان نواة فن الصوت في ثوبه الجديد الذي عرف في بداية النصف الثاني من القرن العشرين وتزامن تطوير بعض الأصوات القديمة وجود عناصر ثلاثة:الإذاعة، والفرق الموسيقية، ولجنة الفنون الشعبية.
ويری الشاعر أن أول من قام بتطوير بعضها هوالفنان الراحل سعود الراشد مثل صوت سادتي ولكن أصحاب الفن شرعوا في إبداع الأصوات العربية التي احتفظت بأصالتها وبثوبها الجديد وإن كانت قليلة وأشهر هؤلاء هم: الفنان الراحل أحمد الزنجباري الذي لحن ثلاثة أصوات أذيع منها اثنان أولهما:
« ألا يَا صَبَا نَجدٍ مَتَی هِجتَ مِن نَجدٍ
فَقَد زَادَنِي مَسرَاكَ وَجدَاً عَلَی وَجدِي»
[1]
شعر قيس بن الملوح غناء الفنان الراحل عوض دوخي.وثانيهما لأحمد شوقي غناء الفنان الراحل سعود الراشد:
«السِّحرُ مِن سُودِ العُيُونِ لَقِيتُهُ
والبَابِلِيُّ بِلَحظِهِنَّ سُقِيتُهُ»
[2]
أما الأصوات العربية التي سجلت بإذاعة الكويت هي : " يا من هواه أعزه وأذلني" من الشعر القديم لحنه عوض دوخي و" قل للمليحة في الخمار الأحمر" غناء شادي الخليج وشعر فهد العسكر وصوت آخر من لحن وغناء سعود الراشد والشعر للمتنبي:
«بِأبِي الشُّمُوسُ الجَانِحَاتُ غَوَارِبَا
اللابِسَاتُ مِنَ الحَرِيرِ جَلابِبَا»
[3]
و"أحن إلی لثم الثغور" لحن وغناء عبدالله فضالة والشعر لقيس بن الملوح وصوت آخر من لحن شاعرنا وغناء عباس البدري والشعر لقيس بن ذريح:
«ألا حَيِّ لُبنَی اليَومَ إن كُنتَ غَادِيَا
وألمِم بِهَا مِن قَبلِ أن لا تَلاقِيَا»
[4]
وصوت " بالليل طول " كلمات عبدالمحسن الرفاعي ولحن شاعرنا وغناء عباس البدري وصوت "يا ظبية البان" شعر ولحن شاعرنا و"الأمن" شعر ولحن شاعرنا وهذان الأخيران لم يتم تسجيلهما لظروف خاصة.
كما عمل ثلاثة أوبريتات الأول "الماضي والحاضر" تأليف عبدالمحسن أحمد الرفاعي من إخراج صقر الرشود وأداء فرقة مسرح الخليج بمشاركة فرقة جاسم العصفور الشعبية.والأبريت الثاني "حكاية شعب" تأليف عبدالمحسن أحمد الرفاعي من إخراج السينمائي عبدالوهاب سلطان.والأبريت الثالث "أيام الربيع" تأليف عبدالمحسن أحمد الرفاعي وغناء عبدالكريم عبدالقادر.والأبريت الرابع بمناسبة العيد الوطني في مدرسة المنصورية للبنات من إخراج صقر الرشود.
يعد الهدساني أول ملحن كويتي يصور نغم السيكاالمصورة في أغنية "أعطني فرصة" تأليف محمد محروس وغناء عباس البدري كذلك في أغنية "توك عرفت الندم" تأليف محمد محروس وغناء محمد بدري.وأول من ابتكر تصوير السيكا هوالموسيقار محمد عبدالوهاب في أغنية "الكرنك".أما الموسيقار رياض السنباطي فقد صور السيكا في أغنية "يلي يشكيك"غناء أم كلثوم.كما صوره في أغنية "أروح لمين".
كذلك يعتبر أول من سجل الفن الحساوي وذلك في أغنية "أمسي أنادي من يسلي الروح" تأليف المرحوم خميس بكر وغناء حسين جاسم وتم تصويرها مع فرقة جاسم العصفور الشعبية.ومن شروط هذا الفن أن يكون علی البحر السريع المتواتر في الصدر والعجز وإيقاعه ستة علی أربعة."دم دم دم تك دم تك".وكذلك الحال بالفن النجدي مع اختلاف البحر.فبحر الفن النجدي هوالآخر الرجز المرفل.إيقاعاته ستة علی أربعة ضرباته دم دم تك دم دم تك.
كما عمل الشاعر، السامري النقازي وإيقاعاته أربعة علی أربعة وذلك في أغنية "لاوين ماشين" تأليف محمد التنيب.وهوالوحيد الذي يحظی بهذا الإيقاع وهوالفن السامري الوحيد الذي موطنه الكويت كما أشرنا آنفا.
اعتزل الشاعر التلحين عام 1979م واحتفظ بآلة العود يلحن لنفسه للأسباب التالية:
1. أن عشقه للأدب في جميع فنونه تغلب علی حياته الفنية.
2. اعتزال بعض المطربين مثل حسين جاسم وغياب المطرب المشهور عوض دوخي.
3. تقدم السن الذي طرأ علی كثير من المطربين الذين لم يعد باستطاعتهم الغناء علی القرار وعلی الجواب.
4. اختلاط الحابل بالنابل الذي أحدثه أصحاب شركات التسجيلات التي باتت تسجل كل شيء سواء كان صالحا أم طالحا.
5. غياب الكثيرين من الساحة الفنية عن الفن الكويتي الذي لم يعد باستطاعة ملحني الجيل الجديد إبداعه أوحتی معرفته وإن وجد فهوما يغني عن القديم.
6. وهناك أسباب فنية أخری لم يرد شاعرنا أن يذكرها.
وضع شاعرنا بعد أن ترك التلحين عدة ألحان لم يسجلها ولايرجع شاعرنا إلی عوده إلا إذا شده الحنين إلی الماضي أوليشغل نفسه وبصفة خاصة عندما أراد أن ينشد قصيدة جديدة لأنه يری أن اللحن خاصة النغم الشرقي له الأثر الطيب الذي يلهب العاطفة الشعرية فينطلق منها الشعر.
أعد الشاعر لكل بحر عروضي لحنا محددا وعندما أراد أن ينشد قصيدته في بحر معين يلجأ إلی عوده ليضبط قصيدته باستعانة اللحن المحدد لوزنه ضبطا محكما وهكذا تأتي الأبيات موزونة لايزاد عليها شيء كما لا ينقص منها شيء.
يری شاعرنا أن الموسيقی بحد ذاتها عنصر هام في حياة الإنسان إذا ما أبعد عنها القول الفاحش والرديء بكل معاييره لذا فإنها بقيت كأحد الأدوات المهمة التي لا غنی عنها كالهواء والماء والتنفس في الزلال إذا ما أبعدت عنه كل الشوائب التي تكدر صفوه ليكون ماء نقيا صالحا للشرب.
رحلة الحياة الأدبية
بدأ الشاعر بقرض الشعر منذ أواخر الأربعينات إلا أنه كان يخفي ما ينشده لأنه لايراه مناسبا للنشر حيث لا يخلومن النقص ناهيك عن ضعفه.كما أن الشاعر يذكر أن والده لم يكن يرغب أن يتجه ولده نحوقرض الشعر بل هدده أن لايدخل في هذا المجال فالتجأ شاعرنا إلی قرض الشعر دون أن يحتفظ بما أنشده في دفتر معين خوفا من والده.وحاول أن يحفظ ما كان ينشده كي لايقع ورقة منه في يد والده.ومع مرور الأيام تحولت تلك المحاولات إلی محاولات جادة وعميقة.
بدأ شاعرنا محاولاته الشعرية في الشعر الفصيح بما كان ينشده علی نهج كبار الشعراء حيث كان يضيف بيتا أوبيتين علی قصيدة شاعر يعجبه شعره.فإذا قال قيس بن الملوح:
«يَقُولُونَ لَيلَی بِالعِرَاقِ مَرِيضَةٌفَيَا لَيتَنِي كُنتُ الطَّبِيبَ المُدَاوِيَايَقُولُونَ لَيلَی سُودَةٌ حَبَشِيَّةٌولَولا سَوَادُ المِسكِ مَا كَانَ غَالِيَا»
[5]
فإن شاعرنا ينشد علی غرار هذه القصيدة بيتا:
ولَن تُلهِنِي عَن ذِكرِ رَبِّي صَبَابَةٌ
ولا حُبُّ لَيلَی حِينَ يَدعُو المُنَادِيَا
ثم يعرف الشاعر أن كلمة "المنادي" هنا دوره فاعل ويجب رفعه إلا أنه يعد من تجاربه الأولی بل محاولة لقرض الشعر.وهكذا ازدادت محاولات شاعرنا الشعرية وتوجه نحوقرض القصائد إلا أنه لم يكن ينشرها ولم يعرضها علی أحد بل كانت تبقی في دفاترها.
بدأ شاعرنا حياته الأدبية عندما اعتزل التلحين بداية جادة للأسباب المارة الذكر التي يعود بعضها إلی شغفه بالأدب. ذكرنا سابقا أن شاعرنا تعرف علی رجا جحيلان الذي عرفه علی الأستاذ علي الضمور ووجد شاعرنا علی يد الأخير ما كان يتمناه حيث كرس نفسه وكل وقته لدراسة العروض والنحو.
فكانت أول قصيدة نشرت له في مجلة النهضة قصيدة "الأبواب العالية" بمناسبة الأعياد الوطنية في أوائل الثمانينات رغم أن فيها بعض الأخطاء العروضية في القافية والتي تم إصلاحها فيما بعد عندما هم شاعرنا بإصدار ديوانه الأول.
يری شاعرنا أن معلمه الأول في النحوهوالقرآن الكريم الذي حفظ شاعرنا منه سورا كثيرة عن ظهر القلب.كما أن شاعرنا يحفظ أجزاء من السور الطويلة مثل سورة البقرة وآل عمران.فالقراءة المتمعّنة ساعدته كثيرا في إدراك معرفة أسرار علم النحو.كما أن شاعرنا تعرف منذ صباه علی كثير من الشعر الجاهلي، والأموي، والعباسي، والمتنبي بصفة خاصة الذي يعتبره شاعرنا الشاعر الذي لا يضاهيه شاعر من شعراء العربية.
صدر أول ديوان شعر لشاعرنا في أواخر الثمانينات بعنوان "ديوان العدساني" ويبدأ الديوان بقصيدة "أسماء الله الحسنی".والتي تشمل كل أسماء الله ولا يوجد في هذه القصيدة فعل إلا في صدر البيت من مطلع القصيدة.