الأحد ١٣ أيار (مايو) ٢٠١٨
جولة أدبية
بقلم فاروق مواسي

العمل- أخوك أعبد منك

من جميل ما قرأت في الحض على العمل والإنتاج ما روي عن عمر الفاروق- رضي الله عنه:

"فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى ثَلَاثَةَ نَفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ مُنْقَطِعِينَ لِلْعِبَادَةِ فَسَأَلَ أَحَدَهُمْ مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟

فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ يَأْتِينِي بِرِزْقِي كَيْفَ شَاءَ.

فَتَرَكَهُ وَمَضَى إلَى الثَّانِي، فَسَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ أَخًا يَحْتَطِبُ فِي الْجَبَلِ فَيَبِيعُ مَا يَحْتَطِبُهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَأْتِيه بِكِفَايَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَخُوك أَعْبَدُ مِنْك.

ثُمَّ أَتَى الثَّالِثَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَرَوْنِي، فَيَأْتُونِي بِكِفَايَتِي، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ إلَى السُّوقِ، أَوْ كَمَا قَالَ.

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّكَسُّبَ أَفْضَلُ مِنْ الِانْقِطَاعِ لِلْعِبَادَةِ، ونحن شهود على متدينين من أبناء الديانات المختلفة ممن يتفرغون للعبادة، ولا يعملون، بل منهم من يسيحون في الأرض للدعوة أو التبشير كل ودينه، ويتركون عائلاتهم لرحمة الباري.

(ابن الحاج: المدخل- عن الشبكة)

فما أجمل هذه العبارة: أخوك أعبد منك!

نعم، فالعمل ليس قاصرًا على الصلاة والصوم، بل هو النشاط المتأتي للنجاح في سبل الحياة –ِوقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون- التوبة، 105.

والعمل وارد في عشرات المواقع والمواضع في القرآن، وذكر في آيات مختلفة، نحو- وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ- المزمل، من الآية 20.

لقد قصدت الآية أولئك الذين يكافحون ويعملون، وهذا فضل من الله يهيئه لهم. يقول تعالى:
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ...- الجمعة، 9.

فالدين يحث على البحثَ عن العملِ وطلبَ المالِ الحلالِ، والسعي على الأهلِ والعيالِ، وهذا هو الابتغاء من فضل الله.

قيلَ يا رسولَ اللهِ أيُّ الكسبِ أطيبُ؟

قالَ: «عملُ الرجلِ بيدِه وكلُ بيعٍ مبرورٍ».

(رواهُ أحمدُ وغيرُه).

وقالَ صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدُكم أحبُلَهُ فيأتي الجبلَ، فيجيءَ بحُزمةٍ من حطبٍ على ظهرٍ، فيبيعَها فيستغنيَ بثمنِها، خيرُ له من أن يسألَ الناسَ أعطَوه أو منعُوه».

(رواه أحمدُ وأصلُه في البخاري).

وروى كعبُ بنُ عجرةٍ: مرَّ رجلٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فرأى أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من جَلَدِهِ ونشاطِه ما رأوا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كانَ هذا في سبيلِ اللهِ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن كانَ خرجَ يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كانَ خرجَ يسعى على أبوينِ شيخينِ كبيرينِ فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كانَ خرجَ يسعى على نفسِه يعُفّها فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كانَ خرجَ يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ».

(رواه الطبرانيُ ورجالُه رجالُ الصحيحِ).

وسألَ رجلٌ أحمدَ بنَ حنبلٍ فقالَ: أيخرجُ أحدُنا إلى مكةَ متوكلاً لا يحملُ معه شيئاً؟

قال: لا يعجبُني، فمن أينَ يأكلُ؟

قالَ: يتوكلُ فيعطيه الناسُ، قال: فإذا لم يُعطوه، أليس يَتشرفُ حتى يُعطوه؟

لا يُعجبني هذا، لم يبلغُني أن أحدًا من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ فعل هذا، ولكن يعملُ ويطلبُ ويتحرى.

يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ: "مكسبةٌ فيها دناءةٌ خيرٌ من سؤالِ الناسِ، وإني لأرى الرجلَ فيُعجبُني شكُله، فإذ سألتُ عنه فقيلَ لي: لا عملَ له، سقطَ من عيني".

مما ورد في الشعر القديم تحفيزًا على العمل قول أبي العتاهية:

ما أحسنَ الشغلَ في تدبيرِ منفعةٍ
أهلُ الفراغِ ذوو خوضٍ وإِرجافِ

ومن الشعر الحديث أختار لكم قول الرصافي:
كل مافي البلادِ من أموالِ
ليس إِلا نتيجةَ الأعمالِ

إِن يطبْ في حياتِنا الاجتماعية (م) عيشٌ فالفضلُ للعمالِ

وإِذا كانَ في البلادِ ثراءٌ
بفضلِ الإِنتاجِ والإِبذالِ
نحنُ خلقُ المقدّرات وفيها
لاحياة للعاطلِ المكسالِ
ليس قدْرُ الفتى من العيش إِلا
قدرَ إِنتاجِ سَعْيِه المتوالي

هل تسمحون لي أن أضيف قصيدتي (قطرة العرق)، ففيها حكاية التعب والكدح في سبيل لقمة العيش:

قطرة العرق

رأيتها تسيلُ قطرةَ العرقْ
تروي حكايةَ العذابِ والتعبْ
وراءها تنسابُ قطرةٌ فقطرةٌ
فيُغمَرُ الجبينُ بالألقْ
رأيتــــها برقــــــصةٍ تراودُ الأملْ
يداعبُ المقلْ
رأيتـــــها بغنوةِ الذي انطلقْ
مكافــــحًا منافحــــًا
عن يومِه الكريمْ
وذائدًا عن حبــــِّهِ
لقمتُــــــه صافيةُ الغـَـــــدقْ
لأرضـــه لشعبـــِه
يلبَسُ تـــاجًا في العطاءِ ...في العملْ
يزهو بـــه
يرفُلُ بالحــُــللْ
رأيته يمسحــــــهـــــــا
وقطرة العرق
سرعان ما يأتي جديدهـــا
ليغمُرَ الجبينَ بالألقْ.


مشاركة منتدى

  • الحديث الذي افتتحت به مقالك (أخوك اعبد منك): من أي شارع التقطه؟ بمعنى آخر من الذى رواه أو أخرجه، أفكلما طرأ لرجل فكرة افتراها على رسول الله؟ فبأي وجه تلقونه يوم القيامة وتطلبون شفاعته؟

  • رفقاً بأخيك يا هذا.
    ما ذكر أن الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم و لا افترى عليه... و إنما بين ان القول عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
    و إن لم اتحرى هل تبثت عن عمر، فقد حرصت على ان اثير انتباهك الى من نسبت اليه القصة.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى