الخميس ٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم مروة كريديه

العوامل التي أدت الى نشوء حركات الإسلام السياسي

لقد ظهرت دراسات كثيرة عن الحركات الأصولية ،وظاهرة ما أطلق عليه فيما بعد التطرف الإسلامي، ازدادت بعد أحداث 11 سبتمبر بشكل ملحوظ، حيث عمدت الادارة الأمريكية الى تسويق مفهوم الارهاب ، وربطه بالاسلام والمسلمين ، غير أن الدراسات التي تناولت هذا الموضوع ليست كافية لفهم هذه الظاهرة كظاهرة دينية في المجال الحضاري الإسلامي.

و يلاحظ وجود خلط بين ما عرف بالأصولية الإسلامية، وما يُطلق عليه الإسلام السياسي، وهما أمران مختلفان، يمكن حصر ذلك بنقاط :
* فحركات الأصولية الإسلامية : لا تكون حركات سياسية وحسب ، بل هي قبل كل ذلك حركات قائمة على أسس فلسفية، وأيديولوجيا عقائدية، ولها منهج معتمد في التطبيق العملي لكل مناحي الحياة والمشروع السياسي هو واحد من مشاريع كثيرة،منها الاقتصادي , والاجتماعي , والاحوال الشخصية ... لذلك لا يمكن النظر إليها على أنها ظاهرة سياسية آنية، لذلك لا بد من مناقشة الطروحات الفكرية وأُسسها البنيوية قبل كل شيئ .

*حركات الإسلام السياسي : هي تلك التي تصرح بهدف معلن ، هو السعي بشتى الوسائل المتاحة لإقامة الدولة الإسلامية، وتملك بنية تنظيمية علنية أو سرية ، وتحظى بدعم جماهيري يختلف من قُطر لآخر، ومن ناحية لأخرى من حيث الحجم والفعالية، لكنه صالح لان يتخذ أساسا لإقامة النظام السياسي الإسلامي المنشود.

أما الواقع الآن فيما يتعلق بهذا الإسلام السياسي ، فإن المواقف السائدة من حوله يمكن إجمالها في النقاط التالية :

• أولا: اكتمال التشكل السياسي للحركات السياسية الإسلامية في النصف الثاني لثمانينات القرن العشرين ، وتحولها إلى تيار رئيسي في المعارضة السياسية في العديد من الدول العربية، وتخوض هذه الحركات نضالا من اجل الوصول لسلطة أو المشاركة فيها .

• ثانيا: ازدياد المشهد السياسي في المجال العربي، كلّه جمودا وانغلاقا، خصوصا على صعيد الانتخابات في مؤسسات المجتمع المدني، ليس بين الإسلاميين والسلطات فحسب بل بين السلطات وسائر قوى وفئات المجتمع المدني، حتى تلك المعروفة بمعارضة المشروع الاسلامي.
فالوضع السلطوي في الكثير من الدول العربية سيئ ،فلا يوجد رئيس سابق ( بل رئيس دائم )، وقوانين طوارئ تفرض مزيدا من العنف المضاد ، و في أحسن الأحوال تُجرى استفتاءات شكلية لا مكان للديموقراطية فيها، والاستفتاءات محصور ما يشبه خيار المواطن فيها بنعم أو لا، والويل لمن يُصوت بلا ، فالمرشح واحد لا منافس له ولا شريك، والقمع هو سيد الموقف والويل لمن يفكر بكلمة لا فالسجون تنتظره و مجهزة بما يلزم للتعبير عن رأيه بداخلها ، بحيث يخرج منها كائن مدجن مهزوز قضى شطر حياته في أقبية لا يعلم ما في داخلها إلا الله والموجود بداخلها .
اما حال النقابات فهي في أغلب الاحيان مُحاصرة مصادرة من قبل الحزب الحاكم ، وفكرة السلطة ومؤسساتها تعني للشعب ذلك الجهاز الرادع المؤدِّب فقط لا غير .
ويحضرني الآن رأي في احدى التحقيقات التي كنت أجريها حول صورة السلطة في الذهنية العربية ، حيث قال لي أحدهم وهو مواطن ، من قرية نائية في إحدى الدول العربية، لا تصلها حتى الخدمات الضرورية ومقومات الحياة الأساسية :
" نحن في قريتنا لا نعرف إلا مؤسسة واحدة حكومية، هي السجن".

و أترك لك يا قارئي ان تتخيل صورة السلطة في عقل المواطن العربي هذا ، فهو لا يمكن ان يتخيل ان - الدولة ومن فيها من ساسة وشرطة- هم في خدمته ، وأن له حقوق عليهم ، بل كل ما يعرفه هو انهم وبال عليه مؤدبين له ،من جهة أخرى فهو يعتمد على جهده للكفاح من اجل تأمين الدواء والغذاء الضروري ، وهي من أبسط الحقوق الاساسية التي سنها ربّ الكون ، فكيف لهكذا مواطن ان يفكر في حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية ...فهذه الجملة التي صرح بها هذا "الانسان " معبِّرة الى حدّ بعيد وتعكس مشهد حقيقي مؤلم، ينبغي ان نعترف به أولا ان أردنا إصلاحًا حقيقيًّا .

وهذا الواقع للصورة التي تُكرسها بعض السلطات ،أدى وسيؤدي إلى ردود فعل سلبية، تتشكل بأثواب مختلفة ، غير أنّ السلوك المتشنج والمتطرف هو أحدها، فالمواقف المتشنجة تنمو بسرعة في الأنظمة الشمولية القامعة ، وفي ظل قهر يشعر الفرد فيه بالاضطهاد وعدم العدالة ويشعر بعدم قيمته الانسانية .
فالانسان يرتفع صراخه كردّ فعل طبيعي اذا أحس انّ أحد غير مكترث لآلامه....

• ثالثا: تتحول الأنظمة الحاكمة في سائر الدول العربية في عملية الصراع الداخلي ، من مواقع الدفاع ، إلى مواقع المبادأة والهجوم لا سيما على الإسلاميين...

وقد استفادت قوى المعارضة الأخرى من ذلك من خلال أمرين:

الأول: هو الدخول في مفاوضات للتسوية مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، في مقابل تخفيف الضغوط عليها من الجهات الدولية التي كانت متحمسة للديموقراطية.

والثاني: هو الالتئام التدريجي لجبهة عالمية واسعة لمواجهة حركات الإسلام السياسي، انتهى الأمر بها إلي إعلان الحرب على الإرهاب تحت شعار التصدي للأصولية الإسلامية.

إذن ظهرت حركات الإسلام السياسي في ظروف متأزمة ثقافيًّا وسياسيًّا للإصلاحيين، والناجمة عن اختلال العلاقة مع المصدر (النموذج) واختلال العلاقة مع الدول الطالعة عشية استقلال الدول العربية، لذلك نجد أن كثير من حركات الاسلام السياسي كانت بدايتها حركة إحيائية عنيت بالمسائل الشعائرية والرمزية، وقضايا الهوية، والأمور الأخلاقية، والأمور الدعوية ... ولم تهتم كثيرا في البداية بالقضايا السياسية، غير أن الأوضاع السياسية الداخلية التي تتمثل بالقمع والأوضاع الاقليمية والدولية المتمثل بالدعم اللامحدود لسياسات الاميريكية وموقفها المنحاز تجاه اسرائيل بوصفها دولة سياساتها غير عادلة ، كل ذلك دفع ببعض الحركات الاسلامية الى أخذ مواقف سياسية معادية للسلطات داخليًّا وللسياسة الاميريكية خارجية .

ولا أستطيع في هذه العجالة استعراض تفاصيل الأحداث الصدامية الدامية، وممارسات أجهزة الأمن والمخابرات في العالم العربي والإسلامي حيال الحركات الإسلامية، ولست في معرض الدفاع عن أحد ، ولكن ما أستطيع أن اجزم به ، أن الأفكار والخطاب التأسيسي لحركات الإسلام السياسي، خرجت من المنفى و السجون والمعتقلات، في بيئات خلت من السياسة والديموقراطية والثقافة ، وبرزت الأزمة بصورتها الصارخة في ظل أنظمة استبدادية سائدة وهذا الأمر شكل عائقا أمام بروز نماذج مضيئة ، كما أدى إلي حصول قطيعة مع كل الأنظمة الحديثة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى