الجمعة ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٢
في لقاء خاص مع الفنانة أمينة رزق
بقلم أشرف شهاب

الفن وسيلة لتحقيق الراحة النفسية

الفنانة أمينة رزق من جيل منقرض من الفنانات العظام. وهبت نفسها للفن وللمسرح ولم تتخل يوما واحدا عن عشقها للفن. وعلى عكس بعض فنانات اليوم اللواتى يخجلن من الفن وينتهزن أول فرصة للتوبة منه، تقف أمينة رزق وحدها راهبة تتعبد فى محراب الفن الجميل الذى تعلمته على مدار أكثر من نصف قرن. وما بين تاريخها الفنى وابتعادها لفترة عن الجمهور ثم تفكيرها بالعودة أجرى مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود معها الحوار التالى:

ديوان العرب: نرحب بالفنانة الكبيرة أمينة رزق فى بداية هذا الحوار.
 أمينة: شكرا لكم على الحضور.

ديوان العرب: نحن نجلس معك الآن فى أروقة واحد من المسارح. ونحن نعرف أن المسرح هو عشقك الأول.
 أمينة: نعم. أشعر دائما كما لو كنت ما زلت طفلة صغيرة عندما أتوجه للوقوف على خشبة المسرح. ودائما ما يصيبنى القلق والتوتر عندما يكون مطلوبا منى الصعود إلى الخشبة للقيام بدور جديد كأننى أمثل للمرة الأولى. المسرح هو حالة اختبار يومى للمثل. وهو مواجهة مستمرة ومباشرة مع الجمهور تجعل الفنان على قلق دائم وفى خوف وترقب مستمرين حتى يستطيع أن يقوم بالدور المطلوب منه بشكل مقنع. وعلى العكس من بقية أنواع الفن الأخرى يلعب الفنان دوره مرة واحدة ثم ينتظر رد فعل الجمهور. ولكن المسرح مواجهة يومية ومباشرة مع الجمهور الحكم، والمسرح هو نتيجة فورية لنجاح أو فشل الفنان. المسرح هو ترمومتر الفن.

ديوان العرب: إذا كنت تحبين المسرح لهذه الدرجة. فلماذا هذا الغياب الطويل؟
 أمينة: هذه المسألة لا دخل لى فيها. وكما تعلم أن للشباب بريقه ويجب أن يحصل الشباب على الفرصة. وفى هذه السن أصبحت الأدوار التى يمكن أن ألعبها محدودة بأدوار معينة. وبالتالى فأنا لم أبتعد عن المسرح بقرار مني. ولكنه ابتعاد تفرضه الظروف. كما أننى أفضل دائما أن أدرس أعمالى جيدا قبل تقديمها إذ أننى لن أفرح بتقديم أى عمل مهما كان مستواه. فالعمل المسرحي بالذات بالنسبة لى هو رسالة. وأنا أشعر أن المواجهة مع الجمهور تفرض على الفنان أن يختار دوره جيدا حتى شعر بالسعادة الفورية.

ديوان العرب: أشعر أنك بعد هذا التاريخ الفنى الحافل ما زلت تشعرين بالرهبة والخوف من خشبة المسرح ومن مواجهة الجمهور.
 أمينة: هذا الخوف طبيعى وهذه الرهبة ظاهرة صحية يجب أن يتمسك بها الفنان. الخطر هو الشعور بالثقة والأمان فى مواجهة الجمهور. وأنا أشعر أن الخوف يدفعنى دائما إلى تقديم الأفضل واختيار أدوار متميزة تجعلنى دائما عند مستوى توقعات الجمهور منى.

ديوان العرب: بعد غياب طويل ستقفين على خشبة مسرح الهناجر وهو مسرح حديث. ألم تفكرى فى أن تعودى بعمل على خشبة المسرح القومي وهو أهم مسرح فى مصر؟
 أمينة: المهم بالنسبة لى ليس مكان أو اسم المسرح. صحيح أننى أعشق خشبة المسرح القومى لأن لى معها ذكريات وذكريات. ولكن المهم أيضا هو النص الذى سأقدمه مهما كان المكان الذى سأقدمه منه. المهم هو أن أستطيع توصيل رسالتى للناس من أى منبر.

ديوان العرب: تتحدثين دائما عن الفن والرسالة.. وهذه لغة نفتقدها بين الكثير من فنانى اليوم الذين لم تعد كلمة رسالة تعنى لهم شيئا.
 أمينة: الصورة ليست سوداء وليست قاتمة إلى هذه الدرجة. وليس من مصلحتنا أن نصور الوضع بهذا الشكل. هناك الكثير من الفنانين الملتزمين الذين يلعبون دورا مهما فى توجيه وتشكيل وجدان الشعب المصرى. وأنا أحب أن أشير إلى أن لكل وقت ولكل شخص ظروفه وما يجمعنا فى النهاية هو أننا أدوات للتوصيل. نحمل رسالة للناس سواء قمنا بالإعلان عن هذا أم قمنا بأدوارنا فى صمت.

ديوان العرب: تعودين إلى المسرح بدور صغير كما فهمت منك قبل بداية الحوار فى مسرحية "الليلة الثانية بعد الألف". ألا ترين أنه كان من الواجب أن تعودى بدور كبير للمسرح بهد غيابك عنه عدة سنوات؟
 أمينة: وما هو مقياس الدور الكبير فى نظرك؟

ديوان العرب: هناك عدة عوامل. ولكن ربما كان نوع الدور وليس حجمه هو المعيار الأفضل.
 أمينة: أنت قلتها. المهم هو طبيعة ونوع الدور. إذا المهم ليس طول الدور ولا حجم المساحة المكتوب فيها النص. المهم عندى هو التأثير الذى سيحدثه هذا الدور فى نفوس المشاهدين. وأنا أعتقد أن دورى فى هذه المسرحية سيكون مؤثرا. وسيكون بالشكل الذى أرضاه لنفسى ولجمهورى.

ديوان العرب: وهل كنت تتقبلين أدورا قصيرة هكذا فى الماضى؟
 أمينة: نعم. ليست هذه هى المرة الأولى التى أقوم فيها بدور صغير فى عمل ما.

ديوان العرب: متى حدث ذلك؟
 أمينة: راجع دورى فى مسلسل "للعدالة وجوه كثيرة"، ودورى فى مسلسل "أهل الدنيا"، والمشهد الوحيد الذى قدمته فى فيلم "ناصر 56"، وأيضا فى فيلم "أريد حلا".

ديوان العرب: حسنا. ننتقل إلى نقطة أخرى تميز "الست أمينة" كما تحب أن يناديها العاملون بالمسرح. وكما هو معروف أنت فنانة ملتزمة بالمواعيد وهى ميزة نادرة بين فنانى اليوم.
 أمينة: هذا هو سر تعبى فى الحياة. أنا أعيش مأساة بسبب التزامي بالمواعيد. وفعلا أنت محق فى كلامك فجيلنا من الفنانين كان يحترم التزامه بالمواعيد بالدقيقة. واليوم لم يعد هناك من يهتم بالمواعيد. وبالطبع هناك دائما سبب جاهز للتأخير هو أزمة المرور التى تعانى منها شوارع القاهرة. هذه هى الشماعة التى يعلقون عليها أخطاء تأخرهم وعدم احترامهم للوقت.

ديوان العرب: كعاشقة قديمة للمسرح.. كيف ترين مسرح اليوم مقارنة بمسرح الأمس؟
 أمينة: أخشى أن أقوم بهذه المقارنة لأنها ستنتهي لصالح مسرح الأمس. ومع ذلك أحب أن أقول أن مشاهدتى للعروض المسرحية القديم لا تجعلنى أتحمس حتى لمشاهدة المسرحيات الجديدة. ويبدو لى أن الناس أصبحت تتساهل فى قضية الفن. وأن الفن أصبح مجرد شكل بلا مضمون. وأنا أخشى أن أكون متجنية فى هذا الحكم على الأجيال الجديدة بسبب أننى تربيت على مسرحيات من نوع "البؤساء" و "أحدب نوتردام" و شجرة الدر". ولهذا فإن المقارنة بين هذه الأعمال والأعمال الحالية لن تكون مفيدة.

ديوان العرب: حسنا. ولماذا لا نراك على شاشة التليفزيون حيث يفتقدك جمهور المنازل؟
 أمينة: الحقيقة أننى درست فى الفترة الأخيرة مجموعة كبيرة جدا من الأعمال. واعتذرت عن التمثيل فى حوالى خمسة أعمال منها فيلم واحد وأربعة مسلسلات.

ديوان العرب: لماذا؟
 أمينة: لأننى وجدت أنها لن تضيف إلى رصيدى الفنى شيئا بل بالعكس ستسحب من رصيدى لدى الجمهور. وهذا الرصيد هو الذى يهمنى فى المقام الأول. لأن حب واحترام الجمهور لى لا يمكن تعويضه بأى ثمن. وأنا لا أنظر إلى الفن على أنه وسيلة لتحقيق مكاسب مالية بل أنظر إليه على أنه وسيلة لتحقيق الراحة النفسية.

ديوان العرب: نشكرك على هذا الحوار الذى تعلمت فيه شخصيا الكثير. ولقد تأثرت بحبك وتقديرك لرسالتك.
 أمينة: هذه رسالة يجب أن نعمل جميعا على نشرها. لكل شخص منا دوره فى الحياة ورسالة يؤديها. ويجب أن يؤديها بشرف وأمانة. وهذه أعتبرها نصيحة لكل أجيال الشباب أن يضعوا رسالتهم نصب أعينهم ويعملوا على تحقيق المعنى الأسمى لهذه الرسالة. فكل شىء زائل ولن يبقى للشخص سوى سيرته.

ديوان العرب: أشكرك مرة أخرى. وأعتبرها نصيحة لكل أجيال الشباب.
 أمينة: شكرا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى