الكتابة النسويّة و سلطة الجسد
مدخل:
بداية علينا التنويه بكون مفهوم الكتابة النسويّة هو مفهوم مغلوط ابتدعته الثقافة الذكوريّة المتسلطة بمجتمعاتنا العربيّة للتاكيد على دونية ابداع المرأة العربية، الحقيقة مفاهيم كثيرة وجب مراجعتها كمفهوم المبدع الشّاب او المبدع العصامي: الكتابة لايعنينا جنس صاحبها، ولا عمره و لا علاقة لها ايضا بكرّاس المعلم،الكتابة هي الكتابة و النصّ هو النصّ المحكّ الحقيقي للحكم عليه محكٌّ جماليّ لا يخضع البتّة الى تقسيمات جنسيّة/فئوية –جنس كاتبه - و لا يتأثر بالعمر او المستوى التعليمي و محمد شكري و جمال الصليعي خير دليل كم من اكاديمي فشل في ان يكون شاعرا و كم ناقد ارعب الكتاب بنصوصه النقديّة تعذّر عليه ان ياتي بربع ما ابدعه الشاعر أو الروائي رغم ما يحمله من تنظيرات و علم بالمباني و المعاني والمدارس و اللغة.
نبوغ نازك الملائكة، تجديدها و فعلها الطلائعي باعتبارها من روّاد الشعر الحديث و المجددين فيه لا علاقة له قطعا بأنوثتها بل احدثت بنصّها"الكوليرا"شرخا في الثقافة العربية زلزل مسلّماتها، كل هذه الزلزلة تعود الى المنجز الابداعي في جماليته و طرافته بعيدا عن جنس صاحبه،لذلك فهذا التقسيم بين كتابة نسوية و اخرى ذكورية –حسب اعتقادي – هو تقسيم ملغوم و خاطئ.
في المقابل يرى البعض ان الكتابة النسوية كتابة متفرّدة لها خصوصياتها بل يذهبون الى اعتبار المساواة بين المراة و الرجل وهم جاءت به الاشتراكية لتغيب خصوصيةالمراة و الكتابة النسوية و ارباكها،في نفس السياق تقول الدكتورة رشيدة بن مسعود:"منذ الخمسينات من هذا القرن، هيمنت على الساحة الفكرية العربية المنظومة الاشتراكية التي كادت تصير قناعة مشتركة عند الأنتلجنسيا العربية، و في معالجته للقضية النسائية ربط الفكر الاشتراكي تطور المرأة بالعامل الاقتصادي و أكد على مبدإ المساواة بين الجنسين (الذكور والإناث) من خلال شرطهم الاجتماعي و موقعهم الطبقي الذي يحدد سلوكهم الإيديولوجي. و بذلك، تم تغييب الخصوصيات التي تميز الجنسين سواء على مستوى العمل السياسي أو الفعل الثقافي عن طريق إدماج مشاكل المرأة في عموم المشاكل الإجتماعية، و ربطها بطريقة ميكانيكية بالنضال الطبقي، نظرا لقناعة الفكر الاشتراكي بأن المجتمع اللاطبقي هو الذي سيحرر المرأة. فمن خلال هذه الرؤية الاشتراكية، تم تغليب الحقوق الاجتماعية على حساب حق المواطنة و الاختلاف، فاعتبرت كل دعوة تؤكد على خصوصية التجربة النسائية العربية بأنها دعوة انفصالية مستلبة للنزعة النسوانية الغربية. كما أننا نجد بعض الأدبيات أنفسهن رأين في التأكيد على الخصوصية النسائية ثقافيا و سياسيا دعوة إلى الانغلاق في"جيتو"حريمي ينقص من قيمة المرأة.
هذا الانغلاق اراه يخدم الثقافة السلطوية الذكورية ويمعن في استيلاب المراة و تاكيد دونيتها و دونية منجزها الابداعي
و لكننا و ان استعملنا مفهوم"الكتابة النسوية"، نستعمله باحتراز شديد باعتبار اننا بباب البحث في ظاهرة هيمنة الجسد كمضمون للنص الابداعي لعدد هام من الكاتبات العربيات و استعملنا المفهوم بغاية التاكيد على عينة البحث لا غير و لسنا من المدافعين عن التقسيم في حدّ ذاته،
الكتابة بالجسد لدى المبدعة العربيّة:
ان المتتبع للمنجز الابداعي للمراة العربية – في السنوات الاخيرة - يكتشف انها مسكونة بهاجس الجسد فهي لا تغادر فلكه الا لتعود اليه مجددا في الشعر و الرواية ربما يعود هذا الى مغريات النجاح و هاجس الانتشار: الحقيقة مجتمعاتنا العربية مجتمعات مكبوته تميل جدا الى الايحاءات الجنسية و الى الجسد كجسد انثوي و تميل الى حضوره ايضا بداخل النصّ، من هذا ستحقق كل كاتبة- في ظلّ مجتمع ذي ثقافة ذكورية- نجاحا قياسيا لا بفضل جمال نصّها او جدّته و طرافته بل بجرأتها والايحاءات الجنسية الواردة فيه، ارى انها تقدم خدمة جليلة للثقافة العربية الذكورية المتسلطة و تمعن في عبودية المرأة بهذا الفعل،
و لكن قد يكون للجسد المكبوت/ المحرّم/ العورة /سلطة ايضا على المراة المبدعة التي لم تتخلص منه فكان حضوره اللافت من خلال النص و المنجز الابداعي النسوي محاولة للانعتاق من هذه الثقافة الذكورية التي تختصر المراة في الجسد، يعني تحاول المراة العربية المبدعة احداث رجة و صدمة بطرح ما لا يطرح،
حضور الجسد في النص النسائي هل هو انخراط في مقتضى الضرورة، مقتضى الثقافة العربية الذكورية المتسلطة وهو مواصلة لاستعباد المراة؟
ام هو محاولة لإحداث الصدمة و الرجّة بهدف الانعتاق منها؟
ـ
أية بن منصور: باحثة في علم الإجتماع : الواقع السوسيوانثروبولوجي للكتابة النسوية و سلطة الجسد في المجتمع العربي
تعد الحركة النسوية أو ما يعرف تحت إسم"الفيمينزم"أحد أبرز الحركات الإجتماعية التحررية التي أحدثت نوعاً من التغيير الاجتماعي بقيادة جملة من الفاعلين الإجتماعيين الساعين لبناء واقع إجتماعي مغاير لمما هم عليه يضمن لهم نمط عيش أفضل في ظل منظومة قانونية وإجتماعية تفعل مبدأ المساواة بين كل من الرجل والمرأة، حيث إنبثقت هذه الحركة من عمق رحم نظام المجتمع البطركي المكرس للهيمنة الذكورية ولسلطة الجسد على حساب المرأة من خلال اضطهدها ، تهميشها وتشيئها لتكون مجرد وعاء يتموقع فيه المجتمع وييسره بحسب رغبته ، هذا النظام الذي لا يزال يصبغ تقريباً وإلى حدود هذه الساعة جل البنى المجتمعية في العالم ليساهم بذلك في هندسة النظم الإجتماعية القائمة على تقديس الموروث من عادات وتقاليد ومعتقدات. فكانت بذلك الحركة النسوية بمثابة الصرخة التي اطلقت عنانها جملة من الفاعلات الإجتماعية اللاتي اردن كسر حاجز الصمت والتمرد على العرف الإجتماعي السائد بهدف إيجاد مشترك عالمي يجمع النساء في كل أنحاء الأرض في"مسيرة النضال والمساواة".
ولقد رافقت هذه الحركة الإجتماعية نشوء نوع من الكتابة الجديدة المختلف عن بقية أنماط الكتابة الأدبية و الشعرية لتكون الكتابة ذات خصوصية علمية حاملة لرسالة وهدف معين ألا وهو إصلاح المجتمع وتغييره والإرتقاء به نحو مجتمع منبني على قيم المساواة وحفظ كرامة الفرد دون ميز أو عنف أو عنصرية. لكن هذه الحركة النسوية وكتاباتها قد جوبهت بالردع و التصدي لها من قبل المحافظين والرافضين لها على بدعوة كونها تدعو للإنحلال الإجتماعي وتساهم في إختلال النسق الوظيفي للمجتمع أو ما يعبر عنه"بالانوميا"عند دوركايم.
فكيف يمكن لنا أن نفهم خصوصية الكتابة النسوية واهدافها منذ نشأتها إلى اليوم ؟
وهل يمكن إعتبار أن قلم الكاتبة النسوية يخضع لسلطة الجسد ؟
فالبداية يجم أن نضع المسألة في اطارها وذلك من خلال التطرق إلى كيفية بروز ونشأة هذه الحركة النسوية ، حيث جاءت الحركة النسوية في البداية في الولايات المتحدة لمحاربة النظرة الدونية المسلطة تجاه المرأة والمتأتية من جملة العقائد والأعراف الدينية و الشرائع السماوية. من ثمة تطورت هذه الحركة أكثر لتدخل ضمن صراع حقوقي يهدف لإنتزاع المرأة لحقوقهاللتي سلبها اياها الرجل.
فلو نعود لتاريخ هذه الحركة نجدها قد انطلقت في البداية من أصقاع المجتمع الغربي منذ القرن التاسع عشر الذي كان شاهدا على عديد الثورات الصناعية والإقتصادية وخاصة الفكرية ، فكانت الحركة النسوية بمثابة الثورة الفكرية على نمط المجتمع التقليدي الأبوي المقدس لسلطة الرجل و المختزل للمرأة في مجرد جسد والحط من شأنها بجعلها"مواطنا من الدرجة الثانية" على عتبر أنا مكانها الأصلي هو الفضاء الخاص أي المنزل إذ عملت هذه الحركة للتصدي لجملة المواقف السلبية التي ساقها الفلاسفة الغربيين تجاه المرأة ، مثال ذلك أفلاطون الذي عمدة في الكثير من كتبه ومحاوراته لتصنيف المرأة ضمن خانة العبيد و الأشرار والمخبولين ، أيضا ديكارت الذي كان من خلال فلسفته التي تقوم على العقل والمادة بربط العقل بالذكر والمادة بالمرأة. وفي هذا السياق تعد إيما غولدمن من أبرز المناضلة النسوية الرائدات في هذا المجال الثائرة عما يسميه بيار بورديو بالعنف الرمزي المسلط تجاه المرأة، حيث كانت تطالب"بإستقلالية المرأة بحقها في أن تعيل بنفسه في أن تعيش لنفسها في أن تحب من تشاء أو بقدر ما تشاء، أطالب بالحرية لكلا الجنسين الحرية في التصرف حرية في الحب وحرية في الأمومة". بالإضافة إلى ذلك نجد الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار وهي بدورها تعد من أبرز الكاتبات النسويات التي تصدت بقوة للفكر الأبوي، ففي كتابها"الجنس الثاني"إعتبرت أن"المرأة لا تولد إمرأة بل تصير كذلك".
كما يمكن أن ننتقل إلى القارة الأسياوية وبالتحديد للمجتمع الهندي أين نجد الرائدة النسوية الهندية"شيفا"متصدرة لتيار نسوي بيئي والمنادي بفكرة أن المرأة كالطبيعة يمكن لها أن تتعرض لنفس أنواع الإستغلال الذي تتعرض له الموارد الطبيعية من قبل النظام الرأسمالي.
ولو ننتقل إلى المجتمع العربي ، نجد أن الحركة النسوية التي نشأت في سياقه تحمل خصوصية سوسيولوجية و أنثروبولوجية مختلفة عن الحركات النسوية الغربية ، فلا إن كانت هذه الأخيرة قد قطعت اشواطاً كبيرة في النظال من أجل إنتزاع حقوقهن والإعلاء من شأنهن عبر إرساء مرجعية قانونية وابرام اتفاقيات دولية ك"إتفاقية القضاء عل كافة أشكال التمييز ضد المرأة"تحفض كرامة المرأة وتسمح لها بتحقيق ذاتها كفاعلة فالمجتمع إلى جانب الرجل وخوض معارك القتال والحروب إلا أن هذا الواقع يختلف في المجتمعات العربية ، إذ بالرغم مما شهدته هذه المجتمعة من جملة التحركات التحررية ضد الهيمنة الذكورية إلا أن الحركة النسوية لم تلاقي الحض الأوفر التي لاقته نظيرتها في المجتمع الغربي. فإلى حد الأن لا تزال المرأة على الرغم مما تتقلده من مناصب رائدة واكتسحها للفضاء العام، لا تزال تعاني من تلك النظرة الدونية من قبل المجتمع فالكل المجتمعي لا يزال يعتبر المرأة مجرد جسد تسبغه صفة القدوسية نضرا لإرتباطه بمفهوم الشرف أين يتم إختزال المرأة ضمن الثنائية المحرمة وهي"الجسد والشرف"حيث تعرض نفسها كل من تجاوز هذه الثنائية وتمرد عليها للوصم الإجتماعي والعقاب يصل إلا حد القتل في بعض المجتمعات.
ثم إن هذا الطابع الأنثروبولوجي للممارسة الثقافية النمط العيش في سياق المجتمع العربي يعد أحد أبرز المعرقلات الكبرى للحركة النسوية التي تحول دون تحقيق تغير إجتماعي هو أثر كبير، فالمجتمع الإيراني مثلاً تعاني الحركة النسوية من هيمنة الثقافة الذكورية المتحجرات التي تمنع المرأة من الخروج عن حدود المتعارف عليه وتقلد مناصب قيادية ف"لاهيجي"مثلن تعد أول ناشرة في إيران بدار نشر تحمل إسم"المستنيرون ودراسات المرأة"، حيث أبدت اسفها حول ما تتلقاه الحركة النسوية في المجتمع الإيراني من تصدي وعنف وقمع وصل إلا حد الزج بعد من ناشطته في السجن خلال حملة"مليون توقيع لإزالة التمييز القانوني ضد المرأة".
وفي نفس السياق، نجد الطبيبة والكاتبة نوال سعداوي التي لطالما كانت ولازلت تتصدى للثقافة المكرسة لسلطة الجسد والحط من قيمة المرأة واختزلها في مجرد وظائف بيولوجية وفيزيولوجية دون الأخذ بعين الإعتبار لفكرها. ففي كتابها"المرأة والجنس"بينت أن الفتاة منذ طفولتها يتم تنشئتها بكونها مجرد أداة للجنس فقط إذ تعلم كيف تكون مجرد جسد جميل فقط دون فكر وذلك بهدف جلب إهتمام الرجل واغرائه فهي تقول في هذا الإطار:"يربون البنت الصغيرة منذ طفولتها على أنها جسد فقط فتنشغل به طوال حياتها ولا تعريف أنا لها عقل يجب أن تنميه". وهو ما أيده بيار بورديو في كتابه"الهيمنة الذكورية" حيث أكد في هذا الإطار بأنه في المجتمع الأبوي تعد الإختلافات البيولوجية بين الجنسين بمعنى الإختلاف التشريحي بين الجنسين يتم استغلاله للطبري لاختلفت المنبنية ججتمعين بين النوعين وبشكل خاص التقسيم الجنسي لعمل.
إذاً يمكن أن نخلص للقول بأن الكتابة النسوية لا تخضع لسلطة الجسد بل بالعكس كانت سلطة الجسد التي طغت على أغلب المجتمعات ضمن النظام الليبرالي والنيولبيرالي السبب القدح لنشأة هذا النمط الجديد من الكتابة، لتكون بذلك كتابة النسوية مناهضة لمثل هذه الأنواع من السلطة وصوت النساء المضطهدات حقوقهن وكرامتهن في كل شبر من العالم مطالبة بتحقيق مجتمع أفضل يعلي راية الإنسانية، مكرساً لثقافة المساواة بين الجنسين، و في الختام يجدر القول بأنه لن تبلغ الحركة والكتابة النسوية اهدفها المنشودة في سياق الواقع الإجتماعي العربي إلا عبر إحداث ثورة فكرية أو لنقل ثورة في العقول لأنه ما إن تحررت العقول بإمكاننا حينها بناء مجتمع جديد يقدس الفكر لا الجسد.
سفيان جاب الله:
حضور الجسد في النص النسائي هل هو انخراط في مقتضى الضرورة، مقتضى الثقافة العربية الذكورية المتسلطة وهو مواصلة لاستعباد المراة؟ ام هو محاولة لاحداث الصدمة و الرجّة بهدف الانعتاق منها؟ من منظور البنيويّة التكوينيّة:نتاج للهابيتيس يرى بورديو أن"الهابيتوس"نسق من التكوينات الإدراكية المكتسبة عبر الزمن والتربية والتنشئة والأوضاع الاجتماعية. انطلاقا من هذا الإطار المفهومي ,كيف نستطيع أن نتفهّم سوسيولوجيًّا حضور الجسد في النص النسائي؟ يمكّننا مفهوم"التطبّع/ الهابيتيسْ"من تفهّم الطاقة الفعلية التي تقوم بتوجيه سلوكات الفرد و من خلال مفهوم"التطبّع/ الهابيتيسْ"يمكننا تفهّم العقلية التي تحكم نسق الممارسات والفعاليات السلوكية للفرد، وهو تعبير عن استبطان الشروط الموضوعية للوجود الاجتماعي (واقع الثقافة الشرقية الذكورية الأبوية المحافظة ,على نحو سيكولوجي (الشعور بالاظطهاد الذكوري و القمع الثقافي للجسد الأنثوي).. و المرأة الكاتبة في هذه الوضعية , (ذاتيّا و موضوعيًّا) ,تستبطن الاظطهاد الذكوري لذاتها لكنها أيضا تصدّر في كتاباتها ردّ فعلٍ مقاوم لهذا الاظطهاد, فهي تستبطنه ,ذاتيّا,في مستوى أوّل لكي تستطيع مقاومة ضغوط المؤسسات الاجتماعية (دينيّة و جتماعيّة واقتصادية و ثقافية و سياسية) و في مستوى ثانٍ تقاومه ,موضوعيّا,من خلال عمل إبداعي يروي سيرورة هذا الاستبطان و ينحت صيرورة المرأة المقاومة له.
مادونا عسكر:
الكتابة فنّ التّعبير عن الذّات وعن الآخر، فعل حرّ غير خاضع لأيّة قيود يمكنها أن تحول دون تحقيق الذّات. وبالحديث عن كتابة نسويّة ننفي عن هذا الفنّ قيمة الحرّيّة. فالكتابة هي الكتابة سواء أكان الكاتب رجلاً أو امرأة، مع فارق الخصوصيّة على المستوى الإبداعي والخبرة الإنسانيّة. إلّا أنّه في شرقنا المسكين ما زلنا نفرّق بين الرّجل والمرأة على المستوى الإنسانيّ وبالتالي الاجتماعيّ والثّقافي. وما يُسمح به للرّجل ليس متاحاً للمرأة. وإذا أرادت المرأة خوض غمار الكتابة عليها الالتزام بقواعد صارمة تجبرها على الانصياع لعادات وتقاليد بالية، والخضوع لفكر راكد يخشى نور الفكر الحرّ.
المرأة كائن يخضع للتّجربة الإنسانيّة والاختبار الحياتيّ بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لكنّ المحيط العائلي والاجتماعي والتّربويّ والدّينيّ يقمع بشكل أو بآخر قدرتها على النّموّ. ما يحول بينها وبين التّعبير عن هواجسها وأفكارها. ولقد هيأ الدّين بشكل أساسيّ لهذا القمع من خلال قراءات خاطئة عن حضورها كدرجة ثانية. ما أسّس إلى استسلام من طرفها للمعتقدات الّتي تقمع حرّيّتها من جهة، ومن جهة أخرى تأسرها في سجن الأنثويّة بغضّ النّظر عن كيانها الإنسانيّ الّذي هو قيمة بحدّ ذاته. فعاشت في هذا السّجن كأنثى وغفلت عن تحقيق ذاتها كامرأة.
هواجس المرأة الإنسان عديدة وأهمّها هاجس الجسد الّذي طالما أوعز له الإثم والخطيئة. فاستحال تعبيرها عنه إبداعيّاً، ممقوتاً ومرفوضاً لمجرّد أنّها امرأة. ولمّا وعت المرأة قدرتها على صياغة النّصّ الإبداعيّ كتبت عن الجسد/ جسدها، وعبّرت بحرّيّة رغم كلّ الانتقادات والاتّهامات الموجّهة إليها.
ينبغي أن نعلم أنّ الجسد جزء لا يتجزّأ من الكيان الإنسانيّ، بل هو الحقيقة الّتي منها ننطلق لنبلغ عمق كياننا. وهو قيمة مقدّسة تحتاج إلى فكر حرّ ونقاء قلبيّ وصدق مع الذّات لإبراز جماليّاتها. والكتابة عن الجسد لا تقلّ قيمة عن سواها من المواضيع والهواجس الممكن معالجتها. ولئن كان الجسد قيمة، فلا بدّ من الانعتاق من الفكر القائل بدونيّته واحتقاره واعتباره سلعة توفي الرّغبة حقّها وحسب.
وإذا كانت المرأة تودّ إحداث صدمة للمجتمع من خلال سلطة الجسد في نصوصها، فهي أوّلاً تحدّد مكانها من هذا العالم، وتعترف بإنسانيّتها قبل أنثويّتها، وتخرج عن سيطرة الرّجل المحتكر للحقوق الإبداعيّة. وثانيّاً تصيب هدف الكتابة وفحواها، فما نفع الكتابة إن لم تكن حجراً يُرمى في المياه الرّاكدة ليحرّكها؟ وما هي أهميّة الكتابة إن لم تبحث عن معالجة الهواجس والسّماح بالتّعبير عنها في سبيل بلوغ الحرّيّة؟
قد نقرأ بعض النّصوص لكاتبات عربيّات بُنيت على تراكمات نفسيّة وكبت تملّك من النّفس لسنين طويلة إلّا أنّه بالمقابل، ثمّة نصوص إبداعيّة كثيرة دلّت على المرأة المكتملة بحرّيتها فكريّاً وروحيّاً.
سلطة الجسد في النّصوص النّسويّة، إن جاز التّعبير، ما هو إلّا إدراك واعٍ للجسد القيمة، وصوغ للجمال الإنسانيّ، وتبيان حرّيّة المرأة الفكريّة والنّفسيّة والرّوحيّة.
محمّد بوحوش، شاعر وقاصّ من تونس: الجسد إبداعا وتوقا إلى التحرّر:
الجسد هو الوجود وهو مصدر المعرفة والعاطفة والإحساس والإدراك واللذة والألم.وقد ظلّ عبر التّاريخ الإنسانيّ محاطا بهالة قدسيّة ومحلّ تجاذب بين التحرّر والعبوديّة.فهو في نهاية التّحليل مكوّن ثقافيّ.لذلك كانت له طقوسه الخاصّة وحرمته ومرجعياته وتكنيكه في التّرويض والإخضاع من ذلك ظواهر السّحر والتّعذيب وطقوس التطهّر والزّواج والحجّ والختان والرّياضة، الخ...
ولعلّ أخطر ما تعرّض له الجسد تاريخيّا هو عمليّة استلابه واغترابه حيث فقد الجسد طبيعته الأولى وعفويته وتحرّره البدائيّ منذ أن ارتدى الإنسان اللّباس وستر ما يسمّى بالعورة.فأضحى الجسد البشريّ يدور في فلك المقدّس والمدنّس. ولقد نشأت السّلطة في أبعادها الأسطوريّة والدّينيّة والثّقافيّة والعائليّة والقبليّة والمجتمعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة ليصبح الجسد عبر أدواتها خاضعا وتحت أنظار الرّقابة والكبت والقمع.لقد صاغ سيغموند فرويد مصطلحات الأنا والهو والأنا الأعلى ليعلن بأنّ الجسد تحت سلطة الأنا الأعلى ورقابته سواء في مستوى الوعي أو اللاّوعي علاوة على الخضوع الأنا لما أسماه بمبدأ الواقع.فالأنا أو لنقل الجسد حين يعجز عن تحقيق رغباته البيولوجيّة والعاطفيّة والفكريّة يكبتها ويخزّنها في اللاّوعي فتتجلّى في الأحلام وفي الإبداع وغيرهما.لذلك فإنّ الجسد بطبيعته مغترب عن ذاته ومستلب طالما ثمّة سلطة تجعله خاضعا لقوانينها.
ومن حيث الإبداع فإنّ الجسد هو فضاء لذلك نتحدّث عن النصّ كجسد هو الآخر.كما أنّ الجسد هو الذي يكتب أي يكتب ويقول ذاته بأدواته الخاصّة العقل والقلب والحواسّ.إنّ الجسد العربيّ، بطبيعته، جسد مكبوت غير مشبع وفقير وفارغ روحيّا ووجدانيّا وماديّا.وهو من أكثر الأجساد البشريّة المقموعة ثقافيّا والأكثرها قبولا وتلقّيا للأوامر منذ الطفولة، أوامر الحلال والحرام طبقا لمرجعيّات الدّين والأخلاق بالأساس.فهل يمكن أن نتحدّث عن إنسان عربيّ أو بالأحرى عن مبدع متحرّر تماما على صعيد الجسد؟ قطعا لا، إذ ثمّة في مخزون اللاّوعي ذلك الكبت والرّقابة الذّاتيّة ورمزيّة السّلطة الأبويّة والدّينيّة والسّياسيّة التي تحضر بقوّة خفيّة أو معلنة لتحول دون أن يبوح الجسد بكلّ تعابيره وهواجسه.فما بالك إن كان هذا الجسد أنثويّا وأنثويّا عربيّا بالتّحديد.
وهل نشأ أدب نسويّ أو حتّى أدب رجاليّ متحرّر جسديّا في عالمنا العربيّ؟ أيضا لا، إلاّ إذا استثنينا بعض التّجارب الرّوائيّة أو الشّعريّة المارقة عن السّائد هنا وهناك والتي برزت هي الأخرى بشيء من الاحتشام.إنّ المرأة العربيّة ومنها المبدعة تتعرّض لقمع ثلاثيّ الأبعاد، وللقمع الجسديّ بالخصوص، قمعها من قبل السّلطة الأبويّة-الذّكوريّة، والسّلطة الاجتماعيّة وقمعها لذاتها أيضا.ولئن حضر الجسد في بعض الكتابات النّسويّة فإنّ جزءا منه يعرض للجسد كسلعة للإثارة ولفت الانتباه في نطاق دائرتي الاستلاب والاغتراب وليس بهدف تحرّريّ إبداعيّ.وعليه فإنّ الجسد الرّوائيّ والجسد الشّعريّ هو بالنّتيجة محصّلة لسلطة الجسد المقموع والخاضع والمكبوت تاريخا وحاضرا.
إنّ الإفلات من السّلطة/ المطرقة يقتضي بالضّرورة أن يتحرّر الإنسان العربيّ رجلا أو امرأة.ومن دون ذلك فسيظلّ من الصّعب الحديث عن التحرّر في جسد الإبداع عموما والنّسويّ خصوصا.
خولة الفرشيشي:
حظي الجسد في الدراسات السوسيولوجية بنصيب مهمّ من البحث والإهتمام وأطلق على فرع من علم الاجتماع إسم: سوسيولوجيا الجسد وعلى إثره تحوّل الجسد إلى مجال تأمل سيولوجي يتناول كأداة بحث وتحليل"ومرجعية في بعض الأحيان"،ويقرأ من خلاله التحولات والإنعكاسات الإجتماعية.وأصبح الجسد منتوجا ثقافيا ولم ينحصر في كتلته اللحمية فقط بل تمادى إلى خارج محيطه اللحمي ليكون محيطا ثقافيا بالأساس تنعكس عليه التمثلات والقيم الإجتماعية. اعتبر بعض السوسيولوجيين الجسد عبارة عن نافذة واسعة مترامية الأطراف نرى من خلالها البنيات والعلاقات الإجتماعية والبناء الثقافي للمجتمع. ولا حظنا خاصة في أواخر القرن العشرين جرأة بالغة في الكتابة الأدبية خاصة في تناول موضوع الجسد والحبّ والجسد والمجتمع،والجسد والدين، إذ تحررت الكاتبة في مجتمعات الجنوب من الخوف والرقابة التي كانت تقمعها أو تشهر بها فمع تقدّم طرح قضية المرأة تقدمت الكتابة النسوية. أصبح حضور الجسد مقياسا لحرية الكتابة في هذه المجتمعات تحاول من خلالها بعض الكاتبات وليس الكلّ أن يناضلن من خلال لعبة رقعة البياض وحبر السواد أن يكسرن طوق الصمت ويكتبن عن المحرّم والمقدّس في ذهن المجتمع العربي، إذ لا يخفى علينا أنّ الجسد بصفة عامة يرقى إلى قيمة المقدّس ويعتبر من المحظورات لا يمكن تناوله أو الإشارة إليه إلا ضمن المقاييس الاجتماعية المعمول بها. فمن خلال الجسد والعلاقات العابرة والجنس والخمر وكل الملذات إنتقلنا بين السياسة والدين وبين المجتمعات والقيم المفقودة حاولت من خلالها الكاتبة خاصة في صلب هذا الموضوع أن تجعل الجسد جسرا إلى المعنى وإلى القيمة كما وظفته من أجل تعرية أقنعة الزيف والخداع بل المراة العاكسة لنا كذوات وكمجتمعات تخفي ما تبطن وتفعل سرّا ما ترفضه جهرا. فلم يكن الجسد في مجمل الروايات والنصوص العربية الجادّة طبعا جسدا دون معنى فلسفي وقيمي أو غير وظيفي، بل كان جسدا ينكسر على تضاريسه النفاق والكذب، جسد يرنو إلى الحرية لا إلى مستوى الفعل المادي فقط بل إلى الحرية كقيمة فكرية تحرر العقل ومن بعدها يتحرر الجسد.
حسنة أولهاشمي / شاعرة من المغرب:
الكتابة كمفهوم قيمي جمالي وفني،لا يقبل خنقا واستبدادا في جوهره وشمولية وشساعة دلالاته.. والكتابة كفعل وكحق لا يمكن فصله عن أهم عنصر يُفَعل هذا الحق، وهو الحرية، بالحرية تُضمن حياة الكتابة وامتدادها، وبالتالي فالكتابة هي حرية قبل كل شيء، لهذا فكل تقسيم جائر لحامل القلم – أعني التقسيم البيولوجي- لصاحب الحبر هو في حد ذاته ظلم لحرية الكتابة وخنق لكينونتها.. تقسيمنا وتمييزنا لكتابة المرأة وكتابة الرجل هو ولوج في متاهة تضر بقيمة الأدب ورسالته الخالدة.. الأدب فوق كل"نعرات"همجية تلذذت الإيديولوجية العليلة في ترسيخها، الإبداع حق مشروع، يُباد معناه الحقيقي حين ينشغل الفكر الإنساني بتفاهة التمييز الجنسي / ذكر / أنثى.. الإبداع هو توقيع أثر إنساني وتخليد قيم بانية لحضارات وشعوب وعقول، والإنسان بمفهومه السامي هو الفيصل في تثبيت هذه البصمة وهذا الأثر الأدبي المجيد، أقول"الإنسان"ولا أقول رجلا أو امرأة.. العقل العربي حين يغتسل من قذارة السلطة الوهمية والتفضيل الذكوري القاتل أنذاك يمكننا الحديث عن أدب سليم ومسالم، مهما بلغنا من درجات"التحضر"لن تستقيم الأهداف مادامت غرف العقول يسكنها غبار التفوق الذكوري وعناكب الأبيسية المسمومة.. المجتمع الواعي السليم هو الذي يثق في كفاءة أبنائه، دون تفضيل جنسي، يعترف بجهودهم ويبذل الكثير في ترسيخ مبادئ نقية صحيحة تناهض اللمس بكنه الكينونة والإنتماء. المرأة والكتابة موضوع شاسع وفسيح، وارتباطا بالموضوع الذي بين أيدينا سنركز على سلطة الجسد في"الكتابة النسوية"- رغم رفضنا للتعبير الأخير- نضطر لاستعماله كرها، لدواعي هذا البحث وليس اقتناعا وإيمانا بالتقسيم المغلوط.. أقول أن علاقة الأدب والنوع الإجتماعي تحكمه عدة عوامل يتداخل فيها التاريخي، الاقتصادي،الاجتماعي، العقدي، الثقافي والنفسي، لهذا فهي علاقة مربكة ومتوترة تغني الخطاب الأدبي وتؤجج أسئلة عميقة تروم قضاياه الشائكة، وخاصة القضية المتعلقة هنا بالنص المؤنث، هذا النص الذي لا يسلم من رقابة، نجده دائم التمدد على مشرحة العين الذكورية، التي غالبا ما تريد حصره في خانة الدنيء والجنسي المادي والشهواني الزائل، وتصرعلى غمس هذا النص في مياه تخدم رغبات مشوهة وكبت روحي مريع.. الجسد كثيمة أساسية في المنجز الإبداعي وُظفت لإغناء المادة المكتوبة سواء كانت شعرا أو رواية أو قصة أوفي غيرها من الأجناس الأدبية، لما تحمله هذه"الثيمة"من رمزية وتأويل، الجسد قيمة جمالية تتأثر وتؤثر في المنظومة الوجودية ككل، لا تنحصر مدلولاتها في تضاريس فيزيائية معينة بقدر ما هي حمولة إيحائية تغني الخطاب الإبداعي، تجعل النص يهتز رؤية وأبعادا.. الجسد بؤرة انفعالات قوية، تتفاوت رمزيتها وتتنوع بتنوع صدى المدلول وجوهر الرسالة.. في النص يلبس الجسد جبة رحالة قديس يعبر مسافات المعنى بسمو وفي كفه قنديل الرؤية ودهشة البيان.. المرأة وهي تكتب يتحول الجسد في قبضتها لهالات ضياء، بها تخترق مدائن الحلم والحب والحرية والحياة والوطن المبتغى، وفي نفس الآن قد تجعل من هذا الجسد نارا، لهيبها يعيد ترتيب خلل أو عطب عشش في الذهن الذكوري غير المنصف والعادل.. من يزعم أن الأعمال الأدبية حين تتناول الجسد"الأنثوي"تحقق انتشارا ونجاحات فهو خاطئ، الأعمال الأدبية لا تقاس"بالتبضع"الشهواني، ولا تُقيم بالتغنج اللغوي ودلال الحروف المؤنثة الناعمة، أبدا.. قيمة المنجز يتحدى ويتعدى كل مراوغة دلالية تافهة وفانية، النص لا يعترف إلا بعمق وحذارة وجسارة جوهره وبنائه وقوة أهدافه وجماليته.. المرأة حين تكتب لا تتقوقع في"بورتريه"يمتد من الرأس إلى القدم لتحرك قضايا الذات والعالم، المرأة حين تكتب فهي تثق في وعي ومسؤولية مدادها، تحرر وتحرر، تكتب وبكتابتها تهب حريات تليق بتطلعاتها الإنسانية، بحبرها تحرك القومي والوطني وتلملم شظايا هموم كونية يشترك فيها"الإنسان"وتتوحد فيها إنسانيته.. للجسد سلطة سامية بعيدة عن كل تضييق مفاهيمي يحاول كسر همة القلم المؤنث، القلم التواق لبناء جسور الأحلام والحقوق اللامتناهية.. الجسد وسيلة معنوية لممارسة فلسفة الجمال، الجسد هبة لاختراق جدود لا يمسها إلا الراسخون في القيم والنور والخلود..
رودي رياض سليمان:
القلم لا لون له لا هوية له يعصر ابداع العقل والنفس البشرية نتيجة الظروف التي لاقاه. على مر الزمن الذي يعيشه لذلك لايمكن حصره بمعتقد ولون وجنس وتسميته اسماء نحصره نحن لتحد من ابداعه فالكتابة والابداع والنص لايمكن تجزأته لأن النص الأنثوي لايكون أقل او آكثر جمالاً من النص الذكوري إلا إذا كانت عقلية المتلقي تسعى إلى التفرقة بين النصين على اساس هذا الفارق الذي لا يمد للواقع والصحة بشيء ولا يدل على شي ء إلا تخلف المجتمع والقراء الذين يقومون بالتمييز بين النصوص على الأساس الجنس البشري ويمكن لنا في بعض الأحيان أن نقول أن النصوص ان كان كاتبها انثى فالقراء يتكالبون على قراءته والإعجاب به ولو كان حبر على ورق فقط لانه مدون من قبل انثى جميلة لها شعر جميل وعيون غزال وفخذين يحلم بهما على طول المساء فينظر الى الموضوع على انه بالرغم من جمالها استطاعت صف حرفين وذلك لان مفهوم جمال المرأة عند مجتمعاتنا ارتبط على طول التاريخ بغباءها هذا البند الاول من النظرة الاولى للنص من قبل القارىء الذي يحدد النصوص بذكورية او أنثوية كاتبها أما البند الثاني فيجب ان أشير أن الإبداع الذي هو منوط بالكتابة ان كانت أنثوية على الأخص يكون على الأغلب محدوداً اي لا تستطيع الأنثى أن تصل بوصفها للجمال الى ماتريده او اذا وصفته فإنه لن تجروا على النشر بشكل واضح وصريح وذلك لأسباب عديدة إما لان لها رقابة من حولها لزوجها او أخ أو أب أو لأنها تدرك تماما إذا نشرته سيتطلب منها وقتاً وجهداً إضافياً كي تبرهن أنها تكتب فقط لتبيان الحقيقة الإبداعية فيها وليست لأنها عاهرة أو تريد أن تظهر معرفتها بأمور خارجة عن الإطار العام للحدود المرسومة أمام الأنثى فعلى الأغلب تكون المبدعة الأنثى بغنى عن هكذا مواجهة وتتنازل عن كتابة كل مكنوناتها وتتعهد لنفسها وضع قوالب لقلمها كي لا تتورط بمواجهات هي بغنى عنها هذا كله ولا يمكن ان نعمم أن مجتمعاتنا كلها تدعي الذكورية المطلقة وخاصة في الكتابة فنحن في عصر يمكن لنا أن نشاهد الأنثى والرجل بذات الميزان وخاصة مع اندلاع هذه الحروب التي وضعت على كاهل الأنثى أعباء إضافية تساوي الرجل أعباءاً وهموماً وأثقالاً وبالأخص أن ظروف الحياة تغيرت كثيرا واستسلم الذكر بأنه وحده لن يستطيع مقاومة ويلات الحاضر فكان لابد له ان يعترف بابداعاتها ايضاً وتسليط الضوء على حرية تعبيرها اكثر إلا أننا لازلنا في بداية الطريق وأتمنى أن نستطيع تكملة هذا الأمر فالتاريخ يعيد نفسه بصور أخرى نحن الآن نعيش حالات ابداع الخمسينيات وتطبيق الاشتراكية وقتئذ على مجتمعاتنا و حينها كان للمرأة دور هام في التعبير عن الكبت الإبداعي الذي كانت فيه فنحن نعبر عن ذات الكبت الإبداعي الذي كنّا فيه جراء السلطة الذكورية في مجتمعاتنا على مر عقود ولابد ان نواجه بعض الصعوبات في ذلك البند الثالث هو هاجس سلطة الجسد على الكتابة الكتابة الإبداعية او القلم الإبداعي يدور في الفلك ليصف ويروي كل ماحوله من قصص بصور رمزية جميلة راقية تدعو وتخترق النفس البشرية الى السموات العليا ليطير القارىء ولايدرك الواقع الذي يعيشه فمهمة الكاتب هي ان يدمجك معه في ذاك العمل وتعيش قصته بكل حروفها وبعد انتهاءها تعيش نشوة الانتقال الذي كُنتَ فيه دون واقعك وان لم يقم العمل بذلك النقل فهو ليس بناجح اي يجب علينا الانتقال مع الكتابة والشعر من عالم الى اخر لذا الوصف الجسدي او الوصف الروحي او وصف الطبيعةالانسانية وكل الطبائع هي مهمة الكتابة بترميز الكتابة ونقلنا الى حيوات اخرى وانا بنظري لايجب ان نضع رقابة على سلطة الجسد في التعبير ولكن بشكل عام القلم الذكي لايجب ان يهيمن فيه اي سلطة على اخرى اي لايجب ان يوظف الجسد او الله او الآلهة و......... في الكتابة فيسعى الشهرة لنفسه دون ادراك المعنى وهذا ان دل على شيء يدل ان الإبداع هنا ناقص مهما كان وفقط هدفه البحث عن الشهرة المؤقتة المزيفة وهي عن طريق الإيحاءات المتكررة في الكتابة دون لزوم لها فقط للعرض إذاً نصل إلى أن القلم المبدع لادين له ولا صفة ذكوريّة او أنثويةولا قومية محددة ولا يمكن أن يكون تابعاً لسلطة دون أخرى ولا تاريخ له فسلطته الوحيدة هو عصر كل العواطف والقيم الانسانية في بوتقة الحبر على ورقة بيضاء ناصعة يجب علينا ان نلطخها بالنفيس من الإبداع
انتصار السري،قاصة من اليمن
في البدا أنا لست مع تصنيف أدب نسائي وأدب ذكوري فالكاتب أو الكاتبة عندما تحلق في مخيلتهما فكرة معينة هي التي تفرض وجودها أكانت بطلتها المرأة أم غير ذلك وهناك كتاب ذكور تمكنوا من التعبير عن ماهية المرأة والغوص في تفصيل حياتها أظن أكثر من الكاتبة الأنثى، وهذا لا يمنع أن تجيد المرأة الكتابة عن بنات جنسها وما تعانيه المرأة في مجتمع ذكوري.
حضور الجسد في النص النسائي ليس من باب مقتضى الضرورة فالكاتبة قد تكتفي بالإشارة إلى ما تريد أن يصل إليه خيال المتلقي دون الدخول في باب المسكوت عنه أو وصف الجسد أو التطرق إلى تابو الجنس في نصوصها، غير أنه وفي الفترة الاخيرة صار الجسد حاضر في نصوص المبدعين والمبدعات وكأنه لا يكتمل النص إلا بالتطرق إلى الجانب المسكوت عنه، في بعض النصوص ذلك الوصف وذلك الحضور لا يخدم النص كون أن قد يجعل المرأة في صورة الضعف والسيطرة الذكورية في مجتمع لا ينظر إلى المرأة إلا من جانب اشباع رغبات الرجل.
قد يكون كتابة المرأة للجسد وبشكل تفصيلي يعود إلى أن هذا هو جسد خلقه الله وهذه هي وظائفه التي خلقه الله من أجلها، فلماذا لا الخوف من الكتابة عنه، هي رغبة وصرخة بداخل كل أنثى للبقاء.