الاثنين ٤ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم عبد الله المسيان

الكتابة

اخترع الإنسان عبر تاريخه الطويل ألوف الاختراعات.
اخترع النار واخترع الرمح واخترع الكهرباء واخترع المصباح واخترع الطائرة واخترع الإنسولين واخترع سلسلة طويلة جدا من الاختراعات التي أسهمت عبر التاريخ في تحسين معيشته وإطالة عمره وتغيير حياته وفكره.
لكن في ظني أعظم اختراع حققه الإنسان هو اختراع الكتابة.
فالكتابة هي الركيزة الأولى في تطور الإنسان والحياة ولها النصيب الأكبر في كل ماتحقق لبني البشر من تطور ونماء وتفشي للعلم والمعرفة وتمديد لعمر الإنسان ودورها في المخترعات والاكتشافات.
وتخيّل العكس .
ماذا لو لم تخترع الكتابة؟
لو لم تخترع لبقي الإنسان يرزح تحت وطأة الجهل والتخلف والبلاهة.
لولا الكتابة لما استطاع المسلمون من حفظ دينهم. فبالكتابة دوّنوا الحديث والفقه والتفسير وسائر العلوم الدينية.
ولولا الكتابة لم نكن لنعرف التاريخ والحضارات.
وبمجرد أن وجدت الكتابة دخلنا التاريخ وعرفنا الحضارات البابلية والسومرية والفينيقية والصينية والهندية والمصرية.
لأن الخط الفاصل بين التاريخ وماقبل التاريخ هو الكتابة.
لايمكن أن نعرف تاريخنا من خلال أحجار ورسومات وعظام حيوانات.
لابد من الكتابة.
لولا الكتابة لما كان ثمة علم ولاثقافة ولافكر. لولا الكتابة لتلاشى العلم وتناثرت المعلومات والخبرات والتجارب.
لإن الإنسان مهما أوتي من قوة وقدرة وإمكانيات لايمكنه الاحتفاظ بالعلم في دماغه لفترات طويلة دون كتابة.
لولا الكتابة لما كان ثمة شيء اسمه فيزياء أو كيمياء أو رياضيات أو فلك أو علم نفس أو جيولوجيا أو فلسفة أو هندسة.
العلم من خلال الكتابة بات تراكميا. كل عالم يأتي يفرغ ماتوصل إليه بالكتابة ثم يتبعه عالم آخر ويضيف أفكار وأطروحات إلى ما كتب سلفه ويأتي عالم ثالث من بعدهما ويضيف بكتاباته إلى العلم أفكار وخلاصات جديدة وهلم جرا.
مابدأه فيثاغورس أكمله إقليدس وماأكمله إقليدس استفاد منه أرخميدس وأضاف عليه ماتوصل له.
كل ذلك العلم التراكمي حصل عبر الكتابة.
الكتابة لم تخزن فقط الثقافة والعلم في الورق فقط بل ساهمت كذلك في إيقاد عقول كثير من النابغين والعباقرة إلى اختراعات واكتشافات.
أينشتاين ، داروين ، فاراداي ، ماكسويل ، الأخوين رايت ، لافوازييه ، أديسون ، ماركوني ، جراهام بل ، فلمنج ، مندل رنتجن.
هؤلاء العظماء ودونهم كثير من أساطير العلم
لولا قراءتهم ولساعات متواصلة لما كتبه أسلافهم في بطون الكتب وفي شتى التخصصات والعلوم لما كان بوسعهم عمل أي شيء ولباتوا أشخاصا مغمورين ولطواهم النسيان كحال أي إنسان لم تكن له بصمة في تاريخ الإنسانية.
لولا الكتابة لما عرفنا أسماء القادة العسكريين ولم نعرف خططهم وتكتياتهم العسكرية وبالتالي :
لو لم تدوّن هذه الخطط والتكتيكات العسكرية على الورق ولو لم يستفد منها كثير من القادة في النصر على الأعداء وكيفية إدارة المعارك والحروب لتغيرت خريطة العالم ولاختلفت موازين القوة!.
لولا الكتابة لم نعرف العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين والفلاسفة والمؤرخين والكتاب.
لولا الكتابة لضاعت آلاف وألوف السير الذاتية والتجارب والمذكرات والنصائح والمواعظ والحكم لمجرد خروجها من أفواه قائليها ولكن بالكتابة دوّنت وحفظت ومررت للأجيال المتعاقبة.
بالكتابة نستطيع تغيير الفكر وإستمالة الأشخاص والتأثير عليهم وتبديل أوضاعهم.
بالكتابة نحفز ونلهب حماس الكثيرين وبالكتابة نستطيع علاج المرضى النفسيين عبر مااصطلح على تسميته حديثا في علم النفس (العلاج بالكتابة). عندما يسكب المريض النفسي همومه وأحزانه على الورق وبعد ذلك تسكن وتهدأ نفسه ويشعر بالارتياح.
بعد كل ماسبق ألا تستحق الكتابة أن تكون أعظم اختراع توّصل إليه الإنسان عبر تاريخه؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى