الاثنين ٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

المروءة

اختار معجم (المنجد) لمعنى المُروءة- النخوة، كمال الرجولية، وعرّفها معجم (الوسيط):

"آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، أو هي كمال الرجولية".

أما (لسان العرب) فقد عرّفها بـ "الإنسانية"، فـ (مرُؤ المرء أو تمرّأ= صار ذا مروءة).

فثمة اختلاف في التعريف، لكن التعريفات تتلاقى في مجموعة القيم النبيلة التي يجدر بالإنسان أن يتحلى بها.

قيل للأحنف: ما المروءة؟ فقال: العِفّة والحِرفة.

وسئل آخر عن المروءة، فقال:

ألا تفعل في السر أمرًا وأنت تستحيي أن تفعله جهرًا.

وفي كتاب الماوردي (أدب الدنيا والدين، ص 380 وما بعدها) الكثير من المواصفات التي تجمع عددًا من الفضائل الحميدة والمناقب التي يغنم صاحبها بذكرمجيد ورأي سديد.

وكذلك نجد تعريفات مختلفة في كتاب الراغب الجرجاني (محاضرات الأدباء، ج1، ص 301)، و (الدرر السنية- موسوعة الأخلاق الإسلامية)*.

أرى أن هناك مصطلحًا شعبيًا نطلقه على الرجل الفاضل أو المرأة الفاضلة هو "الغانم/ الغانمة" وهو أقرب ما يكون لمعنى صاحبـ/ـة المروءة.
ومصطلح الرجولية لا يقتصر فقط على الرجل، فقد أبَنتُ في حلقة أخرى صحة كلمة (رجلة) التي وصف الرسول بها عائشة.

راق لي تعريف (لسان العرب) بأنها الإنسانية، فالإنسان ينفرد عن المخلوقات الأخرى بالعقل والخلق والسمو وتطور السلوك نحو الأفضل، بالاستقامة، والتمييز بين الفضيلة والرذيلة.

و لحسن البيان مظهر من مظاهر الرجولية والمروءة في نظر الخليفة عمر بن الخطاب إذ يقول: "تعلموا العربية؛ فإنها تزيد فى المروءة" (لسان العرب- مادة مرء).

لن أعدد السجايا كلها، فمن المروءة اعتماد الصراحة وعدم النفاق، والنزاهة والعفة، المعاونة والسخاء، التواضع والصبر على الضراء.

وكنت كتبت مقالة عن المروءة قبل خمسة عقود عن المروءة وركزت على "نجدة الضعيف" و "الانتصار لحقوق المرأة"، واستشهدت بقول لعلي- كرمه الله- أنه قال:

«من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته».

قيل لسفيان بن عيينة:

قد استنبطت من القرآن كل شيء، فأين المروءة في القرآن؟

قال: في قول الله تعالى-خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ- الأعراف، 199.

ويبدو أن معنى المروءة في شعر المتنبي هو مجموعة المناقب، فتكفي الكلمة حتى يُفهم مدلولها، وها هو يصف ممدوحه:

ألِفَ المروءة مذ نشا فكأنه
سُقيَ اللِبانَ بها صبيًا مُرضَعا

وعن الآخر يقول:

تلذ له المروءة....

وقد بين هذا المعنى الشمولي العِماد الأصبهاني في كتابه (خريدة القصر وجريدة العصر- مادة القاضي أبو المجد)، فقال:

"ولا تدنس المروءة فإنها تجمع أبواب المحاسن، وتؤلف بين أشتات الفضائل".

المروءة في واحة الشعر

إليك بعض ما قاله الشعراء من وصف للمروءة وصاحبها:

قال علي بن أبي طالب- كرمه الله-:

للَّهِ دَرُّ فَتًى أنسابُهُ كَرَمٌ
يا حبذا كرمٌ أضحى له نسبا
هل المُروءةُ إِلاَّ مَا تَقُوْمُ بِهِ
مِنَ الذِّمامِ وحِفْظِ الجَارِ إنْ عَتَبا

وقَالَ عبد الله بن المبارك:

وَفَتًى خَلا مِنْ مَالِهِ
وَمِنْ الْمُرُوءَةِ غَيْرُ خَالِي
أَعْطَاك قَبْلَ سُؤَالِهِ
وَكَفَاك مَكْرُوهَ السُّؤَالِ

وقَالَ الأحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ:

فَلَوْ كُنْتُ مُثْرًى بِمَالٍ كَثِيرٍ
لَجُدْتُ وَكُنْتُ لَهُ بَاذِلا
فَإِنَّ الْمُرُوءَةَ لا تُسْتَطَاعُ
إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُهَا فَاضِلا

قَالَ الْحُصَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيُّ:

إنَّ الْمُرُوءَةَ لَيْسَ يُدْرِكُهَا امْرُؤٌ
وَرِثَ الْمَكَارِمَ عَنْ أَبٍ فَأَضَاعَهَا
أَمَرَتْهُ نَفْسٌ بِالدَّنَاءَةِ وَالْخَنَا
وَنَهَتْهُ عَنْ سُبُلِ الْعُلا فَأَطَاعَهَا

وقال الثعالبي:

إذا المرءُ أعيته المروءةُ ناشئًا
فمطلبها كهلاً عليه شديدُ

وقال منصور الفقيه:

وإذا الفتى جمع المروءة والتقى
وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل

وقال بهاء الدين زهير:

وَما ضَاقتِ الدّنيا على ذي مروءةٍ
ولا هي مسدودٌ عليهِ رحابها
فقَد بشّرتَني بالسّعادَةِ هِمّتي
وجاءَ من العلياءِ نحوي كتابها

وقال أبو فراس الحمداني:

الحُرُّ يَصْبِرُ، مَا أطَاقَ تَصَبُّرا
في كلِّ آونةٍ وكلِّ زمانِ
ويرى مساعدةَ الكرامِ مروءةً
ما سالمتهُ نوائبُ الحدثانِ

أختم بنوع من التشاؤم قاله شاعر (السيد عبد المهدي- عراقي معاصر)، وهو يبحث عن المروءة وأصحابها،

وفي رواية أخرى (مررت على الفضيلة):

مررت على المروءة وهي تبكي
فقلتُ علامَ تنتحبُ الفتاة؟
فقالَتْ كيف لا أبكي وأهلِي
جميعاً دونَ خلقِ اللهِ ماتوا

* هناك أيضًا كتاب (المروءة) تأليف ابن المَرْزبان المَحولي، ولم أنجح في الاطلاع عليه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى