

المنصوب بنزع الخافض
قد يُحذف حرف الجر، فيُنصب المجرور بعد حذفه تشبيهًا له بالمفعول به، ويسمى "المنصوب على نزع الخافض، والخافض –كما نعرف- هو حرف الجر-.
في الآية الكريمة ...إلا إن ثمودًا كفروا ربَّهم- هود، 68 نصبت لفظة (ربّ) بعد أن حذف حرف الجر الباء، فالأصل في اللغة- بربِّهم.
ومثل ذلك واختار موسى قومَه أربعين رجلاً- الأعراف، 155- أي من قومِه.
كذلك قوله تعالى وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخْسِرون- سورة المطففين، 3 والمعنى إذا كالوا لهم وإذا وزنوا لهم، والمكِيل والموزون معلوم بمنزلة ما ذُكر في اللفظ.
ومما سُمع عن العرب:
قول جرير:
تمرّون الديارَ ولم تعوجواكلامكُمُ عليّ إذن حرامُ
أي تمرون بالديار، فإعراب (الديارَ) كما قلت: منصوب بنزع الخافض.
لا يقال إعرابها: (مفعول به)، لأن هذا الفعل (تمرّ) ليس متعدٍياً أصلاً ولا ينصب مفعولاً به، ولكنه يُنصب على نزع الخافض، أو على حذف حرف الجر- هذا هو المقصود بمصطلح "منصوب على نزع الخافض".
من ذلك أيضًا قول عمرو بن معدِيكرِب:
أمرتُكَ الخيرَ فافعلْ ما أُمِرتَ بهفقد تركتك ذا مال وذا نشبأي أمرتك بالخير.
يسمى مثل هذا بالحذف والإيصال، أي حذف الجارّ وإيصال إلى المفعول بنفسه بلا واسطة.
وأشار إليه سيبويه: "واعلم أنك إذا حذفت من المحذوف به حرف الجر نصبته كما تنصب إذا قلت: (إنك ذاهب حقًا)، فالمحلوف به مؤكد به الحديث كما تؤكده بالحق، ويجر بحروف الجر كما يجر حق إذا قلت (إنك ذاهب بحق) وذلك قولك (اللهَ لأفعلن)…" الكتاب، "باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطها". ج2، ص 165.
هناك من يرى أن هذا المنصوب سماعي، فلا يجوز أن نؤلف على غراره، كأن نقول: مررت زيدًا، أو كتبت القلمَ- أي بالقلم ، أو حفرت الفأسَ- أي بالفأس أو أكلت الملعقة- أي بالملعقة ؟
وهناك من يرى خلاف ذلك، ويعتبره قياسيًا، فإذا جاز لهم أن يقولوا مثلاً: تمرون الديارَ، فلماذا لا نقول على غرارهم: تمرون السوقَ، آمنوا اللهَ؟!
في تقديري أن الأَولى هو الاستساغة في الجملة الحديثة، والذوق له في ذلك دور، ففي قولك: دخلتُ الدارَ، لا أرى خطأ، بينما في قولك: خرَجت الدارَ، أراك تبتعد عن المعنى ولا تُفصح.
ثم هناك أفعال تتعدى إلى اثنين أحدهما بنفسه، والآخر بوساطة حرف الجر، وهي مقصورة على السماع، ومنها:
اختار، استغفر، أمر، كنى، دعا، زوّج، صدق، فنجد أن حرف الجر قد يُحذف، فبدلاً من قولنا: أستغفر الله من الذنب أقول: أستغفر الله ذنبًا...إلخ
ملاحظة:
ندر أن يبقى الاسم مجرورًا بعد حذف حرف الجر، فقد ورد للفرزدق قوله:
إذا قيل: أيُّ الناس شرُّ قبيلةٍ؟أشارت كُليبٍ بالأكفّ الأصابع
أي إلى كليب أشارت الأصابع بالأكف.
ملاحظة للباحثين:
قام الباحثان جهاد العرجا وحسين العايدي- الجامعة الإسلامية- غزة- بدراسة مستفيضة عنوانها "المنصوب على نزع الخافض في العربية" – (518) صفحة- نشرت في سنة 2010
خلصا فيها إلى النتائج التالية:
1- إن مصطلح "المنصوب على نزع الخافض" مصطلح أصيل في وضعه اللغوي وفي استعماله الاصطلاحي، وأدرك النحاة دلالته الاصطلاحية بعد وضع علم النحو.
2- إن الحذف ظاهرة مشتركة بين اللغات الإنسانية، وخاصة حذف حرف الجر، فالمتكلم يميل
إلي بذل الجهد القليل في أثناء عملية الكلام، فيحذف بعض العناصر المتكررة، ولكن بشرط
الوضوح وأمن اللبس والإفادة.
3- إن كثيرا من تقديرات لغويينا القدماء يحتمها واقع اللغة العربية، فكثيرًا ما تسمح تراكيب اللغة بسقوط بعض أجزائها المتكررة، وعلى المفسر اللغوي أن يقدر كل ما سقط من التراكيب، إذا كانت صناعة النحو تقتضيه، وفي هذا الصدد ندعو إلى عدم إلغاء فكرة الإعراب التقديري، والتقدير، فهي مهمة وضرورية لفهم أسرار النظام اللغوي النحوية والدلالية.
4- أكد البحث اطراد حذف حرف الجر مع "أنَّ وأنْ" بشرط الوضوح وأمن اللبس، ومن هنا يدعو البحث إلى القياس علي بعض الشواهد القرآنية والشعرية حيث حذف حرف الجر بعد فعل
يتعدى تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر، وكذلك حذف في العطف علي ما تضمن مثل الحرف
المحذوف، فالقرآن الكريم هو محور جميع العلوم، ولأهمية الأداء الصحيح، فقد استقرأناه،
رغبةً في الوصول إلى معايير سليمة لضبط هذه الظاهرة.
5- إن اختلاف آراء النحاة حول إعراب الاسم بعد نزع الخافض يعود إلى اختلاف الأذواق
والثقافات، بالإضافة إلى فهم السياق اللغوي، وعليه فلا ضير من تعدد وجوه إعراب الاسم بعد
نزع الخافض، وأن علة نصب هذا الاسم هو وصول الفعل إليه بعد نزع الخافض.
6- إن حذف حرف الجر إنما يكون لأسباب وغايات دلالية، وعلى الباحث اللغوي أن يستقصي
هذه الأسباب إذا كانت صناعة النحو تقتضيه، وحذف حرف الجر إنما يكون للاختصار
والاتساع باللغة، بشرط عدم اللبس وعدم إفساد المعنى.
7- هناك بعض الصعوبات التي يعاني منها الباحث في العربية كتعدد المصطلح العربي للمفهوم
الواحد، فنحن بحاجة ماسّة إلى توحيد المصطلحات اللغوية في جميع الأقطار العربية.
8- ينبغي التأكيد على عدم تدريس هذا الموضوع" المنصوب على نزع الخافض "للنشء بل لطلبة
التخصص في اللغة العربية بالجامعة؛ نظرًا لأنه قد يدرج تجاوزًا تحت المفعول به أو المفعول لأجله أو التمييز أو الظرف أو القسم.
مشاركة منتدى
6 نيسان (أبريل) 2017, 16:13, بقلم عبد الله عبد الخالق
مسألة النصب على نزع الخافض أرى أنها تكلف و بعد عن يسر اللغة ، كما أنها النصب متعمد لمعاني قد لا يدركها كثير من الناس فمتلا قول الله - تعالى - ( و اختار موسى قومه سبعين رجلا ) و ليس أربعين كما ذكرت . إذا قلنا في معنى قومه : إنهم عشيرته المقربين منه لانحل الإشكال و ما احتجنا لكل هذه التقديرات أي اختار موسى عشيرته و كانوا سبعين رجلا للقاء ربه
و على هذا يكون إعراب ( قومه ) على هذا المعنى مفعولا به و إعراب ( سبعين ) بدلا أو عطف بيان . و الله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو قوله ( ألا إن ثمود كفروا ربهم ) أي من الستر و الخفاء لأن الكفر معناه الستر و التغطية و لأن هؤلاء القوم لا يؤمنون إلا
بالمحسوسات ألا ترى أنهم قالو لصالح ( فأت بآية إن كنت من الصادقين ) الشعراء .. أي هاي لنا شيئا محسوسا نراه حتى نؤمن بك و لأن الله بالنسبة لهم ليس محسوسا و لا يرونه و لا يلمسونه أي مستورا فلم يؤمنوا به فجاء التعبير بكفروا على هذا المعنى أي أنه ليس داخلا في حدود ما يؤمنون به و هي المحسوسات فأنكروه و ستروه و يكون إعراب ( ربهم )على هذا المعنى : مفعولا به . و الله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و قوله ( كالوهم أو وزنوهم ) لو قلنا : إنه فعل متعدي لمفعولين مثل سألوهم ويكون المفعول الثاي مقدرا أي كالوهم أو وزنوهم شيئا و هذا المعني يستقيم مع المعنى المراد فالكيل للبيع و الشراء و ليس بالأجرة بمعنى : لو أن عندي محصول من القمح مثلا و استأجرت رجلا يكيل المحصول أو يزنه في هذه الحال أقول : كال لي أز وزن لي . أما إذا ذهبت إلى تاجر لأشتري من شيئا يكا أو يوزن ثم أعطانيه في هذه الحال أقول كالني أو وزنني أي كال أو وزن ثم أعطاني شراء . و من هنا يتضح الفرق بين الحالين ففي الأولى ليسوا محتاجين للتحسير أو التطفيف أما في الثصانية فهي بضاعتهم
و من هنا يكون إعراب كالوهم : فعلا ماضيا متعديا لمفعولي و الضمير مفعوله الأول و المفعول الثاني مقدر ب ( شيئا ) و الله أعلم .... و تقبل تحياتي
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2017, 16:17, بقلم Batool
لوسمحتو.. لامرحبا يبالي العواقبا.... هل يجوز اعراب العواقبا بوجهين؟ يعني مفعول به... وايضا منصوب بنزع الخافض
15 تموز (يوليو) 2018, 23:35, بقلم محمد يطاوي
عذرا أخي عبد الله عبد الخالق
توضيحاتك جاءت بعيدة عن الصواب. أما المقال فقد كان رصينا ومدعما بدلائل نصية دامغة. ومضمونه علمي أكاديمي صحيح.
شكرا
12 تشرين الأول (أكتوبر) 2018, 15:39, بقلم أفلح بن بشير
جزاك الله عني أحسن الجزاء
13 أيار (مايو) 2019, 14:52, بقلم احمد النمري
شكرا أ.فاروق مواسي..موضوعكم يشهد الله كافي وافي في المسألة..ولقد استفدت منه عند قراءتي| لقوله تعالى:"وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ|"
وتعليقات الإخوة مجهودات يشكرون عليها..
ودمتم موفقين..
3 أيلول (سبتمبر) 2019, 12:47, بقلم الشربينى الاقصرى
شكرا لهذا المنتدى الذى اندى فكرنا.
17 آذار (مارس) 2020, 06:47, بقلم أبو حسان الجنيدي
جزاكم الله خيرا:
مسألة المنصوب بنزع الخافض مسألة طريفة في النحو والعربية.
وقد استفاض هذا البحث علمية غزيرة بتقديم النصوص والشواهد ..
فكفيتم ووفيتم جزاكم الله خيرا
8 نيسان (أبريل) 2020, 18:50, بقلم abdin uytun
السلام عليكم ،أنا لي تعقيب على كلام الأخ عبد الله عبد الخالق حول قوله تعالى ( و اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا)فهو نفى ان يكون هناك مسالة نزع الخافظ ،وللخروج من النزاع قدر العشيرة من كلمة ( قومه) ، والصحيح المناسب مع روح الشرائع التي لا تقيم للمحسوبيات اي وزن هو القول بنزع الخافظ ، ولكن السبب في النزع هو سبب بلاغي ، وذلك لان (من) تفيد في هذا المقام التبعيض بينما ان موسى عليه السلام اختار علية القوم ممن يمثلون الشعب الاسرائيلي، فذحف الخافض في هذا المقام يؤدي هذا المعنى وبطريقة موجزة ، لان القران يمتاز بالايجاز والبلاغة ،وكان الآية تقول اختار موسى من قومه من يمثلون جميع القوم .والله اعلم تقبلوا تحيات اخوكم من تركيا
8 نيسان (أبريل) 2020, 18:54, بقلم abdin uytun
السلام عليكم ،أنا من تركيا حاصل على درجة دبلوم عالى في الفقه وأصوله من جامعة طرابلس ، واعمل مدرسًا للغة وتحفيظ القران في تركيا، ويسعدني مشاركتكم في النشاطاتكم الأدبية واللغوية ،
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2020, 17:54, بقلم راضي الرفاعي
استغرب باستاذ بشرح قواعد اللغه العربيه
ويخطئ بكتابة اية هود 68
لم اجدفيها اي كلمه صحيحه
5 شباط (فبراير) 2021, 04:28, بقلم حسين دبوق
أتمنى أن يجيبني أحد على قوله تعالى في سورة المائدة الاية السادسة , اية الوضوء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ
فنجد ان كلمة أرجلكم منصوبة ما ادري اذا كانت منصوبة لانها معطوفة على أيديكم و وجوهكم أم أنها منصوبة بنزع الخافض.
فهل من أحد عالم بها يجيبني؟
9 شباط (فبراير) 2021, 02:05, بقلم عطية عاشور
أخي الكريم حسين دبوق كلمة ( وأرجلكم ) في الآية الكريمة منصوبة لأنها معطوفة على أيديكم لأن الأرجل تغسل في الوضوء إلى الكعبين مثل الأيدي إلى المرفقين لذلك عطفت عليها وإن تأخرت عنها وليست منصوبة بنزع الخافض فالمسح فقط للرأس والله تعالى أعلم
22 تموز (يوليو) 2021, 21:36, بقلم بيان
* ألا
* سبعين
25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021, 21:34, بقلم رشيد قرايرية
متعطش للاستفادة منكم
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2022, 08:56, بقلم علاء المنصوري
تصحيح:
واختار موسى قومه سبعين رجلا
وليس أربعين رجلا
20 شباط (فبراير) 2023, 19:33, بقلم كسار الجراح
جزاك الله خيرا لكن الآية الكريمة ( اختار موسى قومه سبعين رجلا ) الأعراف 155
3 آذار (مارس) 2023, 20:55, بقلم nawel
السلام عليكم، كيف تعرب كلمة غماما في قول الشاعر: مروا غماما أسودا
وشكرا
9 كانون الثاني (يناير) 2024, 13:35, بقلم أبوسعد الشمالي
يا صاحبي، الآيات التي أشرت إليها معجونةٌ عجنًا وما نقلت على غير اللسان العربي. ثمود اسم أعجمي ممنوع صرفه، وأول الجملة التي في الآية "ألا" وليس "إلا". فبعيد أن يبتاع ما تشري.
3 أيلول (سبتمبر) 2024, 13:32, بقلم ا د/ فريد حيدر
أحيانًا يكون سبب نزع الخافض هو الدلالة المقصودة من الكلام، ويكون التضمين هو الوسيلة التي تؤدي المعنى المراد، ومن ذلك الفعل ـ (كفر) في قوله تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ﴾ [هود: 60] حيث ضُمِّن كفر - وهــو يتعدى أصلاً بـالباء - دلالة جحد هنا وبين الفعلين المُضمَّن والمتّضمِّن منـاسبة وصـِلة دلالية، إذ الجحود من معاني الكفر: (يقال كافرَني فلان حقي إذا جحده حقه). والفعلان يجتمعان في الدلالة على الإنكار، ومن هنا جاز أن يترادفا في بعض السياقات، وهذا هو مسوغ التضمين بينهما.
والتضمين من البلاغة إذ هو تعبير بكلمة واحدة تحمل دلاليتين فكفر في الآية تحمل معنى الكفر والجحود، وهذا من بلاغة القرآن الكريم وهو كثير في القرآن ولغة العرب.