النیروز في الثقافة العباسیة
الموجز
إن الصلات بین العرب والفرس ترجع إلی زمن قدم سابق علی الاسلام، وذلک بسبب الجوار بین البلاد العربیة والایرانیة والاختلاط والتبادل والمشارکة في الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة بین شعوبها، مما یؤدي إلی الترابط والتعاون بین الأمم، ویدفع إلی تأثیر الشعوب بعضها في بعض،ان الفرس اثروا في العرب وتأثروا بهم سواء في اللغة والثقافة أو في السنن والآداب أو في التقالید والعادات. ومما لا شکّ فیه أنّ النوروز وإن کانت تمتدّ اصوله إلی أبعد من التاریخ المدّون، ولکن تخلّي عما علق به معتقدات الزردشتیة بعد أن إتخذ لوناً اسلامیاً واضحاً وارتبط بالمعاني الروحیة السامیة التي تصل الانسان بما اسمی مما یعیش فیه. ان النوروز أکثر الاعیاد شهرة في التاریخ، وابعدها صیتاً، واقواها تأثیراً في الشعوب العربیة ، ذلک العید الذي خلقته البیئة الایرانیة منذ أقدم العصور، وظل خالداً علی الدهر في العهود الإسلامیة حتی وصل إلی زماننا هذا. کذلک کان النوروز أثر بارز في الادب العربي کما ترک العلماء والادباء تراثاً قیماً من روائع الشعر والنثر عند حلوله في کلّ عام، وهی کلّها تشهد الاهتمام البالغ الذي یواجهه رجال الفکر والادب إلی النوروز.
الکلمات الدّلیلیّة: النوروز، النیروز، الثقافة العباسیة، الأدب العربي،أشعار النوروز.
المقدمة
إهتم أدباء العرب بالاعیاد الفارسیة إهتماماً بالغاً ، فسجلت کتب التاریخ والأدب هذه الأعیاد بصورة دقیقة مبینة سننها وعادات أقوامها وما فیها من طقوس .وصّوروها علی أنّها رمز للخیر والمحبة والوفاق والحوار ، ولم ینظروا إلیها علی أنها أعیاد لیست لها صلة بالاسلام وأنها عائد إلی العقائد الفارسیة القدیمة . لذلک رووا أجمل قصائدهم في مناسباتها ،وزیّنوا بها دواوینهم وکتبهم،ویظهرلنا جلیلاً من التاریخ أن عظماء المسلمین والخلفاء والسلاطین والامراء کانوا یقیمون الاحتفالات في هذه المواسم علی أنها أعیاد مبارکة لا أعیاد لا تمتّ إلی الاسلام بصلة . والاّ کان ذلک طعناً في إسلام من أجمع المسلمون یلي المسلمون علی صحۀ إسلامهم ،وسلامة عقیدتهم ،واستقامة سیرتهم وفي هذا تبیین للتفاعل الثقافي والحضاري الذي حدث بین العرب والفرس عن طریق أعیادهم ،وهذا التفاعل بین الامتین العربیة والفارسیة یمثل واحدة من أفضل التجارب الانسانیة التي حصلت بین شعوب العام من النواحي الثقافیة والحضاریة والاجتماعیة والسیاسیة والدینیة . وبهذا الاتصال الروحي والعقلی استطاعت الامتنان أن تشّیدا صرحاً عظیماً والحضارة إنسانیة نهلت منها الأمم الأخری. منحت الأعیاد الفارسیة أدباء العرب ثروة عظیمة في مجال الادب .ففي هذا المجال کانت تنشد المئات من القصائد الشعریة الرائعة یتغني فیها أصحابها بجمال الطبیعة وما یواکبها من عطاء وبرکة ، کما تجلّی ذلک في الاعداد الهائلة من المقطوعات النثریة ،حتی اصبحت تشکل باباً مستقلاً من أبواب الأدب ،بحیث یمکن أن یکون موضوعاً خصباً لدراسة الدارسین والباحثین یطرحون فیه نظراتهم وتحلیلاتهم .
النوروز في اللغة والاصطلاح
النوروز في اللغة والاصطلاح «نوروز» کلمة فارسیة مرکبة من لفظین :أولهما- «نو»بفتح النونوضمها اي «الجدید»وثانیهما-«روز»أي «الیوم».إذن فکلمة«نوروز»في اللغي تأتي بمعني «الیوم الجدید» وأما في إصطلاح فطلق علی عید رأس السنة الفارسیة الذي یقع في الیوم الاول من شهرفروردین الموافق 21مارس(آذار)أي فصل الربیع . [1]
إقترن لفظ (نوروز عبر القرون تسمیات عدیدة والاصل البهلوي لهذه الکلمة«نوک روز» أو نوگ روز . [2]امّاالجوالیقي فیقول:«النیروز والنوروز فارسي معّرب» [3]
وقد وردت الکلمة بهاتین الصیغتین في النصوص العربیة،وان کانت کلمة«النیروز » أکثر استعمالاً.یقول جریر في هجو الاخطل:عجبتُ لفخرِالتغَلبي وتغلبُ تُودّي جزيا لنیرو ز خُضعأ رقابها [4]
الأصل النوروز
النوروز موغل فيقدیم ؛إذ یذهب بعض الباحثین إلي أن بدء لاحتفال به إنّما کان في القرن الثالث عشر قبل میلاد المسیح
[5]
إختلف المورخون في سبب اتخاذهم لهذا العید ،فیقال إنه لما ولی جمشاد ،سمي الیوم الذي ملک فیه نوروز. وقیل الصا بئة ظهرت في أیام طهمورث،فلما ملک جمشید جدد الدین فجعل یوم ملکه عیداً [6]
قال الطبري المتوفی،سنة (310ه/922م)في کتابه الرسل والملوک بشأن النوروز ومنشئه "أما علماء الفرس فانّهم قالوا:ملک بعد طهمورث جم الشید ،وهو اخو طهمورث وقیل:انه ملک الاقالیم السبع
کلها وسخر ما فیها من الجن والانس ،وفقد علي راسه التاج ثم أمر فصنعت له عجلة من زجاج ،فصفد فیها الشیاطین ورکبها ،واقبل علیه في الهواء من بلده،من دنباوند إلي بابل في یوم واحد. [7]
وذکر الالوسي في کتابه بلوغ الأرب في معرفة الأحوال العرب بشأن النوروز فقال: "و هي کثیرة جداً [أعیاد الفرس] فأماالنیروز فهو تعریب نوروز وهو أعظم أعیادهم .إن اول من اتخذ جمشاد أحد ملوک الطبقة الاول من الفرس وهذا الاسم في الاصل مرکب من جم وهو القمر وشاذ وهو الشعاع والضیاء وسبب اتخاذهم لهذا الیوم عیداً،إنّ (طهمورث) لما هلک ملک بعده جمشاد فسمی الیوم الذي ملک فیه نوروزاً اي الیوم الجدید" . [8]
جاء في کتاب «نوروزنامه »المنسوب إلی الخیام " طبقاً للحساب الذي یعمل به في عهد کیومرث ،علم ان شهر فروردین یتأخر کل سنة عدة ساعات عن موضعه الاصلي، ثم یعود بعد مرور 1461 سنة إلی الموضع الذي هو عبارة عن نقطة الاعتدال الربیعي ومنذ اوجد کیومرث حساب السنة الشمسیة إلی نهایة سنة 421 وهي المدة التي حکم فیها جمشید،إنتهت فترة 1461 سنة المذکورة ،وعاد فروردین إلی موضعه الاول في برج الحمل.ولأن جمشید قد أدرک هذا الیوم ،وسماه «نوروز»وأمر الناس بالاحتفال به عند ما یحل شهر فروردین الجدید في کل سنة فاعتبروا ذلک الیوم." [9]
إن النوروز،کما اتضح في اللغة إنّه یوم جدید.جدیدٌ،لأنّه أول یوم من أیام السنة الفارسیة.جدیدٌ ،لانّه اول یوم من أیام الربیع .جدیدٌ،لانه الیوم الذي یتعادل فیه اللیل والنهار. جدیدٌ ،لانه دخل في طور احیاء الطبیعة وایجاد الحرکة الاستمراریة والتفتح في الطبیعة.جدیدٌ، لان الطبیعة جعلت نفسها في خدمة الانسان . [10]
نوروز الخاصة ونوروز العامة
"یستمر هذا العید ستة أیام یسمی أولها «النوروز الصغیر » أو «نوروز العامة» وهو الیوم الأول من شهر فروردین عند نزول شمس أول الحمل والدعي إلی تسمیته بالنوروز إن الله تعالی فیه خلق العالم والانسان الاول وفیه جرّت جمیع الکواکب في برج الحمل وفیه أخذت التدور " [11]
اُطلق علی نوروز الخاصة بـ«النوروزالکبیر» و«الاحتفال الکبیر» و«نوروز الملک» والسبب في جعل هذا الیوم نوروزاً خاصاً إن الملک جمشید لما جلس علی سریر سلطنته استدعی إلیه جمیع أرکان دولته وخواص دائرة سلطنته وسَّن علیهم قواعد حسنه وقوانین مستحسنه أو یجمع وزرائه لیحثهم علی فعل الخیر ویأمرهم بالاحسان إلی الناس وإقامة العدل بینهم. [12]
وبین نوروز الخاصة ونوروز العامة والتي تستغرق ستة أیام یقضون حاجات الناس ویطلقون سراح المسجونین،ویعفون عن المجرمین، ویعکفون علی اللهو والطرب. وکان النوروز رمزاً للعدالة والمساواة والاخلاق. هذه هي السنن والتقالید والعادات الفارسیة التي کانت ترافق النوروز قبل الاسلام. [13]
موقف الخلفاء العباسیین من النیروز
شارک الخلفاء العباسیون في إحیاء شعائر النوروز، وادخلوا سننه إلی قصورهم، واعتبروه عیداً رسمیاً یحتفل به کل عا م واغتنم الشعراء والخطباء والندماء حلول عید النوروز لیشارکوا خلفاهم في إقامة شعائره. [14]
من سنن التي ظهرت في العصر العباسي هي: إشعال النار وصب الماء وتقدیم الهدایاء وإقامة مجالس الطرب.
إشعال النار وصب الماء
بدأ الناس یوقدون النیران لیلة العید ویصبون الماء في صبیحة کما کان متبعاً عند الفرس. ولم یبحث الناس عن سبب صب الماء أو إشعال النار، بل کانوا یحبون شعائر للتسلیة وقضاء الوقت والسخریة. فلقد منع الخلیفة المعتضد في سنة 282 ه. إضرام النیران لیلة النوروز وصب الماء في صبیحته، ولکنه تراجع عن قراره، ولم نعرف سبباً لذلک وسمح للناس بوقود النیران وصب الماء. وهذا التراجع المفاجيء، شجع الناس أن یخرجوا علی المألوف ویصبوا الماء علی اصحاب الشرطة أنفسهم . [15]
قال الطبري في حوادث سنة 282 ه بشأن ایقاد النار وصب الماء."في یوم الاربعاء لثلاث خلون من جمادي الاول، ولاحدي عشر لیلة خلت من حزیران، نودي في الارباع والاسواق ببغداد بالنهي عن وقود النیران لیلة النیروز، وعن صب الماء في یومه ونودي بمثل، ذلک في یوم الخمیس .فلما کانت عشیة یوم الجکعة نودي علی باب سعید بن یکسین صاحب الشرطة بالجانب الشرقي من مدینة الاسلام، بأن أمیر المومنین قد اطلق للناس في وقود النیران، وصب الماء ففعلت العامة من ذلک ما جاوز الحد، حتي صبّوا الماء علی أصحاب الشرطة في مجلس الجسر. [16]
إغتنم الشعراء فرصة ایقاد النار وصبّ الماء لیعبروا عن أمانیهم واشواقهم الصادرة من أعماق قلوبهم بصدق وصراحة وباسلوب بسیط وجمیل . وصف کشاجم نفسه في هذا الیوم السعید، والسنة فیه أن یوقد النار ویصب الماء ولکنه وحید بعید عن أحبائه وقلبه من الحب کلهیب من النار شوقاً إلیهم ، وتفیض الدموع من عینیه لعلها تطفيء نار قلبه، فأنشد: [17]
لما رأیت النوروز سنتهصبّ میاه وشب نیراننوروزت وحدی والشوق یقلقنيبنار قلبي وماء اجفان
الهدایا
إن من السنن الفارسیة القدیمة هي تقدیم الهدایا یوم النوروز من جمیع طبقات الناس إلی الملک وکذلک العکس، وعادت تلک السنة القدیمة إلی الظهور في العصر العباسي، وبدأ الأمراء والشعراء والخطباء یهدون الهدایا الثمینة إلی الخلفاء وکان الخلفاء یقابلونهم بهدایا أکثر کانت ذات تأثیر أکبر في نفوسهم کما قال الشاعر في وصف الهدیة [18]
إن الهدَّیة حلوةٌکالسَّحرِتَجتَلِبُ قلوباًتوني البغیض من الهویحتّی تصّیره قریباًوتُعیدُ مضطَغِنّ العداوَة بعد نقرته جسیاً
والنوروز، هو یوم المحبة، ولقاء الأحبة، وهو الیوم الذي تتأفی فیه القلوب، وتسود المحبة بین الناس، فیتبادلون أجمل واعلی الهدایا التي تزید العید بهجة وحبوراً. إهدی أحمد بن یوسف الکاتب إلی المأمون سفطاً من الذهب، فیه عود هندي في طوله وعرضه و کتب معها هذا یوم جرت فیه العادة بألطاف العید والسعادة فقال : [19]
علی العبدِ حقٌّ فهوَ لابدَّ فاعلِهِوإن عظِمَ المولی وجلَت فضائلُهُالم تَرنا نُهديإلی الله مالهوَإن کان عَنهُ ذا غني فهوَ قابلُهُ
ولم ینحصر تقدیم الهدایا بین الخلفاء والوزراء والشعراء فقط، وإنما کانت هذا السنة بین الناس ایضاً وتسابقوا إلی الاحتفال به، واحیوا فیه ما کان معروفاً عند الفرس القدماء من عادات کعادة ایقاد النیران وعادة التهادي [20]
–
مجالس الطرب والغناء
من السنن الفارسیة القدیمة التي ظهرت في العصر العباسي، إقامة مجالس الطرب والغناء. وکان الخلفاء والشعراء والناس یفرحون بحلول عید النوروز، لما یواکبه من روعة جمال الطبیعة ولما یرافقه من فرح وحبور وسرور، في إقامة مجالس الطرب وسماع الأصوات الجمیلة والألحان العذبة التي کان یقدمها الماجنون، وکان یرافق ذلک الجو کووس الخمر التي کانت تضفي علی الجو نشوة وسروراً. وجعل ابن الحجاج للنوروز حقوقاً ورسوماً،وهو أن یقضي سحابة لیلة وهو غارق في السکر حتی الفجر فاسمعه ینشد: [21]
یا مَن حقوقُ النیروزِ تلزمهاسمُکَ یَومَ النَیّروزِ مشهورُفَاسکُر من اللیلِ واصطبح سحراًفداً تراني و أنتَ مَخمورُواستنطق الزیرَ، إننّي رجلیعجبني ما یقوله الزِّبرُ
وهکذا عاد النوروز إلی الحیاة في العصر العباسي ببهجة وتجدد، کما جدد معه تقالیده وسننه التي کانت متبعة عند الاکاسرة. والفضل في إحیاء شعائر النوروز یعود إلی الخلفاء والوزراء والناس، الذین احتفلوا به واهتموا به وجعلوه، رمزاً للتحالف وشدّ وثاق الاخوة بین الأمتین العربیة والفارسیة. [22]
–
فضائل النیروز ومحاسنه عند العباسین
العوامل الدینیة
لقد جذب الدین الاسلامي الذي ظهر في شبه الجزیرة العربیة الکثیر من آداب ورسوم الحضارات الأخری التي تعامل معها کالحضارتین الفارسیة والرومیة.ولهذا الامر سببان: یتمثل الاول بماهیة الدین الإسلامي الذي تعامل مع الأدیان الأخری وتقبل العدید من آدابهم ورسومهم ومنحها طابعاً دینیاً ووافق علیها. أما السبب الثاني فهو عدم خوض الاسلام لتجربة حکومیة من قبل لأنه ظهر في مکان لم یکن قد خاض أیة تجربة حکومیة من قبل وکان لابد له حفاظاً علی بقائه أن یقتبس من التجربة الحکومیة للحضارات الأخری.وکما نعلم فقد تأثر الآمویون بالحضارة الرومیة والعباسیون بالحضارة الفارسیة. ولقد سعی العرب منذ البدایة إلی جذب الآثار الحضارة الفارسیة نتیجة لتجربتها المشرقة وبناءاً علی خط سیر الإسلام، واحترموا بعض الرسوم والتقالید الخاصة بها سواء أکانت ذات منشأ دیني أو غیر دیني وتقبلوها. کما کان بعض الموظفون وخاصة في العهد العباسي یبعثون برسائل إلی الخلفاء تحتوي في طیاتها علی التهاني بمناسبة حلول الأعیاد کالنوروز ومهرجان بالإضافة إلی الدعاء والابتهال من أجلهم. وبهدف حفظ سننهم وثقافتهم قام الفرس نتیجة لوقوع حکومتهم في ید العرب وتعرض أموالهم للنهب بمنح أعیادهم طابعاً إسلامیاً بنظرتهم المستقبلیة واغتنامهم للفرس، ونسبوا الحقائق التي حظیت بالاهتمام في الدیانة الإسلامیة إلی النوروز وهکذا کان عید النوروز من الأعیاد الکبری ومحط إهتمام المسلمین في عهد العباسي. [23]
العوامل الاقتصادیة
من العوامل الأخری التي أدت الإهتمام بالأعیاد الأیرانیة في العهد الاسلامي، یمکن أن نشیر إلی مجالاتها الإقتصادیة والتي کانت تجري علی صورتین: إفتتاح الخراج والهدایا.
–
إفتتاح الخراج
لقد واجه العرب في بلاد فارس تقسییمات زراعیة معقدة وتنوعاً دیوانیاً وخراجاً، حیث لقد کانت الإطاحة بهذا الامر نوعاً ما، ولذلک فقد تم فرض الضرائب في البلدان التي تم فتحها بناءاً علی الموازین التي کانت سائدي في تک البلدان. وإضافة إلی أن العرب اقتبسوا نظام الضرائب عن الفرس عند فتحهم لتلک البلاد، فقد جعلوا موعدها کذلک مطابقاً لما کان معمولاً به في بلاد فارس. ولقد کان یبدأ تحصیل الخراج عندما کانت أشعة الشمس تغدو عمودیة علی مدار السرطان ویبدأ الانقلاب الصیفي حیث کان الفلاحون یجنون قسماً من محاصیلهم ویغدو الوقت مناسباً لإفتتاح الخراج. وبما أن افتتاح الخراج کان فيعید النوروز حیث کانت تصلهم هدایا ثمینة، فقد اهتموا بحفظ تلک السنن والتقالید وتعیین عید النوروز وتثبیته وبالتالي فقد قام الخلفاء العباسیون ببعض الاصلاحات. [24]
الهدایا
یعد تقدیم الهدایا إلی الحکام من التقالید القدیمة والثابتة عند الایرانیین في عید النوروز والمهرجان حیث کان هذا التقلید متداولاً في العصر الإسلامي. واضافة إلی إهتمام الخلفاء العباسیین بالسنن والتقالید الایرانیة، فقد اقتبسوا عن التجربة الحکومیة للسا سانیین. ولذلک فقد أولوا الإهتمام للأعیاد الفارسیة علی نطاق واسع حیث کان الرعایا والموظفون یقدمون الهدایا للخلفاء کما کانت الهدایا ترس للملوک الساسانیین فيعید النوروز والمهرجان.[البیروني، الاثار الباقیة عن القرون الخالیة، ص52]
العوامل الاجتماعیة
من العوامل الأخری التي أدت إلی الاهتمام بالأعیاد الفارسیة یمکن ذکر العوامل الاجتماعیة. وبما أن نصف البلاد التي کانت تخضع لسیطرة العباسیین، کانت تشمل بلاد فارس، فلم یتخلی الفرس عن الکثیر من عاداتهم وتقالیدهم، وبعد اعتناقهم للإسلام حافظوا علیها. ورغم أن العرب استطاعوا دخول ایران سریعاً إلا أنهم لم یتمکنوامن استبدال الاسلام بالدین الزرادشتي والذي کان رائجاً في الکثیر من المناطق الایرانیة وحتی أثناء الخلافة العباسیة، وبقیت النظم والتقالید الخاصة به قید الإجراء. وعلی کل حال، فقد انتشر الاسلام بشکل تدریجي في بلاد فارس، وکلما کان الفرس یطلعون بشکل أوسع علی تعالیمه، کان تقدمه یجری بشکل أسرع وأسرع. ویبدوا أنه خلال الحکم الاموي، لم یکن بعض موسسي الخلافة الامویة یعارضون اعتناق أهل الذمة للإسلام حتی أنهم کانوا یمنحون بعض المحسوسات علی الجزیة لمن کانوا یرغبون بالبقاء علی دینهم ودفع الجزیة. کما تعد بیوت النار التي ظلت النار تشتعل فیها حتی القرن الرابع دلیلاً واضحاً علی فعالیات الزرادشتیین في ایران کما کانت تعتبر أحد العناصر الاجتماعیة المهمة للخلافة الإسلامیة. کما یبدوا أنه أثناء خلافة بعض الخلفاء العباسیین ونتیجة لتسامحهم مقابل بعض الادیان ومنه الدین الزرادشتي، فقد انتشر فعالیات مختلفة لأتباع تلک الأدیان. لقد کانت الأوضاع الاجتماعیة في القرون الثلاثة الأولی تشیر إلی النشاطات الملفتة للنظر بین الزرادشتیین في تطبیق الرسوم والتقالید کما کان تبین تغلب الثقافة الفارسیة علی العربیة حیث لم یستطیع حتی تعصب حکام بني أمیة أن یستبدل بالثقافة الایرانیة. ومنذ بدایة فتح ایران هاجر الکثیر من العرب إلیها نتیجة لحوافز إقتصادیة وإجتماعیة وسیاسیة ودینیة حیث کان الولاة یشجعون علی تلک الهجرة ویدعمونها. وقد اعتنق العرب الذین هاجروا إلی الکثیر من المناطق الایرانیة بما فیها خراسان الثقافة الفارسیة التي کانت سائدة أنذاک وتزوجوا من النساء الفارسیات وارتدوا الملابس الفارسیة وکانوا یحتفلون کالفرس بأعیاد النوروز والمهرجان والسده حتی أنهم کانوا یتکلمون باللغة الفارسیة. [25]
بما أن الخلفاء العباسیین کانوا أنفسهم مدنیین للفرس بمن فیهم الخراسانیین في حکومتهم،خلافاً للامویین الذین کانوا ذوي تعصب للعرق العربي واللغةالعربیة؛ فقد حاولوا منذ البدایة استغلال دعم الفرس لهم في شوون الحکومة. ورغبة منهم في الحافظ علی حکومتهم وسلطتهم وفي الاستفادة من حمایة الفرس لهم، وبالنظر إلی أغلبیة الفرس الذین کانوا یشکلون نصف عدد السکان في الحکومة الاسلامیة، فقد اضطروا إلی تداول السنن الفارسیة بشکل عام والأعیاد الفارسیة بشکل خاص. [26]
ومن المراسم التي کانت متداولة في عید النوروز إشعال النار ورشق الناس لبعضهم البعض بالماء وإضاءة المنازل. وکانت تلک المراسم تصل المراسم إلی الافراط في بعض الاحیان وتودي إلی الفوضی والهرج والمرج في المجتمع حیث کان الخلفاء والحکومة یمنعونها، ورغم ذلک فقد ظلت الثقافة الفارسیة هي الغالبة وظلت تلک التقالید جزءاً لا یتجزأ من تلک الثقافة ولم یقدر الخلفاء علی منعها، کما حدث عام(284 ه) حیث منعوا في البدایة تلک الرسوم والتقالید ولکنهم عادوا وسمحوا بها نتیجة لتفوق العنصر الفارسي. [27]
العوامل السیاسیة
لقد کان النظام القبلي والعشائري هو السائد في شبه الجزیرة العربیة بدلیل الظروف الاقلیمیة والجغرافیة الخاصة ولم تکن هنالک سلطة مرکزیة وبالتالي لم تکن هنالک تجربة سیاسیة ولا رموز حضاریة ولا نظام حکومي من قبیل الدیوان. کما کان عدم وجود عوامل للوحدة بین شعوب الجزیرة العربیة قبل الإسلام سبباً في عدم وحدة وانسجام القبائل العربیة في تلک المنطقة. وبعد تشکیل الحکومة الإسلامیة في شبه الجزیرة العربیة فقد دعا الامر إلی تشکیل منظمات سیاسیة، إقتصادیة، إجتماعیة نشأت إما عن الدین الإسلامي أو الحضارة الفارسیة أو الرومیة. لقد اکتسب العرب حضارتهم من الإسلام الذي شکل عاملاً لوحدة القبائل العربیة وانسجامها. وبعد تشکیل حکومة بني أمیة وبدلیل عدم شرعیة زعمائها فقد اضطروا إلی إحیاء النظام القبلي الذي کان سائداً قبل الإسلام للحفاظ علی سلطتهم، مما أدی إلی طرح مسائل مثل التفوق العرقي وعدم رضا القبائل العربیة. لم یکن الفرس راضین عن النظام العشائري لبني أمیة وسیاسة التفوق العرقي والتعصب العرقي التي کانوا یتبعونها ولذلک فقد کانوا یشارکون في أي نهضة تقوم ضدهم. أما العباسیون الذین کانوا واعین لمخالفة الفرس لبني أمیة ومدرکین تماماً للتفوق الثقافي الفارسي علی السنن العشائریة العربیة، فقد جعلوا مرکز نشاطهم منذ البدایة في خراسان، حتی أن الخلفاء العباسیین کانوا یرسلون ولي عهدهم إلی داخل ایران لیتواصل بشکل أوسع مع الناس وذلک في محاولة منهم لإرضاء الفرس والحصول علی شرعیة لحکومتهم. [28]
ومن العوامل التي أدت إلی نفوذ الفکر الفارسي وانتشار ورواج الأعیاد الفارسیة وجود الفرس في مناصب في الحکومة العباسیة کانت عبارة عن: الوزراء، المسوولون، القادة العسکریون، السیاسیون، الأمراء وغیرهم. کما أن نفوذ الساسانیین في الوزارات العباسیة کان وسیلة لترویج تقالید الفرس وتقویة نفوذهم. ویبدو أن الخلفاء العباسیین حتی هارون الرشید کانوا یهتمون بشکل ظاهري ببعض الأعیاد الإیرانیة لکسب رضا الفرس حیث تحولت تلک الأعیاد إلی سنن في الحکومة العباسیة بدءً من عهد هارون الرشید الذي ترافق مع منح البرامکة مناصب في الوزارة. [29]
وبعد تمکن العباسیین من التغلب علی أعدائهم وبلوغهم مرحلة الاستقرار أرادوا الحصول علی نتائج سلطتهم فعمدوا إلی التجمل حیث کانت الأعیاد الفارسیة تلبي رغباتهم، وکان ذلک أیضاً عاملاً لرواج تلک الأعیاد خلال الحکومة العباسیة. ومن الجوانب السیاسیة الأخری یمکننا أن نذکر زواج الخلفاء العرب من بنات أشراف الفرس والذي لعب دوراً مهماً في إحیاء الثقافة الفارسیة ورسومها وآدابها. کما أن أم المأمون کانت فارسیة وتزوج هو ذاته بابنتة حسن بن سهل والذي أدی نفوذه علی الخلیفة إلی تمایل الخلیفة إلی الآداب والرسوم الفارسیة. [30]
وقد لعب الدهاقنة في القرون الأولی للعصر الإسلامي دوراً سیاسیاً بارزاً واجتماعیاً وثقافیاً مهماً في إیران. لقد أدت تضحینهم وتسامحهم من جهة وتدابیرهم الحکیمة من جهة أخری إلی حقن الدماء والحیلولة دون التخریب في الکثیر من المناطق الإیرانیة. لقد أدی اهتمامهم بالآداب والرسوم واللغة الفارسیة إلی بقاء تلک الثقافة حیة ومتعادلة حیث لم تتنازل اللغة الفارسیة عن منزلتها للغة العربیة.لقد کان الدهاقنة کما فط قدیم العهد أیام الساسانیین صلة وصل بین الحکومة ومن یودون الضرائب وکانوا یحصلون الخراج والجزیة بشکل مطابق لما کان متداولاً فیها قبل، کما کانوا یقدمون الهدایا إلی الخلفاء في الأعیاد کما کانوا یفعلون ذلک في بدایة العصر الإسلامي وفقاً للعادات والتقالید. [31]
النوروز في الشعر
النوروز، هو عید الطبیعة والطبیعة في النوروز کشفت حجابها واظهرت محاسن وجهها، وابدت طرائف شتی من زواهرها. فابدت للعیون بشاشة، واصبحت الارض ضاحکة، والطیر مسروراً والنبت سکران ومخموراً. إغتنم شعراء العرب والفرس قدوم النوروز، لکي ینظموا قصائداً في مدح خلیفة أو تهنئة امیر وذلک لأجل تمکین الصلة وتوطید أو أصل الصداقة. هنأ ابوتمام أبا دلف القاسم بن عیسی بسلامة من الأفشین ومن علة لحقته فأنشد: [32]
قد شَرَّد الصبّحُ هذا اللیل عن أُفقِهوسوَّغ الدّهرِ ماقد کان مِن شَرَقِهسِیقَت إلی الخلقِ في النَّیروزِ عافیَةٌبها شَفاهُم جدیدُ الدَّهرِ مِن خَلَقِه
شبه ابو تمام ابا دلف بالصبح. والصبح رمز للضیاء والنور. هذا النور قضی علی الظلام الذي تمثّل في شخصیة الافشین، الذي عبر عنه ابوتمام باللیل.
وهنّأ ابن الرومي عبید الله بن عبد الله بمناسبة عید النوروز فأنشده: [33]
یَوم الثُلاثاءِ: ما یَومَ الثُلاثاء؟في ذُروةٍ من ذُرا الأیامِ علیاءِکأنَّها هو في الأسبُوعِ واسطةٌفي سمطِ دُرِّ یُحلّي جید حَسناءِما طابق الله نیروز الامیر بهِالاّ لِتلقءُ فیه کُلُّ سَرّاءِلا سیَّما في ربیعِ مُمرع غَدِقٍما اَنفَکَّ یُتبعُ انواءً بأنواءِ
أفسح ابن الرومي المجال لخیاله،واطلق العنان لتصوراته فشبه النوروز کیوم الثلاثاءالذي هو بین أیام الاسبوع کواسطة القلادة التي تتحلی بها عنق الغادة الحسناء. وجعل الله سبحانه وتعالی نوروز الامیر موافقاً لیوم الثلاثاء.
ومدح المتنبي ابا الفضل محمد بن الحسین بن العمید وهنأه بعید النوروز فأنشده: [34]
جاءَ نیروزُنا وَأنتَ مُرادُهُوَوَرَت بالَذي أرادَ زِنادُههذهِ النَّظرَةُ التي نالَها مِنکَإلی مِثلِهَا مِنَ اَلحولِ زادُهُیَنثنِي عَنکَ آخِرَ الیَومِ مِنهُناظِرًأنتَ طَرفُهُ وَرُقادُهنحنُ في أرضٍ فارس في سُرورذا الصبَّاحُ الذي یَری میلادُهعظَّمَتهُ مَمالِکُ الفُرسِ حتیکُلُّ أیامِ عامِهِ حُسَّادُهما لَبسنا فیه الأکالیلَ حتیلبسَتها تُلاعُهُ وَوِهَادُهعِندَ مَن لا یُقاسُ کِسری أبوُساسانَ مُلکاً بهِ وَلا أولاَدُهعَرَبيٌّ لِسَانُهُ، فَلسَفِيٌّرأیُهُ، فارسَّیةٌ أعیادُه
مدح المتنبي ابا الفضل بعید النوروز قائلاً: أقبل النوروز تیمّنا بطلعتک وحقق مراد. حین وفد علیک ورآک. وهذه النظرة التي ظفر بها النوروز منک الیوم إنما یتزود بها علیه عامه لأنّه لا یزورک الامرة واحدة في کل عام وفي آخر یفارقکّ وهو آسف محزون، فلاینام ولایسر برؤیة غیرک حتی یراک فانیة. ونحن في سرور بأرض فارس وقد ولو هذا السرور في هذا الصباح، لأن الناس یفرحون فيه ویمرحون. وإن ممالک الفرس قد عظمت هذا الیوم حتی حسدته کل أیام السنة لتفضیلهم ایاه علیها. وما لبسنا أکالیل في هذا الیوم حتی کسبت الجبال والودیان الاکالیل من النبات والأزهار. کشف المتنبي في هذه القصیدة عن مشاعره واحساساته، وبین ما في نفسه في صراحة وصدق، علی إن النوروز خیر صلة بین الأمتین العربیة والفارسیة وشارک إخوانه الفرس وهو في أرض فارس بهذا العید السعید.
والصنوبري شاعر الطبیعة، صوّر لنا جمال الربیع في أروع قصیدة انشدها في وصف الربیع بقوله: [35]
ما الدَّهرُ الاّ الرّبیعُ المُستَنیرُ إذاأتی الرّبیعُ أتاکَ النوَّر والنوُرالأرضُ یاقوتةٌ، والجوُّ لؤلؤةٌوالنبتُ فیروزجٌ، والماءُ بلوّرُما یعدمُ النبتُ کأساً من سحائبهفالنبتُ ضربان: سکرانٌ ومخمورُتظلُّ تنشُر فیه السُّحبُ لؤلؤَهافالأرضُ ضاحکةً، والطیر مسرورُحیث التفتَّ فقمريٌّ و فاختةٌفیه تغنّي شفنینٌ وزرزورُإذا الهزاران فیه صَوَّتا فهما السّـورنايُ، بل عودٌ و طنبورُتبارک الله احلي الرَّبیعَ فلاتُغرَر فقائسُهُ بالصَّیفَ مغرُورمَن شَمَّ ریحَ تَحّیاتِ الرّبیع یَقُللا المسکُ مسکٌ ولا الکافوُر کافورُ
هذه القصیدة رسمت لنا صورة الربیع في غایة الجمال والابداع. یری الشاعر أن ید الربیع هي التي رسم هذه اللوحة الفنیة الجمیلة، واخرجها للعیان، کم أنه یعتقد ان الارض من کثرة الشقائق، والبراعم التي تتفتح کل یوم فأصبحت کالیاقوت. ورفعت السماء حجاب وجهها، واظهرت جمالها الذي هو کالؤلؤة البیضلء. وتحولت الأعشاب من اصفر إلی إحمرار عندما اعاد الربیع الیها دم الشباب المورق الجمیل وذابت الثلوج من قمم الجبال، وجرت في الانهار والودیان کالبلور من شدة هیجانها وجریانها. والریح الربیع جعلت الزهور والورود في حالة النشوان والسکران. وشارکت الطیور افراح الطبیعة، وجددت نشاطها وانشدت اعذب الحانها بهذه المناسبة السعیدة. فالنوروز حوّل الصحراء إلی جنة وحلّ علی الکون والانسان، مبشرا الجمیع بالخیر السعادة والمحبة والتجدد.
ووصف ابونواس جمال الربیع، ومجالس جماعات السکاری الشاربین تحت باقات من الزهور، فقال: [36]
یُباکرُنا النُّوروزُ في غَلَسِ الدُّجیبنورٍ علی الأغصانِ کالانجم الزُّهرِیلوحُ کأعلامِ المطارفِ وشیُهُمن الصُّقر فوق البیضِ والخُضر والحُمرِادا قابَلتَهُ الریّحُ أو ما برأسهِإلی الشَّربِ أن سُرُّوا ومالَ إلی السُّکرومسمعةٍ جاءَت بأخَرَس ناطقٍبغیرلسانٍ ظلّ ینطقُ بالسّحرِلتبديَ سرّ العاشقین بصوتِهِکما تنطِقُ الاقلامُ تجهر بالسَّرِّتَری فَخُذ الألواح فیها کأنّهاإلی قَدَم نیطَت تضجُّ ألی الزَّمرِ
وصف ابونواس جمال الربیع، ومجالس جماعات السکاري وارتبط في هذه القصیدة ارتباطاً شدیداً بین مظاهر البهجة وسرور الذي یتمثل في تنامي روح الألفة والمحبة مع أجواء الطبیعة والغناء لحظة ارتسام الأضواء (البیض، الحمر، الخضر،) فوق تلک الربي والتي تتشرب خیوط الشمس في ساعة الغروب لتضيء بنورها الأغصان کأنجم الزاهرة في کبد السماء في الظلماء، ووصف کیف إن الخمایل سکرت وتمایلت أغصانها مع انفاس الرّبیع کالسکاري تحی السکاري الشاربین في ظلها.
وانشد البحتري ابدع قصیدة في وصف النوروز وجمال الطبیعة: [37]
أتاکَ الرّبیعُ الطلقُ یختالُ ضاحکاًمن الحُسنِ حتی کاد أن یتکلّماوقد نبّه النوروز في غَلس الدُّجيأوائل وَردِ کُنَّ بالأمس نُومّایُفَتَقها بُردُ النَّدَی فکانَّهُیَبُثُّ حدیثاً کانَ أمسِ مُکتَّماوَمِن شَجَرٍ رَدَّ الرّبیعُ لِباسَهُعلیهِ کَما نَشَّرتَ وَشیاً مُنَمنَماأحلَّ، فأبَدي للعُیونِ بشاشَةُوکانَ قَذي للعَینِ إذ کانَ مُحرِماوَرَقَّ نَسیمُ الِّیحِ حتی حَسِبتهُیَجيءُ بأنفاسِ الأحِبَّةِ نُعَّما
جعل البحتري الربیع انساناً حتی کاد یتبادر إلی الکلام. والنوروز، أیقظ الور من قوته، وإذا بالندی یفتح اکمام الورد لیبتها حدیثاً کان مکتوما. ما هذا الحدیث الذي بثه الندی في اکمام الورد هل هو حدیث الحیاة والتجدد؟أم هو حدیث المحبین والعاشقین؟ أم هو حدیث سر الوجود وعظمة الخالق؟ إنه حدیث الحیاة والتجدد والعاشقین وسر الوجود علی الانسان ان یدرکه ویجعله رمز للإرتقاء.
ومدح مهیار الدیلمي ابا القاسم الحسین بن علي المغربي عند تقلده الوزارة، وهنأه بالنوروز وانشدها فیها [38]
هل عِندَ عینِکَ علی غُرّبِغَرامةٌ بالعارضِ الخُلَّبَ؟نَعَم! دُموعٌ سکتسي تُربُهُمِنها قمیصَ البلدِ المُعشِبَخُلِقتَ في الدّنیا بلا مُشبهٍأغرَبَ مَن عنقائها المُغرِبِواطلُع علی النیروز شمساً اذاساقَ الغروبُ الشّمسَ لم تغرُبِتفضُلُ ماکُرَّ سِنّي عمرهِبملءِ کفّ الحاسبِ المُطنبِیومٌ من الفرسِ أتی وافداًفقالتِ العُرَبُ له: قَرِّبِباتَ من الاحسان في دارکموهو غریبٌ- غیر مستغربِ
یری مهیار الدیلمي انّ النوروز عید فارسي وفد علی العرب، واستقبله العرب بشوق وإحساس ومحبة،حتی اصبح أحد أعیادم العربیة، یحتفلون به کل عام کالرمز للوفاء واللقاء، یجمع الأمتین العربیة والفارسیة في هذا العید السعید، لتذوب فیها القلوب حتی تصبح قلباً واحداً نابضاً بالانسانیة.
النتیجة
إن اصل النوروز علی ضوء اللغة، فانکشف لنا علی انه عید الطبیعة، لان النوروز هو الیوم الجدید. جدید، لان النوروز دخل في طور احیاء جدید احیاء الطبیعة، وایجاد الحرکة الاستمراریة والتفتح في الطبیعة.
فالنوروز هو عید الطبیعة في خدمة الانسان. ان اهتمام الملوک والخلفاء والأمراء بالنوروز عبر التاریخ کان من اجل عامله الاقتصادي الذي ساهم في زیادة الاموال والواردات التي کانت تغدق علی خزانة الدولة.
اتخذ الشعراء في العهد العباسي من هذه المناسبة فرصة سانحة لاظهار الولاء للممدوحین (خلفاء، امرا، ولاة، وزراء)وعهدوا إلی المقارنة بین الممدوحین ومظاهر الطبیعة عبر استذکارهم بعطاء الطبیعة في اشارة إلی دفع الممدوح لیمثل بالطبیعة فیجزل العطاء للشاعر.
ان استیفاء الخراج والضریبة في یوم النیروز علامة جلیة لسعة الملک وقوة السلطان، اذ یتمثل الامر کل الاجناس عربا وعجما وکردا وفرسا. فتدافع اموال الخراج وضریبة النیروز لتملأ خزائن الخلافة فیصور الشاعر کل ذلک علی انه دلیل علی حب الرعیة من جهة ومهابة الخلیفة والخلافة من جهة أخری.
اهمیة النوروز الاقتصادیة في العصر العباسي ومحاولات الخلفاء لتثبیت النوروز في یوم مناسب لأخذ الاموال والضرائب من الارض الزراعیة وهدایا النوروز وسنة تقویم الهدایا الی کانت جاریة في زمن الاکاسرة، احییت من جدید في العصر العباسي، فالخلفاء والوزراء والامراء ورجال الدولة کانوا یعیشون عیشة الاکاسرة، ویأخذون التقالید والعادات الفارسیة التي تمیزت بها الحیاة الاجتماعیة الفارسیة القدیمة.
المصادر والمراجع
1-الصیاد، فواد عبد المعطي، النوروز واثره في الادب العربي، مطبعة دار الاحد،بیروت 1972 م .
2-الجوالیقي،المعرب من الکلام الاعجمي علی حروف العجم، تحقیق وشرح احمد محمود شاکر، طبعة اوفست، المجلد الثالث، طهران 1966 م.
3-مینوي، مجتبی، نیروز، مجلة الدراسات الادبیة، السنة الثانیة العدد الاول، 1960 م.
4- النویري، شهاب الدین بن احمد عبد الوهاب،نهایة الارب في فنون الادب، دار الکتب المصریة، القاهرة 1923 م.
5- الطبري، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوک، تحقیق محمد ابوالفضل ابراهیم، مطبعة دار المعارف، مصر، 1961 م.
6-الالوسي، محمد شکري، بلوغ الأرب في معرفة احوال العرب، بشرحه وتصحیحه وضبطه محمد بهجة الاثري، مطبعة دار الکتاب العربي، بغداد،1314 ه.
7-نیشابوری، عمر بن ابراهیم خیام، نوروز نامه، چاپ سرعت، تهران، 1343 ه.
8-الثعالبي، ابو منصور،تاریخ غرر السیر،مکتبة الاسدي، طهران، 1963 م.
9- القلقشندي،ابو العباس احمد، صبح الاعشی في صناعة الإنشاء، المجلد الثاني، الطبعة دار الکتب المصریة، القاهرة1928 م.
10- طه ندا، الاعیاد الفارسیة في العالم الاسلامي، مجلة کلیة الادب لجامعة الاسکندریة، المجلد السابع عشر، 1964 م.
11-ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاریخ الملوک والامم،مطبعة دائرة المعارف العثمانیة، حیدر آباد 1957 م.
12-دیوان کشاجم، محمود بن الحسن شاهک، تحقیق خیریه محمد محفوظ، مطبعة دار الجمهوریة، بغداد 1970 م.
13-المقریزي، علي بن عبد القادر، الخطط المقریزیة، مطیعة الساحل الجنوبي،لبنان، المجلد الثاني.
14- العسکري، ابو الهلال الحسن بن سهل، کتاب الأوائل، حققه محمد السید الوکیل، المدینة المنورة 1969 م.
15- الثعالبي ، عبد الملک بن محمد بن اسماعیل، یتیمة الدهر في محاسن اهل العصر، حققه محمد محي الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، القاهرة 1914 م.
16- البیروني، محمد بن احمد، الأثار الباقیة عن القرون الخالیة، مکتبة المثنی، بغداد 1928 م.
17-محمدی ملایری، محمد، فرهنگ ایرانی پیش از اسلام، چاپ چهارم، تهران-توس، 1376 ه.
18- عاکو ب ،عیسی ،تأثیر پند پارسی بر ادب عرب، ترجمه عبدا...شریفی، چاپ اول، تهران خوارزمی 1374 ه.
19- الجاحظ ، ابو عثمان عمر بن بحر، البیان والتبیین، دار المکتبة الهلال، المجلد الثالث، بیروت 1992 م.
20- الطبري، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوک، تحقیق محمد ابو الفضل ابراهیم، مطبعة دار المعارف، مصر 1961 م.
21-الخضري، محمد، تاریخ الامم الاسلامیة، وکتبة التجاریة الکبری، المجلد الاول، مصر 1969 م.
22-یاشار، احسان، حضور ایران در جهان اسلام، ترجمه فریدون مجلسی، چاپ اول، تهران انتشارات مروارید، 1381 ه.
23-افتخار زاده، محمد رضا، شعوبیه ناسیونالیسم ایرانی، چاپ اول، قم دفتر نشر معارف اسلامی،1376 ه.
24- صفا، ذبیح الله، گاهشماری و جشن های ملی ایران، توس، تهران، وزارت فرهنگ و هنر،1355 ه.
25 -ابو تمام، حبیب بن الحارث،دیوان ابی تمام،شرح الخطیب التبریزي، تحقیق محم عبده عزام، دار المعارف، مصر، 1969 م.
26- ابن الرومي،علي بن العباس بن جریح البغدادي، دیوان ابن الرومي، المجلد الاول، شرح مجید طراد، دار الجیل البیروت،1998 م.
27- المتنبي، احمد بن الحسین بن الجعفي، دیوان المتنبي، وضعه عبد الرحمن البرقوتي، مطبعة الاستقامة القاهرة، 1938 م.
28- الصنوبري، احمد بن الحسن بن الضبي، دیوان الصنوبري، حققه احسان عباس، دار الثقافة، بیروت، 1970 م.
29- ابو نواس، ابو الحسن علي بن هاني، دیوان ابي نواس، حققه احمد عبد المجید الغزالي، دار الکتاب العربي، بیروت (لاتا)
30- البحتري، الولید بن عبد بن یحیی، دیوان البحتري عني بتحقیقه وشرحه علیه حسن کامل الصیروفي، دار المعارف، القاهرة،1962 م.
31- الدیلمي، مهیار بن مرزویه، دیوان مهیار الدیلمي، مطبعة دار الکتب المصریة، القاهرة،1925 م.
مشاركة منتدى
23 كانون الأول (ديسمبر) 2012, 14:45, بقلم رحال
هل هناك تواتر في النصوص أن نوروز أول من جعله عيدًا هو جمشيد أو غيره ؟
لأني قرأت أن أول من أتخذهُ عيدًا بختنصر ...................!
أرجو الإفادة وشكرًا