الثلاثاء ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٤

انتهاكات بالجُملة وقوانين شفافة

حسن الأستاذ

أكثر من عام مر على الإبادة المستمرة في قطاع غزة، ولازالت المعاناة تتصاعد وتتكرر بشكل يومي دون تمييز، هذا العدوان لا يُظهر أي مؤشرات على التراجع، وأصبحت حياة من يعيشونه مرهونة بالقصف المتواصل والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، هؤلاء المدنيون، سواء كانوا أطفالاً، نساءً، رجالاً، أو شيوخاً، هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب، ويعيشون واقعاً لا يتماشى مع أبسط حقوق الإنسان المنصوص عليها في القوانين والمعاهدات الدولية التي أصبحت لا تتعدى حبر على ورق.

المعاناة المستمرة في قطاع غزة والنقص الحاد في أساسيات الحياة، والذي يحول دون وصول المواد الغذائية، والأدوية، والعديد من المستلزمات والاحتياجات اليومية الضرورية؛ ينتهك حق الإنسان في الحياة، المنصوص عليه في المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد "حق كل شخص في الحياة والسلامة البدنية"، كما تنص المادة (25) من الإعلان ذاته على "حق الأفراد في مستوى معيشي ملائم يضمن لهم الرعاية الصحية، الغذاء، الملبس، والمسكن".

هذه الحقوق غير مكفولة في غزة، كما يعاني الغزيون من نقص حاد للمياه الصالحة للشرب وانعدام تام للكهرباء، ما يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية ويجعل الوصول إلى الخدمات الأساسية أمراً مستحيلاً.

إن ممارسات الاحتلال الصهيوني بتطبيق الحصار على مجتمع بأكمله من شأنه حرمان كافة سكان القطاع من احتياجاتهم الأساسية ويحول حياتهم إلى سجن كبير، لاسيما انهم يواجهون نقصاً حاداً في المأكل والمشرب والأدوية، والذي يُعد انتهاكاً لحقهم في مستوى معيشي ملائم، الذي تكفله المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الثابت مما نراه انه يمكن اعتبار السكان أسرى حقيقيين داخل حدود القطاع؛ الجزء الأكبر منهم في وسط القطاع وجنوبه من النصيرات حتى خان يونس، والجزء الآخر لا زال في غزة المدينة وشمالها، وكلاهما يعانون ذات المعاناة لا يمكنهم الحركة والتنقل بسبب انشاء الاحتلال لمحور نتساريم الذي يقسم القطاع لنصفين، إضافة لسيطرة الجيش على محور فيلادلفيا الحدودي مع الجانب المصري، فينتهك بذلك المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تؤكد "حق الأفراد في التنقل بحرية داخل بلادهم وخارجها".

لذا يمكن اعتبار الحصار الذي يخضع له قطاع غزة شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الذي يتعارض مع المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، "التي تحظر بشكل قاطع العقوبات الجماعية ضد الأشخاص المحميين في مناطق النزاع".

ضِف على ذلك التدمير المتعمد والممنهج لحوالي (400) مدرسة، ليكون بذلك حرم الأطفال من حقهم في التعليم الآمن، الذي نصت عليه المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد "حق كل فرد في التعليم"، كما أن الظروف الصعبة والعنيفة التي يعيشها الأطفال تنتهك حقهم في الرعاية والنمو السليم، ما يُعد مخالفاً لاتفاقية حقوق الطفل، وخاصةً المادة (6)، "التي تلزم الدول بحماية الأطفال وتوفير بيئة مناسبة لنموهم".

أما فيما يتعلق بالبنية التحتية، والمستشفيات والمرافق العامة، وما تتعرض له من قصف وتدمير؛ يحرم السكان من خدماتهم الأساسية ويعرض حياتهم للخطر؛ وينتهك هذا الوضع المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على "حماية الممتلكات والأعيان المدنية في أوقات النزاع"، كما يحظر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، المادة (51) "استهداف المدنيين أو تعريضهم للخطر بشكل غير ضروري". هذه الانتهاكات المستمرة تعيق قدرة المدنيين على العيش بكرامة، وتدمر أساسيات الحياة الضرورية لضمان مستقبل آمن ومستقر لهم.

وفيما يتعلق بالصدمات النفسية الناتجة عن مشاهد الدمار والعنف، تنتهك هذه الظروف حق الأفراد في الصحة النفسية والجسدية، الذي تكفله المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، "والتي تدعو إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الصحة العقلية والبدنية"، حيث يتعرض الأطفال والنساء والأُسر في غزة لضغوط نفسية هائلة تؤدي إلى اضطرابات تجعل من الصعب عليهم التكيف مع حياتهم اليومية غير الطبيعية وتؤدي إلى آثار سلبية طويلة الأمد تؤثر على المجتمع ككل.

لذلك يجب على المجتمع الدولي التدخل الجدي باتخاذ خطوات عملية وفعالة لتطبيق قواعد قوانين ومعاهدات حماية حقوق الإنسان التي وُجدت للعمل بموجبها وتنفيذها وضمان حياة كريمة وآمنة لكافة سكان قطاع غزة الذين عانوا بما فيه الكفاية منذ حوالي 400 يوم ولازالوا.

المعاناة اليومية التي يعيشها السكان في غزة ليست مجرد أرقام أو إحصاءات، بل هي واقع مؤلم ينتهك حقوق الإنسان الأساسية، ويجعل من الضروري على المجتمع الدولي العمل بجدية لإنهاء هذه الابادة وضمان حقوق سكان القطاع.

حسن الأستاذ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى