بدوي الوطني المنسي
الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي من مواليد 13 نوفمبر عام 1904 في الإسكندرية وفيها تلقي تعليما مدنيا ونال البكالوريا عام 1921 وتخرج في الحقوق عام 1925 ونال بعثة دراسية إلي باريس وحصل علي درجة الدكتوراه بأعلى درجة عام 1929
أثناء دراسته في باريس زامل الكاتب توفيق الحكيم والدكتور محمد مصطفي القللي ولم تفترق قلوبهم بعد عودتهم وقد كان توفيق الحكيم دائم الإشادة به ناسباً إليه الفضل فيما حصله من علم بفضل ما كان يراه ويلمسه من صبره ومثابرته علي العلم ومن الطريف أن توفيق الحكيم لم يجد خيرا من الأصل المخطوط بقلمه لقصة عودة الروح كي يقدمه إلى حلمي بهجت بدوي كهدية بمناسبة زواجه.
كان الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي على علاقة وثيقة بعمه المفكر المصري والقاضي الدولي الدكتور عبد الحميد بدوي وقد اشترك معه في أكثر من عمل قومي مثل فيه مصر عين الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي مدرسا للقانون المدني بكلية الحقوق وظل يعمل في تدريس القانون أكثر من 10 سنوات وانتقل للعمل بإدارة أقلام قضايا الحكومة عام 1940 ثم رأس قسم القضايا ببنك التسليف ثم عمل قاضيا بالمحاكم المختلطة فمستشارا بالقضاء الوطني فمستشارا بمجلس الدولة وفي عام 1947 استقال الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي من وظائف القضاة والحكومة ليعمل وكيلا للبنك العقاري المصري وكانت وظائف البنوك في ذلك الوقت خارج إطار وظائف الحكومة.
شارك الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي في وفد مصر في مؤتمر لندن الاقتصادي عام 1933 وفي المفاوضات التي مهدت لتوقيع معاهدة مونترو عام 1937 وهى المعاهدة التي تم إلغاء الامتيازات الأجنبية بمقتضاها وكان عمه عبد الحميد باشا بدوي صاحب فضل كبير في نجاح مصر فيها وكان الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي أحد أعضاء الوفد المصري برئاسة النقراشي باشا لعرض قضية مصر في مجلس الأمن حيث عمل مستشارا لذلك الوفد بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بما لا يزيد علي خمسة شهور كان الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي وزيرا للتجارة والصناعة في التعديل الذي أجري لوزارة محمد نجيب الأولى وكان واحدا من الوزراء الخمسة الذين يمثلون المجموعة الثانية من وزراء العهد الجديد وهم الدكاترة : حلمي بهجت بدوي ومحمود فوزي ووليم سليم حنا وعباس عمار،وعبد الرزاق صدقي واحتفظ الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي بمنصبه وزيرا للتجارة والصناعة في وزارة الرئيس محمد نجيب الثانية وأضيفت اليه أعمال وزارة التموين في اليوم التالي لتشكيل الوزارة
اختير الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي ليكون رئيسا لوفد مصر إلي الدورة الثامنة للأمم المتحدة في نيويورك عام 1953 وحقق لمصر تمثيلا متميزا في هذه الدورة وعندما وقع اعتداء إسرائيل علي منطقة العوجة المنزوعة السلاح في اثناء تلك الدورة التي رأس فيها وفد مصر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة جمع الصحفيين الأمريكيين على الفور في مؤتمر صحفي وألقى علي المدافعين عن إسرائيل درسا في حقيقة إسرائيل وأوضح مبلغ إجرامها واستهتارها بكل ما هو شرعي وبحقوق العرب وبقرارات الجمعية العامة وبلجان الهدنة
في شهر أكتوبر عام 1953 دعته جامعة ماسوستش للحديث عن مصر والعهد الجديد فألقى محاضرة طويلة أشادت بها الأوساط العلمية والسياسية وعندما جاء عام 1954 عاصر الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي ما عرف في التاريخ المعاصر بأزمة مارس 1954 وكان من الوزراء الذين آثروا أن يتركوا مناصبهم الوزارية تماما بنهايتها ولأسباب عديدة كانت منها حالته الصحية فإنه كان قد تقدم باستقالته مبكراً في 8 فبراير 1954 فرفضت وعين وزيرا للدولة للشئون السياسية وهو منصب لم يسند لأحد من قبله ولا بعده وأسند منصباه الوزاريان إلي زميله وصفيه الدكتور حسن أحمد بغدادي الذي عين وزيرا للتموين والتجارة والصناعة وكان قد عمل معه نائباً لوزير التجارة والصناعة ونائباً لوزير التموين وهو ما يدل على أن قادة العهد الجديد ظلوا حريصين علي وجوده معهم حتي وإن أصر هو على الاستعفاء وفضلا عن هذا فقد اختاروا لخلافته في منصبه زميله أو مساعده الذي اصطفاه هو ليكون نائباً له وعندما شكل الرئيس جمال عبد الناصر وزارته الأولى في شهر فبراير عام 1954 عين الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي وزير دولة للشئون العامة وهو ثاني منصب لم يكن لأحد من قبله ولا من بعده أيضا وفي وزارة الرئيس محمد نجيب الثالثة أى في مارس 1954 بقي كذلك وزير دولة للشئون العامة حتي شكل الرئيس جمال عبد الناصر وزارته الثانية في أبريل 1954 خرج من الوزارة مع مجموعة من الوزراء الذين تركوا الحكم بعد أزمة مارس والذين كان ابرزهم عبد الجليل العمري وعلى الجريتلي أصدر الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي كتابه أصول الالتزامات واعتبر في حينه مرجعا من أهم مراجع رجال القانون وقد منح عن هذا الكتاب جائزة الدولة.
قبل الدكتور محمد حلمي بهجت بدوي الاستمرار في أداء كثير من الأدوار السياسية والاقتصادية للحكومة وكان أبرز هذه الأدوار أنه عين مندوبا للحكومة في مجلس إدارة شركة قناة السويس في سنة 1954 كما كان أحد مستشاري الثورة في وضع الدستور المؤقت وفي تسيير الأمور والمسائل القانونية وبالإضافة إلي هذا فقد عين عضوا في مجلس إدارة البنك الأهلي وعضوا في هيئة المفاوضات مع يوجين بلانك والبنك الدولي من أجل تمويل السد العالي كما تولى عقد قرض تنمية مع شركة قناة السويس وعندما أممت مصر قناة السويس كان هو المصري الذي وقع عليه الاختيار ليرأس مجلس إدارة هيئة قناة السويس بعد تأميمها يوم 26 يوليو 1956 وبعد أقل من عام في هذا المنصب انتقل إلى رحمة الله حيث فاصت روحه إلى بارئها يوم 4 مارس عام 1957 في سيارته وهو في الطريق إلى مكتبه بهيئة قناة السويس وأقيم للدكتور محمد حلمي بهجت بدوي حفل تأبين في قاعة الجمعية الجغرافية في 14 أبريل 1957 وقد تولي شقيقه الأصغر الاستاذ مصطفي بهجت بدوي رئيس مجلس إدارة دار التحرير ورئيس تحرير الجمهورية السابق إعداد كتاب تذكاري بعنوان حلمي بهجت بدوي العبقرية المصرية الراحلة تضمن لمحات من حياته فضلاً عن الكلمات التي ألقيت في حفل التأبين وكتب الدكتور محمد مصطفي القللي مقدمة للكتاب.