الأحد ٢٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
حل المونديال ... رحل المونديال
بقلم زكية علال

بريق المونديال... ولعنة إسرائيل

حل المونديال وتحولت خارطة العرب إلى ملعب كبير للأحلام الأوربية ... هم يتقاذفون كرة يتسابقون بها إلى مربع الأحلام ونحن نتقاذف خيبات نتسابق بها إلى منحدر الموت الجبان لنوقع شهادة الفناء ، وقد كنا إلى وقت قصير نعتقد أن العربي يستهلك منتجات لا ينتجها من أكل يسكت به نواح بطنه إلى لباس يستر به عورات جسمه إلى سيارات يستعرض بها عضلات ثروته ... ولم نكن نتصور أنه أصبح يستهلك أحلام غيره أيضا لأنه عاجز أن ينتج أحلاما بمقاس انتمائه الديني والعرقي والإقليمي .
حل المونديال ... وكانت صدمة العربي الأولى أن اكتشف أنه غير قادر على متابعة العرس الكروي العالمي على محطاته الأرضية ولا حتى الفضائية ، وأنه لا جسر له للعبور إلى الق المونديال غير قنوات art ولن يكون ذلك إلا بشراء بطاقات التعبئة، وبدت جيوبه منتفخة وهو يجتهد ويسارع بشراء هذه البطاقات التي تحمله على جناح من النشوة إلى قلب ألمانيا ... بل أن بعض الحكومات دعمت بطاقات التعبئة وأحيانا وزعتها بالمجان ، وهدأت أنفاسنا وانبطحنا على بطون خيبتنا نتفرج – نحن الذين شاخت أحلامنا في صدورنا – على عرس غيرنا ، وأقيمت الشاشات الكبرى في الساحات العامة والمقاهي الكبيرة وحتى في الأحياء الجامعية ليكون التخدير شاملا والغيبوبة تامة وعامة ، وأصبحنا نستفيق على براعة لاعب وسقطات آخر وننام على نكبة الألماني وبهجة الفرنسي حتى أطفالنا لبسوا زي العرس الكروي وتقمصوا مختلف الألوان الأوربية ... تفرجنا ... أيدنا هذا وانتصرنا لذاك ، أحببنا فريقا وتمنينا له التألق ، وكرهنا آخر ورغبنا له في الانحدار ...
تمدد على سذاجتنا شهر ، والمعلق الرياضي عصام ينقل لنا بصدق حرارة الملاعب ويجعلنا نهتز لكل قدم تقذف في وجوهنا كرة ... حرارة كانت تلامس حرارة أنفاسنا فنعتقد أننا نسبح في عالم من السحر والجمال لا نعتقد بعده شقاء ، وقد سمعت من أصدقائي المقربين من مختلف الدول العربية أن الأعلام الفرنسية والألمانية والبرازيلية وغيرها قد رفرفت على شرفات المنازل العربية ، فكل بيت يعيش على وقع منتخب مميز ، ولسوء حظنا الذي لم يبتسم زمنا طويلا – أن المنتخبات العربية والإفريقية خرجت مبكرا ليكون العرس بغير رائحة دمنا .

وانتهى المونديال ..وبكت فرنسا حسرة ، وبكت إيطاليا فرحا وبكينا ألما لأننا لم نذق طعم الفرح زمنا طويلا ...

انتهى مفعول مخدر المونديال ، وفتحنا أعيننا على فاجعة كبيرة ... أمريكا والخيانة يجهشان على العراق ويكتمان آخر أنفاسها لتتحول شوارعها إلى مقبرة كبيرة تلتهم المزيد من الأبرياء وتغتسل بالكثير من الدماء ... وإسرائيل تطلق نار الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني ، وتنفتح شهيتها على المزيد من الدماء فتتجه نحو لبنان لتروي تعطشها الدائم للإجرام ... انتهى بريق المونديال وحلت لعنة إسرائيل ، هذه أللعنة التي أصبحت تلازمنا كظلنا وتقتسم معنا الهواء والماء والرغيف وتزاحمنا في مضاجعنا ونحن نفسح لها الطريق في كل المرات حتى لا نصطدم بها ونظل على سلم ووفاق معها وهاهي اليوم لا ترضى بالقسمة التي سكتنا عنها جبنا ، وتعتزم رمينا وراء الحدود أو إبادتنا حتى لا نقتسم معها الرغيف والماء والهواء والمضجع .

إننا الآن نقف بألم من يذبح أخوه عند قدميه وهو يقف مكبل اليدين مفتوح العينين حتى تتضاعف معاناته ... لبنان يذبح من الوريد إلى الوريد ونحن هاهنا نأكل ونشرب ونتناسل ونغني على الفضائيات والمسارح وكأن الأمر مجرد دراما سينمائية نتأثر بها وقتا ثم نستريح من هذا الألم عند النهاية .

زكية علال


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى